أي مستقبل ينتظر “حماس”؟

بدءًا من السابع من أكتوبر 2023 مع قيام “حماس” بتنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، أصبح من الواضح لكافة الأطراف الفاعلة أن المشهد الإقليمي ما بعد هذه العملية سوف يكون مختلفًا عما قبلها. فقد أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عملية “السيوف الحديدية“، ردًا على ما قامت به “حماس”، حيث نفذ جيش الاحتلال موجة غير مسبوقة من الغارات الجوية على قطاع غزة، وفرض حصارًا على المنطقة، وتم قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود والغذاء عن سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” بأن الحرب في قطاع غزة تتكون من ثلاث مراحل؛ تركز المرحلة الأولى على تدمير “حماس” وتفكيك بنيتها التحتية، وتهدف المرحلة الثانية إلى القضاء على جيوب المقاومة، بينما تسعى المرحلة الثالثة إلى إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، وإزالة مسئولية إسرائيل عن الحياة اليومية في القطاع.

وعلى الرغم من كون الهدف الاستراتيجي المعلن لإسرائيل من حربها يتمثل في القضاء على “حماس”، إلا أن أغلب التحليلات التي سعت لتفسير مشهد الحرب والتداعيات المرتبطة به سلطت الضوء على أبعاد أخرى في التحليل، إذ ركز بعضها على البعد الإقليمي للمشهد، فتناول التداعيات الإقليمية المرتبطة بالحرب، واحتمالية انخراط أطراف أخرى في المشهد، ولا سيما حزب الله والحوثيين والفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا.

بينما استعرض البعض منها البعد الدولي، حيث الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل دون قيد أو شرط، في حين أشارت بعض الاتجاهات إلى التداعيات الاقتصادية المرتبطة بالحرب، ولا سيما على سوق الطاقة، هذا فضلًا عن وجود بعض التحليلات التي وضعت سيناريوهات متعلقة بمستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد “حماس”.

غير أنه لا تزال هناك حالة من الضبابية تحيط بالتصورات المتعلقة بمستقبل “حماس” ذاتها ولا سيما في ظل صعوبة الاستشراف في الوقت الحالي على خلفية تصاعد الأحداث من ناحية، وتعدد الفواعل من ناحية أخرى، وتعقد التحركات من ناحية ثالثة، لكن يظل مستقبل “حماس” محورًا أساسيًا ورقمًا رئيسًا في تفكيك هذا المشهد بالغ التعقيد.

فلا يمكن إغفال أن الإهانة والهزيمة التي تعرضت لها إسرائيل خلال يومي السابع والثامن من أكتوبر 2023، ستمثل محركًا محوريًا للدفع بالغزو البري الشامل على قطاع غزة من أجل سحق “حماس”، إلا أن هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها في هذا السياق منها: هل أهداف هذه العملية واقعية؟ وكيف يمكن لجيش الاحتلال أن يحققها؟ وهل إسرائيل مستعدة للتعاطي مع مرحلة ما بعد “حماس”؟

فبالنسبة لإجابة السؤالين الأول والثاني، يتسنى لنا القول إن عملية القضاء على “حماس” ليست باليسيرة، بل ستشكل مهمة معقدة للغاية، وذلك على خلفية عدّة عوامل؛ يتعلق أولها بصعوبة القتال داخل قطاع غزة في ظل كثافة سكانه البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، وينصرف ثانيها إلى وجود ما يزيد على 200 محتجز لدى “حماس”، ويتصل ثالثها بوجود شبكة من الأنفاق للحركة والتي يتعين على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي التوغل بعمق في قطاع غزة حتى يستطيع تدميرها، ويدور رابعها حول قدرة قادة الحركة على التخفي فضلًا عن وجود عدد منهم خارج فلسطين.

ناهيك عن الخبرة التاريخية في هذا الصدد، حيث حاول جيش الاحتلال تنفيذ عمليات برية في قطاع غزة لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، كعملية الرصاص المصبوب (2008-2009)، التي كان الهدف منها القضاء على الهجمات الصاروخية الصادرة عن قطاع غزة. غير أن “حماس” استطاعت على المدى الطويل استئناف هذه الهجمات مرة أخرى. كذلك عملية الجرف الصامد (2014) التي أعلنت إسرائيل في أعقابها أنها نجحت في إضعاف حركة “حماس”، لكن اتضح مع الوقت فشل هذا الطرح.

أما بالنسبة لإجابة السؤال الثالث، فلم تضع إسرائيل تصورًا لمستقبل القطاع حال نجاحها في القضاء على “حماس”، حيث تشير تصريحات المسئولين الإسرائيليين أنفسهم إلى أنهم ليس لديهم تصور واضح لمستقبل القطاع في مرحلة ما بعد “حماس”، وبالتالي فإن الإطاحة بـ”حماس”، تنصرف إلى احتمالية أن يشهد القطاع حالة من الفراغ يترتب عليها موجة ضخمة من الفوضى وعدم الاستقرار، وذلك على خلفية أن القضاء على “حماس” لا يعني بالضرورة القضاء على باقي فصائل المقاومة التي ربما تستمر في حالة التصعيد ضد الاحتلال.

وفي ضوء هذه الإشكالية يبرز سيناريو ليس بالجيد بالنسبة لإسرائيل وهو توليها السيطرة المباشرة على القطاع، مع الأخذ بالحسبان أن هذا السيناريو ليس بالجديد لأنها كانت قد سيطرت عليه في الفترة من 1967 وحتى 2005 وانسحبت منه على خلفية التهديدات الأمنية الكثيفة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثمّ فإن عودة إسرائيل للسيطرة على القطاع مرة أخرى سيعزز من المقاومة الفلسطينية، كما سيزيد من الانقسامات في الداخل الإسرائيلي على خلفية التكلفة العالية التي من المرجح أن تتحملها إسرائيل حال توليها إدارة القطاع.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى دراسة صادرة عن مؤسسة “راند” عام 2017، والتي جاءت تحت عنوان “دروس من حروب إسرائيل في غزة“، وتناولت الصراع بين إسرائيل وحماس منذ نهاية عملية الرصاص المصبوب عام 2009 إلى نهاية عملية الجرف عام 2014، حيث لفتت إلى أن إسرائيل لديها القدرة العسكرية للقضاء على حركة “حماس”، لكن القيام بذلك يمكن أن يكون أكثر خطورة من عدمه؛ نظرًا لإمكانية وصول حركة أشد تطرفًا إلى السلطة، أو قد ينتهي الأمر بإسرائيل إلى تولي مسئولية حكم القطاع نفسه.

وتجادل بعض الاتجاهات في الوقت الحالي بأن من بين الخيارات التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد “حماس” هو إمكانية تشكيل قوة متعددة الجنسيات قد تضم قوات أمريكية، فضلًا عن تصاعد تصورات متعلقة باحتمالية وضع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة بشكل مؤقت، وتبدو فرص تلك الخيارات في التخقق على ارض الواقع ضعيفة للغاية خاصة في ظل رفض أطراف أساسية وفاعلة في تحديد تصور لمستقبل القطاع تأتي في مقدمتها مصر وتفضيلها ان يكون مستقبل القطاع بيد الفلسطينيين من خلال ظعم السلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي ضوء هذه المعطيات شديدة التشابك والتعقيد، هناك جملة من السيناريوهات الرئيسة بشأن مستقبل “حماس”؛ حيث يشير السيناريو الأول إلى احتمالية قيام إسرائيل بعملية برية شاملة تنجح من خلالها في تحقيق أهدافها وتدمر “حماس”، غير أن واقعية هذا الطرح لا تزال موضوع تساؤل ولا سيما في ضوء مجموعة من القيود التي تم استعراضها فيما سبق. بينما ينصرف السيناريو الثاني إلى فشل العملية البرية في تحقيق أهدافها، وعجزها عن القضاء على “حماس” في ظل صعوبة التورط البري طويل الأجل في القطاع من ناحية، ناهيك عما تعكسه السوابق التاريخية من ناحية أخرى.

في حين يركز السيناريو الثالث على اتباع استراتيجية العمليات النوعية، حيث دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قطاع غزة بقوات برية محدودة دون القيام بانخراط بري شامل، ومن ثم تستطيع إسرائيل أن تسوق لهذه العملية على اعتبارها عملية كبرى نجحت من خلالها في رد اعتبارها وتكبيد “حماس” خسائر فادحة.

وختامًا، لا يمكن إغفال وجود عدة محددات قادرة على ترجيح أحد هذه السيناريوهات؛ يتعلق أولها بقدرة “حماس” على الصمود، وينصرف ثانيها إلى الدعم الأمريكي الموجه لإسرائيل، ويتصل ثالثها بمدى التوصل لتسوية في صفقات تحرير المحتجزين، ويدور رابعها حول ضغط المجتمع الدولي من أجل وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من تعدد السيناريوهات وتشابك المحددات إلا أنه في ظل حالة اللا يقين التي تشهدها الأحداث تظل كافة الاحتمالات مطروحة.

المصدر : https://ecss.com.eg/38147/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M