فى حرب تعتبر الأكثر فظاعة خلال الـ 16 عاما الأخيرة، قتلت إسرائيل أزيد من 32 ألف فلسطينى، من بينهم 13 ألف طفل، وهو ما يتجاوز عدد الأطفال الذين قتلوا خلال النزاعات فى جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأربع السابقة، واستهدفت صحفيين وعلماء واطباء وممرضين وفنانين وأكاديميين ومهندسين وأفراد أسرهم، إضافة إلى تسجيل 12 ألف فلسطينى فى عداد المفقودين وإصابة 71 ألف جريح. رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولى يطالب بوقف فورى لإطلاق النار خلال شهر رمضان، وكذلك رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، تواصل إسرائيل حربها الوحشية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، باعتباره عدوا يتعين القضاء عليه أو إبعاده بالقوة. لتحقيق هذا الهدف، قامت إسرائيل باستخدام ترسانة مروعة من الأسلحة فى أكثر مكان اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض، وتم تدمير أحياء بأكملها. فى أقل من ستة أشهر، استطاعت اسرائيل تدمير قطاع غزة مما أدى إلى محو أو إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية والأراضى الزراعية ومعظم المنازل ومرافق الرعاية الصحية، والبنية التحتية للاتصالات ومعظم المرافق التعليمية وعدد لا يحصى من المنشآت الثقافية التى تشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعى فى فلسطين. لم تكتف إسرائيل بجرائم الإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية، إنما يتفاخر جنودها بنشر مقاطع فيديو توثق قتل المدنيين وقصف المنازل والمساجد والمدارس، وتعذيب الضحايا وانتهاك سلامتهم وحقهم فى الحياة وكرامتهم الإنسانية. هذا، وتم تسجيل ارتفاع فى معدلات الاختفاء الجماعى والاعتقالات التعسفية والتعذيب الممنهج والمعاملة اللاإنسانية على نطاق واسع فى القطاع منذ بداية الهجوم البرى عليه. مقابل هذه الجرائم، تفرض إسرائيل قيودا صارمة على وصول المياه والغذاء والكهرباء والوقود، ومنع دخول الإمدادات الطبية، بهدف تجويع الشعب الفلسطينى فى غزة، وتركه فريسة لإصابته وأمراضه، إضافة إلى تعمدها تقويض وكالة «الأونروا» التى تعد شريان الحياة الرئيسى فى القطاع. ولإضفاء الشرعية على ما تقوم به من إبادة جماعية، تعمدت إسرائيل تشويه القواعد الرئيسية للقانون الدولى الإنسانى من خلال التوسع المتعمد فى التعريفات الخاصة بـ الدروع البشرية وأوامر الإخلاء والمناطق الآمنة والأضرار الجانبية والحماية الطبية، وكذا عدم التمييز المتعمد بين المدنيين المحميين أو البنية التحتية المدنية والمقاتلين أو الأهداف العسكرية المشروعة، وتبرير مقتل وإصابة المدنيين باعتبارها أضرارا جانبية، والادعاءات المتكررة بشأن استخدام حماس المستشفيات والمنشآت الطبية كمراكز لعملياتها. فى محاولة محتشمة للضغط على اسرائيل، أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة جديدة تطالبها باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة دون تأخير لضمان توفير المساعدات الإنسانية اللازمة إلى غزة وفى مقدمتها زيادة قدرة وعدد المعابر البرية مع إبقائها مفتوحة لأطول فترة. وطالبت المحكمة، فى قرارها الجديد، الجيش الإسرائيلى بعدم انتهاك حقوق الفلسطينيين المحمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما فى ذلك عدم إعاقة تسليم المساعدات الإنسانية اللازمة فى غزة. وقضت بضرورة تعاون إسرائيل الكامل مع الأمم المتحدة، من أجل تزويد الفلسطينيين فى غزة بالخدمات الأساسية، وفى مقدمتها الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والملابس ومواد التنظيف، فضلا عن الإمدادات الطبية والرعاية الطبية. قرار المحكمة لم ينص بشكل مباشر على وقف إطلاق النار، وان كانت تصريحات مسئولين فى مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، تؤكد أن الوضع الإنسانى الكارثى فى غزة لا يمكن حله إلا من خلال وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكن من سيضغط على إسرائيل من اجل إيقاف الحرب؟ هناك حديث عن مفاوضات تجرى بوساطة قطر ومصر حول تعليق الهجوم الإسرائيلى لمدة ستة أسابيع مقابل إطلاق سراح 40 من أصل 130 رهينة ما زالوا محتجزين لدى حماس. هذه الاخيرة تسعى إلى أن ينص أى اتفاق على إنهاء القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية والسماح لمئات الآلاف من النازحين من غزة والمناطق المحيطة بها جنوبا من الحرب بالعودة إلى الشمال. هذا الشرط تستبعده إسرائيل مؤكدة، إنها ستستأنف لاحقا الجهود الرامية إلى تفكيك القيادات الإدارية والعسكرية لحماس. ما يعنى تأكيدها استمرار جرائمها. المخجل ان بعض التقارير تتحدث عن سماح امريكا بنقل أسلحة إلى حليفتها إسرائيل بقيمة مليارات الدولارات، هذا فى وقت تدعى فيه الإدارة الامريكية أن الرئيس الأمريكى يطالب بنيامين نيتانياهو بالتوقف عن قتل المدنيين. هذا يعكس تناقضات الحرب، وهى تناقضات تتجاوز التصريحات والمواقف، ولكنها تناقضات فى المبادئ والاخلاق!
المصدر : https://ecss.com.eg/45018/