إفريقيا في الصحافة الإسرائيلية (25-29 أكتوبر 2023م) تمرُّد حاخامات جنوب إفريقيا على رامافوزا وفتح “خزائن البركات” دعمًا لإسرائيل

لم يظهر اسم “إفريقيا” في الصحافة الإسرائيلية أو محركات البحث باللغة العبرية بشكل شبه كامل منذ يوم السابع من أكتوبر 2023م، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة، وما أعقبها من تطورات وعنف غير مسبوق وممارسات إسرائيلية انتقامية، بدأت تجذب أنظار العالم إلى جرائم حرب وقتل بلا حدود أو تمييز تباشره إسرائيل بحقّ المدنيين، ضمن محاولات لإعادة صورة الردع التي تبدَّدت بشكل كلي، أمام العملية المباغتة التي تعرَّضت لها.

وبمُضي الوقت، وعقب المواقف القاطعة التي ظهرت في جنوب إفريقيا على وجه التحديد، والإدانات الصريحة من جانب الرئيس سيريل رامافوزا ووزراء بالحكومة في بريتوريا، وجد كُتّاب إسرائيليون منشغلون بالأساس بالحرب الحالية، والتي تستهدف تدمير البنية التحتية وتركيع المدنيين، دون أن تُحقِّق النتائج ذاتها من منظور عسكريّ بَحْت ضد الفصائل المسلحة، وجدوا بعض الوقت للبحث في اتجاه عكسي يتعلق بجنوب إفريقيا؛ لإحداث توازن مع موقف رامافوزا، ولمحاولة الزعم بأن ثمة انقسامًا هناك بشأن الحرب، إلا أن النتائج لم تكن بهذا المستوى؛ إذ تبيّن أن داعمي إسرائيل في جنوب إفريقيا هم بالأساس على صلة بالجالية اليهودية في البلد الواقع في أقصى جنوب القارة.

ولم يقتصر الأمر على تلك النقطة؛ بل إن واحدة من أبرز الصحف الإسرائيلية التي تصدر باللغة الإنجليزية، وهي صحيفة “جيروزاليم بوست” استعانت بكاتب جنوب إفريقي، رصَد حراكًا مؤيدًا لإسرائيل في بلاده، وأرسل مقالًا في هذا الاتجاه، محاولًا بدَوْره إحداث التوازن المفقود، ولكن عقب التدقيق في المقال، يمكن الادعاء بأنه يحتاج إلى توثيق، ومن زاوية أخرى لا يرقى إلى قوة المواقف السياسية لحكومة بريتوريا أو الأجواء العامة السائدة هناك.

وفي الأخير، وفي ظل صعوبة عثور أصحاب الأقلام في إسرائيل عن داعمين أفارقة؛ عمدت كاتبة إسرائيلية إلى البحث عن هدفها المنشود بين اللاجئين الأفارقة الذين يعانون الأمَرَّين في بلدها، منذ أن تسللوا بشكلٍ غير شرعي هربًا من أنظمة ديكتاتورية أو حروب، وبحثًا عن الأمان والعمل والرخاء، ليجدوا بعد سنوات من العيش على أمل حمل بطاقة “لاجئي”، يبدو أن سلطات الهجرة في إسرائيل لن تصدرها أبدًا، وقد سقطوا في ظروف أبعد ما يكون عن هذا الشعور بالأمن، وليتذكروا ما عايشوه من ويلات في مواطنهم الأصلية، ولتجد الكاتبة في النهاية نفسها وقد وجَّهت كلماتها نحو دعم اللاجئين الأفارقة بعد أن كانت تسعى إلى البحث عن داعمين لإسرائيل بين صفوف هؤلاء البائسين بفعل العنصرية أو الفقر والبطالة ما بين شوارع إسرائيل المظلمة أو أزقة المستوطنات؛ حيث يجمع بعضهم القمامة.

ولا يهدف استعراض المقالات الثلاثة التالية، وإن كانت تحمل مصطلحات ربما تزعج قراء اللغة العربية، إلا تقديم صورة مهمة للجمهور باللغة العربية عن طبيعة التعاطي الإسرائيلي مع الأزمة الراهنة من زاوية إفريقيا (جنوب الصحراء) هذا من جانب، ومن جانب آخر تظهر حقائق بشأن الجهات الداعمة لإسرائيل في بلد مهم مثل جنوب إفريقيا.

يركز المقال الأول للكاتب ويندي خان على وجه من أوجه تعامل جنوب إفريقيا مع أحداث السابع من أكتوبر، وهذه المرة على الصعيد الشعبي، ويترك انطباعًا -يؤشر المقال على أنه مصطنع- بأن موقف الشارع هناك ينحاز للرواية الإسرائيلية على عكس موقف الحكومة، وسيظهر المقال أن حديثه عن الشارع إنما انصبَّ على قطاعات بعينها على صلة بيهود جنوب إفريقيا أو بعض الكنائس والأحزاب المعارضة.

ويسلط المقال الثاني للكاتب يوسي ناختيغال الضوء على الدور الذي تباشره الجالية اليهودية في جنوب إفريقيا وموقفها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والذي دفعها للدخول في عداء صريح مع رئيس البلاد؛ جراء موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، ورفضه للهجمات الإسرائيلية القاتلة على القطاع. ويبرز كيف أن الحاخام اليهودي الأول في جنوب إفريقيا أمر بتغيير صيغة الصلاة؛ بحيث لم تعد تشمل الدعاء بسلامة الرئيس.

ويربط المقال الثالث للكاتبة سو سركيس بين أزمة طالبي اللجوء الأفارقة وبين الحرب الدائرة حاليًّا ومنذ يوم السابع من أكتوبر، ويعمد إلى البحث عن مواقف أبداها المهاجرون الأفارقة لدعم إسرائيل خلال الأزمة الراهنة، وعثرت على بعض المواقف ورصدتها، فيما بدا واضحًا أن الكاتبة تريد تسوية أزمة طالبي اللجوء من إريتريا وغيرها عبر توظيف التطورات الدامية التي تمر بها المنطقة.

العديد من مواطني جنوب إفريقيا يدعمون إسرائيل في ظل الحرب[1]:

تعد جنوب إفريقيا حالة استثنائية بين ديمقراطيات العالم؛ إذ استيقظنا يوم الجمعة الماضي على مسيرة شرسة مليئة بالكراهية نحو السفارة الإسرائيلية، نظَّمها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم (ANC). بتلك المقدمة استهل الكاتب ويندي خان (جنوب إفريقي) مقالته بصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، في يوم 25 أكتوبر 2023م.

أراد خان بذلك لفت أنظار الإسرائيليين بأسلوب الصدمة، إلى اتجاه آخر تمامًا، يعتقد أنه يظهر تيارًا داعمًا لإسرائيل في جنوب إفريقيا؛ إذ كتب أن اليوم ذاته، شهد تجمعًا ضمَّ 500 من قادة الكنيسة حول إقليم غوتنغ (الإقليم الذي تقع فيه جوهانسبرغ وبريتوريا)، للصلاة من أجل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس ولإظهار دعمهم لإسرائيل.

ولفت إلى أن الأسبوعين الماضيين كانا مؤلمين للغاية بالنسبة لليهود بجنوب إفريقيا، والذين أبدوا تضامنًا مع إخوتهم وأخواتهم في إسرائيل، في الحداد على الخسارة المروّعة لأرواح اليهود “الأبرياء”، وصلَّوا من أجل المصابين، بعد أن شاهدوا، بحالة من الرعب، تلك القسوة الجامحة لمن أسماهم “القتلة”.

مضيفًا: “بالطبع، نشاطركم الليالي الطويلة التي تعيشونها خوفًا على الأسرى في غزة، ونشارك أصدقاءنا وعائلتنا وجميع شعب إسرائيل الذين انزلقوا إلى الحرب في أعقاب المذبحة التي وقعت في 7 أكتوبر، مع أن هناك عددًا قليلًا من يهود جنوب إفريقيا الذين لا يرتبطون بأيّ شكل من الأشكال بشخص مات أو جُرح أو حتى أُخِذَ رهينةً”.

الكاتب ذهب إلى أن رد الفعل المبدئي للحكومة على ما حدث في السابع من أكتوبر كان على النقيض من رد فعل الحكومات في بلدان الشتات الأخرى، حتى وإن لم يكن بأيّ حال من الأحوال إدانة هذه الفظائع. حكومة جنوب إفريقيا، كما يقول الكاتب، رفضت التعاطف مع إسرائيل أو حتى مع المجتمع اليهودي المحلي الذي يعاني الصدمة ذاتها. مشيرًا: “لقد تأثرت عائلاتنا وأصدقاؤنا وزملائنا بشدة بالمذبحة والحرب، ومع ذلك، لم تتمكن حكومتنا من التواصل مع مواطنيها اليهود من خلال تقديم العزاء لهم، ولم تتواصل حتى مع عائلات الضحيتين الجنوب إفريقيتين اللتين قُتلتا هناك”.

ومضى قائلًا إنه “بينما كان زعماء العالم يتدافعون للوقوف إلى جانب مجتمعاتهم اليهودية، والانضمام إليهم في مناسبات التضامن وتجمعات الصلاة، أو بطريقةٍ ما لإظهار الدعم في وقت الحزن، ظل زعماء جنوب إفريقيا في صَمْتهم، ولم تقم الحكومة بإدانة الفظائع التي ارتكبتها حماس، إلا بعد أن نشر المجلس اليهودي في جنوب إفريقيا إعلانًا شديد اللهجة على صفحة كاملة في صحيفة صنداي تايمز”.

وأوضح الكاتب أن وزيرة العلاقات الدولية ناليدي باندور في المقابل أدانت إسرائيل، واستخدمت مصطلحات مثل “الإبادة الجماعية”، وأضاف: “الحملة المعتادة المناهضة لإسرائيل بدأت وقت أن استخدم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا والنقابات العمالية خطابًا عدوانيًّا وتحريضيًّا مستمدًّا مباشرة من كتيب المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)”.

ويدعي الكاتب أن الأسبوعين الماضيين شهدا موجة كبيرة من الدعم من جهات عديدة في جنوب إفريقيا، مع أنه يبقى ضعيفًا مقارنة بممارسات الحزب الحاكم، لكنه كبير قياسًا بالأعداد ودرجة الحماس في دعم إسرائيل واليهود المحليين. مضيفًا: “بينما التزمت حكومتنا الصمت في الأيام التي تلت هجمات حماس الوحشية، اتصل بنا العديد من أحزاب المعارضة، الذين أصدروا بيانات أخرى، وأعربوا بشكل لا لبس فيه عن تعاطفهم مع ضحايا هذه المذبحة المروّعة”.

وأوضح أن من بين داعمي إسرائيل أحد كبار قادة الحكومة المحلية من أحد أحزاب المعارضة، وأكاديميين، والعديد من مواطني جنوب إفريقيا غير اليهود، أضف إلى ذلك الحزب الديمقراطي المسيحي الإفريقي، والتحالف الديمقراطي، وزعيم حزب COPE موسيووا ليكوتا.

وأشار إلى أنه في يوم الجمعة، ارتدى 500 من قادة الكنيسة قمصانًا عليها صور الرهائن المحتجزين في غزة، وقد استقبلوا السفير الإسرائيلي إيلي بيلوتسيركوفسي، الذي صعد إلى المنصة لإلقاء كلمة أمام الجمع، وألقى رئيس مجلس مدينة جوهانسبرج خطابًا مؤثرًا بشكل لا يُصدّق قدَّم فيه الدعم ليهود جنوب إفريقيا.

وفي اليوم التالي في كيب تاون نُظِّمت فعاليات تضم 1000 قس اجتمعوا مع رسائل التضامن والصداقة، ووفق الكاتب “يتم إخبارنا باستمرار عن الكنائس في جميع أنحاء البلاد التي تقيم صلاة من أجل إسرائيل، لقد اتصل بنا أيضًا مُنظِّمو المسيرات المخطّط لها خارج المجتمع، وقامت اليوم إحدى منظمات المجتمع المدني في بلدة (ألكسندرا) بمسيرة لإظهار دعمها لإسرائيل، كما يجري التخطيط لفعاليات أخرى في الأيام والأسابيع المقبلة”.

وزعم أن “تلك هي الصورة الحقيقية لجنوب إفريقيا، وأن الحكومة لا تمثل حقيقة شعور الشعب تجاه إسرائيل، وبينما تنتقل بلادنا إلى عصر جديد من سياسات التحالف، فسوف يتكشف موقف مختلف، وسوف تنعكس أصوات مواطني جنوب إفريقيا بشكل أكبر في موقفنا من العلاقات الدولية”.

وختم بأنه “بعد أربعة أيام من الأحداث، أضاءت أفق جوهانسبرج دعمًا لإسرائيل، ورُفع العلم الإسرائيلي على ناطحة السحاب الشهيرة (بونتي سيتي)، وعلى مبنى مجاور كُتبت عبارة جنوب إفريقيا تقف مع إسرائيل. لقد أظهرت الحكومة الحالية والحزب الحاكم كراهية للدولة اليهودية، لكنَّ الشعب يقف إلى جانب إسرائيل”، على حد زعمه.

 

الحاخام الأول لجنوب إفريقيا يأمر 100 كنيس يهودي بالقيام بخطوة استثنائية ضد الرئيس وحكومته[2]:

يرصد الكاتب الإسرائيلي يوسي ناختيغال في مقالته بموقع كيكار هاشابات -والذي يُعد نافذة أحد التيارات الدينية المتشددة في إسرائيل، وهو المقال المنشور بتاريخ 29 أكتوبر 2023م- آثار الأحداث التي شهدتها إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، أي إبَّان هجوم “طوفان الأقصى” التي امتدت إلى جنوب إفريقيا؛ إذ أمر الحاخام الأكبر لجنوب إفريقيا، الدكتور زئيف غولدشتاين، أكثر من 100 كنيس يهودي في جميع أنحاء البلاد بوقف الصلوات التي كانت تُقام من أجل سلامة الحكومة؛ احتجاجًا على ردّ فعلها على ما وصفها بـ “المجزرة المروعة التي وقعت في إسرائيل”.

وكانت الصلاة الأصلية من أجل سلامة رؤساء الدولة قد ابتُدِعَت بواسطة الحاخام الرئيسي السابق لجنوب إفريقيا، سيريل هاريس، بعد سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994م، وكانت مُخصَّصة لسلامة الرئيس ونائبه وأعضاء الحكومة.

وتابع أنه “بعد الهجوم القاتل الذي نفَّذته منظمة حماس في البلدات المحيطة بغزة، لم يتفوَّه الرئيس سيريل رامافوزا، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لم يتفوّه بكلمة، ما دفَع الحاخام الأكبر غولدشين لاتهام الرئيس، الذي كان في يوم من الأيام صديقه المقرب، بأنه لا يكترث بالمذابح والنهب والأعمال الخطيرة ضد النساء واختطاف أعداد كبيرة من المواطنين”؛ على حد قوله.

ومضى الكاتب قائلًا: إنه “قبل بضعة أيام وقف الرئيس وأعضاء حكومته أمام عدسات الكاميرات، واختاروا دعم حماس، وقال: إنه يتعاطف مع سكان غزة الذين يتعرَّضون للحصار الإسرائيلي، واتّهم هو ورجاله إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، بينما تجاهلوا بشكل صارخ جرائم حماس”.

ويقول الكاتب: إن الموقف الأحادي للرئيس رامافوزا وحكومته بالوقوف إلى جانب حماس، أدَّى إلى غضب كبير في صفوف الطائفة اليهودية في البلاد، التي تضم أكثر من 50 ألف عضو، وأعلن الحاخام الأكبر وقف الصلاة من أجل سلامة الرئيس، لأول مرة منذ 30 عامًا.

وتساءل هذا الحاخام، وفق ما أورده الكاتب: “كيف يمكن أن نصلي من أجل رئيس وحكومة يدعمان منظمة إرهابية نفَّذت أسوأ هجوم على اليهود منذ المحرقة، وسياستها الرسمية هي قتل اليهود، والتي تُشكّل تهديدًا مستمرًّا لأمن اليهود”.

وأوضح أن تغيير صيغة الصلاة يعني أنها لم تعد تشمل الرئيس وحكومته، مقتبسًا عن الحاخام الأكبر قوله: “الصلاة تعبّر عن خالص تطلعاتنا، نحن في الحقيقة لا نطمح إلى نجاح مثل هذا الرئيس”.

تجدر الإشارة إلى أنه في الماضي حافَظ الرئيس رامافوزا والحاخام الدكتور غولدشتاين على علاقة وثيقة، حتى إنهما ظهرا معًا في العديد من المناسبات العامة.

الآن، يقول الكاتب “كجزء من التضامن الذي يقوده يهود جنوب إفريقيا مع إسرائيل، أطلق الحاخام غولدشتاين مبادرة تسمى (السبت العالمي)، والتي تدعو إلى وحدة يهودية مشتركة يوم السبت القادم، من المتوقع أن ينضم آلاف اليهود في الشتات إلى مبادرة الاحتفال المشترك بيوم السبت، وهو علامة على التضامن مع إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي، للصلاة من أجل سلامة المختطفين والجرحى”.

وختم باقتباس آخر عن الحاخام غولدشتاين الذي دعا أيضًا سكان إسرائيل إلى المشاركة في مبادرة التضامن، على أن يبدأ يوم السبت العالمي هذا في نهاية يوم الجمعة حتى ليلة السبت، وسيشارك فيه أعضاء العشرات من الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم. ومن المنتظر أن يشارك فيه العالم في ظل الظروف الراهنة، على حد زعمه.

مع أن ذكريات الفظائع التي ارتُكِبَت في إفريقيا لا تزال حية.. طالبو اللجوء يساعدون إسرائيل[3]:

لا يزال عثمان بركة يتذكر حين قام الجنجويد، وهم رجال ميليشيا عربية يمتطون الجياد، بقتل والده وأخيه الأكبر، في إقليم دارفور بالسودان، هناك حيث موطنه الأصلي”.. هكذا استهلت الكاتبة الإسرائيلية سو سركيس مقالتها بموقع تايمز أوف إسرائيل المنشور بتاريخ 26 أكتوبر 2023م، مشيرةً إلى أن عثمان بركة، الذي يَعيش في مدينة رعنانا بوسط إسرائيل حاليًّا، أكد لها أنه خلال السنوات الأولى التي قضاها في إسرائيل، عانَى صدمة عميقة وتلقَّى العلاج.

أرادت الكاتبة بهذه الطريقة جَذْب الأنظار صَوْب قضية طالبي اللجوء الأفارقة في إسرائيل، والعثور على أرضية يمكنها أن تنطلق منها للادعاء بأن لهؤلاء إسهامات كبيرة لصالح إسرائيل، فقالت على سبيل المثال: إن بركة، الذي اتخذته نموذجًا، عمد إلى مساعدة مستوطني غلاف غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفَّذتها فصائل فلسطينية. ونقلت عنه القول: “ظننت دائمًا أنني آمِن في إسرائيل، لم أتوقع حدوث ما رأيته هنا عندما كنت في التاسعة، ولكنني كنت مخطئًا”.

طالب لجوء آخر، وهو برهان نيغاسي، والذي تقول الكاتبة: إنه مجرد شخص من بين بضعة آلاف من اللاجئين الأفارقة الذين يعيشون الآن في إسرائيل، وأنه “كان قد اضطر لقضاء فترة في مخيم يديره إرهابيون قبل عدة سنوات من ظهور داعش في صحراء سيناء”؛ على حد قولها.

وتنقل عن نيغاسي، والذي كان نقيبًا في الجيش الإريتري، وتمكن من دخول إسرائيل قبل 15 عامًا قوله: “رأيت أهوالًا هناك، لقد شاهدت داعش يغتصب ويحرق ويقتل الناس، لكنني لم أرْصُد مساسًا بالأطفال”، واستطرد قائلًا: “حماس ليست داعش – بل أسوأ من داعش”.

ووفق الكاتبة الإسرائيلية، “في 7 أكتوبر اقتحم إرهابيون من غزة السياج الحدودي في هجوم صادم، وقتلوا حوالي 1400 شخص، الغالبية العظمى منهم من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والرضع، والعديد منهم كانوا مقيدين ومحترقين ومقطوعي الرأس”؛ على حد روايتها، لافتةً إلى أن إسرائيل تَستضيف حاليًّا نحو 25,000 طالب لجوء من إفريقيا، من بينهم حوالي 18,000 من إريتريا، وأكثر من 3,000 من السودان، بما في ذلك دارفور.

الكاتبة تعتقد أن 3 إريتريين من مستوطنة سديروت الجنوبية محتجزون لدى حماس، مستندة إلى شهادة نيغاسي، الذي أبلغها أن صواريخ حماس سقطت على منزلين للاجئين إريتريين في عسقلان، وواحد في أسدود، مما أدَّى إلى وقوع أضرار مادية دون أن تقع إصابات بشرية. واضطر العشرات للنزوح من المستوطنة منذ 7 أكتوبر. أما بركة، فقد أخبرها أن أحد اللاجئين من دارفور قد قُتِلَ في سديروت أثناء هجوم حماس.

وسلَّطت الكاتبة الضوء على إسهامات طالبي اللجوء في جميع أنحاء إسرائيل والجهود المبذولة لمساعدة الجنود الإسرائيليين والعائلات الإسرائيلية التي نزحت من المناطق الخطرة في جنوب البلاد وشمالها، ومن ذلك على سبيل المثال: إعداد 300 وجبة يومية من الطعام للمتطوعين في مركز إغاثة مدني ضخم في تل أبيب؛ إذ تباشر النساء الإفريقيات طَهْي الطعام في المنزل، فيما يأتي قرابة 150 إلى 170 إريتريًّا من مناطق مختلفة للمساعدة في تعبئة الصناديق وتفريغها، وفرز المعدات المتبرع بها.

وأضافت: إن لاجئين من جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذين يقيم العديد منهم في إسرائيل منذ ثلاثين عامًا، يبذلون قصارى جهدهم، ولفتت إلى أن عددهم 700 تقريبًا، يعيشون بشكل رئيسي في المدن المركزية في تل أبيب وحولون وبات يام، وأنهم جمعوا 6500 شيكل (1600 دولار) في الأسبوع الماضي لشراء الإمدادات، وأرسلوها تطوعًا إلى بلدية “بات يام”.

الناشطة نيلي مولينغا موامبا، والتي تعيش في إسرائيل منذ 21 عامًا، أخبرت الكاتبة أن لاجئي الكونغو الديمقراطية في إسرائيل، الذين يعمل الكثير منهم كعمال نظافة، بما فيهم هي ذاتها، لا يعملون حاليًّا وينفقون من مُدّخراتهم، وأنها مدينة لصاحب العقار الذي تقطنه بمبلغ 540 شيكل (135 دولارًا) كمتأخرات.

وتذهب الكاتبة إلى أنه بين عامي 2006م و2013م، عندما انتهت إسرائيل من بناء جدار على طول الحدود المصرية، دخل اللاجئون من دول مثل إريتريا والسودان البلاد؛ هربًا من الحروب والديكتاتوريات الوحشية وغيرها من المصاعب، وخلال وجودهم في البلاد، كانت حكومات إسرائيل المتتالية تقع في قبضة سياسيين مناهضين لهجرة الأفارقة، وأن برهاني نيغاسي (الذي تحدثت معه آنفًا) هو الوحيد الذي حصل على الجنسية الإسرائيلية، وحصل سوداني واحد و32 إريتريًّا على وضعية لاجئ بموجب اتفاقية اللاجئين، بحسب هيئة السكان والهجرة التابعة لوزارة الداخلية.

المصدر : https://qiraatafrican.com/15587/?fbclid=IwAR0wGFqo4YKkVwqGlPRU5ornqaCu-0gKQWjS6UN-6t_FdMRSHicbZIzgxkI

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M