إستثمار الفرص : دوافع ودلالات زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا

د. هدير طلعت سعيد

 

قام الرئيس الصينى،شى جين بينج،بزيارة رسمية إلى روسيا،في الفترة من 20 إلى 22 مارس 2023،والتي تعد أول زيارة خارجية يجريها منذ إعادة إنتخابه لولاية ثالثة غير مسبوقة فى الصين ،وهو ما أضفى على هذه الزيارة أهمية كبيرة،خاصةً أنها زيارته الأولى لموسكو منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية ،وهو ما يثير بدروه عدة تساؤلات رئيسية حول دوافعها ودلالاتها وأبرز رسائلها فضلاً عن مدى تأثير هذه الزيارة على مستقبل الحرب الأوكرانية وخصوصا الدور الذى ستلعبه بكين فى هذا الصراع . بمعنى آخر ، هل يمكن للوساطة الصينية أن تنجح فى حلحلة الأزمة وتسويتها فى ظل الحرص الأمريكي على تعطيل بناء تلك الآليات البديلة، أو خفض تأثيراتها إلى أقل قدر ممكن، مما يطيل أمد الحرب ، ويضفى عليها مزيداً من التعقيد ، ويجعل تحقيق السلام أمراً مستبعداً فى الأمد المنظور.

سياق الزيارة

تكتسب هذه الزيارة أهميتها كونها تأتى فى ظل العديد من المتغيرات على الصعيدين الداخلى والخارجى ،والتى تتمثل أبرزها في الآتي:

1-مساعٍ صينية لتسوية الأزمة الأوكرانية : سبقت زيارة الرئيس الصيني لروسيا زيارة أخرى قام بها كبير الدبلوماسين الصينيين “وانغ يي ” لموسكو تزامنت مع حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب ، وحضوره مؤتمر ميونخ للأمن ، وجاءت فى ختام جولة مكوكية لعدد من الدول الأوروبية إستهدفت محاولة بلورة رؤية بكين حول تسوية الأزمة الأوكرانية  .وفى أعقاب تلك الزيارة ، بدت الصين وكأنها تقدم نفسها كوسيط سلام ، وأعلنت عن موقفها بشأن “حل سياسي” للصراع مكون 12 بنداً أهمها إحترام سيادة جميع الدول ووقف إطلاق النار و إستئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف .

2- تفاقم حدة الصراع القائم فى أوكرانيا : تشهد الحرب في أوكرانيا تصعيداً وتسارعاً ملحوظاً في الأحداث الميدانية وإستخدام المسيرات من قبل أطراف الصراع في مدينة باخموت شرق أوكرانيا، حيث كثّفت روسيا من عملياتها العسكرية، ولجأت إلى ضم أقاليم أوكرانية لسيادتها، واستهداف البنية التحتية في المدن الأوكرانية. فيما استطاعت القوات الأوكرانية تحقيق تقدم ملموس في عدد من المناطق، وتحاول شن هجمات معاكسة على مواقع مجموعة فاغنر الروسية غير النظامية، وهو ما عَكَس تكثيفاً للغارات والهجمات الروسية، وبدا مؤشراً واضحاً على تفاقم الصراع.

3- ضغوطات غربية متزايدة لعزل موسكو : تواجه موسكو ضغوطات غربية متزايدة بسبب الصراع الراهن فى أوكرانيا ،كان أخرها إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتها بتوقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خلفية إتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا .  فضلا عن الإستمرار فى فرض مزيد من العقوبات الغربية على روسيا كان أخرها فرض الإتحاد الأوروبي حزمة عاشرة من العقوبات تتضمّن قيوداً أكثر صرامة في مجال تصدير تكنولوجيات وسلع مزدوجة الإستخدام سبقها خطوات مماثلة من قبل الولايات المتحدة وكندا. هذا بالاضافة إلى تكهنات روسية بشن الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة غير مسبوقة لعزلها سياسيا واقتصاديا، بما في ذلك محاولة تعطيل القمة الروسية الأفريقية الثانية في سان بطرسبرج، والتهديد بفرض عقوبات ووقف المساعدات المالية والإنسانية على الدول النامية المناوئة لروسيا .

من ناحية أخرى، أعلنت الولايات المتحدة رفضها لوقف إطلاق النار في أوكرانيا تزامناً مع زيارة شي لموسكو ، وتشكك في قدرة الصين على إيجاد تسوية للأزمة الروسية الأوكرانية . وقد سبق أن أعلنت مؤخرا عن حزمة مساعداتها العسكرية الأخيرة لكييف ، بقيمة 350 مليون دولار ، فضلا عن التوترات الروسية الأمريكية الأخيرة جراء إسقاط موسكو مسيرة أمريكية MQ-9 كانت تحلق فوق البحر الاسود جنوب غرب شبه جزيرة القرم ؛ المجال الجوي في شأن عمليات موسكو العسكرية في أوكرانيا؛ فى أول مواجهة مباشرة بينهما منذ بدء الحرب غير أن البعض رأى في هذه الخطوة رسالة تهديد أمريكية غير مباشرة، وألمحت تقارير بأن دعوة الزعيمان الصينى والروسي إلى وقف الأعمال التي “تزيد التوترات” و “تطيل” الحرب في أوكرانيا ، وفقًا لبيانهما المشترك الصادر عن وزارة الخارجية الصينية ، جاءت رداً على التحركات الأمريكية الأخيرة.  

4- تصاعد التوترات بين الصين والغرب: تواجه الصين، خلال الفترة الأخيرة، موجة واسعة من حملات التشويه المتعمدة لصورتها، وهي الموجة التي يتبناها الغرب من خلال نشر المعلومات المضللة، وإتهامها بأنها ليست طرفا محايداً وتتبنى موقفا إنتقائياً فمن ناحية تحاول تقديم نفسها علناً على أنها وسيط سلام، بينما لم تدين الغزو الروسي وتخطط لدعم موسكو عسكريا وتساعدها على مواجهة العقوبات المفروضة عليها ؛ بهدف تأليب الرأي العام العالمى ضدها؛ فقد شرع مسؤولو بعض القوى الكبرى، في التحذير من مغبة إرسال الصين أسلحة إلى روسيا ، خوفاً من تهديد مصالحها أو تغيير التوازنات الإستراتيجية على أرض المعركة.

من ناحية أخرى ، تأتى الزيارة فى خضم تصاعد التوترات بين الصين والغرب حول تايوان والقيود الغربية المتزايدة على صادرات تكنولوجيا أشباه الموصلات إلى الصين ، وبعد أن إتهمت بكين كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بتأجيج سباق تسلح جديد بعد إتفاق الدول الثلاث في 13 مارس الجاري على تطوير جيل جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، بهدف مواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندوباسيفيك). لذا جاءت الزيارة لموسكو والتى تراها بكين مفتاح لخلق ثقل موازن للضغوط الأميريكية ، لتؤكد بأن الرئيس الصيني لا يخضع أبدا لضغوط الخصوم، وكلما زاد الضغط عليه، أظهر إشارات تدل على أن هذا الضغط لم ينجح ، ومع وجود القوات الإقليمية الأمريكية تحت القيادة الأوروبية أو قيادة المحيطين الهندي والهادئ،  فهناك “قيادة أوراسية” واحدة للتعامل مع تلك التهديدات.

5-نجاح الوساطة الصينية فى الشرق الأوسط  : جاءت الزيارة بعد أن توجت وساطة بكين بين إيران والسعودية بإعلان إعادة العلاقات بين القوتين الإقليميتين ووضع نقطة النهاية لسنوات من القطيعة ، وعليه ربما تأمل بكين في أن تنجح في إستنساخ السيناريو ذاته مع موسكو وكييف وإن اختلفت الظروف بين الحالتين، لكن بكين تراهن على قوة علاقاتها مع روسيا وفي الوقت ذاته على رغبة أوكرانيا في وقف اطلاق النار وفق تسوية مقبولة . وحينها تكون إكتملت زوايا مثلث جديد فى الدبلوماسية الدولية مناهضاً للغرب من الصين وورسيا وإيران. 

6-إعادة إنتخاب شى لولاية رئاسية ثالثة : تأتى الزيارة تزامناً مع بداية ولاية ثالثة للرئيس الصينى شي جين بينج عنوانها “إستكمال بناء الدولة” ، والتى ستحفل بتحديات قد تعيد تشكيل مكانة الصين في العالم، وتبدّل مسار علاقاتها مع دول عظمى أخرى، ولاسيّما روسيا مع وصول العلاقات بينهما إلى أعلى مستوى لها بعد إطلاق “شراكة لا حدود لها” فى العام الماضى. ولطالما أكدت الصين منذ مارس 2013 على قوة علاقاتها مع موسكو كنموذج جديد للعلاقات بين القوى الكبرى ، حينما إختيار شي موسكو في أول جولة خارجية له كرئيس للصين .وبعد عشر سنوات، يختارها مجددا كأول جولة خارجية له بعد إعادة إنتخابه مما يؤكد أولوية موسكو كشريك رئيسي ومصدر قوة ودعم فى حسابات الرئيس شي خلال المرحلة القادمة بإعتباره “الصديق القديم والمفضل ” من ناحية ، ومتانة وصلابة هذه العلاقات بغض النظر عن تغيرات البيئة الدولية من ناحية أخرى   .

دوافع رئيسية

تتعدد الدوافع الصينية من إجراء هذه الزيارة إلى روسيا . ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الدوافع على النحو التالى 

1-تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع روسيا:  تهدف الزيارة الى تعميق الشراكة الشاملة بين البلدين ونقلها إلى مستوى جديد خصوصا على الصعيد الإقتصادي. وقد أكد البيان المشترك الصادر عن البلدين على حلقة جديدة من الشراكة فى عصر جديد ، وذلك بعد أن وصلت العلاقات بينهما إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. كما تم توقيع وثيقتين لتعميق العلاقات الروسية الصيينة وخطة لتطوير التعاون الإقتصادى حتى العام 2030 مع تعهد البلدين بزيادة حجم التجارة خلال العام الجارى الى 200 مليار . فضلا عن التعهد بـ “زيادة تعميق الثقة العسكرية المتبادلة” ، مشيرين إلى تعزيز التبادلات العسكرية والتعاون بينهما وتنظيم دوريات بحرية وجوية مشتركة بإنتظام. كما توج الإجتماع بأربعة عشرة إتفاقية لتعزيز التعاون في مجالات من التجارة والطاقة والتكنولوجيا والتعاون الفضائي والثقافي والعسكري .

2-  دعم الحيلف الروسي :  تمثل زيارة الرئيس الصيني دعماً ضمنياً ومعنوياً كبيراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعطيه دفعة قوية في مواجهة الضغوط والتحديات المتزايدة . من ناحية أخرى ، هناك رغبة صينية حقيقية في إخراج موسكو من مستنقع الحرب في أوكرانيا ؛ إذ تعتبر الصين فشل روسيافي أوكرانيا تهديدًا ، بالنظر إلى أنه ينطوي على مخاطر تداعيات سياسية محتملة مرة أخرى في روسيا أهمها سقوط نظام بوتين، بالتالي تقوية الولايات المتحدة، وربما الدخول في فترة من الفوضى وعدم اليقين على طول الحدود بين روسيا والصين. وبالتالى ترى أن إستمرار الحرب يمثل إستنزافًا للقوة العسكرية الروسية، وبالتالي تتخوف من إنهيارها، والبقاء منفردة في مواجهة النفوذ الغربي.

3-إحتواء التصعيد الروسى:  هناك تخوفات صينية من تصعيد الصراع الدائر فى أوكرانيا بل وخروج الأمور عن السيطرة نتيجة مغامرات غير محسوبة وسوء تقدير رد الفعل خاصة مع تعليق موسكو معاهدة “نيوستارت” ، والتلويح الروسي بعدم إستبعاد اللجوء للخيار النووى مع تنامى الدعم العسكرى الغربي لكييف ، ومبادرة بريطانيا لتزويد كييف بقذائف اليورانيوم المنضب وتعهد روسيا بالرد إذا تم إستخدام أسلحة ذات مكون نووي. وبالتالى، جاءت هذه الزيارة كمهمة سلام صينية ومحاولة من جانب بكين لتهدئة مسار الحرب وربما إقناع حليفها الروسي بوقف التصعيد لأن بوتين لن يخاطر بتخييب أمل شريكه الرئيسي شي الذي يضمن صموده ، كما أن وقف التصعيد يظل أفضل خياراً من وجهة نظرها كونه يحافظ على مكانة روسيا كقوة عالمية من ناحية ، وسيعزز نفوذ بكين وحضورها المباشر في القارة الأورواسية من خلال لعب دور مهم في إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في أوروبا على المدى الطويل من ناحية أخرى   .

4-تحدى الهيمنة الأمريكية: تأتى الزيارة فى إطار نشاط دبلوماسي صينى مكثف يبدو إظهاراً لقوة نفوذها السياسي في مواجهة النفوذ الأميركي حيث ترى القيادة الصينية أن الفرصة سانحة لتحقيق إختراق عجزت عنه القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي إنحازت لصالح طرف على آخر وقدمت الدعم المالي واللوجستي وحتى العسكري، وهو ما يتناقض مع الأعراف الدولية في فترة الحروب والنزاعات ،وذلك من خلال تقديم نفسها لاعباً أساسياً ومحورياً في تسوية أزمة عالمية تريد واشنطن إستمرارها للحفاظ على مصالحها.

من ناحية أخرى ، أكدت بكين على أهمية الشراكة التى “لا حدود لها “مع موسكو ، ودخولها مرحلة جديدة من التعاون فى مواجهة الهيمنة الغربية وحماية المصالح الجوهرية للطرفين ، و مواصلة العمل مع روسيا لحماية النظام الدولي بحزم.كما روج كل من بوتين وشي لـ “الزخم الجديد” الذي سيحققه إجتماعهما لعلاقتهما الثنائية في رسائل منفصلة نُشرت في وسائل الإعلام الوطنية التي تديرها الدولة قبل الزيارة. كما إستخدم كلاهما الخطابين للتنديد بـ “الهيمنة”  في إشارة إلى هدفهما المشترك المتمثل في صد ما يعتبرانه نظامًا عالميًا تقوده الولايات المتحدة ،و بناء نظام دولى جديد متعدد الأقطاب .

4-دحض الإدعاءات الأمريكية ضد الصين :حاولت الصين من خلال هذه الزيارة التى وصفتها بأنها “رحلة سلام ” تهدئة المخاوف الغربية ودحض الإدعاءات الأمريكية بشأن إمكانية تسليح روسيا في حربها ضد أوكرانيا من خلال تأكيد موقفها المحايد ولعب دور بناء فى صنع السلام و توقيع بيان مشرك يؤكد الحل السلمى للأزمة الأوكرانية ،مما يحسن من صورتها الدولية في مقابل شيطنة الوجود الأمريكي الذي يؤجج الصراع ولا يرغب فى حله من خلال دعمه العسكرى المتنامى لكييف .

5-تأمين المزيد من واردات الطاقة الروسية : كان الشق الإقتصادى هو الحاضر الأبرز في زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو ، إذ   تهدف بكين إلى زيادة الوارادات النفطية والغاز من روسيا بأسعار تنافسية لا سيَّما مع حاجتها المتزايدة للطاقة بعد إعادة فتح حدودها مع العالم ، مستغلة فى ذلك التصدعات المتزايدة في علاقات موسكو بالغرب على خلفية حرب اوكرانيا لتحل محل أوروبا كعميل رئيسي للغاز. وقد تعهدت روسيا بزيادة إمدادات النفط غير المنقطعة وإمدادات الغاز الطبيعي المسال للصين ، فضلا عن توسيع المعاملات التجارية بالعملات الوطنية بعيدًا عن هيمنة الدولار،و الإتفاق بشأن مشروع خط أنابيب الغاز الضخم، “قوة سيبيريا 2″، الذي سيربط سيبيريا بشمال غرب الصين ، وفى حال تنفيذه ، سيتم نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب الغاز الذي يهدف إلى زيادة كبيرة في عمليات التسليم الروسية إلى الصين. ويُنظر إلي هذا الخط بإعتباره بديلا لخط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي بُني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا لكن تمّ التخلّي عنه إثر الحرب مع  أوكرانيا .

-إكتساب مزيد من أوراق الضغط : تحاول بكين إستغلال تعويل الغرب عليها فى إقناع روسيا شريكها الرئيسي بالتراجع عن التصعيد كورقة ضغط أو مساومة على الموقف الأمريكى من السياسة الصينية تجاه تايوان ، والتطلع إلى التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول تسوية الحرب بشكل يحقق مصالح الطرفين خاصة أن بكين تنظر للنزاع فى أوكرانيا من عدسة المنافسة مع الولايات المتحدة حيث ترى أن هذه الحرب هى حرب بالوكالة بالأساس  .

رسائل عديدة

بعثت الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني، شي جين بينج ، إلى موسكو بجملة من الرسائل الضمنية أهمها عزم الجانبين على تمتين الشراكة الإستراتيجية والوصول بها إلى نقلة نوعية تؤسس لمرحلة متطورة من التعاون والتكامل الإقتصادي والتنسيق الدبلوماسي في عالم ما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا ،كما تعكس نوعاً من التضامن حتمته طبيعة الأوضاع الدولية الراهنة . فضلا عن التأكيد الضمني على مساعي البلدين لتغيير ميزان القوى في العالم، وتحدي الهيمنة الأميركية . ويأتي ذلك بالبناء على ما تم أخيراً من إجراءات -لا سيما على المستوى الإقتصادي وبعد العقوبات المفروضة على روسيا- تؤسس إلى تحدى هيمنة الدولار ونظام سويفت المالي، علاوة على إمكانية تغيير الخارطة العالمية في مجال إمدادات الطاقة إذ تم التأكيد خلال الزيارة على مد خط قوة سيبريا الثاني ، وكأن خطوط أنابيب الغاز المتعطلة في أوروبا ستحل محلها أخرى تربط بين روسيا والصين.

إلى جانب ذلك ، تستبطن زيارة شي لموسكو رسالة إلى الغرب المتحالف مع أوكرانيا بأن جهودهم لعزل موسكو ومحاولتهم المستمرة لإضعاف وإحتواء البلدين لم تنجح ،وأنها لن ترضخ لأية ضغوطات ،وماضية فى تعزيز تعاونها مع روسيا وفقًا لإرادتها ومصالحها الوطنية. من ناحية أخرى، تظهر زيارة شي للعالم أنه يمكن للصين التوسط في النزاعات الدولية، وأنها شريك موثوق، ما يعد تحذيراً لواشنطن وأوروبا في شأن الحاجة إلى التفاوض مع بكين كقوة عالمية كبرى مسؤولة ، كما تبعث الزيارة برسالة إلى العالم وخاصة دول الجنوب العالمى مفادها بأن الصين وسيط عالمي يحظى بالثقة ، وقوة داعمة أكثر قابلية للتطبيق من الولايات المتحدة.

مجمل القول : يبدو أن الصين لن تفوت فرصة الإستفادة من الأزمة الأوكرانية وتداعياتها ، وضعف موسكو المتراجعة والمعزولة دولياً بشكل متزايد عبر تعظيم مكاسبها ، لاسيما على الصعيدين الإقتصادي والسياسي ، وإتضح جلياً أن أوكرانيا لم تحتل أولوية في جدول أعمال إجتماعات موسكو كما كان متوقعاً والدليل على ذلك لم يتم الإعلان بعد عن أى خطوات جدية فى هذا الإطار لا من حيث التوقيتات أو الموضوعات المطروحة للنقاش، ولم تسفر الإجتماعات عن أي تقدم بشأن حل الصراع ، بل أكدت بكين موقفها الذى ظل ثابتاً منذ إندلاع الحرب ولم يخضع لأي ضغوط أو إعتبارات أخرى. وبالتالي ، لا تعدو هذه الزيارة كونها زيارة طبيعية على صعيد العلاقات الثنائية ، ومناورة دبلوماسية من جانب بكين لموازنة الضغوط المتزايدة عليها من الغرب خاصة وأنه كان هناك ترقب غربي شديد حول نتائجها .

ولا شك أن تلك الزيارة سيكون لها إنعكاساتها الإيجابية على كافة المستويات ، وسيكون التعاون الإقتصادي الروسي الصيني، الأقوى في العالم في الفتره القادمة خاصة بعد الاعلان عن تدشين “قوة سيبيريا 2” والذي سيشكل علامة فارقة في تعزيز التعاون الإقتصادي بين البلدين مع إستبعاد أن تقدّم الصين على نطاق واسع أنظمة تسليح لروسيا في وقت تعتزم ان تكون عامل إستقرار “مع دول غير غربية”، ،مع تفضيل الظهور بمظهر برجماتى سلمى فى إطار ممارسة دورهاكفاعل دولى محايد ومسؤول وصانع سلام عالمى مع توخى الحذر فى تعاملاتها مع موسكو لتجنب الوقوع فى شرك أى عقوبات محتملة . 

وأخيراً ، إن الأزمة الأوكرانية هى أزمة مُركبة متعددة الجوانب، فضلاً عن أنها مُعقدة ،وبالتالى فحلها ليس سهلاً وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الصيني في هذا الصدد قائلاً “أنّ المشاكل المعقدة ليس لها حلول بسيطة”، ولكن سيكون هناك مخرج إذا كان هناك حوار متساوٍ. ويبقى نجاح بكين فى إستنساخ سيناريو السلام الدولى مجدداً فى أوكرانيا مرهوناً بالموقف الأمريكي من المبادرة الصينية ، ومدى إقتناع واشنطن بنواياها في السعي لتحقيق السلام، ، والتأثير على“بوتين” لقبول المطالب الغربية بعد التوصل إلى تفاهمات سياسية وتقديم ضمانات أمنية . لكن المؤكد أن الصين مقتنعة في اللحظة الراهنة بأن لديها فرصةً مواتيةً لتكريس صورتها كقوة سياسية عظمى منافسة للولايات المتحدة قادرة على المشاركة بشكل عملي لتسوية الأزمة الأوكرانية، تستطيع من خلالها تحدى النفوذ الأمريكى ،وتأكيد دورها السياسي والأمني العالمي ،وإتمام ترسيخ دعائم قوتها الوطنية الشاملة ، وبناء مجتمع أمنى ذى مصير مشترك. 

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33445/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M