لواء \ محمد قشقوش
كانت التجربة الأولى في أفغانستان وفي خضم الحرب الباردة ومناطق النفوذ في ثمانينيات القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، الذي حارب بقواته لاحتلال أفغانستان ودعم حكومتها الشيوعية ولأهداف جيواستراتيجية للاقتراب من منطقة الخليج الغنية بالبترول، مع تأمين جنوب جمهورياته في آسيا الوسطى في مواجهة التواجد الأمريكي المكثف في باكستان، واتخاذ أفغانستان كنطاق أمن محازٍ لإيران التي خرجت من المعسكر الغربي بقيام ثورة الخميني. بينما حاربت الولايات المتحدة بالوكالة -بأيدي الآخرين- بعد تجربتها المريرة في مستنقع فيتنام في ستينيات القرن الماضي والقتال بقواتها الذاتية وما تكبدته من خسائر.
ورغم إن الولايات المتحدة كسبت معظم معاركها فقد صُنفت بأنها خسرت تلك الحرب فلماذا؟ والإجابة طبقًا للأدبيات الاستراتيجية الدولية المستقرة. لأنها لم تحقق الهدف من الحرب بينما حققه الطرف الآخر. وهذا يُذكرنا بالانتصار المصري المزدوج في حرب أكتوبر المجيدة بكسب المعارك وتحقيق الهدف من الحرب في ذات الوقت. وبنفس المقياس فقد هُزمت إسرائيل مرتين الأولى لخسارة معظم المعارك والثانية لعدم تحقيق الهدف من الحرب.
وهنا يبرز السؤال. كيف خططت ونفذت الولايات المتحدة لتلك الحرب بالوكالة في أفغانستان؟ والإجابة أنها استغلت الوازع الديني كغطاء للهدف الاستراتيجي السياسي العسكري، بالترويج لفكرة خطر الغزو الشيوعي لدولة مسلمة سنية (لإبعاد إيران الشيعية)، وأنها مستعدة للدعم بالسلاح والمال والتدريب واللوجستيات لهؤلاء المتطوعون، الذين تجمعوا بمعسكر قاعدة المجاهدين بباكستان حيث اختصرت كنيتهم لاحقًا إلى (القاعدة) بقيادة اُسامة بن لادن. وانتهى المطاف بالانسحاب السوفيتي والتخلي الأمريكي عن القاعدة -وكان خطأ كبير-حيث انقسمت إلى القاعدة في بلاد الشام والمغرب العربي ووادي النيل وبلاد الرافدين، التي انقسمت تاليًا لتكون الدولة الإسلامية في العراق والشام واختصارًا (داعش)
أما الحرب الجديدة في أوكرانيا فذات مرحلتين الأولى: حرب روسية أوكرانية دارت رحاها على الأراضي الأوكرانية وشنتها روسيا من أراضيها ومن إقليم القرم ومن الأراضي البيلاروسية الحليفة، واستخدم الطرفان فيها نظم التسلح ووسائل القتال التقليدية، وأيضًا بعض النظم فوق التقليدية مثل الصواريخ الباليستية والكروز الذكية والطائرات بدون طيار (الدرونز)، بالإضافة إلى حرب الفضاء السيبراني حيث تنتمي الدولتان المتحاربتان إلى مدرسة تسليحية وتكتيكية واحدة هي المدرسة الشرقية السوفيتية. واستغرقت تلك المرحلة حوالي شهر منذ بدء الحرب في الرابع والعشرين من مارس الماضي، حيث نجحت القوات الروسية في تدمير معظم البُني التحتية العسكرية الأوكرانية وخاصة الدفاع الجوي والمطارات وبعض القوات الجوية.
أما المرحلة الثانية: فتحمل ملامح الحروب بالوكالة وذات قواسم مشتركة ومختلفة مع أفغانستان، فمن حيث الاشتراك فإن الطرفين الرئيسيين هما روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأيضا تحارب روسيا بقواتها الذاتية بينما تحارب الولايات المتحدة بأيدي الآخرين، ولكن في هذه المرة فإن الآخرين ليسوا ميليشيات كالقاعدة في أفغانستان، ولكن جيش أوكرانيا النظامي الذي فقد معظم عتاده الثقيل وخاصة الدفاع الجوي من سلسلة (سام) أو (إس إس) مما أعطى الطيران الروسي حرية الحركة.
وكذلك فقد الجانب الأوكراني العديد من الدبابات، مما إثر سلبًا على قتال الدبابات سواء بعناصر مدرعة صغيرة أو وحدات كبيرة بما يسمى بالمعارك التصادمية. كما أن الدعم للجيش الأوكراني لم يأت من الولايات المتحدة فقط كأفغانستان، بل من معظم دول الناتو بدءًا بالأسلحة الخفيفة الفردية المضادة للدبابات والطائرات (طبقا لما أرسته حرب أكتوبر بكفاءة تلك الأسلحة ضد الدبابات والطائرات الإسرائيلية)
ويواجه هذا الدعم عدة صعوبات كالتدبير والنقل داخل أوكرانيا والتدريب على ما هو جديد ثم توفير الذخائر، أولاً، من حيث التدبير، فإن الأسبقية للسلاح الروسي الموجود بدول حلف وارسو السابق كبولندا وسلوفاكيا وألمانيا الشرقية فهي معروفة لمعظم الجيش الأوكراني، ثانيًا، ما يخص النقل، فقد كان سهلًا للأسلحة الصغيرة والخفيفة عبر الشاحنات الصغيرة والسيارات الخاصة. ولكنه يزداد صعوبة مع الأسلحة الثقيلة وذخائرها المنقولة على شاحنات كبيرة أو سكك حديد استهدفت مؤخرًا بواسطة الطيران الروسي وكذلك النقل الجوي وإمكانية اعتراضه وتدميره. وأيضًا تحدي مطارات الهبوط المُدمًر معظم مدارجها، ثالثًا، تدريب الجيش الأوكراني على ما هو غربي جديد، ووصل لمستوى الدرونز والمدفع الهاوتزر الأمريكية الرئيسية ذاتية الحركة 155مم كما وعد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين خلال زيارته لكييف. وذلك باستضافة أطقم أوكرانية بالدول الصديقة المجاورة خاصة بولندا وسلوفاكيا.
تلك مقارنة استقرائية لحربين أمريكيتين بالوكالة استخدمت في الأولى ميليشيات القاعدة وأخرى آنية تستخدم فيها الجيش الأوكراني، والخصم في كلتيهما واحد هو الاتحاد السوفيتي ثم وريثته روسيا الاتحادية.
ملاحظة: كُتب هذا المقال صبيحة خطاب الرئيس الروسي بوتين الذي سنعلق عليه في المقال القادم بإذن الله.
.
رابط المصدر: