وافقت أوبك بلس خلال اجتماعها الأحد 2 يونيو 2024، على تمديد سياسة تخفيضات إنتاج النفط الخام الحالية لتستمر في 2024 على أن تبدأ في التراجع عنها تدريجيًا في 2025، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه المجموعة إلى دعم السوق وسط فتور النمو في الطلب العالمي على النفط الخام، وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الإنتاج الأمريكي.
وعليه يبلغ إجمالي تخفيضات أعضاء أوبك بلس حاليًا حوالي 5.86 ملايين برميل يوميًا، وهو ما يوازي نحو 5.7% من الطلب العالمي، وتشمل التخفيضات مليوني برميل يوميًا من كل الدول الأعضاء في أوبك بلس والجولة الأولى من الخفض الطوعي من تسع دول أعضاء بمقدار 1.66 مليون برميل يوميًا والجولة الثانية من الخفض الطوعي من ثماني دول أعضاء بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، ويمكن تلخيص قرارات التحالف النفطي اليوم في النقاط التالية:
- مد الجولة الأولى من التخفيضات لنهاية 2025 بدلًا من نهاية 2024.
- وافقت المجموعة كذلك على تمديد الجولة الثالثة من التخفيضات الطوعية حتى الربع الثالث من 2024، وستُعاد كميات 2.2 مليون برميل يوميًا بالتدريج على أساس شهري من أكتوبر 2024 وحتى نهاية سبتمبر 2025، ويمكن إيقاف هذه الزيادة الشهرية، أو عكسها، وفقًا لمستجدات السوق.
- تمديد تخفيضات إنتاج النفط الخام الكلية والتي تبلغ حوالي 2 مليون برميل يوميًا حتى نهاية 2025، مع تمديد مدة التقييم من قبل المصادر الـ 3 المستقلة حتى نهاية نوفمبر 2025، لاستعمالها دليلًا إرشاديًا لمستويات الإنتاج المرجعية لعام 2026.
خلاف الحصص الإنتاجية:
طوال السنوات القليلة الماضية، كانت أوبك تتصارع حول مستوى إنتاج كل دولة تزعم قدرتها على الإنتاج، حيث إنه كلما زادت القدرة على الإنتاج من النفط الخام، زادت حصة الإنتاج الخاصة لكل دولة. في العام الماضي، قامت أوبك بلس بإعادة ضبط بعض الحصص الإنتاجية؛ مما منح الإمارات العربية المتحدة، ثالث أكبر منتج للنفط الخام في أوبك بلس، حصة أعلى بينما قلصت من حصة أنجولا، حيث أدى التعديل في الحصص في النهاية إلى انسحاب أنجولا من أوبك في نهاية العام الماضي 2023.
وعليه أصبحت النقاشات الداخلية حول قدرة بعض المنتجين على ضخ المزيد من النفط -وبالتالي قد يحق لهم حصص أعلى- مشحونة بالحرارة دائمًا. وبالتالي هذه الخلافات أساءت إلى صورة أوبك، وذلك لأن مسألة تحديد الحصص قضية داخلية في المنظمة ويتحتم بحثها عاجلًا أم آجلًا. ولكن تم إرجاء دراسة حصص المجموعة ككل حتى نهاية العام 2025؛ مما يزيل التوترات المحتملة بشكل مؤقت. كما وافق المشاركون على منح دولة الإمارات العربية المتحدة مستوى إنتاج مرجعي جديد، وهو 3.51 ملايين برميل يوميًا في العام المقبل، على أن تكون هذه الزيادة بشكل تدريجي بداية من يناير حتى سبتمبر 2025.
وبالتالي يمكن القول إن زيادة حصة الإمارات تمكنها من الإبقاء ظاهريًا على الاقتطاعات مع زيادة إنتاجها، لكن بحلول عام 2025 سيواجه التحالف النفطي تحديًا كبيرًا يكمن في التخلي عن الاقتطاعات من دون إغراق السوق بالمعروض، وتراجع الأسعار بصورة قد تكون تحت مستوى الأمان النفطي للتحالف وهو 78 دولار للبرميل النفطي الواحد.
أسعار النفط الخام الحالية قريبة من مستويات المنطقة الآمنة لكل من منتجي ومستهلكي النفط الخام، فلماذا إحداث تغيير دراماتيكي؟
الأسعار وسياسة العرض والطلب:
شهدت أسعار النفط العالمية خلال السنوات الماضية تغيرات قوية وبالأخص منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث حققت مكاسب كبيرة لم تحدث منذ أكثر من حوالي 15 عامًا، لتعوض بذلك الدول المصدرة للنفط الخسائر التي تكبدتها بسبب جائحة كورونا منذ بداية عام 2020، وذلك منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حيث قفزت أسعار النفط لتصل إلى أكثر من 137 دولارًا للبرميل لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق (قبل الانخفاض إلى حوالي 80 دولارًا للبرميل النفطي الواحد)، وجاءت الحرب على غزة لتُسهم في ضبابية المشهد العالمي لأسواق النفط الخام وحالات التذبذب الحادة في حركة الأسعار (لكنها تراوحت حول مستويات 78-85 دولارًا للبرميل النفطي الواحد).
وعليه كان اجتماع أوبك بلس هذه المرة سهلًا لأن الخلفية الكلية الحالية تستدعي بالضرورة تمديد تخفيضات مستويات الإنتاج، حيث إنه مع ارتفاع أسعار النفط في الوقت الحالي (لا تزال أقل عن مستوى 100 دولارًا للبرميل النفطي)، حيث تتزايد الضغوط السياسية على أوبك عندما تتجاوز الأسعار مستوى 100 دولار للبرميل النفطي الواحد.
وعليه يمكن القول إنه مع كل تلك التقلبات الحادة، تدخل تحالف أوبك بلس لخلق حالة من التوازن بين المعروض والطلب، حيث بدأ في زيادة تدريجية في الإنتاج منذ مارس 2022، ثم قرر بنهاية نوفمبر 2022، خفض معدلات الإنتاج بحوالي 2 مليون برميل من النفط الخام، وذلك بهدف الحفاظ على استقرار أسعار الخام، كما هو موضح في الشكل التالي، وذلك بسبب حالة عدم اليقين التي شهدتها الأسواق، (سبب القرار في ذلك الوقت هو انخفاض أسعار النفط الخام بعد مرور نحو 6 أشهر فقط من الحرب الروسية الأوكرانية لتصل إلى مستويات حوالي 95 دولارًا للبرميل، وتواصل التراجع لتصل إلى مستوى حوالي 86 دولارًا لخام برنت).
ومن المتوقع، أن أسعار النفط الخام ستظل في النطاق الحالي حتى نهاية العام الجاري 2024، حيث إن المخاطر الاتجاهية المختلفة لأسعار النفط الخام (الناجمة عن الحركة في أسعار الأسهم والفائدة) في وقت لاحق من العام الجاري، تُعد أعلى بسبب مخاطر الاضطرابات الجيوسياسية والصراعات الحالية والأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تُعد لاعبًا أساسيًا ومهمًا في تحديد ملامح السوق النفطي العالمي. ولكن لا يزال من غير الممكن التنبؤ باتجاه الحرب على غزة، وقد يؤدي اندلاع حرب إقليمية إلى تعطيل الإمدادات من الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط نحو 90 دولارًا.
إجمالًا لما سبق، انخفض إنتاج تحالف أوبك بلس من النفط الخام بنحو 246 ألف برميل يوميًا في أبريل 2024، ليسجل حوالي 41.020 مليون برميل يوميًا، مقابل حوالي 41.266 مليونًا. وتُعد هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها أوبك إجمالي إنتاج التحالف في تقاريرها الشهرية، تحت مسمى ميثاق التعاون المشترك. كما انخفض إنتاج أوبك النفطي (12 دولة) بنحو 48 ألف برميل يوميًا، ليصل إلى 26.575 مليون برميل يوميًا خلال شهر أبريل الماضي، (جاء الجانب الأكبر من الخفض من روسيا، والتي أعلنت التزامها بتعميق خفض الإنتاج، بالإضافة إلى الاضطرابات التي واجهتها والمتعلقة بهجمات أوكرانية ضد منشآت للطاقة)، كما هو موضح في الشكل التالي.
استكمالًا لما سبق، من المؤكد أن هناك رغبة محدودة في دفع أسعار النفط الخام إلى مستويات الارتفاعات الكبيرة، وذلك بالنظر إلى أساسيات العرض والطلب على النفط، حيث إن أي تحول كبير في الأسعار سيؤدي على الأرجح إلى بدء التحالف في التراجع عن التخفيضات المقررة.
وبالنظر إلى الأسعار الحالية نجد أنها منخفضة للغاية، وذلك بالنظر إلى الضغوط الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية أو حالات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط (الدول العربية تمتلك نسبة حوالي 54.3% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط الخام، وتستحوذ على حوالي 29.3% من الإنتاج العالمي للنفط، كما تستأثر بحصة حوالي 30.2% من إجمالي الصادرات النفطية العالمية)، وعليه ستكون الأسعار -في الوضع الطبيعي- أعلى بمقدار حوالي 15 دولارات للبرميل النفطي الواحد عما هو عليه الحال الآن، (تاريخيًا، الأسعار النفطية شديدة التأثر بالصراعات والاضطرابات الجيوسياسية).
كما يوضح الشكل التالي مستويات نمو الطلب المتوقعة للدول المستهلكة للنفط الخام، حيث تأتي الصين في المقدمة بحوالي 0.71 مليون برميل يوميًا من النفط الخام (نمو على أساس يومي).
النطاق السعري المستهدف للتحالف:
بشكل عام، من المعتاد أن يحرص البعض على رفع الأسعار النفطية (الدول الكبرى المنتجة للنفط الخام)، لكن دول أوبك لم تفضل تاريخيًا أوقاتًا طويلة من الأسعار المرتفعة، لأنها تدرك أن ذلك لن يؤدي إلا إلى خفض الطلب على نفطها، ويضرها على المدى الطويل. وعليه اتبع تحالف أوبك بلس سياسة إبقاء ملايين براميل النفط تحت الأرض، وذلك لتجنب إغراق الأسواق بالنفط الخام التي لم تكن قادرة على امتصاصه بسبب انهيار الطلب العالمي على النفط الخام، وذلك منذ مايو من عام 2020، (لا يستهدف تحالف أوبك بلس الأسعار على أساس سنوي، وإنما يهدف إلى منع التقلبات الكبيرة في المخزونات النفطية).
إجمالًا لما سبق، نجد أن النطاق السعري 78 إلى 85 دولارًا قد يكون السعر الأنسب للمنتجين وحتى المستهلكين، ولكن تخطي سعر 90 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، قد يشجع الإنتاج خارج أوبك بلس (أمر غير مرغوب فيه لدى دول التحالف النفطي)، في حين أن الأسعار تحت 78 دولارًا لا تخدم كثيرًا أوبك بلس اقتصاديًا، لأنها لا تخدم معادلة السعر مع الكمية مقارنةً بما تخفض يوميًا، كما يوضح الشكل التالي حركة أسعار نفط سلة برنت خلال السنوات الماضية والنطاق السعري لدول أوبك.
حتى الآن لا تُشكل الأسعار الحالية مشكلة بالنسبة إلى الدول المنتجة الكبرى في التحالف وهما المملكة العربية السعودية والإمارات. حيث إن الأسواق العالمية لا تزال مفتوحة للغاية للاستثمار داخل السعودية والإمارات وغيرهما من الدول. وبالنسبة إلى اللاعبين الآخرين في التحالف النفطي أوبك بلس، مثل إيران والعراق ونيجيريا، فإن الوضع أكثر إلحاحًا، ولكنها غير قادرة فعليًا على زيادة الإنتاج بصورة كبيرة أو الوصول إلى الأسواق وذلك نظرًا لضعف البنية التحتية مع عدم توفر القدرة الإنتاجية.
وبالنظر إلى موسكو، بالرغم إن العقوبات لا تزال قائمة، فإن الدولة النفطية المهمة في تحالف أوبك بلس لم تتعرض لضربة قوية بعد، حيث إن مستويات الأسعار الحالية جذابة للغاية، ما دام المستهلكون الآسيويون (بالأخص الصين) يأخذون جزءًا من الحصة النفطية للتحالف. ولكن إذا تغيرت هذه العوامل، أو استمر تعرض عمليات التنقيب والإنتاج والتكرير في روسيا لضربات أوكرانية محتملة والعقوبات الأخرى، فستكون هناك ضغوط كبيرة متزايدة لارتفاع الأسعار النفطية بشكل كبير وحاد.
مما سبق، يظل مسئولو التحالف النفطي أوبك بلس متفائلين فيما يتعلق بشأن الطلب الصيني على النفط الخام وأجزاء أخرى من القارة الآسيوية، حيث يتجه استهلاك النفط الخام في الصين للارتفاع بنحو حوالي 520 آلاف برميل يوميًا هذا العام، وهو ما يعادل نصف الإجمالي العالمي، ليصل إلى حوالي 17 مليون برميل يوميًا، ثم يشهد زيادة أخرى بحلول عام 2025 (مؤشر إيجابي)، كما هو موضح في الشكل التالي.
خلاصة القول، دول التحالف النفطي أوبك بلس غير مسئولة عن حالات التذبذب الواضح في مستويات الأسعار الحالية، وإنما هناك العديد من الأسباب والتي أدت بشكل رئيس إلى زيادة أسعار الطاقة العالمية ويأتي في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى تزايد تداعيات الحرب على غزة، حيث ستبقى أسواق النفط العالمية مهددة بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية حتى الوصول إلى حالة الاستقرار في مناطق المنابع النفطية الحيوية. وبالرغم من التوقعات التي كانت تشير إلى تمديد السياسة النفطية المتبعة لتحالف أوبك بلس، إلا أن الأسواق النفطية العالمية اعتادت على تدخل تحالف أوبك بلس كمنتج مرجح يحافظ على توازن الأسعار إذا ما تراجعت إلى ما دون المعدلات التوازنية لوقت طويل.
المصدر : https://ecss.com.eg/46285/