بهاء النجار
الحلقة الأولى
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ( الأحزاب/56)
من يدقق في الآية الكريمة يرى كلمة (قريب) هي صفة، والمعروف لغوياً أن الصفة تتبع الموصوف في التذكير والتأنيث والموقع الإعرابي والإفراد والجمع وغيرها.
إلا أن كلمة (قريب) في الآية هي صفة لكلمة (رحمة)، و (الرحمة) مؤنثة و (قريب) مذكر، فكيف تكون الصفة مذكر والموصوف مؤنث؟!
احد المشايخ الأفاضل يقول – وهو رأيه الشخصي ولم ينقله عن مفسر او فقيه – أن كلمة (قريب) هي صفة لعبارة (رحمة الله) وليس لكلمة (رحمة) فقط، وممكن أن يكون مصداق (رحمة الله) هو الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، (وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين)، او الإمام الحسين عليه السلام، كما نردد دائماً (يا رحمة الله الواسعة)، او يكون الإمام المهدي عليه السلام لأنه علّة الوجود ولولاه لساخت الارض بأهلها.
بالنتيجة ان اي مصداق لعنوان (رحمة الله) سيكون قريباً من المحسنين، ومن لا يكون قريبا من المحسنين لا يمكن ان يكون (رحمة الله) وفق الآية الشريفة.
——————————
الحلقة الثانية
قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِىِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ ( طه / 135 )
يخبرنا الباري عز وجل من خلال كتابه العزيز القرآن المجيد أن الكل متربص ، لذا علينا التربص أيضاً ، وهذا التربص من قبل الآخرين يعكس استعداد الطرف الآخر لبدء المعركة ، ولمواجهة هذا الاستعداد لا بد من التربص ، وهذا ما يتناغم مع استراتيجية الجهاد الدفاعي ، فالمؤمن لا يتربص بالآخرين إلا أن يتربصوا به ، عندها يكون تربصه لهم من باب الدفاع عن النفس .
وبعد انتهاء هذا التربص الذي قد ينتهي بالمعركة سنعلم من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى بانتصارهم الذي لا يكون جلياً إلا في قيام دولة العدل الإلهي بقيادة المهدي الموعود سلام الله عليه ، وأصحاب الصراط السوي والمهتدون هم أنصار الحق .
وبالتأكيد إذا عرفنا أنصار الحق سنعرف من هم أنصار الباطل باعتبار أنه لا يوجد طرف ثالث .
——————————
الحلقة الثالثة
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور / 55 )
لو دققنا في ظروف التمكين الواردة في الآية المباركة وصفات الممَكَّنين لوجدنا ما يأتي :
– أن الممَكَّنين من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وأوضح مصاديقهم الأنبياء والأوصياء .
– مستخلفين كما استخلف الذين من قبلهم ، والمستخلفون من (الذين من قبلهم) هم الأنبياء والأوصياء .
– الدين الذي ارتضاه الله لهم يكون مُمكّناً عندهم ، ولا يتحقق الدين المرتضى عند الله بالدقة إلا عند الأنبياء والأوصياء .
– أن الممَكَّنين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وهذه الصفات لا تتحقق بالدقة إلا عند الأنبياء والأوصياء .
– تبديل الخوف بالأمن ، وقلّما نجد مؤمناً يتصف بالصفات التي ذكرناها سالفاً يعيش الخوف فيبدّله الله بالأمن ، بل لا نجد ذلك أصلاً ، إلا الإمام المهدي عليه السلام .
– يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً ، وإذا أخذنا المعنى الدقي الدقيق للعبادة والشرك فهذه لا تتحقق إلا عند الأنبياء والأوصياء .
وفق الصفات أعلاه فإن الآية تنطبق تماماً على الإمام المهدي عليه السلام كأبرز مصداق للممَكَّنين في الأرض .
——————————
الحلقة الرابعة
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (النمل / 22)
إن قوة سليمان عليه السلام التي أذلّت حتى الجن لم يبلغها أحد الى الآن ، ولكن بالتأكيد سيبلغها المهدي المنتظر عليه السلام في آخر الزمان عندما يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ومن يريد أن يتعرف على شكل الحكم في الدولة المهدوية يمكنه أن يرى مثيلتها في الدولة السليمانية .
ورغم هذا الـمُلك الفريد من نوعه والقوة التي لا مثيل لها إلا أن أجواء الحرية تبدو على أوجها ، إذ يأتي حيوانٌ ضعيفٌ مُتَهَمٌ بالتقصير ومُهدَّدٌ بالعقوبة والعذاب الشديد قد أغاظ الملكَ بغيابه – وهو الهدهد – مخاطباً سليمان الملك عليه السلام الذي سخــّر الله له كل شيء وآتاه من كل شيء : (( أحطتُ بما لم تحط به )) .
أيُّ ملِكٍ يقبل بمخاطبة الرعية له بهذا الأسلوب ؟! إنها الحرية التي ضمنتها دولة سليمان عليه السلام والاطمئنان الذي رسّخه ملكُها النبي الولي بين أفراد المجتمع .
—————–
الحلقة الخامسة
قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (النمل/27)
من الضروري دراسة قيادة النبي سليمان عليه السلام دراسة معمّقة كي نستلهم منها مقومات ودعائم القيادة القوية من زاوية قرآنية لا زاوية شيطانية ، باعتبار أن قيادة النبي سليمان عليه السلام من أكثر القيادات قوة على مر التأريخ ، وسوف لن يكون لها مثيلاً الى يوم القيامة عدا قيادة المهدي المنتظر عليه السلام لأنها تمثل ختام الانتصار الإلهي والذي بعدها يكون دين الله على الدين كله ولو كره المشركون .
وكذلك لنميّز القيادات التي تنتهج نهجاً قرآنياً من غيرها ، فربما يعتقد البعض أن استخدام الشدة والقوة والدقة والحدة مخالف للنهج السماوي والقرآني ، فيجيب القرآن الكريم هؤلاء بقصة سليمان عليه السلام .
فالهدهد موظف في دولة سليمان عليه السلام ، ومن المؤكد أن اختياره لم يكن اعتباطياً بل كان وفق ضوابط صارمة بحيث يكون مقرّباً من السلطان سليمان عليه السلام ، ومع هذا عندما قام بعمل لم يرتضه النبي الملك العادل أوقفه للمساءلة ولم يقبل بعذره إلا بعد تقديم الدليل والحجة ، فلم يكن لقرب الهدهد من مجلس سليمان عليه السلام أثر في التسامح والتساهل ، وربما كان سليمان عليه السلام يعذره لتغيبه لو كان الأمر متعلقاً به ، ولكنه – اي سليمان عليه السلام – أراد أن يعلّمنا ويعلّم الهدهد أن لا نتهاون في القضايا العامة لأنها لسيت ملكاً لنا ، وأن العلاقة الخاصة بينه وبين سليمان عليه السلام لا تعني قبول التغيب بلا عذر .
—————–
الحلقة السادسة
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (الأحزاب /26)
يروى في الأدبيات المهدوية أن المهدي عليه السلام منصور بالرعب ، فكيف يُنصَر بالرعب ؟ ومن هم المرعَبون ؟ ولماذا أُرعِبوا ؟
سنجيب على الأسئلة أعلاه وفق نظرية الاحتمالات او الأطروحات :
سيُنصَر بالرعب عن طريق قذفه – أي الرعب – في قلوب أعدائه الذين يحاولون منعه من نشر الدين الإسلامي وإقامة حكم الله تعالى في الأرض بعد أن تظاهروا عليه وتعاونوا ضده ، عندها يستطيع قتل فريق وأسر فريق آخر حتى ينتصر ، ولم يكن عداؤهم له لأنهم غير مقتنعين بهذا الدين الحنيف وإنما خوفاً من ضياع مصالحهم ومراكز نفوذهم ، وقد يكونون من الكافرين أو من أهل الكتاب المتحالفين معهم ممن يشتركون معهم في المصالح الدنيوية ، وإذا اعتبرنا المسلمين أهلَ كتابٍ أيضاً فيمكن أن يكون من أعدائه من المسلمين أنفسهم ممن غرتهم الحياة الدنيا وفضّلوا الانضمام الى تحالف أهل الكتاب والكافرين .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
—————–
الحلقة السابعة
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (سبأ/ 12)
يمكننا أن نستفيد من قصة النبي سليمان عليه السلام لنتعرف على بعض معالم دولة مهدي هذه الأمة سلام الله عليه ، ولو من باب الاحتمالات والسيناريوهات ، لأن البعض قد ينبهر بالتطور الذي يشهده عالمنا اليوم فيستبعد – على الأقل عقلياً – وجود قوة يمكن أن تقلب الطاولة على المتسلطين على العالم وتحوّل كفة الانتصار الى الإسلام الحقيقي .
فما تمتع به سليمان عليه السلام من تسخير الريح والجن وغير ذلك يمكن أن يتمتع به المهدي المنتظر عليه السلام ، بل هو أحق بهذه الميزات لأن مسؤوليته أهم وأعم ، لأن إظهار الإسلام على الدين كله سيكون على يديه ولو كره المشركون .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
—————–
الحلقة الثامنة
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (سبأ/ 12)
قد يتصور البعض أن العذاب السعير لا يناسب سمو الدولة الإلهية التي يقودها وليٌ من أولياء الله كالنبي سليمان عليه السلام أو غيره كالإمام المهدي عليه السلام ، باعتبار أن مثل هذه الدولة وما تحمله من إسم تسعى لتربية الناس وليس العذاب ، فضلاً عن أن يكون سعيراً .
ولِفكِّ هذا الإشكال نقول : إن الأجواء التي تتمتع بها الدولة الإلهية والتي يعيشها أفرادها تكون بمستوى راقٍ وسامٍ بحيث تكون أدنى عقوبة تجاه أي فرد منهم بسبب زيغه عن جادة الشريعة وقانون الدولة السماوي حتى لو كانت توبيخاً كلامياً فيُعد عذاباً سعيراً ، وهذه هي الكرامة بعينها ، إذ يشعر الفرد بالمهانة لأقل خطأ كأنه عذاب سعير .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم