ترجمة: ابراهيم قنبر
انتهت حرب أسعار الذهب الأسود الأخيرة بين المملكة العربية السعودية وروسيا باتفاقية خفض الإنتاج، كان ذلك تحت ضغطٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، هذه “الصفقة الكبرى” التي لم يسبق لها مثيل _كما قال عنها دونالد ترمب_ لن تُبدِّد عداء واشنطن تجاه منظمة البلدان المصَدِّرة للنفط (أوبك) التي تُعَدّ الرياض عمودها الفقري.
منذ عدّة عقودٍ وعلى فتراتٍ منتظمة، ضمّ الكونغرس داخله حملةً معاديةً لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، متّهمةً إياها بالحدّ من إنتاجها بهدف رفع أسعار برميل النفط الخام.
لذلك وبالنسبة للعديد من البرلمانيين وكذلك الشخصيات السياسية فإنّ هذا التجمع، الذي تمّ إنشاؤه في عام ١٩٦٠ بمبادرةٍ من المملكة العربية السعودية وإيران وفنزويلا، يُخالف قانون مكافحة الاحتكار، وعليه فمن الشائع أن ينتقص منتقدوها من أحرف اختصارها بالإنكليزية ( (OPECالتي تعني منظمة البلدان المصَدِّرة للنفط إلى (One Pure Evil Cartel) أي اتّحاد الشرّ الصافي.
في عام ٢٠١٨ عاد الجدل إلى الظّهور مجدّدًا في أروقة السلطة الأمريكية، وتحديدًا عند انتخابات منتصف المدّة، إذ اتّخذ السناتور الديمقراطي إدوارد ماركي، في ٢٣ أيار/مايو ٢٠١٨، الإجراء الأول من خلال شجب ارتفاع أسعار الذهب الأسود بنسبة ٢٥٪ مقارنةً بمستوياته في حزيران/يونيو ٢٠١٧، وكذلك وفي تقريرٍ برلماني قال عضو البرلمان عن ولاية ماساتشوستس عن هذا الوضع أنه “عبءٌ مُفرِط على العائلات الأمريكية”.
على هذا الأساس وبعد بضعة أسابيع، في صيف عام ٢٠١٨، أصدر أربعةٌ من أعضاء مجلس الشيوخ المؤثِّرين، جمهوريين وديمقراطيون، نصًّا يعارض أوبك (No Oil Producing and Cartels Act/Nopec Act) أي (حظر أيّ اتّحادٍ لمنتجي ومصدّري النفط).
تمّ طرح مثل هذه النصوص لأول مرة في حزيران/يونيو ٢٠٠٠، واعتُمِد على التوالي في علم ٢٠٠٧ من قبل مجلس الشيوخ، وفي عام ٢٠١٠ من قبل مجلس النواب الذي أضاف بندًا ينصّ على نشر جنودٍ في الشرق الأوسط، مهمتهم من بين مهامٍ أخرى “حماية منشئات النفط في المنطقة”.
في الماضي فشل كلّ هجومٍ لفرض هذا النص حيث كان يوقِف البيت الأبيض تنفيذه، الآن دونالد ترمب الذي شارك في نيسان/أبريل ٢٠٢٠ في حلّ أفضى لاتفاقٍ بين المملكة العربية السعودية وروسيا لإنهاء حرب الأسعار بينهما، فهل سيقلّد دونالد ترمب أسلافه جورج دبليو بوش وباراك أوباما؟ خاصّةً أنه لديه تاريخٌ طويلٌ من التغريدات الانتقامية ضدّ أوبك، التي تُتّهم بشكلٍ دوريّ برفع أسعار الغاز.
في عام ٢٠١١ وقبل أن يصبح رئيسًا بفترةٍ طويلة، هاجم ترمب المنظمة في كتابه (Time to get tough: making America great again/ حان وقت التشدّد: تكون أمريكا عظمى مرةً أخرى).
وأَعلن مرّةً أخرى في حزيران/يونيو ٢٠١٨ أنه “احتكارٌ غير قانوني، لا أحب الاحتكار” وفي أيلول/سبتمبر من نفس العام وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتّهم المنظمة “بالسخرية” من رؤساء العالم، واستأنف الخطاب المعتاد حول التلاعب بأسعار الذهب- النفط “نحن ندافع عن العديد من هذه الدول [أعضاء في أوبك] من أجل لا شيء، وهم يغتنمون بالمقابل الفرصة لفرض أسعار النفط علينا، هذا ليس جيدًا، نريدهم أن يتوقفوا عن رفع الأسعار”، ولكن بعد انتخابه تقلّصت الخطابات ضد أوبك لصالح هجماته المتكرّرة على إيران.
والآن ومع التوترات المنتظمة مع المملكة العربية السعودية، لا شيء يوحي أنه سيعارض إلى ما لا نهاية قانون Nopec إذا كان سيتم اعتماده بشكلٍ نهائي من قبل الكونغرس، ولكن هل التّهم الموجّهة ضد المنظمة لها أساسٌ تمّ البناء عليه؟
في عام ٢٠٢٠ تسيطر أوبك على حوالي ٤٠٪ من الإنتاج العالمي للمواد الخام حيث يكون الفارق بين العرض والاستهلاك بنسبة ١٪ إلى ٢٪، هذا الفارق كافٍ للتسبب في عدم استقرارٍ قوي في الأسعار، لذلك فإن أهمية المُنتِج تكمن في قدرته على تعديل إنتاجه بسرعةٍ حسب تغيّرات السوق وحالة الأسعار.
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، قامت شركة ستاندرد أوبل أوف روكفلرز _ وهي شركة احتكارية خاصة_ بالاشتراك مع وكالة إحدى الولايات الخمسين التابعة للاتّحاد (لجنة سكك حديد تكساس) بتنظيم السوق من خلال اللعب على توريد الخام.
لكن اليوم أصبح إنتاج الذهب الأسود عالميًا أي أوبك، وبالتحديد المملكة العربية السعودية ذات القدرة الإنتاجية القياسية التي تبلغ ١٠ مليون برميل يوميًّا، والتي يمكنها اتّخاذ مبادراتٍ من شأنها أن تؤثّر على الأسعار.
كان هذا هو الحال عندما قرّرت الرياض خفض الأسعار مع الإعلان عن زيادة الضخّ ابتداءً من نيسان/أبريل، هذه المبادرة المنفردة ساهمت في ٢١ نيسان/أبريل مع آثار وباء كوفيد-١٩ في انخفاض سعر البرميل (في آخر تبادلٍ في أبريل وصل السعر إلى -٣٧.٦٣ دولار في نيويورك).
مثالٌ آخر، خفض الإنتاج بمقدار ١.٨ مليون برميل في اليوم في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٦ تسبب في ارتفاع الأسعار بنسبة ٤٢٪ بين حزيران/يونيو ٢٠١٧ ونفس الشهر من ٢٠١٨، ولكن في ذلك الوقت وللوصول إلى انخفاض الإنتاج المستهدف، احتاجت الرياض إلى دعم عشرة منتِجين ليسوا أعضاء في المنظمة(أذربيجان والبحرين وبروناي وكازاخستان وماليزيا والمكسيك وعمان وروسيا والسودان وجنوب السودان) والمعروفين عادةً بالاختصار OPEP+ أو (مجموعة فيينا).
على الرغم من أن المملكة لديها احتياطاتٍ كبيرة، إلا أنها تعرف حدود نفوذها التي تجبرها على التنسيق مع المنتِجين من خارج أوبك، بما في ذلك روسيا والمكسيك، عندما يتعلق الأمر بدعم أسعار البرميل.
منذ حزيران/يونيو ٢٠١٤ حتى كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٦ حاولت الرياض منفردةً إغراق سوق النفط للقضاء على أكبر منافسيها: المنتِجون الأمريكيون الجُدد للغاز الصخري، ولكن دون جدوى، ثمّ أعادت السعودية المرّة في آذار/مارس ٢٠٢٠ مما أثار حربًا في الأسعار، لكن هذا الهجوم لم يدم طويلًا.
اليوم، تسيطر OPEP+ على 60٪ من الإنتاج العالمي، وهذا هو الوزن الذي تستند عليه حجج مؤيّدي نص قانون Nopec في نسخته لعام 2018.
نصّ هذا القانون يحاكي قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار لعام 1890 الذي أدّى، في عام 1911، إلى تفكيك ستاندرد أويل إلى عدة شركات (إكسون، موبيل، شيفرون، أمريكان، إيسو) وإلى مَنع شركات النفط الأمريكية من التدخل في عمل أسواق الذهب الأسود.
سلاح شيرمان ضدّ الاحتكار سلاحٌ قوي للغاية في وجه الصناديق الائتمانية والمنظمات النفطية، ولكنه في النهاية وبشكلٍ تدريجي أصبح غير صالح للتطبيق، ثمّ جاء مشروع قانون Nopec ليعيده إلى الحياة وإلى جدول الأعمال من خلال استهداف الشركات وليس الدول.
وكما ينص القانون، فإن هدفه هو تجريم “أفعال دولة أجنبية والتي، بمفردها أو بالاشتراك مع دول أخرى، تحدّ من الإنتاج أو التوزيع، أو تحافظ على الأسعار أو تقلّل من التجارة في النفط الخام أو الغاز الطبيعي أو المنتجات البترولية الأخرى بطريقةٍ تربك أسواقها وأسعارها”، وبالتالي فإن أعضاء منظمة أوبك الأربعة عشر والعشرة الآخرين المرتبطين بها منذ كانون الأول/ديسمبر 2016 هم المستهدفون بوضوح.
إذا اعتمد البرلمانيون الأمريكيون في دفاعهم لتبرير هذا النص على حُجّة معاناة المستهلك فستكون حُججهم متضاربة، هذا إن لم تتضح منها معاداتهم لبعض الدول.
فقد أصدر معهد البترول الأمريكي (API)، وهو اتّحاد قويّ يضمّ 625 شركة مرتبطة بجميع جوانب صناعة النفط والغاز، تحذيرًا قاسيًا لقادة مجلس النواب ولجان الشؤون القضائية بمجلس الشيوخ.
يؤكّد هذا التحذير على مخاطر قانون Nopec على المصالح الأمريكية “هذه الجهود التشريعية هي عملٌ سياسي يهدف إلى حرمان الدول الأجنبية من حصانتها من القوانين الأمريكية وفتح الفرصة لهم لاتخاذ تدابير متبادلة أو ما هو أسوأ، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على وجودنا في هذه البلدان على جميع المستويات، وربما يؤدي إلى عواقب كبيرة وغير متوقعة نظرًا لأهميتها الجيوسياسية ولضرورة الاستثمار الأمريكي فيها”.
ويختم الاتحاد تحذيره “يمكننا أن نفعل ذلك ونمنع رفع أسعار النفط بتطوير صناعة النفط الوطنية اعتمادًا على اتفاقية التجارة الحرة مع كندا -التي يتم ضخ نفطها الثقيل من ألبرتا إلى مصافي الولايات المتحدة- بذلك نصبح محميين ذاتيًّا وبشكل متزايد من أوبك”.
ماذا سيحدث إذا أقر الكونغرس قانون Nopec دون أن يستخدم الرئيس ترامب حق النقض عليه؟ قامت خدمة أبحاث الكونغرس (CRS)، وهي وكالة اتحادية ملحقة بالكونغرس ومسؤولة منذ عام ١٩١٤، بإبلاغ المشرعين عن التأثير المحتمل، والذي يتراوح من ضئيل إلى مدمّر، الافتراض الأول هو أن OPEP+ ستستمر في التأثير على سوق النفط، بذلك سيكون لوزارة العدل الأمريكية، المحصنة بموجب قانون Nopec، السلطة للمعاقبة على أي انتهاك مزعوم.
على الرغم من ذلك، قد تشعر الدول المنتجة أن أعدادها كبيرةً بما يكفي لثني واشنطن عن إقامة دعاوى قضائية ضد تخفيض صادراتها، من هنا وإذا ما تمّ التحقق من هذا السيناريو، تعتقد CRS أنه لن يتغير شيء في الأسواق وأن الإدارة الأمريكية ستقتصر على استخدام قانون Nopec كأداة دبلوماسية لمحاولة جعل المنتِجين يستمعون إلى العقل في حالة ارتفاعٍ حادّ في الأسعار.
في حالةٍ أخرى، قد يحقّق NOPEC أهدافه وسيتمّ القضاء على أيّ اتّحادٍ للمنتِجين، وأي عملٍ جماعيّ من قِبل OPEP+سيصبح مستحيلًا، لذلك وبعيدًا عن التفكير في تسوية هذه المشكلة، فإنّ ذلك من شأنه أن يضع حدًّا للانضباط الذي يراقبه هؤلاء المصدّرون الذين كان بإمكانهم الإنتاج بكامل طاقتهم سابقًا.
بعد ذلك كلّه ستختفي القدرة الإنتاجية غير المستخدمة التي تقدرها وكالة الطاقة الدولية حاليًّا بأكثر من ٢ مليون برميل، ٧١٪ منها من المملكة العربية السعودية وحدها، على هذا الأساس فمن المسلّم به أن ضخّ السوق بكمياتٍ إضافية سيؤدّي إلى انخفاض الأسعار، وعلى هذا تحذّر خدمة أبحاث الكونغرس (CRS) أن وضعًا كهذا سيتميز بتقلّبٍ غير مسبوقٍ في الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، ستتأثر المالية العامة لأعضاء OPEP+، بل سيتأثر كذلك استقرارهم السياسي مع انخفاض الأسعار، ممّا سيؤدي إلى تهديداتٍ ضد الموقف الجيوسياسي الأمريكي في مناطق معينة، مثل الشرق الأوسط.
وأخيرًا فإنّ اختفاء احتياطي ٢ مليون برميل، وهو صمّام أمانٍ حقيقي في مراحل الأزمة العالمية، سيشكل تهديدًا خطيرًا لأمن الإمدادات في الدول المستهلِكة.
كان يُعتقد لفترة طويلة أن قاطني البيت الأبيض سيعارضون دخول القوانين التي تضع أوبك في القائمة السوداء حيز التنفيذ، لكن أعضاء المنظمة الآن أقل اطمئنانًا، حيث أوضح الأمين العام للمنظمة محمد بيركيندو هذا علانيةً في 12 شباط/فبراير 2019 “أوبك ليست اتّحادًا، ولا تشارك في التسعير”.
وقد صدرت تعليمات للأعضاء الأربعة عشر بعدم التحدث علانيةً عن أسعار النفط الخام بل بدلًا من ذلك التحدث بما يساعد على الحفاظ على استقرار السوق.
المملكة العربية السعودية، المصدر الرئيسي للنفط الخام والحليف الأساسي للولايات المتحدة، تبقى في قلب المعركة، ببساطة لامتلاكها أكبر احتياطي عالمي من الخام.
تطمح المملكة إلى تنويع اقتصادها الذي يعتمد على الذهب الأسود، لذلك فهي توظّف العديد من البرامج الطموحة لإعادة هيكلة إنتاجها، لتمويل هذا الجهد الكبير، فإنّ المملكة تحتاج إلى الوصول إلى السوق الدولية لسندات الشركات وإلى بورصات الأسهم العالمية الكبرى.
إنّ العقوبات بموجب قانون NOPEC، أو حتى تهديد بسيط، سوف يَنظر إليها المجتمع المالي على أنها خطرٌ “كبير” وستغلِق الوصول إلى رأس المال الأجنبي في الرياض.
وفي نفس الوقت، فإن محاسبة المملكة بموجب هذا القانون سيعرّض تعاملها اليومي مع الجنود الأمريكيين ورجال الأعمال والخبراء للخطر.
في شباط/فبراير ٢٠١٩، وقّعت الرياض عقدًا بقيمة ٢٥٠ ألف دولار مع المحامي العام الأمريكي السابق تيد أولسون، الشريك في مكتب (جيبسون ودان وكراتشر)، هذا المحامي الشهير الذي رفض سابقًا الانضمام إلى الفريق القانوني للبيت الأبيض في عام ٢٠١٨، الذي كان يُفترض أن يقدم الاستشارة والمساعدة القانونية والإجرائية مع أعضاء من الكونغرس لتجميد تبني قانون NOPEC.
قبل بدء معركة الأسعار في آذار/مارس 2020، اتّصل السعوديون، مثل الأعضاء الآخرين في منظمة أوبك، بروسيا لإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهم وإنشاء مؤسسة مشتركة جديدة تتجاوز “إعلان التعاون” الذي تم تبنيه في كانون الأول/ديسمبر 2016. لكن ما حصل هو أن الكرملين رفض ذلك، لأن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك لم يكن ينوي تعريض بلاده للغضب الأمريكي.
منذ عام 2014، خضعت صناعة النفط الروسية بالفعل لـ “للعقوبات القطاعية” الواردة في قرار البيت الأبيض (الأمر التنفيذي 13662)، وكذلك لقانون دعم حرية أوكرانيا لعام 2014 والذي نصّ على حظر تمويل شركات النفط الروسية أو تقديم تقنيات “حساسة” لهم، وكذلك منع المشاركة في مشاريعٍ معينة (الصخر الزيتيأو الاستثمار في أعماق البحار) أو التدخل في مناطق القطب الشمالي.
بعد كلّ هذا، هل سيطلق دونالد ترامب عملياتٍ انتقامية ضدّ أوبك على المدى الطويل؟ يدفعه إلى ذلك ضرورة إجبار الرياض وموسكو على الاتفاق على خفض إنتاجهما، وكذلك العواقب السلبية لانخفاض الأسعار على المنتجين الأمريكيين.
لقد أجبرت أحداث آذار/مارس ونيسان/أبريل 2020 الرئيس الأمريكي على أن يكون عمليًّا من خلال المشاركة في المفاوضات بين الرياض وموسكو، ومع ذلك لا شيء يقول أن قانون NOPEC لن يظهر مرةً أخرى على المدى القصير أو المتوسط في النقاش الأمريكي.
جان بيير سيريني، صحافي، صحيفة لوموند ديبلوماتيك حزيران/يونيو ٢٠٢٠
رابط المصدر: