كانت أقسى الحروب اللبنانية وأصعبها، ليس من حيث حجم الدمار وعدد الضحايا في مدة زمنية قصيرة بالكاد تجاوزت الشهرين، بل لأنها حرب تطوي مرحلة بأكملها من دون أن تكون معالم المرحلة الجديدة واضحة. خصوصا أن وطأة المرحلة السابقة التي تستمر في أقل تقدير منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، هي وطأة ثقيلة جدا لن يكون من السهل التخفف أو التخلص من أعبائها واختلالاتها الفادحة على المستوى الوطني. ولا سيما أن تلك الاختلالات العميقة والمستمرة، والتي تعود بالدرجة الأولى إلى محاولة “حزب الله” فرض هيمنته على الدولة والمجتمع في سياق المشروع التوسعي الإيراني، صحّرت السياسة اللبنانية، وقضت تدريجيا على أي أفق لمشروع وطني جدّي، يعيد استنهاض البلد من الركام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يغرق فيه.
جزء من قنبلة غير منفجرة ملقاة في الشارع أمام مركز تسوق مدمر، بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر
لا ريب إذن أن مقولة غرامشي الشهيرة: “تتجلى الأزمة تحديدا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد”، تنطبق بقوة على الحالة اللبنانية الحاضرة. ولا سيما أن القديم اللبناني شهد تحولات كبرى منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 وبدء الوصاية السورية على لبنان، ومنذ اغتيال الحريري وبعده حرب صيف 2006، ومنذ الانهيار الاقتصادي في 2019 وبعده انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020. وهي تحولات أوصلتها الحرب الأخيرة إلى نهايتها بل إلى مأزقها، وذلك بالنظر إلى أن الشعارات والسردية الأساسية التي تبناها “حزب الله” وفرضها بالقوة طيلة المرحلة السابقة قد سقطت، وأهمها نظرية “توازن الرعب” مع إسرائيل والتي بنى “الحزب” عليها واقعا سياسيا مختلا ومشوبا بالتناقضات الوطنية الكبرى.
والحال فقد استطاع “حزب الله” بالترهيب والترغيب إعادة هندسة الواقع اللبناني على قاعدة أن السياسة في لبنان يجب أن يكون مؤداها الحفاظ على “توازن الرعب” ذاك وتقويته، ولو أدى ذلك إلى تعميق الانقسام اللبناني الطائفي– السياسي في بلد ذي تركيبة معقدة، ما يجعل أي محاولة من جانب أي مكون سياسي– طائفي للهيمنة على المكونات الأخرى، تؤدي حكما إلى ضرب التوافقات والتسويات التي تحافظ، بالحدود الممكنة، على النظام والدولة. وإن كانت تلك التسويات والتوافقات ذات منحى سلبي أحيانا، إذا ما قيست على إمكانات تطوير النظام والدولة، لناحية تجسيد فكرتي المواطنة والديمقراطية إلى جانب العدالة الاجتماعية.
والأدهى أن محاولة “حزب الله” لجعل البلد رهينة نظرية “توازن الرعب”، جعلت سلاحه فوق البلد برمته، وصولا حتى إلى استخدامه في الداخل اللبناني في 7 مايو/أيار 2008 تحت شعار “السلاح دفاعا عن السلاح”، ومن ثم مشاركته في الحرب السورية بدءا من عام 2012، على اعتبار أن تلك الحرب هي مؤامرة دولية على “محور المقاومة” وأنه “سيكون حيث يجب أن يكون” للدفاع عن “المقاومة.
ما خشيه “حزب الله” وتجنبه، وقع فيه حقا، ليس بمبادرة منه بل لأن إسرائيل تحيّنت اللحظة المناسبة، للانقضاض عليه بعدما استفادت طيلة عام كامل من خشيته الدخول في حرب مفتوحة معها
هذا كله أدى إلى طمس التناقضات اللبنانية على نحو سلبي ومضرّ، دفع بها إلى التجذر أكثر، خصوصا أن النظام والدولة اللذين من المفترض أن يستوعبا هذه التناقضات ويديرانها طوّعا واستلبا ليكونا أداتين “شرعيتين” في تعزيز “توازن الرعب”. والأدهى أيضا وأيضا أن “حزب الله” لم يكن طيلة تلك الفترة “مقاومة” وحسب، بل أيضا قوة طائفية سياسية داخل النظام، بعدما اضطره انسحاب الجيش السوري من لبنان في أبريل/نيسان 2006 إلى الانغماس كليا وبقوة في اللعبة السياسية في محاولة لتعويض هذا “الغياب” ولمنع انتقال البلد من ضفة إلى أخرى. وهو استخدم لذلك كل أدوات الترهيب والترغيب، وقد ساعده في ذلك طموح قوى سياسية أرادت أن تدخل اللعبة والسلطة من الباب العريض وأبرزها “التيار الوطني الحر” الذي أبرم تفاهما مع “الحزب” في فبراير/شباط 2006، كان من ثماره المتأخرة، وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، في محاولة لإعادة إنتاج صيغة جديدة من “المارونية السياسية” لكن هذه المرة في كنف “الشيعية السياسية”. وها هو رئيس “التيار” جبران باسيل يسلك مسارات ملتوية مع “الحزب” خلال الحرب وبعدها، في محاولة للتأقلم مع موازين القوى الجديدة التي أفرزتها، وحجز مقعد في المشهد الجديد، لكن من دون أن يقطع كليا معه، آخذا في الحسبان بقاءه على المسرح ولو بشكل ودور جديدين.
نقطة القوة والضعف في آن معا
وإذا كانت الحرب الأهلية قد دفنت “المارونية السياسية” خصوصا بعد اغتيال رمزها الصاعد الرئيس بشير الجميل في سبتمبر/أيلول 1982، فإن “السنيّة السياسية” قامت على أنقاضها مع مجيء رفيق الحريري، لكن من دون أن تقطع معها كليا بالنظر إلى تماهيها مع نموذجها “الثقافي” والاقتصادي. وفي الوقت نفسه اضطرت “السنية السياسية” أن تداري سياسات الوصاية السورية في لعبة ملتبسة ومشدودة انتهت باغتيال الحريري نفسه، الذي كان أيضا اغتيالا لـ”السنية السياسية”.
أما “الشيعية السياسية” التي شقت طريقها المتعرجة بعد ذلك الاغتيال، فقد تميزت بكونها جزءا عضويا في مشروع إقليمي، لم يسبقها إلى مثله أي من الطوائف الأخرى، فكان ذلك نقطة قوتها ونقطة ضعفها في آن معا. إذ تحوّل لبنان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي جعل عصر “الشيعية السياسية” عصرا صراعيا مفتوحا، كان من نتائجه وقوع لبنان في انهيار مالي واقتصادي ارتد أخيرا على “حزب الله” الذي وجد نفسه منذ بداية “جبهة الإسناد” محكوما بحسابات لبنانية دقيقة، بالنظر إلى أن الخروج كليا على قواعد الاشتباك مع إسرائيل، والدخول في حرب مفتوحة معها، سيرتب عواقب خطيرة من طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية في الداخل اللبناني، لن تكون لديه القدرة على التعامل معها. وهو ما سيؤدي إلى زعزعة نفوذه في لبنان، ذلك النفوذ الذي بناه على مدى عقدين كاملين.
لكن ما خشيه “حزب الله” وتجنبه وقع فيه حقا، ليس بمبادرة منه بل لأن إسرائيل تحيّنت اللحظة المناسبة، للانقضاض عليه بعدما استفادت طيلة عام كامل من خشيته الدخول في حرب مفتوحة معها. بالتالي ما إن “استكملت” حربها في غزة حتى انتقلت إلى شنّ حرب شاملة ضد “حزب الله” في لبنان. والجدير بالتوقف عنده أن هذه الحرب لم تطرح وحسب، ومنذ بدايتها، أسئلة بشأن مآلات المواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل، بل طرحت أيضا أسئلة متصلة بالداخل اللبناني لناحية المستقبل السياسي لـ”حزب الله” بعد الحرب، ولناحية المستقبل السياسي للبنان ككل، على قاعدة ما إذا كانت هذه الحرب بداية نهاية “الشيعية السياسية” في لبنان خصوصا مع اغتيال رمزها حسن نصرالله. أي هل سيتكرر مع “الشيعية السياسية” ما حصل مع كل من “المارونية السياسية” و”السنية السياسية” لناحية سقوطهما في لحظة اغتيال رمزيهما، بشير الجميل ورفيق الحريري؟
هذا سؤال لا تتوفر بعد معطيات كافية وأكيدة للإجابة عليه، ولا سيما لأن “الشيعية السياسية” وبخلاف ديناميات الحكم الطائفية الأخرى هي، كما سلف الذكر، جزء من مشروع إقليمي تقوده إيران، وبالتالي فإن مستقبلها السياسي، رهن بمستقبل هذا المشروع لناحية خطة طهران، للتعامل مع الظرف الإقليمي والدولي الجديد الناشئ عن هذه الحرب، بين دينامية التطلع إلى الأولويات الإيرانية الداخلية، ودينامية مشروعها للتوسّع الإقليمي. ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المشروع تلقى ضربات قوية جدا لا بل قاسمة في لبنان وبالأخص في سوريا بعد سقوط نظام آل الأسد.
بناء مستقبل سياسي جديد للبنان، يقتضي إعادة تعريف هذا الصراع في ضوء سقوط “توازن الردع” وفي ضوء التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، وموازين القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب
ولكن مجريات ما بعد إعلان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وبالتحديد لناحية تعامل “حزب الله” معه سياسيا وإعلاميا، أظهرت وجود فراغ على مستوى الزعامة لديه بعد اغتيال نصرالله، إذ لم يخرج الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم ليعلن موقفا من الاتفاق إلا بعد أيام على توقيعه، وترك الأمر أولا لنواب في “الحزب”، ولذلك أوحى المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس المجلس النيابي نبيه بري غداة الإعلان عن الاتفاق أنه يتصدّر الآن المشهد السياسي الشيعي. وهذا فارق رئيس عن حرب يوليو/تموز 2006 التي خرج بعدها نصرالله ليعلن “نصرا إلهيا” وليفتتح مرحلة جديدة من صعود “الحزب” محليا وإقليميا. وهو ما يحيل إلى الفارق بين مضمون اتفاقي وقف إطلاق النار بعد حرب 2006 والحرب الأخيرة، باعتبار أن الاتفاق الأخير، عكس تراجع قوة “حزب الله” من جراء الضربات القوية التي تلقاها خلال الحرب، والأهم أنه سيقيد حركته لإعادة بناء قوته العسكرية في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد قطع طريق الإمداد إليه عبر سوريا. وفي المحصلة فإن سؤال الزعامة الشيعية من ضمن التركيبة الطائفية في لبنان قد فتح على مصراعيه.
سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر، في مدينة طرابلس بشمال لبنان
الأسئلة والتحولات
عليه، وفيما يخص الداخل اللبناني المحكوم بانقسام طائفي– سياسي مديد، والذي شكّل “حزب الله” على مدار السنوات الماضية أشد حلقاته تعقيدا والتباسا، فإن أسئلة كثيرة تطرح حول التحولات السياسية والاجتماعية، التي ستطرأ بعد هذه الحرب كنتيجة مباشرة لها. في الواقع إن “حزب الله” دفع الطوائف الأخرى إلى التماهي معه، والتماثل به في محاولة لبناء “نظامها الخاص” بمعزل عن قواعد النظام السياسي وشروط الدولة، وهو ما ألغى أي أفق وأي قدرة على بناء مشروع وطني إجماعي، تحمله قاعدة اجتماعية صلبة. وهذا هو عنوان الخطر الأبرز في مرحلة ما بعد الحرب، على اعتبار أن تداعي “الشيعية السياسية” كآخر الحصون الطائفية الحاكمة في الداخل اللبناني، لن ينجم عنه قيام مشروع وطني بديل على أنقاض الحصون الطائفية جميعا.
وحتى خصوم “حزب الله” الذين يقدمون الدولة كبديل ونقيض لدويلة “حزب الله” فهم يقدمونها كأداة وسند في الصراع معه، وليس في إطار مشروع متماسك ورصين، قادر على إعادة الاعتبار للدولة اللبنانية. مع الأخذ في الاعتبار أن سقوط نظرية “توازن الرعب” بإقدام إسرائيل على شنّ هجوم شامل ضد لبنان، من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة، قوامها إعادة إنتاج الأولويات الوطنية المتصلة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، بعد أن طمستها أولوية “حزب الله” لبناء “توازن الرعب” في تكرار لتجربة الأنظمة العربية، وبالأخص في سوريا، في الصراع مع إسرائيل.
وهذا لا يعني أنه يجب التغاضي عن هذا الصراع، ما دام قائما ومستمرا، بل إن بناء مستقبل سياسي جديد للبنان، يقتضي إعادة تعريف هذا الصراع بخطابه وأدواته في ضوء سقوط “توازن الرعب” والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، وموازين القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب.
الخروج من المأزق
لكن ذلك لا يستقيم من دون التفكير الجدّي في كيفية إخراج لبنان من المأزق السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، الذي وصل إليه طيلة السنوات الماضية، وقد بلغ ذروته خلال الحرب الأخيرة، خصوصا أن “حزب الله” لا يبدو بعد مستعدا لمراجعة خطابه وسياساته، والرجوع خطوة إلى الوراء لإفساح المجال أمام نقاش سياسي جدي حول المرحلة المقبلة. بل إنه يواصل المكابرة على واقعه وواقع البلد، في وقت أن القوى السياسية الأخرى التي همشها تدريجيا- والتي دخلت جميعها، وإن بتفاوت، في منطق السلطة الذي فرضه “بالأخص من خلال قانون الانتخابات الذي يعزز (النظام الخاص) لكل طائفة”- فقدت أدوات المبادرة، لطرح عناوين وطنية للمرحلة المقبلة، وهي أصلا قوى أسيرة الماضي القريب والبعيد وغير قادرة على تجديد خطابها.
ثمة سؤال عن مستقبل “حزب الله” نفسه بعد نصرالله، فهل سيشهد تحولا نحو مزيد من الاندماج في الجسم الإيراني، كما يكرر وليد جنبلاط، أم سيسلك مسارا نحو الاندماج في الواقع اللبناني
ولعل المحك الذي تقاس على أساسه قدرة لبنان على التعافي تدريجيا من أزمته، هو في فك الدمج الذي أقامه “حزب الله” بين كونه “مقاومة” وكونه قوة سياسية– طائفية داخل النظام السياسي، باعتبار أن هذا الدمج مكّن “الحزب” طيلة السنوات الماضية من استخدام الداخل اللبناني ضد الداخل اللبناني نفسه، بالنظر إلى أن منظومته الأمنية والعسكرية، التي استعان بتقويض الداخل اللبناني لبنائها، استُخدمت هي نفسها لتقويض هذا الداخل وترويضه وتصحيره، في جدلية معقدة وكارثية أدت إلى تفريغ البلد من أي مشروع وطني جدي. ولا سيما أن “حزب الله” انقضّ بقوة على “انتفاضة 17 أكتوبر” التي كان يمكن أن تفتح طريقا نحو خطاب وسلوك سياسي جديدين، كآخر رهان للطبقة الوسطى المتداعية في لبنان.
مستقبل الطائفة و”الحزب”
لكن بمقدار ما شكّلت الحرب الأخيرة محطة مفصلية للبنان كله، فهي تشكّل محطة مفصلية للطائفة الشيعية التي تواجه الآن، بمعزل عن موقفها الجمعي من “حزب الله”، تحديات وتحولات غير مسبوقة، ولاسيما بعد الدمار الكبير الذي لحق بمدن وقرى الجنوب اللبناني وبالضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما يخلق واقعا ديموغرافيا شيعيا معقدا لا يمكن معالجته إلا بإعادة الإعمار التي هي بحد ذاتها عملية معقدة أيضا وتخضع لشروط سياسية إقليمية ودولية.
وإذا كان صحيحا أنه لا يمكن توقّع انهيار الحالة التعبوية التي أقامها “حزب الله” داخل الطائفة الشيعية على مدى أربعة عقود، فإن الصحيح أيضا أن أسئلة جدية ستطرحها نخب هذه الطائفة ونواتها الاقتصادية والاجتماعية، بشأن مستقبلها السياسي، في ضوء المتغيرات التي فرضتها الحرب وأبرزها فشل “حزب الله” في ردع إسرائيل. ولعل السؤال الأبرز في هذا السياق هو حول إمكانية الطائفة الشيعية على إعادة صوغ صورتها لنفسها، وتصورها للبنان بعد كل ما حصل، على قاعدة أن استمرار السياسات السابقة لـ”حزب الله” في التمرد على النظام السياسي والمكابرة على أي إجماع وطني، يتعلق بسلاحه وبـ”المقاومة”، سيفوّت الفرصة لانتقال الشيعة ومعهم لبنان إلى مسار سياسي جديد، قائم أساسا على مصالحة الكتلة الشيعية مع النظام السياسي كمنطلق لإصلاحه. لكن هذا يتطلب أيضا صوغ القوى المخاصمة لـ”حزب الله” خطابا جديدا يلاقي احتمال التحوّل، الذي قد تشهده الطائفة الشيعية، وهو ما يقتضي تجاوز هذه القوى لنفسها في تقديم خطاب من خارج الاصطفافات الطائفية الراهنة، أو بأقل تقدير تقديم نسخة منقحة من تطييف السياسة وتسييس الطائفية.
لكن قبل ذلك وبعده، ثمة سؤال عن مستقبل “حزب الله” نفسه بعد نصرالله، فهل سيشهد تحولا نحو مزيد من الاندماج في الجسم الإيراني، كما قال وليد جنبلاط، أم سيسلك مسارا نحو الاندماج في الواقع اللبناني على قاعدة التخفف من الحمولات الإقليمية والأيديولوجية لسياساته؟ هذا سؤال صعب ولا يتوقف على ما يريده “حزب الله” وحسب، بل أيضا على سياسات إيران في المرحلة المقبلة، وليس قليل الدلالة في هذا السياق ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم الأحد الماضي من أنّ علاقة إيران بـ”حزب الله” ستتأثر بسقوط نظام آل الأسد في سوريا، وهو ما يمكن تفسيره على أنّه عدم رغبة إيرانية – وعدم قدرة- في إعادة إنتاج القوة العسكرية لـ”الحزب”، مع الإبقاء على الأرجح على الدعم السياسي والمادي.