- يُتوقع أن تمثل رئاسة ترامب الثانية استمراراً لرئاسته الأولى، لجهة اعتماده على غريزته الخاصة وصعوبة توقع قراراته، وسيادة السِّمة “التجارية المعاملاتية”، ومبدأ “أمريكا أولاً”.
- فيما يخص السياسات الاقتصادية، يُتوقع أن يعزز ترمب سياسة “الحمائية” وفرض المزيد من التعرفات الجمركية، ليس على الصين وحدها بل على جميع الدول، كما أنه سيتجه إلى تقليل الالتزامات المالية الخارجية.
- في مجال السياسة الخارجية، سيكون ترمب أقل التزاماً تجاه تايوان وأوكرانيا، كما سيفرض على الحلفاء الأوروبيين دفع المزيد للدفاع عن أنفسهم في إطار حلف “الناتو”.
- من المتوقع أن يعود ترمب إلى إحياء حملة “الضغوط القصوى” على إيران، كما أنه سيكون داعماً لإسرائيل، وسيُعيد طرح رؤيته لحل القضية الفلسطينية القائمة على الازدهار الاقتصادي. ويُتوقع أيضاً أن يسحب القوات الأمريكية من العراق وسورية، وأن يرفع يد بلاده من مسؤولية تأمين البحر الأحمر.
يفتقر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى ارتباط أيديولوجي في مجال السياسة الخارجية يُمكن من طريقه تصنيفه بشكل واضح على أنه “انعزالي” أو يؤمن بـ “العالمية”. وبحسب تعبير أحد المستشارين المقربين من ترمب الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في خلال الفترة 2019-2021: “لم يطمح ترمب أبداً للإعلان عن ‘عقيدة ترمب‘ لصالح مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، ولا يؤمن [ترمب] بعقيدة بل بغرائزه الخاصة والمبادئ الأمريكية التقليدية المتجذرة أكثر من المبادئ التقليدية العالمية في خلال العقود الأخيرة”. ويبدو أن مستشاراً آخر للأمن القومي عمل لفترة قصيرة في إدارة ترمب يتفق مع هذا الرأي لكن بطريقة أقل كياسة. وتتمثل نصيحة هذا المستشار لأي شخص يحاول فهم فلسفة رئيسه السابق في مجال السياسة الخارجية: “لا تحاولوا”. ويرى جون بولتون الذي اختلف مع الرئيس ترمب أن الرئيس السابق لا يمتلك مبادئ ثابتة بل مزاج وضغائن وهوس يتعلق بصورته.
لكنَّ وجهة نظر أكثر توازناً في الواقع حول سياسة ترمب الخارجية تضعه ضمن فئة “التجارية المعاملاتية”، إذ يُعَدُّ ترمب في كثير من الجوانب ممن يؤمنون بقوة في نموذج الأعمال الذي يَعتبر الولايات المتحدة شركةً يتولى فيها منصب الرئيس التنفيذي، والذي يضع مصالح الشركة الماليّة أولاً. ويتضمن جوهر فلسفة ترمب رفضاً “قومياً” لمبادئ الليبرالية الجديدة حول العالمية والعولمة والترابط. وإذا ما كان ترمب الرئيس التنفيذي لأمريكا فإن المساهمين في هذه الشركة هُم الأمريكيون الخاسرون نتيجةَ التجارة الحرة والعولمة بسبب المنتجات الصينية الرخيصة في السوق الأمريكية.
ويؤمن ترمب أن العالم يستغل السخاء الأمريكي في المجالات العسكرية والمالية والتجارية. وكان ترمب يجادل منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما بدا صعود اليابان وكأنه أمر يصعب وقفه بأن “التجارة الحرة” لم تكن كذلك من الناحية العملية. وتضمنت التجارة الحرة في كثير من الأحيان قيام الحكومات الأجنبية باستخدام التعريفة الجمركية المرتفعة والمعوقات التجارية وسرقة الملْكية الفكرية لإلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية. كما حظي هذا النظام الدولي بحماية واشنطن. ويرى ترمب أنه بالرغم من النفقات العسكرية المرتفعة لم تحظَ أجهزة الأمن القومي في واشنطن بكثير من الانتصارات في أعقاب حرب الخليج عام 1991، في الوقت الذي مُنيت فيه بإخفاقات واضحة في أماكن مثل أفغانستان والعراق وليبيا وسورية. ويقف هذا السياق القومي والدولي وراء صياغة سياسة ترمب الخارجية “أمريكا أولاً”، والتي يرى بعض مؤيديه أنها تُمَثِّلُ استراتيجيةَ ترمب الكبرى.
تأقلم الجمهوريين مع ترمب
تهيمن على السياسة الخارجية للحزب الجمهوري حالياً ثلاث مجموعات: ورثة رونالد ريجان الذين يؤمنون بفكرة “الصدارة” ويرغبون في احتفاظ الولايات المتحدة بهيمنتها العالمية؛ والانعزاليون الذين يؤمنون بـ “ضبط النفس” وضرورة عدم محاولة واشنطن لعبَ دور شرطي العالم وبدلاً من ذلك التركيز على المشكلات الداخلية؛ وأولئك الذين يؤمنون بـ “الأولويات” والذين يتخذون موقفاً بين المعسكرَين ويرغبون من الولايات المتحدة العمل بشكل أقل في أوروبا والشرق الأوسط من أجل تركيز الموارد على آسيا لمواجهة الصين.
وفي حين أن معظم مَن يؤمنون بفكرة صدارة الولايات المتحدة ينتمون الآن إلى مجموعة “مناهضة ترمب”، وتعرضوا للتهميش إلى حد كبير في أوساط حركة المحافظين، ويُعدون أعضاءَ سابقين في “محور البالغين” الذي شكّل أداةً لضبط ترمب، مثل جون كيلي كبير موظفي ترمب سابقاً ووزيرَي الدفاع السابقين جيمس ماتيس ومارك إسبر، ومستشاري الأمن القومي السابقين جون بولتون وهيربرت ماكماستر. لكنْ تجدر الإشارة إلى أن بعض ورثة فكر ريجان الذين يؤمنون بفكرة صدارة الولايات المتحدة تمكنوا من البقاء في صف ترمب، مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي السابق روبرت أوبرايان في عهد ترمب، قد يتسلمون مناصب رفيعة في فترة رئاسة ترمب الثانية المحتملة. كما يُعَدُّ أعضاء مجلس الشيوخ، أمثال مارك روبيو ولندسي جرام وتوم كوتن، من الصقور الذين يؤمنون بفكرة صدارة الولايات المتحدة وما زالوا يفضلون الرئيس السابق ترمب.
ويمكن وضع فيفيك راماسوامي، الذي خاض غمار المنافسة للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، والسناتور راند بول، ضمن معسكر الانعزاليين. ويُشَكِّلُ هذا المعسكر أقليةً داخل الحزب الجمهوري، لكنَّهم على توافق مع شريحة واسعة ضمن قاعدة ترمب الانتخابية وعلى استعداد لدعم ترمب، بوصفهم أعضاء محتملين في إدارته. وينتمي إلى المجموعة الثالثة الذين يؤمنون بفكرة الأولويات الصقورُ المناهضين للصين ويرغبون في التوقف عن تمويل أوكرانيا، مثل جيمس فانس مرشح ترمب لتولي منصب نائب الرئيس، وإلبريدج كولبي الذي كان ضمن كبار المسؤولين السابقين في صناعة السياسات بوزارة الدفاع الأمريكية في عهد ترمب، والذي تدور شائعات بأنه يُعَدُّ مرشحاً محتملاً لتولي منصب مستشار الأمن القومي في خلال فترة رئاسة ترمب الثانية.
أمّا على المستوى الأوسع للاقتصاد السياسي والاستراتيجية الكبرى للسياسة الخارجية الأمريكية، فقد وجد المعسكر الجمهوري التقليدي الذي يؤمن بالتجارة الحرة والعالمية صعوبةً للتكيف مع شعبوية ترمب القومية التجارية. لكنْ مع توسع القاعدة الشعبية -التي تؤمن برؤية ترمب من طريق انضمام شريحة كبيرة من مجتمعات الطبقة العاملة التي تكره النخبة المعولمة- عمل الحزب الجمهوري على التكيف وتبني الاستياء والغضب الذي تحمله رسالة ترمب القومية. وبدأت اليوم مؤسسات جديدة مثل “معهد سياسة أمريكا أولاً” بالانضمام إلى مراكز التفكير التقليدية، مثل “معهد المشروع الأمريكي” أو “هيريتيج فاونديشن” (التي وضعت “مشروع 2025”)، وتبني فكر ترمب في مجال السياسة الخارجية.
وتعد مراكز تفكير، مثل “معهد سياسة أمريكا أولاً”، أن ترمب يُشَكِّل عاملَ استقرار قوياً في عالم تسوده الفوضى في ظل قادة ضعاف. ويمكن تلخيص آراء هذه المراكز كما يلي: بوجود ترمب حظي العالم بالنظام والتقدم عندما كان ترمب في المنصب. لم يكن هناك حروب كبرى، وبدلاً من ذلك حظينا باتفاقيات السلام والتجارة التي عززت المصالح الأمريكية مثل الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل والدول العربية وإعادة تفاوض ناجحة مع كندا والمكسيك حول “اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية” (نافتا)، واتفاقية تجارة جزئية مع الصين. كما شهدنا معدلات تضخم منخفضة للغاية ومعدلات هجرة منخفضة على الحدود الجنوبية. وبحسب هذا الرؤية العالمية –التي يتبناها ترمب شخصياً– فإن “ضعف” وعثرات جو بايدن، ابتداءً من الانسحاب الكارثي من أفغانستان، شجعت روسيا على غزو أوكرانيا، و”حماس” على مهاجمة إسرائيل، وتنمر الصين على تايوان. فما هو الحل؟ ترمب سيستعيد قوة أمريكا، ويردع الأعداء، ويفرض النظام.
الواقعية الجاكسونية
ينتمي الرئيس الأمريكي السابق ترمب تاريخياً إلى فكر الرئيس الأمريكي الأسبق أندرو جاكسون الذي تولى الرئاسة عام 1829. وبحسب والتر رسل ميد، الذي وضع تصورات لثلاث مدارس تاريخية متنافسة في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية لدى الرؤساء الأمريكيين؛ ويلسون وجيفرسون وجاكسون، فإن مدرسة جاكسون تُعَدُّ الأكثر ارتياباً تجاه الأعمال الضخمة والشؤون والتحالفات الدولية. وتكره هذه المدرسة المؤسسةَ السياسية والاجتماعية، وتطالب بحلول “الحس السليم” للمشكلات المعقدة. وتدعم هذه المدرسة الجيشَ وليس طبقة كبار الضباط. وتفترض أن الطبقة السياسية فاسدةٌ وغير قابلة للإصلاح. كما لا ترى مدرسة جاكسون في مجال السياسة الخارجية حاجةً إلى نشر الديمقراطية حول العالم. وترى هذه المدرسة أن الأمم المتحدة والقانون الدولي هما مَن يزدريان الولايات المتحدة. وفي غياب أي تهديدات حقيقية للولايات المتحدة فإن هذه المدرسة لا تهتم كثيراً بالشؤون الخارجية، لكنْ في حال تعرض الولايات المتحدة للهجوم فإنها تؤمن بأن كل الإجراءات مبررة للدفاع عن البلاد. ولا تشعر هذه المدرسة بالأسف تجاه الهجمات ضد الأهداف المدنية خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك هيروشيما ونجزاكي. كما تبرر هذه المدرسة الحرب الدؤوب ضد الإرهابيين، إضافة إلى دعم الحرب الإسرائيلية ضد غزة، وتؤمن بضرورة رَدّ واشنطن على الإرهاب بمثل هذه القوة.
وأبدى ترمب مؤخراً في خلال مقابلة مع شبكة “بلومبيرغ” إعجابه بالرئيسَين جاكسون ووليام ماكينلي (الذي يُعَدُّ رئيساً آخر يؤمن بالحمائية وتعرض للاغتيال عام 1901)، وذلك في سياق سياساته الاقتصادية التي تستند إلى أجندة غير تقليدية تشمل خفض الضرائب، ومزيداً من إنتاج النفط، والقليل من الرقابة، والمزيد من التعريفة الجمركية، والقليل من الالتزامات المالية الخارجية. ويقول ترمب -إلى جانب فرض مزيد من التعريفة الجمركية على الصين التي تراوح بين 60% و100%- بأنه سيفرض نسبة 10% على جميع الواردات من الدول الأخرى، مشيراً إلى وجود شكاوى إزاء عدم قيام الدول الأجنبية بشراء ما يكفي من السلع الأمريكية.
وبدا ترمب عند سؤاله في المقابلة نفسها حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان ضد الصين غير متحمس لمواجهة العدوان الصيني، وقال: “تبعد تايوان مسافة 9,500 ميل، بينما تقع على مسافة 68 ميلاً من الصين”. ويُمَثِّلُ التخلي عن الالتزام تجاه تايوان تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى القدر نفسه من الأهمية لوقف الدعم عن أوكرانيا. وتعود وجهة نظر ترمب إزاء ضرورة قيام أوروبا بدفع المزيد للدفاع عن نفسها في إطار حلف “الناتو” إلى مشاعر الاستياء الاقتصادي. ويقول: “لقد أخذت تايوان منّا أعمالَ صناعة الرقائق. أعني كم نحن أغبياء! لقد أخذوا منّا كل أعمال صناعة الرقائق. لقد أصبحوا أثرياء للغاية.” ويرغب ترمب من تايوان في أن تدفع للولايات المتحدة مقابل حمايتها، بقوله: “لا أعتقد أننا نختلف عن وثيقة التأمين. لماذا؟ لماذا نفعل هذا؟”.
اقرأ المزيد من تحليلات «عمر طاشبينار»: |
ترمب والشرق الأوسط
يَعتقد ترمب ومستشاروه المحتملون في مجال السياسة الخارجية، مثل مايك بومبيو وإلبريدج كولبي، أن سياسةً أقوى لمواجهة إيران ستقود أيضاً إلى مقاربة أكثر إيجابية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يتسبب باضطراب المنطقة. لكنَّ ترمب ومستشاريه يرفضون الربط بين حل القضية الفلسطينية وتحسين الأمن في الشرق الأوسط، ويرون أن النزاع أصبح يُشَكِّل ظاهرةً أكثر من كونه السبب للاضطراب في المنطقة الذي يُشَكِّل النظام الثوري في طهران السبب الحقيقي له، إذ تقوم إيران بتوفير التمويل والسلاح والمعلومات الاستخباراتية والتوجيه الاستراتيجي لعدد من المجموعات التي تهدد أمن إسرائيل؛ وليس “حماس” فقط بل “حزب الله” و”الحوثيون” في اليمن أيضاً. وعليه، لا يمكن –وفق وجهة نظرهم– حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني قبل احتواء إيران، وتوقف المتشددين الفلسطينيين عن محاولة القضاء على إسرائيل.
وبناء على ذلك، فإن ترمب سيكون واضحاً في دعمه لإسرائيل، وسيركز على جهود تطبيع موقف إسرائيل داخل الشرق الأوسط، حيث يُمَثِّلُ توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية لتشمل السعودية أحد أولوياته القصوى في المنطقة. ومن المرجح أن يعمل ترمب في إطار جهود إحلال السلام والاستقرار في العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية للعمل عن كثب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته “شريكاً في صُنْع السلام”.
ومن المتوقع أن يتولى السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان منصب المنسق الجديد لشؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، وسيتولى فريدمان مسؤولية تحقيق هدف مزدوج يَتَمَثَّلُ الأول في التوصل إلى حل مستدام للمشكلة الفلسطينية في حين يَتَمَثَّلُ الهدف الثاني في إحياء جهود التطبيع بين إسرائيل والسعودية عبر عملية سلام. ولتحقيق الهدف الأول من المحتمل أن يدعو البيت الأبيض إلى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ذات صلاحيات سيادية محدودة، بحيث تعمل إسرائيل بشكل حصري على توفير الأمن لكلا الدولتين، ولن تعترض إدارة ترمب الجديدة أيضاً على ضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن إلى إسرائيل. وبحسب هذه التوقعات، فإن أول زيارة خارجية لترمب ستكون إلى القدس لتهنئة إسرائيل على تمكّنها من القضاء على “حماس”، والدعوة إلى مقاربة جديدة للسلام في الشرق الأوسط تستند إلى رؤيته “من السلام إلى الازدهار” لعام 2020 تتضمن إقامة بنية تحتية مادية وبيئة تنظيمية سهلة تعمل على تحويل الضفة الغربية وغزة إلى مراكز مالية وتجارية إقليمية عبر ضخ استثمارات اقتصادية ضخمة تصل إلى نحو 50 مليار دولار في الاقتصاد الفلسطيني. وسيناقش ترمب هذه الخطة مع الحكومة الإسرائيلية التي تبدو منقسمة لكنَّها راغبة في وضع شيء ما على الطاولة قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة نهاية عام 2025.
كما يُتوقع أن يتجه ترمب إلى الرياض في طريق عودته من القدس للقاء قادة السعودية وبحث أهداف إدارته. ومن المرجح أن يعطي ترمب الضوء الأخضر لإقامة مشروع للطاقة النووية المدنية وتعزيز التعاون الدفاعي بين الرياض وواشنطن (بما في ذلك إبرام صفقات سلاح جديدة وتوفير ضمانات أمنية)، والاتفاق على امتيازات تجارية واستثمارات أمريكية في مجالَي الطاقة والسياحة بالسعودية مقابل الاستثمارات الاقتصادية السعودية في الاقتصاد الفلسطيني وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومما لا شك فيه أن موقف ترمب المتشدد تجاه إيران سيتواصل من طريق سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى إحياء حملة “الضغوط القصوى” على طهران، وأحد هذه الأوامر التنفيذية قد يتضمن تحفيز مشروع “سبيس إكس” التابع لإيلون ماسك في زيادة عدد روابط الإنترنت “ستارلينك” ثلاثة أضعاف فوق إيران للتمكن من دعم القوى المطالبة بالديمقراطية فيها. وعلى الرغم من أن ترمب سيردّ بقوة على أي استهداف لقاعدة أمريكية في العراق وسورية، إلا أنه -وانطلاقاً من اقتناعه بأن وجود القوات الأمريكية في سورية والعراق ما عاد يخدم أي غرض استراتيجي- سيُعلن سحب هذه القوات من البلدين. ومع أن فكرة القوة من طريق الانسحاب تُمثل مفارقة بالنسبة للديمقراطيين ووسائل الإعلام الليبرالية، إلا أنها تبدو منطقية تماماً بالنسبة لترمب ومؤيديه.
وبالنسبة للتهديد الحوثي لحركة الملاحة في البحر الأحمر، يُتوقع أن تعمد إدارة ترمب إلى تهديد إيران وتحميلها المسؤولية، إلا أن الأمر سينتهي في نهاية المطاف بتجاهل ترمب للدعوات الدولية للتدخل والإعلان بأنه ليس من مسؤولية الولايات المتحدة تأمين نقل أجهزة التلفاز والثلاجات الصينية إلى أوروبا. وبذلك يقوم أصحاب مدرسة الأولويات في إدارة ترمب بتوجيه رسالة إلى الدول المطلة على البحر الأحمر بأنها مسؤولة عن أمن هذا البحر وتوجيه رسالة إلى الأوروبيين بأنهم يتحملون مسؤولية تأمين خطوطهم التجارية مع الصين باستخدام سفنهم الخاصة.
الخلاصة
مع أن التوقعات تشير إلى فترة رئاسة ترمب الثانية قد تكون مضطربة تماماً، إلّا أنه قد يكون هناك مزيد من الاستمرارية أيضاً أكثر مما يتوقعه المرء؛ ففي نهاية المطاف كان هناك الكثير من الاستمرارية بين إدارتَي ترمب وبايدن حول الصين والتعريفة الجمركية وسياسة الحمائية الصناعية، لكنْ من الواضح أن ترمب سيرسم مساره الخاص مع روسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
كما أن الكثير سيعتمد على مؤسسة أخرى قد توفر الضوابط، فتشكيلة الكونجرس -على سبيل المثال- ستؤدي دون شك دوراً في تشكيلة فريق ترمب، فبعد ضمان الجمهوريين الأغلبية في المجلس فإن شخصيات مثيرة للجدل قد تحصل على هذه المناصب.
ولعل ما يمكن توقعه بشكل شبه حاسم هو أن ترمب سيحاول اتّباع غرائزه الخاصة بدلاً من الاستماع إلى نصيحة إدارته، إلا أن معظم “البالغين” (الذين ضبطوا تصرفات ترمب في رئاسته الأولى) لن يوجدوا في الغرفة هذه المرة. كما أن حقيقة أن السياق الدولي اليوم يُعَدُّ أكثر خطورة مقارنة بفترة رئاسته الأولى في خلال الفترة 2016-2020، ليس أمراً مُشجعاً. ولعل ما هو مؤمَّل أن المؤسسات وبعض المنطق السليم سيتغلبان على صناعة القرار الغريبة الأطوار لترمب.