د. أحمد فؤاد أنور
سيشهد عام 2022، مرور74 عاماً على نشأة الكيان الإسرائيلي، وهو ما يتواكب مع حديث متواتر عن مرحلة ما بعد الصهيونية، دلالة على القلق من فشل التجربة والتحسب لمتغيرات غير مأمونة العواقب، خاصة فى ظل التطورات التى شهدتها اسرائيل فى العام 2021، والتي سيتم التطرق لها بالتحليل في السطور القادمة.
أولا: معطيات داخلية
تقود إسرائيل منذ يونيو 2021 حكومة متنافرة المكونات قبلوا خيانة وعودهم لناخبيهم مقابل إسقاط نتنياهو ووضع كلمة النهاية لحقبته الطويلة. تزايد العنف الداخلي جنائيا وقوميا فبالإضافة لصراع شرس بين عصابات على مناطق النفوذ وتقسيم الغنائم، انتفض فلسطيني الداخل ضد جيش الاحتلال احتجاجا ورفضا للانتهاكات المتكررة ضد الحرم القدسي، وضرب الأبراج السكنية في غزة ضمن حملة وحشية نالت من المدنيين في المقام الأول وليس عناصر المقاومة، وبالفعل تم رصد تفشٍ للعنف بعد تنامي قوة العصابات الجنائية في أوساط المدن والبلدات التي يقطنها غالبية من فلسطيني الـ48. مع الإشارة إلى تكرار حصد أرواح فلسطيني الـ48 على يد القوات الإسرائيلية ففي الوقت الذي تعتذر فيه إسرائيل عن مذبحة كفر قاسم التي وقعت في عام 1956، مع ملاحظة أن هذا الإعتذار يأتي متأخرا 65 عاما، نجد أنها لا تعتذر عن قتل 13 في انتفاضة 2000 التي اندلعت في هبتين 1-3 أكتوبر، ومن 7- 10 أكتوبر من عام 2000، وعن قتل 13 من فلسطيني الـ48، كل هذا ساهم عام 2021 وعلى خلفية الانتهاكات الإسرائيلية للحرم، والأطماع التوسعية في حي الشيخ جراح، في انفجار كبير وتحديدا في الفترة من 9 مايو إلى 18 مايو ووفقا للأرقام الرسمية حيث سقط من الجانب الإسرائيلي عدد أكبر من القتلى (3 مقابل 2) بالإضافة إلى سقوط نحو 496 مصابا بينهم 3000 من شرطة الاحتلال، كما أضرب عن العمل في مؤسسات عديدة أعداد مؤثرة من فلسطيني الـ48.
ثانيا: معطيات خارجية
١. اتفاقات التطبيع
شهد عام 2021 تنشيطا -بعد فترة خمول- لمسار اتفاقات التطبيع مع عدد من الدول العربية، والمعروفة باسم الاتفاقيات الإبراهيمية، وأصبح التنسيق الأمني مع دول عربية تطل على الخليج أو على المحيط الأطلسي علنيا ولا يحتاج إلى تلميح أو استنتاجات. كما شهد العام المنصرم مناوشات إزاء إيران أغلبها يتطابق مع الخط الذي تتبناه تل أبيب خلال السنوات الطويلة الماضية، فالعنوان العريض في هذا الملف هو اشتباكات كلامية ومناوشات محدودة بدون تأثير أو حسم أو اكتراث من كلا الجانبين. الضربات داخل سوريا من النادر أن تتحمل تل أبيب مسئوليتها، وأغلبها صاروخية من خارج المجال الجوي السوري ولا تتجاوز الغارات المتقطعة فهي ليست حربا محدودة أو حتى عملية مستمرة لبضعة أيام يستلزم وقفها تفاوضا أو الاستجابة لشروط وإملاءات يضعها المنتصر. وعلى نفس المنوال نجد أن حرب الناقلات أيضا بين تل أبيب وطهران يكتنفها الكثير من التناقض فهي ليست بالشراسة التي سادت بين بغداد وطهران إبان حرب الخليج الأولى، يتخللها فترات هدنة طويلة للغاية وبدون الإعلان عن تحمل مسئولية أي هجوم من هذا الطرف أو ذاك.
٢. العلاقات مع مصر
وإذا وصلنا إلى رمانة الميزان القاهرة الوحيدة القادرة على الحديث والتأثير في جميع الأطراف الإقليمية والدولية بشكل لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهله أو تسعى لتهميشه سنجد أن تل أبيب تسعى لتحقيق إرادتها الرامية لتحويل معادلة الأرض مقابل السلام إلى معادلة جديدة مفادها “السلام مقابل السلام” أمام الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين أيضا، وأن تتمحور العلاقات مع بقية الدول العربية والإسلامية حول التعاون الأمني والاقتصادي. وقد اصطدمت تلك الإرادة بسياسات مصرية ثابتة وراسخة تسعى للسلام والتنمية والحفاظ على الأمن القومي المصري وفي الإطار ذاته لا تتخلي عن مسئوليتها التاريخية والأخلاقية إزاء القضية الفلسطينية التي لابد من إيجاد حل عادل لها يتمثل في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وتأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 4 يونيو وعاصمتها القدس الشرقية.
حتى بعد نجاح مصر في تقليص فترة الاشتباك الدامي الأخير في غزة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال اعتقد البعض بأن الرؤية المصرية يمكن تغييرها أو الالتفاف حولها، لكن حتى بعد سقوط نتنياهو ونجاح جهود تثبيت الهدنة ، واستقبال رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت في شرم الشيخ وما تلاه -بعد نحو شهرين- من إعلان تعديل مكتوب في الملحق الأمني لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل بما يتيح تعزيز القوات في شمال سيناء وهو ما كان في إقرار رسمي بما تحقق بالفعل على الأرض. ففي مقابل هذه الجهود البانية للثقة أو التحفيزية لم تتوان مصر عن تقديم مشروع قرار نال بالفعل أغلبية أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الاحتلال وممارساته، كما أعلنت رسميا انتهاء المرحلة الأولى من إعادة الأعمار (إزالة الركام)، وبدء المرحلة الثانية (البناء والتشييد).
ثالثا: تأثيرات متوقعة
سوف يمتد تأثير المعطيات السابقة للعام 2022، وإن كان بدرجات مختلفة، ويمكن إجمال أبرز التأثيرات المتوقعة في عام ٢٠٢٢ وفقا لعدد من المحاور، تشمل:
١. مجال الساسية الخارجية: بتأثير من الذهنية التى تميز رئيس الوزراء الاسرائيلى نفتالى بينيت، حيث يعتبر من أصحاب الشركات الناجحة التي جعلته من أكثر الشخصيات ثراء في إسرائيل، أي أن عقليته تجارية ونفعية إلى حد بعيد، وتموضعه في الخريطة السياسية مع اليمين المتدين هو أولوية ثانية، بعد رغبته العارمة في تحقيق المكاسب الملموسة السريعة على جميع الأصعدة. والمنتظر والأقرب للحدوث هو استمرار الائتلاف الحالي رغم ما فيه من تنافر بين أطرافه الحزبية، وتخطي الشراك والألغام التي يسعى نتنياهو وحزبه وضعها أمام المسيرة لإسقاط الحكومة واستغلال تنافر رؤى أعضائها في قضايا عديدة. وسيعزز من موقف الحكومة وشعبيتها قرب الانتهاء من مشروعات تتعلق بتطوير شبكة القطارات ووضع إشارات مميكنة، من جانب آخر، فمن المنتظر أن تفشل إسرائيل في مساعيها لتحسين مركزها في تصنيف دول العالم من حيث حرية الصحافة، حيث تقبع حاليا في المركز ال86 ومن المتوقع أن تتدهور أكثر في هذا المؤشر (متخلفة وراء دول صغيرة في العالم الثالث) بعد الهجمة على غزة، وبعد إصدار تشريعات تضيق على مستخدمي مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.
٢. فلسطينيي الداخل: فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل، من المتوقع أن يثير دعم الإخوان المسلمين (متمثلين في القائمة العربية الموحدة وذراعها السياسي الحركة الإسلامية في إسرائيل) وإتاحة المجال سواء من خلال “نتنياهو” أو “بينت” حاليا أمام رأس القائمة الموحدة “منصور عباس” وتمكينه ودعمه والترويج له، غضبة قطاعات عريضة من فلسطيني الـ48، خاصة وأنه بالفعل نجح في تخطي نسبة الحسم في الانتخابات بصعوبة، ونجاحه فقط في شق صف القائمة العربية المشتركة بعد مكاسب مادية محدودة لم يتردد في مقابلها عن تمرير ودعم قوانين مجحفة لفلسطيني الداخل. وهو أمر مرشح للانفجار في أي وقت، بل واندلاع موجات من العنف كترجمة غير مستبعدة للتراشق والتخوين والشحن الجماهيري منذ الحملة الانتخابية وعند التصويت على مشروعات القوانين المثيرة للجدل (مثل تدريس اللغة العربية في المدارس، وإحياء ذكرى مذبحة كفر قاسم رسميا، ومنح المثليين حرية وحقوق أكبر، حيث اعترض منصور على الموضوع الأول والثاني ووافق هو جماعته على المقترح الثالث). مع ملاحظة أن الاستعدادات لانتخابات البلديات داخل الخط الأخضر في 2023، وكذلك انتخابات المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية الفلسطينية أو حتى انتخابات مبكرة للكنيست من شأنها أن تزيد من حدة التوتر وارتفاع منسوب تبادل الاتهامات وربما الاشتباك المباشر.
٣. إتفاقيات التطبيع: من المتوقع أن تسعى إسرائيل بناء على النجاحات التى حققتها فى العام 2021 مع كل من المغرب والامارات والبحرين إلى توقيع اتفاقيات جديدة، مع تفعيل الاتفاقات الأولية مع السودان، مقابل السعي لدى الإدارة الامريكية لتخفيف الضغوط الخاصة بحقوق الانسان، وتقديم مزيد من المساعدات الاقتصادية. من ناحية أخرى فقد أدى اتفاق التطبيع والتعاون مع المغرب في مجالات مختلفة إلى زيادة حدة التوتر بين الجزائر والمغرب.
وبعد الزيارة التي وصفت بأنها تاريخية لرئيس وزراء إسرائيل في نهاية عام 2021 لأبو ظبي ربما تتعثر المسيرة قليلا إذا ما واجهت في 2022 أحد أمرين، الأول استمرار تهرب واشنطن من إتمام صفقات سلاح متقدمة للإمارات، وإذا ما اندلعت بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال موجة جديدة من المواجهات الشاملة، خاصة إذا كانت على خلفية احتجاجات على تدنيس المقدسات في القدس الشريف.
وإجمالاً فقد جنت إسرائيل العديد من المكاسب من هذا التطبيع، حيث رفعت منظمات دولية توقعاتها بشأن النمو المنتظر للاقتصاد الإسرائيلي في عام 2022 إلى 4,9٪ بعد أن كانت التوقعات تقف عند حاجز 4,5٪ فقط من بضعة أشهر. لكن يتوقف الأمر على الطريقة التى سيتم بها مواجهة تفشى سلالة كورونا المعروفة بأوميكرون.
٤. تهديدات إسرائيل لإيران: مع نهاية العام 2021 ما زال الغموض يحيط بالنتائج المنتظرة من المفاوضات النووية بين إيران والغرب، وقد سعت إسرائيل إلى دفع الولايات المتحدة لوقف التفاوض واللجوء الى حل عسكرى، واعنلت الكثير من التهديدات ضد إيران وتوعدت بالقيام بعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية. وتبدو ‘سرائيل أمام سيناريوهين أولهما تقليدي: لا يخرج عن استمرار الصراع المحدود حاليا بفاتورة محسوبة بدقة ودون تحول سياسة حافة الهاوية لمواجهة شاملة. والثاني سيناريو غير تقليدي تلجأ فيه اسرائيل منفردة الى عمل عسكرى موسع ضد إيران بدعم أمريكى غير مباشر. وهو سيناريو تستعد له اسرائيل عسكريا، رغم ما فيه من مخاطر شديدة سوف تتعرض لها.
٥. إسرائيل وجهود مصر للسلام والتهدئة: من المنتظر أن تستمر جهود مصر للتنسيق مع الجانب الإسرائيلي لضبط الحدود، وتبادل المعلومات لمنع المتسللين من الجانبين، مع ربط الجهود المصرية لإعادة إعمار غزة وتشييد مناطق سكنية جديدة بتعهدات صريحة من حماس وإسرائيل بعدم شن هجمات تصعيدية جديدة، والسعي لإتمام صفقة تبادل الأسرى في أقرب وقت. ومن المتوقع أن تواجه جهود رأب الصدع بين غزة ورام الله تعقيدات إسرائيلية مما سيؤخر بعض النتائج المرجوة.
.
رابط المصدر: