د. أحمد عبد الرزاق شكارة
ضمن التصور الجيوسياسي العام لم يحظ موضوع علاقة الولايات المتحدة مع دول العالم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلا إهتماماً ضعيفاً أو شكلياً من قبل متناظري الرئاسة الاميركية المقبلة :
دونالد ترامب (الرئيس الحالي) وجو بايدن (الرئيس المنتخب الجديد) ينسحب الأمر بكل تأكيد على مستقبل العراق والمنطقة على الرغم من الأهمية الجيوستراتيجية – الاقتصادية لمنطقة مينا (الشرق الاوسط وشمال افريقيا) . شأنها كشأن الانتخابات الرئاسية الاميركية السابقة لم تعط الأخيرة السياسة الخارجية الأمريكية – اللهم إلا في الازمات الكبرى-إهتماماً كبيراً قياساً إلى أولوية التركيز على الإيفاء بمتطلبات وإحتياجات الشأن الداخلي الاميركي من خلال مداخل عدة منها : إقتصادية – مالية (تتمحور حول مسار وآفاق العدالة الاجتماعية – الاقتصادية بقصد تضيق الفجوة الاقتصادية والمجتمعية بين المواطنين) وأخرى تحيط بتطورات حرجة لإزمة جائحة كورونا التي تحصد يومياً الآلاف من أرواح المواطنين في العالم وبين الاميركان تحديداً وأخرى ترتبط بتطورات أمنية –سياسية متسارعة تحمل تراكمات تأريخية تخص معالجة الشان العرقي ومستقبل التعايش المجتمعي والاقتصادي من خلال بناء علاقة سليمة متوازنة قائمة على الثقة بين المجتمع الاميركي بكل أطيافه والسلطات الاتحادية والمحلية.
إن أولوية الشأن الداخلي الاميركي تتضح من استمرار تداعيات الجائحة العالمية لكورونا التي أودت حتى الآن بحياة اكثر من 230000 شخص مع إصابة اكثر من 9 ملايين شخص اميركي . ترتيباً على ذلك، احتلت الولايات المتحدة الاميركية الموقع الأول من أعداد الضحايا والإصابات عالمياً (وصلت يوميا الى مايقارب 120000 شخص) ما يتطلب وبشدة تحقق تعاون جماعي عالمي للتخلص من الجائحة أو على الأقل تقليص مخاطرها الإنسانية الخطيرة. في العراق نحن بإمس الحاجة لكل الخبرات الدولية الطبية – الصحية المتخصصة الاميركية وغيرها من دول العالم المتقدم (الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها) للحد من التصاعد المريع في إعداد الإصابات التي تجاوزت مابين 3500 -4500 إصابة يومياً . علماً بإن للعراق خبرات مهنية طبية متخصصة لايزال الكثير منها في الخارج لابد من استقطابها وتوثيق الصلة معها خدمة للشعب العراقي ورحمة بمستقبله. هذا جزء يسير من فيض يدعو لإن يتم صياغة جديدة مبدعة لدور العراق جيوسياسياً – اقتصادياً إقليمياً وعالمياً بصورة تتناسب مع إمكاناته الضخمة “الكامنة بشرياً ومادياً” والتي يمكن تفعيلها إن توفرت الإرادة السياسية المستقلة.
من هنا، ضمن سياق الاهتمام بالظاهرة التعددية Multilateralism والتحالفية Partnership تتبين خيارات إيجابية تسمح بانتقال الرئاسة الاميركية الجديدة إلى مرحلة جديدة حيوية تحتمل مواجهة التحديات الكبرى بإنعكاساتها المهمة على المحيطين الداخلي والخارجي الاميركي وبضمنه الشرق الأوسط – الافريقي (تحديداً الشأن العراقي) . ولكن لن يكن الأمر سهلاً خاصة على الاقل في الأشهر الأولى لتولي جو بايدن السلطة خاصة إذا عرفنا درجات التعقيد المصاحبة للمحيطين الداخلي والخارجي في إقليم مينا MENA . علما بإن مسحا لرأي نخبة من الرأي العام العربي (3000) اجرته مؤسسة (الاخبار العربية – Arab News) بالتعاون مع مركز اميركي للأبحاث يدعى YouGov قد أوضحت بأنه لن يوجد تغيير كبير في النظرة السلبية العربية تجاه حكام الولايات المتحدة الاميركية (ترامب أو بايدن) بالنسبة للشأن الشرق أوسطي – الافريقي المستقبلي اللهم إلا في إطار ديمومة دور أميركي قائم على إدامة العلاقات التشاركية مع دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل . كل ذلك في حين لم تظهر بعد دلائل واضحة عن رؤية ستراتيجية للولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا تعطي للمنطقة قيمة تتوازي فيها الدرجة المفترضة للاهتمام بقضايا المنطقة – الاقتصادية – الصحية – البيئية والتنموية مع الاهتمام المتوازن بالقضايا الأمنية العسكرية . أخذا بالاعتبار بإن الشأن السياسي- الأمني الشرق أوسطي معقد ومن الصعب التنبؤ بمجرياته وأنعكاساته إقليمياً نظراً لحالة الضعف العربي مقابل القوى الاقليمية غير العربية (إيران ، تركيا وإسرائيل) .. أما بالنسبة للشأن العراقي تحديدا بتفصيلاته المعقدة فلم تعد تشكل مجالاً يسمح في المدى القصير بتوفر الثقة الملائمة والمتينة بين القيادة العراقية مع إدارة بايدن المنتظرة بعكس إدارة ترامب السابقة التي عززت نسبياً علاقتها مع العراق أمنيا – عسكرياً (تدريباً ، تأهيلاً ، تجهيزاً وحضوراً نوعياً للقوات العسكرية العراقية). يمكننا أرجاع الأمر إلى إن جو بايدن كان له تاريخاً ملتبساً ومحرجاً مع الشأن العراقي تمثل بالموافقة على الاجتياح الاميركي للعراق في عام 2003 عندما كان نائباً برلمانياً ممثلاً للحزب الديمقراطي في عهد الرئيس جورج بوش الابن ومن ثم عندما أضحى نائباً للرئيس الاميركي باراك أوباما في 2008 حيث إتجه للاعلان عن أفكار تصب بمشروع تقسيم محاصصاتي للعراق يثبت في كل يوم فشله بل وخطره على مستقبل وحدة العراق . نظام متخلف روحاً وشكلاً يسعى عموم الشعب العراقي إلى إنهائه من خلال إستدامة الانتقاضات التشرينية الوطنية التي تؤكد على وحدة العراق واستقلاله برغم من عملية متعمدة لغرس جذور سابقة للفرقة والانقسام من قبل الفاعلين الخارجيين (الولايات المتحدة وإيران تحديداً) والأخطر من قبل فرقاء العملية السياسية منذ عام 2003 حيث تمت إثارة – متعمدة أو غير متعمدة- لمشروعات تقسيم او تجزئة للعراق وفقاً لمحاصصة مذهبية – عرقية –عشائرية – مناطقية . مسالة ليست مبررة إطلاقاً ولكنها أنتجت تمزقاً سياسياً – مجتمعياً وعنفاً خارجاً عن سلطة القانون متمثلة بإدوار خطيرة للمليشيات المنفلتة خارج إطار المؤسسة الأمنية الوطنية . إن الانتصار على داعش كان يفترض أن يعضد الوحدة الوطنية العراقية كثيراً الأمر الذي يتمناه كل العراقيين مهما أختلفت ولاءاتهم الثانوية . مقابل ذلك ومن منظور مكمل ، يفترض أن يتهئ الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن نحو بلورة رؤية ستراتيجية واضحة للدور الامريكي تجاه منطقة الشرق الاوسط بصورة تدفع بعجلة تنمية العلاقات والشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة الاميركية في منطقتي الخليج العربي والشرق الاوسط التي إن بنيت بشكل صحي مستدام ستخدم ولاشك شبكة المصالح المتبادلة التي ستنعكس أثارها أمنياً واقتصادياً على العراق والمنطقة . ولكن برغم ذلك ، في تقديري المتواضع لن تتجه سياسة بايدن بصورة آلية سريعة لتكثيف الجهد وإنفاق المال اللازم لتعضيد الشأن العسكري العراقي إلا بحدود معينة فقط نظراً للاعباء الكبيرة (ماديا ومعنويا) تتحملها الولايات المتحدة في المجالات الصحية والاقتصادية – المالية كنتيجة متوقعة لانخفاض أسعار النفط مترافقة مع تداعيات جائحة كورونا. المسار الواضح نسبيا يتمثل بعدم إستطاعة إدارة بايدن حل قضايا وأزمات شائكة مع العراق دون تنسيق مشترك مع شركائها في المجتمع الدولي والإقليمي ومع النظام السياسي العراقي الذي يمر حاليا بمرحلة حرجة انتقالية – إنتخابية ليس متيقنا من طبيعتها ومن نتائجها . من هنا أهمية ان تتجه حكومة الكاظمي وبسرعة لافتة بإتجاه إيجاد حلول ناجعة لكل الملفات المهمة ذات الاولوية مع الولايات المتحدة والتي جسد قسما منها في إطار مذكرات تفاهم (غير ملزمة) لم تترجم بعد إلى حقائق على الارض تخدم المصالح المتبادلة بين الولايات المتحدة والعراق . الاخير بحاجة لجهد استثنائي تفاوضي مهني لمعرفة في اية مجالات يمكن تعميق وتفعيل أتفاقية الإطار الستراتيجي وكيف “الاليات المتطلبة”؟؟ ما يدفع نخب العراق العلمية والثقافية لعمل دراسات معمقة ذات طابع عملي تنفيذي تستكمل ما بني عليه في المراحل السابقة ومن ثم الاضافة للمزيد من السيناريوهات المستقبلية التي تبين كيفية تلبية الاحتياجات العراقية الاساسية (امنيا واقتصاديا وبيئيا ) من خلال تشكيل محيط عراقي متجانس ومتوائم نسبياً مع محيطه الداخلي والخارجي. محيط يتسم بتوسيع الخيارات الاقتصادية العراقية بعيداً عن الالتزام بعوائد مصدر أساس “النفط والغاز” بإتجاه تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن الدولة الريعية ، ما يمهد لاقتصاد قوي يعتمد على سلة من الطاقة المتجددة وغيرها من أنواع الطاقة التي تعزز استقلال العراق الاقتصادي وديمومة التنمية الانسانية من خلال شراكات عالمية يعتمد عليها (أميركية ، أوروبية ، آسيوية وغيرها) في بناء عراق متجدد يواكب متغيرات العصر التقني سريع الايقاع. في وقت لازال الوضع المالي العراقي بائساً حيث أن 95% من موازنة العراق مازالت تعتمد على النفط بينما معظم إنفاقه على الجانب التشغيلي وليس الاستثماري المثمر الداعم للتنمية الانسانية تلبية لاحتياجات الاجيال القادمة من شعبنا العزيز.
رابط المصدر: