أوكرانيا تستنزف أسلحة الاتحاد الأوروبي وخطط “مشتركة” لإعادة تسليحها

مي صلاح

 

بهدف وضع استراتيجيات أعمق حول كيفية حماية أوروبا من روسيا بعد عام من الحرب، وافق الاتحاد الأوروبي على تسهيل الشراء المشترك للذخيرة من أجل أوكرانيا، وذلك عقب اجتماع غير رسمي لقادة الدفاع الأوروبيين في ستوكهولم، حذرت قبله كييف بأنها بحاجة إلى 250 ألف قذيفة مدفعية شهريًا لمواصلة جهودها الحربية. ولكن حتى الآن، لا يزال يتعين على الدول الأعضاء العمل على كيفية تحويل الخطة إلى واقع، في ظل احتمالات استمرار الصراع الأوكراني لأجل غير معلوم وسط انعدام أي فرص للسلام القريب.

اجتماع غير رسمي حول خطة الشراء المشترك للذخيرة الأوكرانية

European External Action Service presents Cultural Routes of the Council of  Europe in South East Europe - Cultural Routes

اجتمع وزراء الدفاع الأوروبيين في ستوكهولم يوم 8 مارس؛ لمناقشة خطط المشتريات المشتركة للأسلحة لتعزيز شحنات الذخيرة إلى أوكرانيا، وتجديد المخزونات المحلية المستنفذة للمرة الأولى، وذلك بحضور وزير الدفاع الأوكراني “أوليكسي ريزنيكوف” الذي قام بإطلاع بقية الوزراء على الوضع العسكري داخل الأراضي الأوكرانية، مشيرًا إلى الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا، خاصة في ظل تأزم الوضع داخل أرض المعركة ولا سيما في “باخموت”، مطالبًا بدعم خطة إستونيا لحث دول الاتحاد الأوروبي للتعاون في شراء مليون قذيفة “هاوتزر” عيار 155 ملم هذا العام بتكلفة 4 مليارات يورو (4.22 مليار دولار)، أي بما يقدر ما بين 90 إلى 100 ألف طلقة مدفعية شهريًا، بالإضافة إلى المزيد من عربات المشاة القتالية بما في ذلك الدبابات وغيرها من المعدات الثقيلة، مما سيسمح لأوكرانيا بإنشاء “قبضة فولاذية” والاستعداد للهجوم المضاد.

روسيا وأوكرانيا: زيرنيكوف يحذر من هجوم روسي بنصف مليون جندي نهاية الشهر -  BBC News عربي

كما تمت الإشارة إلى المجهودات التي قامت بها بعثة المساعدة العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي “EUMAM”، فقد قامت بتدريب أكثر من 100 ألف جندي أوكراني، ومن المتوقع أن يصل عدد المتدربين إلى 30 ألف جندي، وسط ترحيب وإشادة من الدول الأعضاء للنتائج التي حققتها هذه المهمة التدريبية، والتي ستكثف من مجهوداتها بوصول الدبابات القتالية إلى أوكرانيا.

وأكد القادة ممن حضروا الاجتماع أن أوكرانيا تخوض حرب استنزاف، فهي تقوم بحرق القذائف بشكل أسرع مما يستطيع حلفاؤها مجاراته، مما أدى إلى تجدد البحث عن الذخيرة وطرق تكثيف الإنتاج. ولكي تضمن أوروبا فوز أوكرانيا، عليها أن تكسب هذا الحرب، ولن يحدث ذلك إلا باستمرار دعم أوروبا لأوكرانيا عسكريًا، في إشارة إلى أهمية إيصال الإمدادات والوقود إلى الخطوط الأمامية، وتحديد موقف الدول الأعضاء من إرسال ذخيرة المدفعية بشكل أسرع.

ولإنجاز المهمة بشكل أسرع، اقترح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيب بوريل” نهجًا يقوم على ثلاثة مسارات متكاملة تسير في اتجاه واحد بالتوازي لإرسال المزيد من قذائف المدفعية إلى كييف، وتقليل مخاطر استنفاد الذخيرة من الدول الأعضاء، وهذه المسارات هي:

أولًا: الحاجة إلى حزمة دعم جديدة من خلال صندوق السلام الأوروبي “EPF”، وهي أداة مالية مشتركة خارج الميزانية الرسمية تغطي جميع أعمال المجلس الأوروبي الخارجية التي لها آثار عسكرية أو دفاعية بموجب السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وذلك بقيمة مليار يورو، وهي نصف الكمية التي تعهد بإضافتها الدول الأعضاء هذا العام، وذلك لسداد تكاليف التسليم الفوري للذخيرة التي يجب أن تأتي من المخزونات الوطنية المتبقية من الدول الأعضاء، سواء كانت طلبات موجود بالفعل أو معلقة، لأي نوع كانت هذه الذخيرة، معيار الناتو أو المعيار السوفيتي؛ 155 ملم أو 152 ملم. ومنذ اندلاع الحرب وحتى الآن، خصص الصندوق بالفعل 3.6 مليارات يورو لتسليح أوكرانيا، وتم إضافة ملياري يورو عام 2023 من قبل الأعضاء.

ثانيا: الحاجة إلى طلب “مشترك” لشراء ذخيرة عيار 155 ملم مرة أخرى من خلال وكالة الدفاع الأوروبية، ويأتي هذا المسار من منطلق التعامل مع الصناعة بمجموعة شاملة من الطلب، وإضافة مطالب الدول الأعضاء لإعادة ملء مخزونها، وأيضًا تقديم المزيد لأوكرانيا. وستكون وكالة الدفاع الأوروبية(EDA)، التي تم إنشاؤها بموجب معاهدة لشبونة وتضم جميع أعضاء الاتحاد الأوربي تقريبًا، المسؤولة عن المشتريات المشتركة؛ إذ أنها يمكن أن تستخدم إجراءات المسار السريع للقيام بذلك بشكل أسرع، على أن يتم وضع مليار يورو أخرى لهذا المسار، بعقود تمتد لمدة سبع سنوات. ولكن حتى الآن، لم يتحدد بعد عدد القذائف التي يجب أن تطلبها الكتلة بشكل مشترك، أو التكلفة المتوقعة، أو متى ستكون متاحة.

ثالثًا: الحاجة إلى زيادة قدرة صناعة الدفاع الأوروبية لتلبية الطلب الهائل لجيوش الكتلة الأوروبية على المدى الطويل، وسيضمن هذا المسار أنه عند توفر الجيوش الأوروبية جزءًا من مخزونها لأوكرانيا، ستكون قادرة على إعادة ملء هذه المخزونات مرة أخرى، بفضل قدرة أكبر وأقوى لصناعة الدفاع لديها، وكلما زاد تماسك الركائز الثلاث قل خطر حرمان دولة عضو من مخزونها من الذخيرة لأنها ستكون على يقين بأن الشركات المصنعة الأوربية ستكون قادرة على إعادة تعبئة المخزون من خلال زيادة الإنتاج.

وتعد خطة بوريل السابقة أصغر حجمًا عما طالب به وزير الدفاع الأوكراني، لكنها في جميع الأحوال ستظل خطوة بارزة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، حيث كانت المشتريات الدفاعية إلى حد كبير حكرًا على الحكومات الأعضاء في الكتلة.

ومن شأن الاجتماع الذي سيعقد مع وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي في 20 مارس الجاري أن يسفر عن قرار سياسي ملموس ورسمي بشأن الخطة، قبل ثلاثة أيام من اجتماع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية لعقد قمتهم الخاصة. ولكن إذا تم الاتفاق على المضي قدمًا في خطة الشراء المشترك، سيحدد ذلك مستوى انخراط الدول الأعضاء في خطة التسليح، ليس فقط لأوكرانيا ولكن للصراعات الأخرى في العالم.

وبمجرد الموافقة على خطة الشراء المشترك، سيتعين على الدول الأعضاء الراغبة في المشاركة، بعد إقرار المبلغ الإجمالي، أن تتفاوض مع 15 شركة أوروبية قادرة على إنتاج هذا النوع من الذخائر، من أجل تحديد سعر ووقت للتسليم وفقًا للمبلغ الذي تم تجميعه، وبمجرد الاتفاق، سيتم البدء في الإنتاج بشكل فوري.

ويرى مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنه إذا وضع الاتحاد طلبية كبيرة نيابة عن الحكومات الأعضاء، فسوف يحصلون على سعر أفضل، وتسليم أسرع، ما سيمنح شركات الأسلحة حافزًا قويًا للاستثمار في زيادة السعة. ولكن حتى الآن، تبقى هناك معضلة تدور حول كيفية التمويل، ومن المسؤول عن تولي زمام المبادرة في إبرام الصفقات مع شركات الأسلحة، وتحديد مدى قدرة صناعة الدفاع الأوروبية على توفير عدد القذائف التي تحتاجها أوكرانيا، وهل سيضطر الاتحاد الأوروبي إلى توسيع عملية الشراء من خارج الكتلة، وهل الأولوية هنا هي السرعة في الإمداد أم يجب أن تكون تعزيز صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي؟

التمويل والتنفيذ الأوروبي للمساعدات العسكرية

يتوق المسؤولون إلى إيجاد خطة لإعادة ملء المخزونات العسكرية المتضائلة في أوروبا على المدى الطويل، مع ضمان قدرتها على تزويد أوكرانيا بسرعة بالذخيرة لمحاربة روسيا على المدى القصير. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فهو يحتاج إلى خطة تمويلية محكمة لضمان تنفيذها على أكمل وجه، وبالسرعة المطلوبة. ولكن لم يتضح بعد من أين ستأتي الأموال لهذا الغرض. ويجادل قادة الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال التي يتم تخصيصها بالفعل للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويبدو أن قضية التمويل ستكون قضية خلافية بين قادة الاتحاد الأوروبي.

ولهذا، ألمح “تييري بريتون”، مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إلى استعداد المفوضية الأوروبية لوضع الأموال من ميزانيتها الخاصة لتسريع عملية تكثيف صناعة الدفاع، هذا بالإضافة إلى “بنك الاستثمار الأوروبي”، المؤسسة التي تتخذ من لوكسمبورج مقرًا لها، والتي تعد فعليًا الذراع الإقراضية للاتحاد الأوروبي، وستكون البداية من مسألة الذخيرة.

وبالنظر إلى مصدري التمويل المتاحين أمام الاتحاد الأوروبي بجانب صندوق السلام الأوروبي المتعهد بتغطية 90% من التكاليف، نجد أننا أمام برنامج “تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من خلال قانون المشتريات المشتركة EDIRPA”، وهو برنامج تم إطلاقه العام الماضي في فرساي بفرنسا، يشجع الاستثمارات الدفاعية المحلية من الشركات المصنعة الأوروبية، ويحتوي صندوقه فقط على 500 مليون يورو، لكن “بريتون” يجادل بأن زيادة المساهمات بالبرنامج من شأنه تحويل المبادرة إلى “خط أمامي” يجعل الشركات المصنعة في أوروبا تفي باحتياجات الإنتاج خلال الحرب.

أما المصدر الثاني هو “بنك الاستثمار الأوروبي EIB”، ولكنه حاليًا يُحظر عليه الاستثمار في الأنشطة الدفاعية الأساسية أو الأصول التي تشمل الذخيرة والأسلحة الأخرى، على الرغم من أن البنك قد تبنى استراتيجية جديدة لدعم تقنيات الأمن والدفاع ذات الاستخدام المزدوج العام الماضي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولهذا، سيحتاج مساهمو البنك إلى الموافقة على أي قرارات تمويل بخصوص الذخيرة.

لطالما سعى “بريتون” وروج لفكرة “الحكم الذاتي الاستراتيجي” التي تدور حول جعل أوروبا أكثر اكتفاءً ذاتيًا في الأمور العسكرية والاقتصادية. وقد دأب المفوض الفرنسي على التبشير بشأن الحاجة إلى استراتيجية جماعية للاتحاد الأوروبي بشأن الإنتاج الدفاعي منذ فترة طويلة قبل الحرب الروسية في أوكرانيا.

في غضون ذلك، تدرس المفوضية الأوروبية أيضًا الهيئات التي يمكن استخدامها لتنسيق جهود المشتريات المشتركة للاتحاد الأوروبي، فنحن أمام خياران مطروحان على طاولة المفوضية وهما:

وكالة الدفاع الأوروبية “EDA”: وهي هيئة حكومية دولية تسهل التكامل الدفاعي بين الدول الأعضاء البالغ عددها 26 دولة باستثناء الدنمارك، وستكون مهمتها هي التفاوض على العقود وتنسيق الجهود، فهذه الوكالة كانت بالفعل مكلفة بالفعل بشراء الذخيرة المشتركة بعد أيام من بدء الحرب. لكن بعض دول الاتحاد الأوروبي تخشى أن تخاطر برؤية العملية تتورط في “البيروقراطية”، وأنه يجب على الدول ذات الخبرة الأكبر أن تأخذ زمام المبادرة.

منظمة التعاون للتسليح المشترك “ OCCAR”: والمتخصصة في برامج الأسلحة التعاونية، وتضم العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى المملكة المتحدة غير العضو في الاتحاد.

ردود أفعال الدول الغربية على خطة الشراء المشترك

رحب عدد كبير من دول الكتلة الأوروبية بالاتفاق، وأكدت 25 دولة مشاركتها بالفعل، بينما أشار عدد آخر إلى عدم المشاركة في أي خطط للاتحاد الأوروبي لشراء الذخيرة والأسلحة بشكل مشترك، بما في ذلك أعضاء من خارج الناتو مثل أيرلندا والنمسا، بالإضافة إلى المجر المترددة بالأصل في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا.

ولهذا عرضت الخطة إمكانية دعوة الشركاء ذوي التفكير المماثل لدعم هذا الجهد من خلال المساهمات المالية الطوعية، بمعنى أنهم لن يقتربوا من ذخائرهم الخاصة، ولكنهم سيشاركون تمويليًا في الشراء حرصًا على تحقيق الهدف المشترك وهو دعم أوكرانيا.

ويسعى الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى انضمام دول من خارج الكتلة إلى جهوده، وحتى الآن، أعربت النرويج بالفعل عن اهتمامها بالمشاركة، وكذلك كندا التي أعلنت استعدادها للانضمام. ومع ذلك، لا تزال الدول الأعضاء منقسمة حول ما إذا كان ينبغي إشراك دول من خارج الاتحاد الأوروبي في هذه الجهود، وخاصة فرنسا التي تدعو إلى استخدام التمويل المجمع للحصول على ذخيرة من صنع الاتحاد الأوروبي دون غيره، هذا بالإضافة إلى المخاوف من مشاركة كندا والتي سينظر إليها على أنها تمهد الطريق أمام الولايات المتحدة للانضمام أيضًا، وهو خيار لا يرحب به الجميع، وعلى الأخص فرنسا أيضًا.

وعن بريطانيا المنسحبة من الكتلة الأوروبية، تشعر بريطانيا الآن بالقلق مع قرار الشراء الجماعي لدول الاتحاد الأوروبي، فهي توقن الآن أنه لن يستفيد قطاع الدفاع البريطاني من الزيادة الهائلة للاتحاد الأوروبي في الإنفاق على الأسلحة، خاصة مع تصاعد الدعوات بالإغلاق على الصناعة الأوروبية والمنتجين من الاتحاد الأوروبي -فرنسا وألمانيا وإيطاليا- بالإضافة إلى النرويج فقط دون غيرهم، وتطوير استراتيجيات صناعية جديدة قد تؤدي إلى “تكثيف سريع لقدرات التصنيع”، بدلًا من البحث عن موردين عالميين كبار آخرين مثل المملكة المتحدة التي تعد سابع أكبر مصدر للأسلحة في العالم.

وبالنسبة للشركات البريطانية، فإن خسارة السوق الأوروبية لصادراتها من الذخيرة ستكون بمثابة نكسة خطيرة، إذ يبلغ دخل قطاع الأسلحة البريطاني سنويًا حوالي 25 مليار جنيه إسترليني، ويعمل به حوالي 133 ألف شخص بشكل مباشر وعدد مماثل غير مباشر، وفقًا لمنظمة التجارة الدفاعية ADS.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76015/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M