في الثالث من نوفمبر الجاري، تعرّض رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، إلى محاولة اغتيال في منطقة وزيرآباد بإقليم البنجاب شرقي البلاد، وذلك حين تزعُّمه مسيرة احتجاجية من أنصاره كانت تسير باتجاه العاصمة إسلام آباد للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة بعد إقالته من قِبل البرلمان في أبريل الماضي.
وأصيب خان في قدمه علاوة على عدد آخر من أنصاره المرافقين له في المسيرة. واتهم عمران خان رئيسَ الوزراء الحالي، شهباز شريف، والجيش والاستخبارات الباكستانية بمحاولة اغتياله، إلا أن السلطات الباكستانية، وعلى رأسها شريف والجيش، نفت هذه الاتهامات، وطالب رئيسُ الوزراء الحالي سلفه عمران خان بتقديم أية أدلة في هذا الصدد. أما وسائل الإعلام الباكستانية، فقد نشرت مقطع فيديو لشخص يُدعى “محمد نافيد” ينحدر من قرية قريبة من وزيرآباد يعترف فيه بارتكاب الواقعة، وفتحت السلطات في إسلام آباد تحقيقًا في الحادث.
وقد جاءت محاولة الاغتيال في ظل توترات سياسية محلية تشهدها باكستان بعد عزل عمران خان من منصبه رئيسًا للوزراء واحتجاج أنصاره في “حركة الإنصاف الباكستانية” التي أسسها خان في تسعينيات القرن الماضي، علاوة على كوارث اقتصادية هائلة وأخرى مجتمعية بعد موجة الفيضانات العارمة التي اجتاحت ثلث مناطق البلاد في يونيو الماضي.
وتدفع هذه التطوراتُ مجتمعة باتجاه التساؤل حول مستقبل باكستان السياسي، والذي بات عمران خان جزءً لا يتجزّأ منه، وعلى وجه الخصوص بعد محاولة الاغتيال الأخيرة.
ارتفاع حدة التوترات السياسية في باكستان
كان الهدف الرئيس من وراء الاحتجاجات التي كان يقودها عمران خان، وأصيب أثناءها في إقليم البنجاب، هو الدعوة والضغط على الحكومة في إسلام آباد لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد؛ فخان وحزبه “حركة الإنصاف الباكستانية” يرون أن الأخير “أُطيح” به من الحكم في أبريل 2022 بمؤامرة من “الرابطة الإسلامية الباكستانية” التي يُعد رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، شهباز شريف، أحد أبرز قادتها وبعض الجهات الخارجية.
وعند الحديث عن بعض سمات حركة الإنصاف سندرك مدى حدة المواجهة السياسية الجارية والمنتظرة في باكستان؛ إذ إن هذه الحركة تُعد إحدى أهم وأوسع الأحزاب السياسية انتشارًا ليس فقط في باكستان أو في قارة آسيا، بل في العالم أجمع بمجموع أعضاء يتجاوز 10 ملايين شخص في الداخل والخارج. وقد أسسها عمران خان، لاعب الكريكيت السابق، في أبريل 1996 في مدينة لاهور التاريخية بإقليم البنجاب الذي ينتمي إليه أيضًا شهباز شريف.
وعليه، فإن محاولة اغتيال عمران خان سوف تزيد من حدة هذه التوترات السياسية في باكستان؛ مع تصميم مؤيدي خان على مواصلة مظاهراتهم ضد الحكومة الحالية وتحول حركة الإنصاف إلى حركة معارضة. فقد كان أول ما دعا إليه رئيس الوزراء السابق المُصاب عقب تعافيه هو تجمع أنصاره مرة أخرى وبشكل أكبر للضغط من أجل إجراء انتخابات مبكرة. وشدد خان على أن التظاهرات الجديدة ستنطلق من حيث انتهت في منطقة وزيرآباد التي تعرض فيها خان لمحاولة اغتيال فاشلة.
ويفاقم من حدة هذه التوترات السياسية في باكستان الأوضاعُ الاقتصادية والمجتمعية المتردية التي تعانيها وتفاقمت بشدة منذ أن غُمرت ثلثُ البلاد بمياه الفيضانات التي تسببت في نزوح أكثر من 33 مليون باكستاني وقدّر البنك الدولي خسائرها المادية بحوالي 40 مليار دولار أمريكي. وستتزايد المطالبات المحلية بضرورة التعامل مع تداعيات هذه الفيضانات في الداخل بمرور الوقت، وستتحول لتصبح عامل ضغط كبير على أي حكومة في باكستان، سواء الحالية أو التالية.
ارتفاع شعبية عمران خان واحتمالية العودة لرئاسة الوزراء
يتفق قطاع من الباكستانيين، خاصة أعضاء حركة الإنصاف، مع وجهة نظر عمران خان في أن الإطاحة به من السلطة كان بتعاون بين شهباز شريف وبعض الجهات الخارجية. وقبل ذلك، وَضَعَ هؤلاء على عمران خان آمالًا واسعة في تحقيق معدلات نمو واستقرار محلية وتحقيق المزيد من الاستقلال عن الخارج في سياسة باكستان. وقد اكتسبت هذه التطلعات زخمًا أوسع مع تعرض باكستان لمشكلات اقتصادية ومجتمعية أكبر بعد الفيضانات الأخيرة التي اندلعت في يونيو الماضي.
أما محاولة اغتيال خان فإنها حتمًا سوف ترفع من شعبيته في الداخل الباكستاني، في ضوء ما سبق إلقاء الضوء عليه وفي إطار التحديات الجمّة التي تواجهها باكستان على مختلف الأصعدة. فأكبر المستفيدين من “المحاولة” الفاشلة لاغتيال عمران خان هو عمران خان نفسه. ويبدو أن لاعب الكريكيت السابق قد تعامل بحنكة سياسية مع محاولة اغتياله لرفع نسب شعبيته عما هي عليه؛ فالصور التي نُشرت لخان وهو مصاب وقعيد تضمن له ولاءات شعبية جديدة على الأقل في صفوف الشعب الباكستاني.
لذا، فإنه من المتوقع أن يكتسب عمران خان قوة إضافية في معادلات باكستان السياسية أكثر استحكامًا مما كانت عليه قبل محاولة اغتياله، ما يعني أنه سيتحول إلى خصم نافذ لحكومة شهباز شريف، ويعني أيضًا تزايد احتمالات عودته لرئاسة الوزراء في بلاده في أي انتخابات مقبلة، وهو سيناريو قد يسكب الزيت على النار داخل مسرح السياسة الباكستاني قبل إجراء مثل هذه الانتخابات.
تراجع نفوذ الحزبين الرئيسين في باكستان
حتى سنوات قليلة خلت، سيطرت “الرابطة الإسلامية الباكستانية” وحزب “الشعب” الباكستاني الذي أسسه رئيسُ الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو (1973-1977) على الحياة السياسية في باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. وعلى الرغم من تحقيق حزب عمران خان “حركة الإنصاف” نجاحات سياسية خلال السنوات التي تلت تأسيسه عام 1996، فإنه لم يكن منافسًا قويًا للحزبين الرئيسين المُشار إليهما في باكستان. إلا أن بزوغ نجم حزب عمران خان قد ظهر أكثر فأكثر خلال العقد الأخير، حيث اكتسب شعبية كبيرة وبسرعة ملحوظة. وكان من أبرز نجاحاته الأولية حصوله على 7.5 ملايين صوت في انتخابات عام 2013 ليحتمل المرتبة الثانية بها.
ووصل الحزب إلى ذروة مكاسبه عندما تولي خان رئاسة الوزراء عام 2018. ومع ذلك، فإن الحضور والنفوذ الهائل المتنامي لشخص عمران خان في السياسة الداخلية لباكستان خلال السنوات الماضية قد دفع بتيار ثالث إلى المشهد السياسي العام في إسلام آباد، وزحزح من تفوّق الحزبين الرئيسين في باكستان على الأحزاب الأخرى وسيطرتها على السياسة الباكستانية.
أما مع محاولة اغتيال عمران خان، فقد يتعرض هذان الحزبان الكبيران في باكستان إلى خسائر جديدة بين صفوف المواطنين ويتراجعان للخلف؛ في ظل توجّه أنظار الباكستانيين صوب شخص عمران خان وحزبه “حركة الإنصاف” وعلى وجه الخصوص بعد محاولة اغتياله مؤخرًا والتي سوف ترفع من شعبيته كما سبق القول.
وختامًا، لن تكون السياسة الخارجية الباكستانية بمنأى عن هذه التحولات المرتقبة في باكستان؛ إذ إن ارتفاع شعبية عمران خان وحزبه في الداخل يعني من ناحية أخرى زيادة الضغوط الداخلية على الحكومة الباكستانية بزعامة شهباز شريف فيما يتعلق بسياستها الخارجية وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لا سيما أن حزب شهباز شريف يميل إلى التعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية بوجه عام على النقيض من عمران خان الذي يتبني التوجه للشرق. ومن المرجّح أن يتزايد تأثير هذه التوجهات على السياسة الخارجية لباكستان إذا ما عاد عمران خان إلى السلطة مرة أخرى.
.
رابط المصدر: