إعادة تشكيل موازين القوى في الجنوب السوري: سياسة إدارة الشَّرع لدمج منطقة درعا بالحكم المركزي

  • حقَّق نجاحُ إدارة الرئيس أحمد الشرع في حل اللواء الثامن، أقوى قوة سنية في جنوب سورية، مكاسبَ مهمة، أبرزها تحولها إلى الفاعل القوى في الجنوب السوري، وتطويق مدينة السويداء من جميع الاتجاهات وإضعاف موقفها العسكري، وإفشال خطط إسرائيل في فصل الجنوب السور ي عن دمشق.
  • ستعتمد قدرة إدارة الشرع على توسيع سيطرتها على درعا وتعزيز دمجها بسلطة دمشق على مدى نجاحها في تعزيز شرعيتها من طريق ضبط الأمن اليومي ومحاصرة الفوضى، وتحسين الخدمات وتنشيط الاقتصاد في المنطقة.
  • سيبقى التهديد الإسرائيلي أهم تحدٍّ خارجي يواجه إدارة الشرع في الجنوب السوري، فلا تزال إسرائيل تحتل شريطاً واسعاً في درعا، ولا توجد مؤشرات عن انسحاب إسرائيلي قريب، والأرجح أن إسرائيل ستمضي في مساعيها لكبح سيطرة حكومة دمشق على المناطق المحاذية للحدود.

على مدار الأشهر الماضية، سعت القيادة الجديدة في دمشق إلى تعزيز سيطرتها على المناطق الحدودية، وفي مقدمتها منطقة درعا في الجنوب السوري، نظراً لموقعها الاستراتيجي المحاذي لكلٍّ من الأردن والجولان المحتل. وأسهم لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي جرى في الرياض في مايو الماضي، في تسريع هذه العملية، نظراً للشرعية السياسية التي حازها الشرع، وللموارد التي يُتوقع أن تتوفر نتيجة رفع العقوبات الأمريكية عن سورية.

خلفيات العلاقة بين السلطة الجديدة في دمشق وفصائل درعا

يعود الخلاف بين فصائل درعا، وبخاصة اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، وجبهة النصرة التي تحوّلت لاحقاً إلى هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، إلى أول أيام الثورة السورية، واستمر عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وحتى حلّ اللواء الثامن في أبريل 2025.

في ليلة سقوط النظام في 8 ديسمبر، دخل اللواء الثامن أولاً إلى دمشق، وسط اتهامات باحتفاظه بوثائق وأسرار تخص النظام، ما أثار توتراً مع قيادة عملية “ردع العدوان” التي كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. وعلى رغم توقُّع حصول تفاهم بين أحمد الشرع وأحمد العودة في اللقاء الذي جمع بينهما في دمشق في 11 يناير، ظل التوتر قائماً بين الطرفين. وقد برز التوتر بشكل واضح بعد غياب أحمد العودة عن “مؤتمر النصر” الذي أعلن الشرع رئيساً مؤقتاً. وبالتزامن، رفض اللواء الثامن الاندماج في وزارة الدفاع وتمسَّك بسيطرته على شرق درعا، ما أثار تساؤلات حول موقعه بين الانخراط في النظام الجديد أو العمل بوصفه قوة مستقلة.

الرئيس السوري أحمد الشرع وإلى يساره يقف أحمد العودة، قائد اللواء الثامن المُنحل (أرشيفية/إعلام سوري)

أثار غياب سيطرة الشرع على درعا، خصوصاً على اللواء الثامن، قلقاً في دمشق. فقد كان يُنظر إلى هذا اللواء وقائده العودة بوصفه القوة السنية الوحيدة خارج منظومة تركيا والهيئة، وله علاقات بروسيا والأردن، كما أنه بدأ في التقارُب مع الشيخ حكمت الهجري الذي كان يحظى دعم إسرائيلي قوي. كما زادت سيطرة اللواء على المنطقة الغربية في محافظة السويداء من صعوبة احتوائها، وربطت جبل العرب بسهل الحوران. وتفاقمت شكوك السلطة الجديدة في دمشق بسبب مطالب العودة بمنح اللواء وضباطه وضعاً خاصاً ضمن الهيكلية العسكرية الجديدة، إلى جانب تحديد نطاق عملهم في الجنوب السوري، ما فُسّر حينها كمسعى لفرض نفوذ مستقل.

زاد التدخل العسكري الإسرائيلي في جنوب سورية، إلى جانب الضربات الجوية المتكررة ومطالبة إسرائيل بإقامة منطقة منزوعة السلاح، من تعقيد المشهد. فشنّ سلطات دمشق هجوماً حاسماً على الفصائل الجنوبية كان سيستفز ردّاً إسرائيلياً، في حين أن تجاهُل هذه الفصائل، وخصوصاً اللواء الثامن، كان سيمنحها مساحة أكبر لتحدي السلطة المركزية والتشكيك في شرعيتها. في هذا السياق، يبدو أن الرئيس الشرع انتهج مقاربة هجينة وحذرة.

استراتيجية دمشق تجاه درعا في الجنوب السوري

يتّبع الرئيس أحمد الشرع تجاه منطقة درعا استراتيجية ترتكز على العناصر الآتية:

أولاً، قطع الدعم والحماية الخارجيَّين

استفاد الشرع في الأشهر الماضية، وبخاصة بعد تغير السياسة الأمريكية تجاه دمشق، من وقف الدعم الخارجي لفصائل الجنوب أو تقلصه. ويبدو أن الأردن لم يعد يرتاح للفوضى الموجودة في درعا، لذا تحدثت تقارير عن تعاون عمّان مع دمشق لإخراج أحمد العودة، قائد أقوى فصيل في جنوب سورية، من المشهد. أما إسرائيل، فقد قلصت من حدة خطابها تجاه دمشق بعد مباركة ترمب حكم الشرع، فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن تل أبيب لا تنوي التدخل في هوية النظام في دمشق، بل تهتم بأمنها. إلا أن إدارة الشرع لم تنجح -حتى الآن- في تحييد التأثير الإسرائيلي عن مجريات الأحداث في الجنوب. فما زالت تمنع وجود قوّة كبيرة بالقرب من حدودها، وبالكثير تسمح بوجود مخافر شرطية بعدد محدود من العناصر وأسلحة خفيفة. بل إن إسرائيل في خلال انشغالها بالحرب مع إيران، نفَّذت في 17 يونيو عمليات توغل وفجرت 15 مبنىً في إحدى بلدات محافظة القنيطرة، ما أثار استنكار الطرف السوري.

ثانياً، المزج بين القوة الناعمة والخشنة

في ظل التباينات الأيديولوجية والوضع الاقتصادي السيئ للجنوب السوري، تضطر إدارة الشرع إلى اتباع مزيج من القوة والحوافز والتكتيكات الاستيعابية لاستقطاب الفواعل العسكرية والمجتمعية، إذ تعتمد إدارة الشرع على سياسة تقليص دعم خصومها تدريجياً من طريق إنشاء قوى موازية، وتقديم وعود بتحسين مستوى المعيشة والخدمات للسكان، واستغلال قدرتها على التحكم بالفرص الاقتصادية على مستوى المنطقة، مثل تسهيل تصدير المنتجات الزراعية من درعا إلى أسواق الخليج؛ وعلى مستوى الأفراد من طريق ترقية منافسين لخصومه المحليين. ويَتْبع هذه السياسة اللينة في درعا في العادة اللجوء إلى القوة، وبخاصة بعد أن يكون الخصم قد أُنهك بما يكفي ليُقضى عليه دون مقاومة تُذكر أو إراقة دماء. وأبرز مثال على ما سبق هو حلّ اللواء الثامن، كما جرى في المحطات الآتية:

  • بعد فشل المفاوضات المتعلقة بدمج اللواء في البنية العسكرية الجديدة، بدأ الشرع القضم التدريجي لنفوذ اللواء عبر عزله وبناء قوّة بديلة قادها بلال الدروبي أحد المنشقين السابقين عن اللواء، وهو من عائلة المقداد، إحدى أكبر العائلات في بصرى الشام وفي ريف درعا الشرقي عموماً. كما كانت إدارة الشرع قد ضَمنت انشقاق أعداد كبيرة من عناصر اللواء الثامن وانضمامهم إلى بنى موازية مثل تلك التابعة لأحمد الحريري، وهو قائد سابق في حركة أحرار الشام، مكلف بقيادة منطقة حوران.
  • وقع اللواء في خطأ اغتيال بلال الدروبي، وهو الحدث الذي استغله الشرع لاستعمال القوة الخشنة، إذ دفعت إدارته قوّة كبيرة من 1200 عنصر من قوى الأمن العام، لم يجد أمامها اللواء، الذي تراجعت قدراته بشكل كبير نتيجة تخلي العشائر والعناصر عنه، خيارات أخرى سوى الاستسلام. وطلبت الإدارة العسكرية من أفراد اللواء، الذين لا يتجاوز عددهم 400 عنصر العودة إلى بيوتهم وانتظار ظهور قوائم بشأن ضمهم لوزارة الدفاع. وكان من اللافت أن اغتيال الدروبي، الذي جاء وسط استمرار غياب الأمن وتكرار وُعود السلطة بإعادة الأمن والأمان، جعل المجتمع المحلي يُطالب بتفكيك اللواء الثامن وإنهاء نشاطه.
  • لم يظهر أحمد العودة، لا في أثناء معركة تفكيك اللواء ولا بعدها، رغم أن مصادر بحثية سورية أكدت وجوده في بصرى الشام، إلا أن ثمة معلومات تفيد بأن العودة انتقل إلى موسكو قبل ثلاث أشهر من الأحداث خوفاً من تصفيته، بناءً على تفاهم موسكو ودمشق بهذا الخصوص.
قوات أمن تابعة للحكومة السورية الجديدة في طريقها إلى محافظة درعا، جنوبي البلاد (أرشيفية/إعلام سوري)

وبعيداً من اللواء الثامن، تُستخدم هذه الاستراتيجية في مناطق مختلفة من درعا، وتستهدف فاعلين عسكريين ومدنيين على حد سواء. ولا تزال فصائل عديدة ترفض التعاون مع دمشق، وتنقسم هذه الفصائل إلى مجموعتين: فصائل كانت تتبع للجنة المركزية في درعا، ولاسيما المتمركزة في ريف درعا الغربي ومنطقة نوى، وترفض الاندماج بوزارة الدفاع أو تسليم سلاحها، إما بسبب الخلافات العقائدية مع الهيئة والصراع القديم مع جبهة النصرة، أو لأنها باتت على تماس مع القوات الإسرائيلية التي تمدّدت إلى مناطق غرب درعا. أما المجموعات الثانية فهي تتكون مما يسمى “فلول النظام”، وهي عناصر الفصائل التي أجرت تسويات مع النظام وعملت تحت إمرة جهاز الأمن العسكري، وتخاف عناصر هذه المجموعات من المحاكمات، بالإضافة إلى انخراطهم في تجارة المخدرات واقتصاد الجريمة. وتحاول إدارة الشرع اختراق هذه المجموعات، بعد أن فرضت نفسها في شرق درعا، مُستخدمةً في هذا السياق جملة من الأدوات الدينية والاقتصادية لإعادة صياغة البيئة الجنوبية. وقد استطاعت بالفعل استقطاب اللجنة المركزية في درعا البلد ومجموعات البدو في اللجاة، وتعمل على اختراق بقية الفصائل في غرب درعا.

ثالثاً، السيطرة على مفاصل درعا عسكرياً وأمنياً

تتبع إدارة الشرع استراتيجيةً للسيطرة على مفاصل درعا، عسكرياً وأمنياً ولوجستياً، وهي استراتيجية تشبه إلى حد كبير سياسة نظام الأسد في سنواته الأخيرة قبل سقوطه، حين لم يكن يمتلك أدوات سيطرة قوية. تقوم هذه الاستراتيجية على التحكم في التقاطعات الرئيسة (كالطرق السريعة)، والمراكز اللوجستية (مثل معبر نصيب الحدودي مع الأردن)، والنقاط العسكرية والأمنية المنتشرة حول درعا، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة. وبحكم موقعها الحدودي، لطالما تميزت درعا ببنية عسكرية ضخمة من معسكرات وثكنات، وغالباً ما تقع في مواقع استراتيجية كالتلال أو قرب الطرق الرئيسة. كما تنتشر المراكز الأمنية في كل قرية ومدينة في الجنوب، وتعمل إدارة الشرع على التسلل التدريجي إلى هذه المواقع ضمن خطة ممنهجة. وعلى رغم ما تواجهه هذه السياسة من تحديات، تتجلى في الهجمات المتكررة على هذه المواقع، فإنها تتيح للإدارة السيطرة على البنية التحتية الحيوية، وتضييق المجال أمام الخصوم للتنظيم والرد.

على خطى السيطرة على درعا: المكاسب والتحديات 

شكّل حلّ اللواء الثامن نقطة تحوّل محلية بارزة أعادت تشكيل موازين القوى في درعا، حيث رجحت كفة إدارة الشرع بوصفها الفاعل الأبرز مقابل مجموعات متفرقة ذات طابع مناطقي، وبخاصة في بلدات غرب درعا ونوى والمزيريب والشجرة. وعلى الصعيد الدولي، مثّل موقف الرئيس الأمريكي ترمب، الذي بارك مسار إدارة الشرع، تحوّلاً في منحها شرعية سياسية لتوسيع نفوذها في البلاد، بما فيه الجنوب. وفي هذا السياق، برزت جملة من المكاسب والفرص التي تعزز مشروع السيطرة، لكنها لا تخلو من تحديات وعوائق لا تزال قائم، من أبرزها ما يأتي:

1. تطويق السويداء: من أبرز مكاسب إدارة الشرع بعد حلّ اللواء الثامن وترسيخ نفوذها في شرق درعا هو إحكام الطوق على مدينة السويداء من جميع الجهات: من الغرب عبر درعا واللجاة، ومن الشرق عبر البدو، ومن الجنوب عبر الحدود المغلقة. هذا التطويق أضعف موقع السويداء وموقف فصائلها المسلحة، كما أنه يقوّض أي إمكانية للتواصل مع قرى جبل الشيخ الدرزية في ريف دمشق ودروز الجولان، ما يقطع خطوط تهريب السلاح من لبنان والجولان المحتل.

2. تقوية موقف الشرع في مواجهة إسرائيل: على رغم أنه لا يمكن الحديث عن قدرة الشرع على فرض معادلة جديدة على إسرائيل في جنوب سورية نظراً لعدم تكافؤ القدرات، فإنّ السيطرة على الجنوب من دون صدام مباشر مع الفصائل يُحسِّن موقفه ويُعزّز فرص منع أي تدخلات إسرائيلية مستقبلية. كما أنه يُؤدي إلى إفشال مشروع ممر داود الإسرائيلي، وهو الممر الذي تحدثت عنه بعض مراكز التفكير والبحث الإسرائيلية، والذي يمر من الجولان إلى درعا والسويداء وصولاً إلى شمال شرقي سورية. ومع أن هذا المشروع من الناحية العملانية يبدو معقداً وغير قابل للتطبيق، إلا أنه أثار قلق دمشق لأن تنفيذه يعني عزل جنوب سورية عن دمشق، بالإضافة إلى أن حمايته وتأمينه قد يدفعان إسرائيل إلى السيطرة على القسم الجنوبي من دمشق، وبالتالي تهديد العاصمة بشكل كبير.

3. تنشيط الاقتصاد المحلي: بعد لقاء ترامب والشرع، وبدء الحديث عن رفع العقوبات، سادت توقعات واسعة بأن الدول الغربية ستُعيد تمويل الدولة، أو على الأقل المناطق الواقعة تحت سيطرتها. هذا خلق نوعاً من المنافسة المحلية في درعا لبناء تحالفات مع أصحاب النفوذ، بهدف تأمين حصة من الموارد المحتملة. وفي الوقت الراهن، يُنظر إلى هذا العامل كفرصة أكثر منه تحدياً، لكن في حال لم تصل هذه الموارد —كما هي الحال حتى الآن— فإن خيبة الأمل المتوقعة قد تتحول إلى مصدر توتر وتحدٍّ، اجتماعي سياسي وأمني.

سيطرة الشرع على الجنوب السوري من دون صدام مباشر مع الفصائل يُحسِّن موقفه ويُعزّز فرص منع تدخلات إسرائيلية مستقبلية (شترستوك)

ولا يعني ذلك أن الوضع في جنوب سورية بات تحت سيطرة سلطة دمشق بشكل كامل، فما زالت هناك الكثير من التحديات، المحلية والخارجية، كما تأتي:

أ. التهديد الإسرائيلي: على رغم تراجع نبرة إسرائيل فإنها لم تتراجع عن خططها للسيطرة على شريط حدودي واسع في جنوب سورية، وما زالت تستبيح المنطقة وتتعامل بمنطق المحتل عبر فرضها إجراءات من نوع منع السكان المحليين من ممارسة نشاطهم الرعوي والزراعي والسيطرة على المصادر المائية في المنطقة وحرمان السكان من الاستفادة منها، والقيام بعمليات التفتيش والدهم والاعتقال اليومي لسكان عشرات القرى في المناطق الحدودية، الذين باتوا يتساءلون عن جدوى وجود سلطة وطنية في دمشق طالما هي غير قادرة على حمايتهم، وهذا الأمر سينعكس بشكل كبير على شرعية النظام الجديد في كامل مناطق محافظة درعا، إذ لا يمكن تصوّر خضوع المجتمعات المحلية لنظام غير قادر على تأمين الحماية لهم.

ب. صعوبة ضبط الجنوب: لا يزال الجنوب يواجه تحديات خطرة، أبرزها احتمال تفعيل الشبكات الإيرانية في أي لحظة، وهي شبكات أنشأتها إيران وحزب الله على مدى سنوات في درعا ومحيطها، وتربطها مصالح متبادلة، ما يرجّح استمرار التواصل بين الطرفين. وكشفت الضربة التي نفذتها ما تُعرف بـ”كتائب محمد الضيف” من سحم الجولان عن وجود فعلي لما يمكن وصفه بـ”الخلايا النائمة” المرتبطة بإيران في المنطقة. كما تستمر شبكات تهريب المخدرات بالعمل، وعلى رغم تراجع حجم عمليات التهريب، فإن استمرار إعلان الأردن عن ضبط شحنات قادمة من الجنوب يشير إلى بقاء صناعة الكبتاغون حاضرة، وقد تتوسع مستقبلاً تبعاً للظروف الاقتصادية والأمنية في درعا.

ج. إدارة الموارد والسياسات الإقصائية: من المتوقع أن تُثير مسألة إدارة الموارد توتراً مستقبلياً بين إدارة دمشق وسكان درعا، إذ تشير المؤشرات الحالية إلى أن الرئيس أحمد الشرع يولي اهتمامه التنموي لدمشق وحلب وإدلب وشرق سورية، مع استبعاد ملحوظ لدرعا. يتجلى ذلك في التعيينات التي تقتصر على المناطق المذكورة، وفي رؤية اقتصادية تركز على القطاعات التجارية والخدمية والاستهلاكية. وعلى رغم التغيرات في المعادلة العسكرية وزيارة الشرع للمحافظة، لم يُقابَل ذلك بتحول واضح في المزاج الشعبي، الذي لا يزال متحفظاً تجاه الإدارة الجديدة، نتيجة استمرار سياسات التهميش وضعف الاختراق الفعلي للبنية الاجتماعية المحلية.

د. الأمن اليومي: منذ سقوط نظام الأسد تشهد محافظة درعا درجةً عالية من الفوضى، على شكل اغتيالات وعمليات ثأر وصراعات عشائرية تُغذيها كثرة السلاح المنفلت، والعداوات التي سببتها الاستقطابات في عهد النظام السابق. وقد أوجد هذا المناخ حالة من التوتر الدائم في المجتمعات المحلية، وأظهر إلى حد بعيد عجز نظام الشرع عن إيجاد حلول لهذا الوضع، ومن غير المتوقع إيجاد علاجات لهذا الوضع في الأفق القريب.

استنتاجات

منح حلّ اللواء الثامن، القوة السُّنيَّة المسلحة الوحيدة ذات الوزن الحقيقي في جنوب سورية، إدارة الشرع مكاسب استراتيجية مهمة، فتفكيك هذا اللواء أضعف باقي الفصائل في درعا التي رفضت تسليم السلاح أو الاندماج في المؤسسات الجديدة. والآن، تَجدُ هذه المجموعات الصغيرة والضعيفة تسليحاً نفسها مكشوفة أمام قوات دمشق، وتحت ضغط داخلي متزايد، وبخاصة أن الأخيرة تروّج لنفسها بوصفها ضامناً للاستقرار ومحارباً للفوضى وتجارة المخدرات. إلا أن حكومة دمشق مازالت تواجه تحديات في الجنوب ترتبط بقدرة الحكومة على إحداث تحسينات تدريجية في الأداء والخدمات وبناء الشرعية المحلية. ويبقى الاستثناء الوحيد؛ العامل الإسرائيلي، إذ إن إسرائيل، التي تملك حضوراً ميدانياً في المنطقة وتُبدي انعدام ثقة واضح تجاه الشرع، قد لا تسعى لإسقاط سلطته كلياً، لكنها ستسعى بالتأكيد إلى كبح هيمنته، خصوصاً في المناطق المحاذية للحدود.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M