علي حسين عبيد
أصبح عالمنا اليوم أشبه بساحة سباق مفتوحة بين بني البشر، ولا أحد مُستثنى من ذلك، حتى المصابين بعلل وعاهات ومشاكل صحية دائمة، تجدهم في ساحة السباق، ولسنا هنا بصدد نقد تنافس الناس أو تكالبهم على حصد الموارد، بل ما نقصده الإجابة عن أسباب التوتر البشري الشامل، وكيف يمكن التقليل منه في ظل هذا اللهاث المحموم، بعد أن فرضت ظاهرة التوتر نفسها على الجميع، وبات القضاء عليها في عداد المستحيل.
لقد ذهبت أيام البساطة والهدوء إلى غير رجعة، ولم تعد البساتين والمساحات الخضراء والأنهار الصغيرة قادرة على منح الناس قليلا من الطمأنينة، أو الشعور بالسلام الروحي والنفسي، فكل رجل مسؤول عن عائلة تجده يعمل في أكثر من مهنة، ويقضي ساعات النهار كلها يكدّ في أعمال بعضها شاقّة، أملا بموارد أكثر تكفي لاقتناء أو تأمين الاحتياجات الضرورية والكمالية التي باتت من ضروريات الفرد والعائلة في عالمنا المادي.
هذا يعني أن إنسان عصرنا الحالي، بات أمام معادلة قلة الوقت من ناحية، وكثرة الأعمال من ناحية أخرى، وهذا سبب كبير في إنتاج التوتر، فحين تتعاظم متطلبات العيش، وتكثر انشغالات الناس، ويتكالب الجميع على إنجاز أكبر ما يمكن من الأعمال مقابل الموارد، فإن الوقت يبدو في هذه الحالة ضيّقا، وغير كافٍ لإنجاز كل ما يُشغل الإنسان، وهذا يتسبب في حالة توتر مستمرة، بسبب العيش تحت ضغط الوقت وكثرة العمل.
قلّة الوقت وكثرة الأعمال
في ظل هذه المعادلة المعاصرة التي لا سبيل للخلاص منها، لابد من إيجاد حلول ليست وقتية ولا طارئة، بل دائمة حتى نتأقلم مع حياتنا وفق شروطها الصعبة، ومن أهم الحلول حين تكثر المشاغل والأعمال والحاجة إلى الإنجاز، هو تنظيم الوقت الخاص بنا، أو ما يطلق عليه بدقة أكثر (الوقت الشخصي)، فالخطوة الأولى لمعالجة التوتر هي أن يبادر الفرد لتنظيم وقته بدقة، وبما يتيح له السيطرة على وقتنا، وعلى تنفيذ مشاغلنا وأعمالنا المهمة.
في كتابه عن أدارة الوقت يقول مارك مانشيني (يمكن لإدارة الوقت أن تساعد في تقليل التوتر، فنحن كثيرا ما نشعر بالعجز بسبب عوامل خارج نطاق سيطرتنا، أهم أسباب التوتر هو فقد السيطرة. لذا عندما نحسن إدارتنا لما هو تحت سيطرتنا، فإننا بذلك نقلل من الضغط والتوتر).
الوقت الشخصي يعود للفرد نفسه، ولا أحد يتصرف بهذا الوقت إلا هو، ويبقى الأمر متعلقا بكيفية إدارته لهذا الوقت وتنظيمه بما يضمن سيطرة تامة على شؤون الفرد المختلفة (الأعمال، النشاطات، العلاقات، الانشغالات الاجتماعية …. إلخ)، على أن يتنبّه إلى طريقة تمضية هذا الوقت، وهل يعيش بطريقة صحيحة أم العكس.
تنظيم الوقت له مزايا كثيرة، أهمها يوفر ساعات فائضة يمكن صرفها في العيش بطريقة صحيحة كالترفيه المتوازن، وهذا النوع من الترفيه يساعد على تقليص مساحة التوتر وأسبابه، فحين يُحسن الإنسان إدارة وقته، ويضع خطة لأعماله ونشاطاته وتحركاته المختلفة لساعات يومه التي يسيطر عليها، حينئذ يصبح كل شيء واضح ومحدد وله توقيتات منتظمة، ليس بمعنى التقنين الزمني الصارم، ولكن كلما كانت التوقيتات صحيحة وجيدة ومناسبة ويلتزم بها الفرد، سوف تكون سيطرته على الوقت جيدة.
خطوات لخفض التوتر
في هذه الحالة قد يخفق الإنسان مرة ومؤتين وثلاثا، ولكن في نهاية المطاف فإنه سوف يتعلم من أخطائه في معالجة الوقت، وسوف يصبح قادرا على توفير اللازم لأمور ليست شاقة، كالترفيه والجولات السياحية مثلا، على أن تكون هناك مرونة في هذا التنظيم الزمني، فقد يتم إنجاز عمل تضع له أربع ساعات بثلاث فقط، هنا سوف تكون لديك ساعة فائضة يمكنك صرفها في أمور أخرى.
وربما يحدث العكس فتضح ساعتين لإنجاز عمل معين لكنه يأخذ منك ثلاث ساعات، وهنا سوف يتسبب لك التوتر بسبب ضغط الوقت، ولكن مع مرور الزمن والالتزام بالتنظيم الزمني سوف يعالج الإنسان أخطاءه ويسيطر على إدارة وقته، المهم في هذا الجانب أن يسعى الإنسان إلى تطوير أسلوب وطرائق حياته أو معيشته بكل تفاصيلها، وينبذ ما هو ثقيل أو غير ملائم، ويطور ما يراه مفيدا ومجديا له.
مارك مانشيني يؤكد على هذه النقطة حين يقول (يمكنك مقاومة آثار التوتر عن طريق تطوير أَسلوب حياة أكثر صحة. وإليك ثلاث نقاط لتحقيق ذلك). ويقترح خططا للاستمتاع، والعيش بطريقة أفضل من خلال إتقان إدارة الوقت بصورة جيدة فيقول:
خطّط لتستمتع: واكتب قائمة بأكثر الأنشطة التي تحبها، وإذا لم تكن مارست اثنين من هذه الأنشطة على الأقل خلال الشهر الماضي، فقم بإدارة وقتك بحيث تستطيع الاستمتاع بها أكثر بصورة منتظمة. بمعنى تمارس التجريب على استثمار الوقت إلى أن تعثر على طريقة جيدة ومناسبة لإدارة وقتك.
ويطالب الفرد بمقاومة التوتر، فيخاطبه بالقول: قُم بإدارة كل ما هو في نطاق سيطرتك بشكل أفضل، قلل الضغوط الناتجة عن وجود قدر أكبر مما ينبغي من الأعمال التي تحتاج للقيام بها وعدم توفر الوقت الكافي لذلك. وهذا يعني أن الأمر يعود إليك شخصيا، فعليك أن تعرف طاقتك والوقت المتاح لك، وعليك أن تغيّر باستمرار في تنظيم وإدارة وقتك حتى تصل إلى ما يناسب وضعك وظروفك مع الإصرار على خاصية تحسين إدارة الوقت.
كذلك يطالب مانشيني بتقليل آثار التوتر فيقول: زد من قوة مقاومتكً. قم بتنمية سلوكيات صحية ايجابية لمكافحة آثار التوتر). وهذه المقاومة يمكن أن تتطور مع الأيام والشهور لتصبح خطة عملية منتظمة لإدارة وقتك الشخصي.