إن الظروف التي تحيط بتولي الأمين العام الجديد لحزب الله ظروف صعبة بل وفي غاية الصعوبة ، وربما أصعب من ظرف تولي السيد حسن نصر الله بعد اغتيال السيد عباس الموسوي عام 1992 ، فالقوات الصهيونية متعطشة للمزيد من الدماء وعلى كل المستويات وبتأييد أمريكي أوربي منقطع النظير وسكوت غالبية المجتمع الدولي ، بل وسكوت حتى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، إضافة الى سلسلة من العمليات النوعية التي أصابت حزب الله منذ 17 أيلول 2024 حين تم تفجير أجهزة البيجر الذي أودى بعشرات الشهداء من افراد الحزب ولغاية استشهاد السيد حسن نصر الله ، مروراً بتفجير أجهزة الهاتف اللاسلكية ومقتل ثلة من قادة مجموعة الرضوان ( قرابة العشرين قائد ) بضربة واحدة ، هذا فضلاً عن إغتيال الشهيد فؤاد شُكر الذي يعتبر الذراع اليمين للسيد حسن نصر الله ورئيس أركان حزبه في آب 2024 ، علاوة على التهجير الذي طال سكان الجنوب اللبناني التي تعتبر الحاضنة الشعبية لحزب الله وقصف بلداتهم وعلى رأسها الضاحية الجنوبية .
في ظل هذه الظروف الصعبة هناك ظروف داخلية لا تقل صعوبة عنها ، فمكانة ورمزية السيد حسن نصر الله لدى أفراد الحزب وقياداته والفترة التي عاشها بينهم كقائد ( أكثر من ثلاثين سنة ) والكارزما التي يتمتع بها والمكانة السياسية التي بناها وفرضها في الداخل اللبناني ، والمكانة التي يحضى بها لدى إيران (الحليف الاستراتجي لحزبه ، بل والراعية له ) وقيادات محور المقاومة في العراق وسوريا واليمن ، كل هذه الظروف تجعل الدور الذي سيلعبه الأمين العام الجديد لحزب الله فوق القدرات والطاقات الاعتيادية ، فلو أن الأمين العام الجديد جاء نتيجة تنحي الأمين العام السابق لأي سبب وليس في ظرف حرب واستشهاد لكانت الأمور أيسر ، أما في هذا الوضع المتأزم فالمهمة شاقة خصوصاً مع الضغوط التي سيتعرّض لها من قواعد الحزب الشعبية وقياداته والأطراف الخارجية الصديقة والمعادية وضغط قلة الإمكانيات مع حجم التحديات واختيار سُبلٍ في غاية السرية لتسيير مهامه وواجباته وغيرها من الضغوط ، كان الله في عونه .
وبما أن وجود قائد لحزب بحجم حزب الله أمر ضروري فلا بد أن يُرتِّب أولوياته كي لا يفرّط باستراتيجيات الحزب والحفاظ على ما دونها من التكتيكات ، وسنذكر بعض الأولويات التي لا بد من وضعها في المقدمة :
1) الاهتمام بالنوعية ولو حساب الكمية ، من خلال تسريح الآلاف من عناصر الحزب والإبقاء على أعداد تكون قيادتهم من قبل أمين عام جديد للحزب أسهل وأيسر خاصة مع الظروف التي ذكرناها آنفاً ، فالمنظمات التي يصل تعدادها الى مائة ألف أو يزيدون تحتاج الى توفر إمكانيات تواصل على الأقل تكون غير سرية ، وهذا غير متوفر في المنظمات الشبيهة بحزب الله .
2) زيادة مستوى السرية في إدارة وقيادة الحزب لتجنب استهداف قادة ومقرات وأفراد الحزب ، وهذا ما حصل مع حماس عندما أغتيل مؤسسها وزعيمها الشيخ أحمد ياسين عام 2004 ، إذ تولى مكانه عبد العزيز الرنتيسي والذي لم يدم طويلاً حتى تمت تصفيته ، بعدها انتقلت الحركة الى العمل السري المفرط .
ورفع مستوى السرية يعتمد بشكل كبير على تحقيق النقطة الأولى .
3) إعادة النظر في تقييم أعضاء الحزب خصوصاً الخط الثاني والثالث الذين يعتبران قريبين من القيادة ، ووجودهم من دون تقييم جديد يمكن أن يعيد مسلسل الاغتيالات لقادة الحزب ، وهذه الخطوة ستساعد تحقيق الخطوة الأولى .
4) التحرك في مسارين متوازيين بحيث يتوزع الجهد عليهما بالتساوي ، يمثل المسار الأول استمرار مقاومة الاحتلال خاصة إذا تجرأ ودخل لبنان ، والمسار الثاني يمثل إيجاد بدلاء لقادة الحزب المعرضين للاغتيال ، ويُفضَّل أن يكون هناك قائد ظل يمثل القيادة الحقيقة للحزب ، غير معروف لعامة الناس ولكن بيده كل مقدرات الحزب ، ويبقى الأمين العام هو القائد الظاهري ، بحيث لا يتأثر الحزب كثيراً بتصفيته إذا ما تمت .
بهاء النجار
28/9/2024
https://t.me/Bahaa_AlNajjar