أوكرانيا بين خطط بوتين واقتصاديات ترامب

وصل الرئيس الأمريكي ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية في 20 يناير 2025، وهو يحمل على كاهله عبء إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأكبر عالميًا، تجاه أهم أزمتين متفجرتين آنيتين عُرِفَتا بالأزمة الأوكرانية، وجوهرها الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك أزمة الشرق الأوسط، وجوهرها الحرب الإسرائيلية الهمجية على دول جوارها المباشرة العربية، بذريعة هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

سوف نركز على الأزمة الأوكرانية من وجهة نظر وتفاعل الجهات الفاعلة الأساسية فيها؛ حيث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أزمة ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في مارس 2014، ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي تولى ولايته الأولى في يناير 2017 مع تداعيات احتلال روسيا للقرم. وها هو يبدأ ولايته الثانية مع المنعطف الأخير للأزمة الأوكرانية التي بدأتها روسيا بالحرب على أوكرانيا في فبراير 2022 واحتلال معظم شرق أوكرانيا، مع محاولة أخيرة لتحرير باقي إقليم كورسك الروسي المحتل في غرب روسيا بواسطة القوات الأوكرانية، تزامنًا مع ما قاله ترامب قبل تنصيبه الأخير: «إنه يستطيع حل تلك الأزمة وإيقاف الحرب خلال 24 ساعة»، وبعد أشهر من تلك المقولة، لا تزال الأطراف تتحسس بدايات الحلول السياسية المتعثرة.

ويلاحظ أن كلتا الحربين بدأهما بوتين في ظل رئاسة أمريكية ديمقراطية؛ حيث الرئيس أوباما (2013–2016) وكذلك الرئيس بايدن (2021–2024). وقد استغرقت الحربان ثلاثة أرباع مدة الرئيسين الأمريكيين اللذين أنهيا حربهما وانسحابهما من العراق ثم أفغانستان، بشكل مؤسف للعسكرية والإدارة الأمريكية. وفي المقابل، أدير بوتين أزمتي ضم القرم والحرب على أوكرانيا بأسلوب القيادة شبه المنفردة، بالتناوب مع ظله ميدفيديف وتحت مظلة الاستخبارات السوفيتية/الروسية الموروثة من الكي جي بي.

كما نلاحظ التعارض أو عدم الاتساق الأمريكي بين المصالح الوطنية العليا من جهة، وبين المصالح الرئاسية أو الحزبية من جهة أخرى. فقد جاء ترامب في المرة الأولى في أعقاب اقتطاع وضم القرم، لكنه لم يُبدِ ردود فعل مضادة؛ خاصةً وأن أوكرانيا كانت تُعتبر القوة العسكرية الثانية بعد روسيا في الاتحاد السوفيتي، وثاني أقوى قوة نووية بالاشتراك مع كازاخستان، وأهم قوة وموانئ بحرية لاسطول البحر الأسود في أوديسا وسيفاستوبول، بل بدت علاقته ببوتين شبه دافئة خلال وبعد الانتخابات الأمريكية التي أتت بترامب.

ولكن الموقف كان أكثر من مجرد عدم اتساق بين المصالح العليا الأمريكية والمصالح الرئاسية والحزبية الضيقة للرئيس ترامب، عندما عاد ثانية إلى البيت الأبيض، خاصةً وأن روسيا هي التي بدأت الحرب وسيطرت على أربع مقاطعات أخرى – بالإضافة إلى القرم –، واستنفرت أوروبا وحلف الأطلسي (الناتو) ضد التهديد الروسي. وأعلن الحلف ووزير دفاع الولايات المتحدة (لويد أوستين) من كييف تحت النيران: «إننا سنستمر في دعم أوكرانيا عسكريًا وبأسلحة نوعية برية وجوية، وإن استمرار الحرب سوف يضعف روسيا عسكريًا واقتصاديًا»، وتبع ذلك انضمام دولتين، فنلندا والسويد، إلى الناتو، ليتحول بحر البلطيق إلى شبه بحيرة أطلسية تُنكشف الحدود الروسية المباشرة مع الحلف بحوالي 800 كم إضافية، فيما تبقى حدود بيلاروسيا في كنف روسيا الاتحادية.

بلغ عدم اتساق ترامب تجاه الأزمة الأوكرانية وتجاه الإدارة الأمريكية السابقة والرئيس السابق جو بايدن مداه، بل تجاوزه النقد إلى إجراءات تضر ثم تضعف الموقف الأوكراني المدعوم من الناتو، وتضر بمعادلة التوازن الاستراتيجي – خاصة العسكرية – بين روسيا والناتو لصالح روسيا؛ الأمر الذي سيكون بالتتابع غير صالح لأوكرانيا والناتو من خلال ثلاثة محددات:

الأول: اللقاء العاصف بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني في البيت الأبيض، والذي جاء مخالفًا للبروتوكول والأعراف الدبلوماسية مع تباعد وجهات النظر؛ حيث ركّز زيلينسكي على ضمانات الأمن الأوكراني، بينما ركّز ترامب في مقابل الدعم الأمريكي لأوكرانيا على المعادن النادرة الأوكرانية.

الثاني: تهديد ترامب بإيقاف الدعم العسكري والاستخباراتي لأوكرانيا، وهو ما أضر بأوكرانيا ميدانيًا ومعلوماتيًا، وتضاعف الضرر بتحجيم حلف الناتو في مواجهة روسيا.

أما المحدد الثالث فقد ترتب على سابقه، حيث استفاد بوتين من توقف ضغط الناتو الداعم لأوكرانيا، وحشد قوات شيشانية وكورية شمالية ليشكل احتياطًا استراتيجيًا جديدًا بديلاً لما فقده في توسيع جبهات القتال، ليشرع في عملية نوعية خاصة ضمت 600 مقاتل عبر أنبوب الغاز المهجور في (سودجا-1.4 م لمسافة 15 كم) وتحقيق مفاجأة تكتيكية خلف القوات الأوكرانية المتغلغلة داخل جيب كورسك الروسي؛ وهو ما ينذر بمحاصرتها وتصفيتها، لتفقد أوكرانيا ورقة الضغط الوحيدة المزمعة في مفاوضات الأرض مقابل الأرض.

وتزامن كل ذلك مع القرارات الجمركية لترامب التي طالت أوروبا المتململة، وبالتالي دول حلف الأطلسي، لتكون الخسارة الأوكرانية مضاعفة.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M