في أتون الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوسُّع “العملية العسكرية الخاصة” إلى حرب شاملة على عدة الجبهات، نشأ وضع إنساني يُظهر تكلفة الحرب وامتدادات الصراع العسكري وآثاره. فقد تجاوز عدد اللاجئين ثمانمئة ألف شخص إلى البلدان المجاورة، مثل: بولندا وهنغاريا ومولدوفا ورومانيا وسلوفاكيا، فضلًا عن عشرات الآلاف في الدول الأوروبية الأخرى، واستمرار حركة النزوح الداخلي بحثًا عن الأمان وتجمُّع ملايين المدنيين الأوكرانيين في الملاجئ. وقد وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، هذه الحالة بـ”الهجرة الجماعية السريعة” التي لم تحدث منذ حوالي 40 عامًا، وتُعد الأكبر داخل أوروبا منذ حروب البلقان، ووصفها آخرون بـ”حالة الهروب الكبير التي تشهدها المدن الأوكرانية”، أو “اللجوء الجماعي” من أوكرانيا نحو الدول المجاورة. وهو الوضع الإنساني الذي قد نراه في أية منطقة من العالم تشهد حربًا طاحنة تدك المدن والقرى، بل أحيانًا ينشأ هذا الوضع الإنساني عن صراعات ونزاعات محلية داخلية. غير أن ما يثير الانتباه في تغطية الحرب الروسية على أوكرانيا وتكلفتها الإنسانية، لاسيما فيما يتعلق بموجات اللجوء والنزوح، هو نوع الخطاب الإعلامي التمييزي والعنصري في بعض الفضائيات والشبكات الإعلامية الدولية بالغرب، وميلها نحو التأطير الأمني لهذا الخطاب (أَمْنَنَة الخطاب) في متابعة مجريات الوضع الإنساني الناشئ عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وانزياح المعالجة الإخبارية للهجرة الجماعية السريعة باتجاه منظور ثقافي/عقدي يتجاوز الضوابط الحاكمة للممارسة الإعلامية، ويضرب بالأخلاقيات المهنية التي أسَّسها هذا الإعلام نفسه عرض الحائط.
ويروم هذا التعليق إبراز أبعاد التأطير الإعلامي الأمني، والثقافي/العقدي لقضية اللاجئين الأوكرانيين وغيرهم من الأجانب (الأفارقة والشرق أوسطيين والآسيويين)، الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى مغادرة البلاد. كما يرصد تجليات أَمْنَنَة الخطاب ومظاهره في التغطية المباشرة لبعض وسائل الإعلام والفضائيات الدولية عبر شبكة مراسليها وكذلك المذيعين والمحلِّلين العاملين فيها، خاصة الفضائيات الأميركية والبريطانية والفرنسية. ويُبرز التعليق أيضًا خلفيات هذا التأطير الأمني والثقافي/العقدي للتغطية، وحدود علاقته بالسياقات السياسية والاجتماعية التي قد يتفاعل معها. وقبل ذلك يسائل هذا التعليق انزياح التغطية عن مدونات السلوك المهني، والقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية، التي جعلت بعض المؤسسات والشبكات الإعلامية الغربية نموذجًا ومرجعًا في مأسسة ضوابط الممارسة المهنية.
التأطير الأمني للخطاب
كشفت قضية تغطية الهجرة الجماعية للاجئين الأوكرانيين والأجانب، في بعض الفضائيات والشبكات الإعلامية الدولية، مثل “بي بي سي” (BBC) و”آي تي في” (ITV) و”إن بي إس” (NBC) و”سي بي إس” (CBS) و”بي إف إم” (BFM) وغيرها من الفضائيات، أن خطابها الإعلامي التمييزي كان مُؤَطَّرًا بمنظور أمني في وصفه لحركة اللجوء الجماعي القسري، وأيضًا بمنظور ثقافي/عقدي. ولذلك لم يكن تواتر هذه الأطر في الخطاب تعبيرًا عن حالة إعلامية منفلتة من الضوابط المهنية، أو انزياحًا لصوت إعلامي عن تقاليد الممارسة الإعلامية المهنية، أو تغطية معزولة لقضية إنسانية قد تشهدها كل المناطق وساحات النزاع السياسي والعسكري، بل كان تواترُ المنظور الأمني والثقافي/العقدي اتجاهًا في التغطية، كيف ذلك؟
يساعدنا المدخل أو الإطار النظري الذي وضعه الباحث باري بوزان (Barry Buzan) وزملاؤه حول “نظرية الأمننة” -كما ورد في كتاب “الأمن: إطار جديد للتحليل” (Security: A New Framework for Analysis)- في فهم نوع ونمط الخطاب الإعلامي للتغطية الإخبارية بهذه الفضائيات. ويرى بوزان أن الأَمْنَنَة لأية قضية أو موضوع أو مجال أو قطاع (عسكري، بيئي، اقتصادي، اجتماعي، سياسي) تقترن على مستوى “الفعل الخطابي” بالبقاء؛ حيث يصبح الخطاب أمنيًّا عندما يُقدِّم القضية باعتبارها تهديدًا وجوديًّا للموضوع المرجعي الذي قد يكون الدولة أو النظام أو المجتمع أو السيادة الوطنية. لذلك تقتضي الطبيعة الخاصة لهذه التهديدات الوجودية استخدام إجراءات استثنائية للتعامل معها خارج الأطر السياسية. وحدَّد بوزان وزملاؤه وحدات التحليل الأساسية لمقاربة الفعل الخطابي الأمني في:
1. الموضوع المرجعي: وهو الشيء الذي يُنْظَر إليه باعتباره مُهدَّدًا وجوديًّا وله مطالبة مشروعة بالبقاء.
2. الفاعلين الأمنيين: الجهة التي تقوم بأَمْنَنَة القضايا من خلال الإعلان أن شيئًا ما -موضوعًا مرجعيًّا- يواجه تهديدًا وجوديًّا.
3. الفاعلين الوظيفيين: هم أولئك الفاعلون الذين يؤثِّرون على ديناميات القطاع دون أن يكونوا الموضوع المرجعي، أو الفاعل الذي يدعو إلى الأَمْنَنَة نيابة عن الموضوع المرجعي. فهؤلاء هم الفاعلون الذين يؤثرون بشكل كبير على القرارات في مجال الأمن.
وهنا، نلاحظ أن الخطاب الإعلامي للفضائيات المذكورة كان مُؤَطَّرًا بالمنظور الأمني؛ إذ في الوقت الذي اعتبر فيه اللاجئين الأوكرانيين يُشبِهون أية عوائل أوروبية أخرى في القارة (المشترك الهوياتي الأوروبي)، قدَّم هذا الخطاب اللاجئين الأجانب (من الأفارقة والشرق أوسطيين والآسيويين) باعتبارهم قضية أمنية تمثِّل تهديدًا وجوديًّا للكيان الأوروبي، وهو الموضوع المرجعي في هذه التغطية، الذي يخشى عليه مراسلو الفضائيات من خطر أولئك اللاجئين غير الأوروبيين الذين اضطرتهم أيضًا ظروف الحرب إلى اللجوء القسري. لذلك يصبح “الفعل الخطابي”، أو الخطاب الإعلامي، مُؤَمْنَنًا يخلق حالة الرهاب أو “فوبيا اللجوء” تجاه الأجانب والتبعات والإشكالات التي يثيرها وجود هؤلاء في أوروبا. ويقدِّم صورة نمطية عن اللاجئين في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا التي شهدت حروبًا ونزاعات مسلحة دفعت هؤلاء إلى اللجوء بحثًا عن الأمان، كما حصل في سوريا وأفغانستان ودول أخرى. وتتكوَّن هذه الصورة من بُعْد فكري يرى في المنطقة ساحة حروب دائمة، يحاول أفرادها الفرار والهروب إلى أوروبا، وقد يكون لديهم “ماض غامض” مهدِّد للاستقرار، ثم هناك بُعْد نفسي يضيق بوجود هؤلاء الأفراد الذين يشكِّلون خطرًا على الهوية الأوروبية/موضوع التهديد المرجعي.
وفي هذه الحالة، التي يصبح فيها الخطاب الإعلامي مُؤَمْنَنًا، يتحوَّل المراسل الصحفي إلى “فاعل أمني”، كما أشار بوزان وزملاؤه، أي مصدر أو جهة إعلامية تقوم بأَمْنَنَة قضية اللاجئين الأجانب الأفارقة والشرق أوسطيين والآسيويين من خلال الإعلان تلميحًا وتصريحًا أن الهوية الأوروبية (الموضوع المرجعي) تواجه تهديدًا وجوديًّا. وهو ما يتطلب الحماية والدفاع والحفاظ عليه من أجل البقاء والاستمرار ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى فعل أو سلوك “عملي” غير “الفعل الخطابي” الأمني كما حدث في العام 2015 عندما عرقلت المصورة الصحفية المجرية، بترا لاسزلو (Petra Laszlo)، التي تعمل في قناة “إن1 تي في” (N1 TV)، لاجئًا سوريًّا يحمل طفله أثناء محاولته عبور الحدود المجرية مع صربيا.
وهنا، تصبح وظيفة الصحفي المصور، والمراسل التليفزيوني (الفاعل الأمني)، لا تختلف كثيرًا عن المهام الوظيفية لحرس الحدود المكلف بتأمين البلاد من أية أخطار أو اختراق أمني أجنبي. وفي الحالة الأوكرانية الراهنة تتواتر شهادات اللاجئين، من الأفارقة والشرق أوسطيين والآسيويين، التي تشير إلى التعامل الأمني التمييزي والعنصري الذي تعرض إليه هؤلاء اللاجئون أثناء محاولتهم الخروج من أوكرانيا باتجاه الدول المجاورة بحثًا عن منافذ للرجوع إلى أوطانهم. وهو ما حصل لبعض الطلاب الذين عادوا إلى بلدانهم. ويبدو هذا التعامل الأمني أيضًا تعبيرًا عن حالة سياسية تسود في بعض الأوساط السياسية الغربية، التي أبدت ترحيبًا واحتفاء كبيرين باللاجئين الأوكرانيين، في الوقت الذي قدَّمت صورة نمطية عن اللاجئين الأجانب الذين “لديهم ماض غامض، كأن يكونوا إرهابيين مثلًا”. ويُسهِم هؤلاء السياسيون، الذين يعتبرهم باري بوزان فاعلين أمنيين أيضًا، في الترويج لما يرونه خطرًا وجوديًّا، وهم اللاجئون الأجانب، الذين يهددون الهوية الأوروبية.
وإذا كان نجاح الأَمْنَنَة، أو الفعل الخطابي الأمني، يحتاج إلى إقناع الجمهور بحقيقة التهديد والخطر الوجودي الذي يُحدِق بالموضوع المرجعي (الكيان والهوية الأوروبية)، فإن الواقع السياسي الغربي الراهن يمثِّل حاضنة لهذا الخطاب. ويتجلَّى ذلك في الصعود الكبير للحركات والأحزاب اليمينية القومية المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية خلال العقدين الأخيرين، بعضها يتبنَّى أطروحة طرد المهاجرين مثل زعيم حزب الحريات اليميني الهولندي، خيرت فليدرز، الذي تعهَّد -ضمن برنامجه الانتخابي للفترة ما بين عامي 2021-2025- بإنشاء وزارة للهجرة وإعادة اللاجئين إلى بلدانهم “والتطهير من الإسلام”، ثم زعيم حزب “الاسترداد” والمرشح اليميني لانتخابات الرئاسة الفرنسية، إريك زمور، الذي بنَى برنامجه الانتخابي أيضًا على “استرداد” فرنسا وتغيير مجرى التاريخ.
قد لا نحتاج إلى جهد بحثي استقصائي كبير لنُبيِّن أن أَمْنَنَة الخطاب الإعلامي -كما لاحظنا في تغطية الفضائيات المذكورة- يتعارض مع الضوابط الحاكمة للممارسة الإعلامية، ومدونات السلوك المهني، التي تُنظِّم عمل تلك الشبكات الإعلامية الدولية ونشاطها الإخباري؛ لأن الممارسة الخطابية أو الفعل الخطابي الأمني كان صدى للمرجعية السياسية والأيديولوجية للصحفي والمراسل. ويتحلَّل هذا الفاعل الأمني، والفاعلون الوظيفيون (الفضائيات التي تؤثر في ديناميات تشكيل الهوية الغربية)، من الموضوعية التي تستدعي التجرد والالتزام بالحقيقة والاستقلالية والعدالة والمسؤولية في تغطية قضية اللاجئين الأجانب، وهو أمر بالغ الأهمية لوسائل الإعلام، لأن التكلفة الإنسانية للحرب، أو الآثار الإنسانية لأية مشكلة أو قضية أو كارثة طبيعية، لا تفرِّق بين أجناس البشر وهوياتهم وثقافاتهم وألوانهم ومواقعهم الاجتماعية وجغرافيتهم…إلخ.
ولئن كان بعض مدونات السلوك المهني في مؤسسات إعلامية عريقة تجعل الحياد والتوازن قاعدتين أساسيتين في تغطية ومعالجة جميع أجزاء القصة، والانفتاح على مختلف الآراء مع المسؤولية عن حماية الأشخاص المعرضين للخطر وتجنب الإساءة إلى أي شخص، فإن العمل الميداني يكشف انزياح الفاعل الأمني (الصحفي والمراسل) عن هذه القواعد، والانسياق وراء مرجعيته السياسية والأيديولوجية. وهذا يثير إشكالية البُعد الثقافي/العقدي في الخطاب الإعلامي الأمني الذي رصدنا بعض تجلياته سابقًا. فكيف يتمظهر إذن هذا البعد الثقافي/العقدي؟ وما خلفياته؟
البعد الثقافي/العقدي في التغطية
كان التأطير الثقافي/العقدي في تغطية قضية اللاجئين الأوكرانيين والأجانب صارخًا من خلال الانتقاء المقصود للكلمات الدالَّة على التقابل بين ثقافتين/حضارتين كما ورد خلال المقابلة المباشرة مع مراسل “سي بي إس” من العاصمة الأوكرانية، كييف، تشارلي داغاتا (Charlie D’Agata)، الذي أكد أن “هذا المكان (أوكرانيا) -مع احترامي- لا يشبه العراق أو أفغانستان التي شهدت النزاع يتأجج عقودًا. إنها (كييف) مدينة متحضرة إلى حدٍّ ما، أوروبية إلى حدٍّ ما. وعليَّ انتقاء هذه الكلمات بعناية أيضًا؛ إذ يصعب عليك أن تتوقع أو تأمل أن يحصل ما يحصل”. ولئن كان المراسل اعتذر عن هذا الكلام في مقابلة أخرى، فإن التقابل الذي أقامه بين المدينة “الأوروبية” المتحضرة (كييف/نحن) وغيرها من البلدان (العراق وأفغانستان) يكشف المسكوت عنه وهو “اللاتحضُّر”، الذي يطبع الآخر (الهُمْ). ويستصحب هذا التقابل الثقافي في تغطية قضية اللاجئين بعدًا عقديًّا مثلما نجد في حديث مراسلة “إن بي سي”، كيلي كوبيلا (Kelly Cobiella): “لنقولها بصراحة: هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من الجارة أوكرانيا، وهذا بصراحة هو سبب استقبالهم في بولندا؛ هم مسيحيون وبيض ويشبهون سكان بولندا بشكل كبير”.
هنا، يبرز التأطير العقدي الذي يقابل بين اللاجئين الأوكرانيين وغيرهم من الأجانب على أساس العقيدة الدينية (المسيحية) التي تجعل المواطنين الأوكرانيين لاجئين يشبهون البولنديين (النحن)، واللاجئين المعتنقين لعقيدة مختلفة -رغم أن بعضهم، خاصة الأفارقة والشرق أوسطيين، قد يكون مسيحيًّا- لا يشبهون الأوكرانيين ولا البولنديين (الهم/الآخر). ويتأسس هذا التأطير على المشترك العقدي في التمييز بين اللاجئين وتصنيفهم، وهو تمييز وجودي (الكينونة المسيحية) ومعرفي في رقعة جغرافية محددة (الجوار الأوروبي بالنسبة للأوكرانيين) في مقابل دول “العالم الثالث” التي لها كينونتها الخاصة، ولا يمكنها بأية حال -من منظور الفاعلين الأمنيين والفاعلين الوظيفيين- أن تكون مماثلة لـ(نحن). ويتعاضد هذا البعد العقدي مع “الفكرة الجماعية” التي تحدد هوية الأوروبيين (نحن) وتفرق بينها وبين جميع الآخرين غير الأوروبيين، كما بيَّن المفكر إدوار سعيد في كتابه: “الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق”، حيث تظل فكرة الهوية الأوروبية تتفوق على جميع الشعوب والثقافات غير الأوروبية، وهو ما يعيد الخطاب الاستشراقي إلى الواجهة عبر منصات الإعلام والفاعلين الأمنيين والوظيفيين، وفي صورة “متلاحمة الوشائج والروابط الوثيقة بين المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمنحه القوة وقدرته الفائقة على الاستمرار”.
وإزاء هذا التأطير الثقافي/العقدي في التغطية الإخبارية، الذي يسلخ أو يجرف الضوابط الحاكمة للممارسة الإعلامية من مدونات السلوك المهني، وأيضًا تحوُّل المراسلين والصحفيين إلى فاعلين أمنيين، واستدعاء الخطاب الاستشراقي المؤسِّس للتمييز الوجودي والمعرفي، تبدو الحاجة ماسَّة إلى إعادة الاعتبار للأخلاقيات المهنية في النشاط الإخباري والعمل الإعلامي الميداني. وقد يبدأ ذلك برد الاعتبار لثقافة التنوع والتعدد، والرصانة والدقة في التغطية والابتعاد عن التهويل والانفعال، وتجنب الزج بالتغطية في مناطق محظورة تسبب الأذى للمشاركين في القصة من خلال انزلاق وانخراط الصحفيين والمراسلين في خطاب الكراهية والتحريض الديني والمذهبي والعرقي.
خلاصة
كان التأطير الإعلامي الأمني والعقدي لتغطية قضية اللاجئين الأوكرانيين والأجانب باتجاه الدول الأوروبية المجاورة، في بعض الشبكات الإعلامية الدولية، واستدعاء الخطاب الاستشراقي التمييزي بين النحن (الأوكرانيين/الأوروبيين) والهم (الأجانب/الأفارقة والشرق أوسطيين والآسيويين)، انسلاخًا وانزياحًا صارخًا عن مدونات السلوك المهني والضوابط الحاكمة للممارسة الإعلامية. ويبدو هذا الانزياح سلوكًا واعيًا في عدد من الشبكات الإعلامية الدولية غير معزول عن سياقاته السياسية والاجتماعية في المجتمعات الأوروبية والغربية عمومًا؛ حيث يتصاعد ظهور الحركات والمنظمات والأحزاب اليمينية القومية المتطرفة والعنصرية. ويغذِّي أيضًا الصحفيون والسياسيون (الفاعلون الأمنيون) الخطاب العنصري والتمييزي، ويوسعون مجالات ومنصات نشر خطاب الكراهية والتحريض الديني والعرقي ضد المهاجرين والأجانب من أصول إفريقية وشرق أوسطية وآسيوية. وهذا ما يَحْرِف العمل الإعلامي عن أهدافه وغاياته فيتحوَّل الصحفي والإعلامي إلى “فاعل أمني” مُؤَدْلَج يكرس فكرة “أوروبا النادي المسيحي المغلق” بإنتاجه لخطاب مُؤَمْنَن تتقاطع “وظيفته الإعلامية” مع أهداف ووظائف باقي الفاعلين الأمنيين في حماية (النحن/الأوروبي) من (الهم/الآخر).
.
رابط امصدر: