إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني على إسرائيل.. التأثيرات والتداعيات المحتملة

شادي محسن

 

في مشهد غير مسبوق، تم إطلاق عشرات الصواريخ متعددة المديات من جنوب لبنان على منطقة الجليل الغربية شمال إسرائيل. ونفى حزب الله (الوكيل الإيراني في لبنان) مسؤوليته عن الحادث، فيما تميل التقديرات الاستخباراتية إلى تورط مجموعة من الفلسطينيين الناشطين في جنوب لبنان.

وتشهد منطقة الجليل الغربية مجموعة متفرقة من الهجمات بدأت في 13 مارس 2023، وبالتحديد في منطقة مجيدو، واستمرت حتى وقت إطلاق الصواريخ الأخير. ومن المقدر أن يأخذ هذا المشهد فصولًا متكررة ولكن في أقاليم جغرافية أخرى. وتقيم هذه المذكرة البحثية، أبرز المسؤولين عن هجمة الصواريخ الأخيرة، والتأثيرات المؤثرة في المشهد الحالي، وتداعياته المحتملة.

أولًا: المسؤول المحتمل؟

تشير القراءات الاستراتيجية وخاصة الإسرائيلية، إلى أن المسؤول الأكثر احتمالًا في مشهد إطلاق الصواريخ من لبنان، الفصيل الفلسطيني “قوات الجليل -الذئاب المنفردة” الذي يتخذ من جنوب لبنان مقرًا له، وأعلنت “قوات الجليل” في وقت ماضٍ (13 مارس) مسؤوليتها عن الهجوم بالقنابل على مفترق مجيدو. وبحسب بياناتها العسكرية المنشورة على قناتها الرسمية على تطبيق التواصل الاجتماعي “تيليجرام” يتبين أنها المسؤولة عن هجمات في الضفة الغربية في يومي 18 مارس و7 إبريل. كذلك أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق ثلاثة صواريخ من غزة صوب مستوطنات غلاف غزة في السابع من إبريل الجاري. إذن، تريد قوات الجليل التواجد في عدة أقاليم جغرافية؛ لتوحيد عدة جبهات مهددة لإسرائيل.

ذكرت عدة تقارير أن التنظيم تأسس في سوريا ويعمل تحت رعاية سوريا وحزب الله، وتبين معلومات إضافية أن قوات الجليل هي الذراع العسكري لحركة الشباب الفلسطيني (حركة شباب العودة)، التي تعمل بدعم من سوريا وحزب الله.

من المحتمل أن يكون الفصيل الجديد هو إعادة تسويق صورة جديدة من تنظيم “الأحرار” الفلسطيني في الجليل في سنوات 2007 و2008. وتم تجنيد الأفراد المنضمين لقوات الجليل بشكل أساسي من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ومعظمهم من مخيم خان دنون الواقع جنوب دمشق. بالإضافة إلى ذلك، تم تجنيد فلسطينيين من دول أخرى مثل لبنان. وتشير التقديرات إلى أن العرب الإسرائيليين والفلسطينيين من الضفة الغربية الذين تمكنوا من الوصول إلى سوريا على مر السنين تم إرسالهم للقتال داخل هذه المنظمة.

زعيم هذا التنظيم هو فادي الملاح، الذي كان سابقًا أحد كبار قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتشير تقارير في وسائل الإعلام العربية إلى أنه يعمل بالتنسيق الكامل مع النظام السوري وحزب الله وإيران. وكذلك شارك مقاتلو “قوات الجليل” في معارك حلب وغيرها مما أكسبهم الكثير من الخبرة القتالية.

ثانيًا: تفسيرات المشهد

هناك مجموعة من العوامل المرتبطة بما جرى بين إسرائيل وجنوب لبنان، تفسر المشهد هل هو على مستوى الفعل أم رد الفعل؟ يمكن تقديرها على النحو التالي:

1- أمننة المشهد السياسي في إسرائيل

تواجه حكومة نتانياهو اضطرابات سياسية وأمنية حادة، مؤداها (أ) التهديد الذي يلاحق استقرار الحكومة بسبب الاحتجاجات الإسرائيلية المستمرة في مواجهة مشروع ما يسمى بـ “الإصلاح القضائي”. (ب) تنامي ظاهرة عزوف جنود الاحتياط عن الالتحاق بتدريباتهم؛ لاعتبارات سياسية على السطح.

لذلك، سعى نتانياهو من أجل تقليل زخم المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل، إلى إضفاء اعتبار أمني يهدد استقرار وجود إسرائيل نفسها عبر إعادة تدوير المشهد في طابع أمني بحت، يعيد إلى الواجهة الصراعان الأساسيان: الصراع الإسرائيلي-الإيراني، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وبهدف نجاح التكتيك أخذ نتانياهو على عاتقه (أ) منح المستوطنين السلاح والسماح بإنشاء الحرس الوطني الإسرائيلي الذي تتبع سلطته وزير الأمن المتطرف “ايتامار بن جفير”. (ب) تكثيف الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية. (ج) تكثيف الهجمات الجوية الإسرائيلية على مناطق تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا.

تسببت تلك المساعي في إثارة رد فعل إيراني من جهة، وفلسطيني من جهة أخرى في مواجهة إسرائيل. نتج عنه ما شهده الجليل الغربي شمال إسرائيل، وما شهدته منطقة أغوار الأردن شرق الضفة الغربية، ومنطقة غلاف غزة.

يبين الجدول التالي، نسب نجاح نتانياهو في إثارة الرأي العام الإسرائيلي، خاصة في الأوساط الأكثر احتجاجًا عليه (الوسط، والوسط يسار، واليسار) التي اجتاح رأيها العام، أن ما يمر على إسرائيل حاليا يمكن وصفه بـ “الأزمة الخطيرة”. (المصدر: مركز استطلاعات الرأي الإسرائيلي ماداد)

2- حفظ تماسك الجيش الإسرائيلي

اعتبر نتانياهو عزوف الاحتياط عن التدريبات في الجيش الإسرائيلي مهددًا قويًا لأمن إسرائيل؛ بسبب العوامل التالية: (أ) حدوث تغييرات فوضوية نوعًا ما في التشكيلات العسكرية خاصة في الضفة الغربية، ويرجع سببها إلى ازدواجية السلطة على القوات الإسرائيلية في الضفة بين وزير المالية “سموتريتش” ووزير الدفاع “جالانت”. (ب) ثورة الإسرائيليين على نتانياهو بسبب ما يجري في الجيش الإسرائيلي وكذلك الشرطة الإسرائيلية، فعلى الرغم من انحسار شعبية المؤسستين بشكل حرج لدى المزاج العام الإسرائيلي، إلا أن نتانياهو تفاجئ بردة فعل الإسرائيليين الثائرين لما يلحق بالجيش والشرطة في إسرائيل، وما يتسبب فيه رئيس الوزراء بتقويض تماسكهم من خلال السماح بإنشاء ما يسمى بالحرس الوطني.

خدم المشهد الأمني المتزايدة حدته في غزة، والضفة، وفي جنوب لبنان، ولاحقا في سوريا (9 إبريل)، حكومة نتانياهو عن طريق رفع التأهب الشرطي والعسكري واستدعاء آلاف من الجنود الاحتياط للانتشار في الضفة، وشمال إسرائيل.

3- التشويش السياسي على المعارضة الإسرائيلية

دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو في المجلس الوزاري الأمني المصغر زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد”، ولم يستدع بيني جانتس الذي يحتل حزبه المرتبة الثانية في نتائج استطلاعات الرأي في حال جرت انتخابات مبكرة. وتشير كواليس هذا الاستدعاء، إلى أن نتانياهو يرغب في شق صف المعارضة أي إحداث شقاق بين لابيد والرجل الثاني في المعارضة “جانتس” وإعادة لابيد مرة أخرى إلى الواجهة السياسية.

وهو ما تحقق بالفعل، إذ صدرت تصريحات من يائير لابيد، مفادها أن إسرائيل تواجه أزمة غير مسبوقة في تاريخها (تعدد جبهات التهديد) وحينها لا مكان لمصطلحات سياسية مثل معارضة وحكومة.

رغم ذلك، بدأ يائير لابيد في إطلاق تصريحات سياسية مناهضة لسياسات نتانياهو. ولا ينزعج نتانياهو كثيرًا من تلك التصريحات لأنها قد تتسبب في تفتيت القاعدة الشعبية للمعارضة، وانقسامها بين مسؤولين يحملان بعضًا من التباين الأيديولوجي خاصة فيما يتعلق بحل الدولتين.

ثالثًا: التداعيات المحتملة

يحمل المشهد الأمني الأخير، وبالتحديد ما يجري جنوبي لبنان وسوريا، مجموعة من التداعيات الأمنية المحتملة. يمكن تقديرها على النحو التالي:

1- تكثيف الحضور الأمريكي في المنطقة

بناء على تقديرات استخباراتية أمريكية وإسرائيلية، فإن إيران تحضر لخطة مواجهة تشمل خمسة أركان من بينها إشعال الجبهة السورية ضد إسرائيل.وانعكس ذلك على زيادة القوات الأمريكية في البحر الأحمر والبحر المتوسط، إذ صدرت أوامر للغواصة الصاروخية الموجهة يو إس إس فلوريدا، القادرة على حمل 150 صاروخ كروز من طراز توماهوك، بالذهاب إلى البحر الأحمر. وتم نقل سرب طائرات هجومية من طراز A-10 إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وطالما أحاط بإسرائيل قلقًا خاصًا من مشروع إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة، حتى بعد انضمام إسرائيل إلى السنتكوم الأمريكية (القيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط). لذلك يعد المشهد الأمني الحالي منصة مهمة لإسرائيل لاستعادة حضور عسكري مكثف للولايات المتحدة في المنطقة.

2- التشويش على التطبيع الإيراني-الخليجي 

تراقب إسرائيل تطورات الإقليم خاصة على مستوى التقارب الإيراني الخليجي، والسوري الخليجي، بشيء من القلق والحذر، إذ تخشى إسرائيل أن ينتهي هذا التطور إلى مركزية إيرانية في الترتيب الإقليمي الجديد تكون إسرائيل فيه معزولة شيء ما.

ويعد إثارة رد فعل فلسطيني – إيراني من الجهة السورية واللبنانية، مؤشرًا خطيرًا بعض الشيء على استقرار إقليم شمال إسرائيل من ناحية الجليل وما يحدها من جهة الأردن. ويقصد بالإشارة هنا إلى مشروع “بوابة الأردن”، الذي تشاركه إسرائيل مع الأردن  التي تحتاج لمثل هذا المشروع لتنويع اقتصادها وفتح أسواق جديدة مع أوروبا ودول شرق المتوسط، عبر سكك حديدية إسرائيل تربط غرب الأردن بميناء حيفا المطلة على البحر المتوسط.

يشجع التطور الأمني الحاصل في لبنان وسوريا، على لعب الحرس الثوري الإيراني دورًا إقليميًا يبعث برسالة إلى الإقليم، مفادها أن أي تقارب خليجي إيراني يظل في مربعه الدبلوماسي ولا يتطور إلى أبعاد أمنية ما لم يكن الحرس الثوري مؤثرا فيه.

3- تحالف أمني موسع

ربما قلّل التطبيع الإيراني السعودي، بعضًا من المبررات الأمنية من أجل تشكيل تحالف أمني شرق أوسطي موسع موجه ضد التهديدات الإيرانية. حيث أقلعت طائرة مسيرة انتحارية إيرانية من طراز مهاجر 6 يوم الأحد 2 إبريل من مطار الضبعة في سوريا، أثناء تحليقها باتجاه بحيرة طبريا، وتم إسقاطها فوق البحيرة. وقد يعيد هذا التطور الأمني فكرة تطوير تحالف أمني، يستهدف التصنيع العسكري المضاد للصواريخ والطائرات المسيرة، وبالتحديد الطرازات الإيرانية المستحدثة.

ختاما، يمكن القول إن التطور الأمني الأخير في إسرائيل لا يخلو من التوظيف السياسي المتعمد من رئيس الحكومة الإسرائيلي الحالي الذي يواجه أزمة سياسية حادة. ولكن يبدو أن المشهد الأمني قد يحمل تداعيات محتملة تهدد الأمن الإقليمي في المنطقة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76614/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M