عبد الامير رويح
تفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان، بشكل كبير بعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، حيث أكد الخبراء وكما نقلت بعض المصادر، أن اقتصاد لبنان اصبح يعاني من ازمة خطيرة بسبب الخسائر الهائلة، فقد تأثرت العديد من المباني والمنشآت الاقتصادية والحكومية، وتعرضت لأضرار كبيرة لوقوعها بالقرب من موقع الانفجار الذي أثر على محيط نصف قطره كيلومترات حسب وسائل إعلام لبنانية محلية. ويشهد لبنان حاليا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع تدهور في سعر العملة، وقيود على الودائع المصرفية، وتضخم وغلاء في الأسعار. بالإضافة إلى خسارة الآلاف وظائفهم.
ويتميز مرفأ لبنان بأهمية استراتيجية كبيرة كونه مستقبلا ومخزنا لأهم السلع الاستراتيجية التي تستوردها الحكومة مثل القمح والوقود، كما تتم نحو 70% من حركة التبادل التجاري بين لبنان ودول العالم عبر الميناء. وتعرضت المخزونات الاستراتيجية من المواد المستوردة لدمار كبير، ما قد يؤثر على الإمدادات الغذائية للبنان خلال الفترة المقبلة. ويقدر متوسط عدد البواخر التي تدخل ميناء بيروت بنحو 170 باخرة شهرياً تفرغ نحو 700 ألف طن وتشحن نحو 70 ألف طن، فيما يقدر متوسط عدد المستوعبات المفرغة بنحو 23 ألف مستوعب شهرياً.
وقالت الأمم المتحدة إن الأضرار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت ستفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. كما حذّرت الأمم المتحدة من أن أكثر من نصف سكان لبنان معرضون لمواجهة خطر انعدام الأمن الغذائي في الأشهر المقبلة، وقالت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) في تقرير “قد يتعذّر على نصف السكان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام”. وقالت الأمينة التنفيذية للجنة رولا دشتي “يجب اتخاذ إجراءات فوريّة لتلافي الوقوع في أزمة غذائيّة”. ودعت الحكومة اللبنانيّة إلى إعطاء الأولوية لإعادة بناء مخازن الحبوب في مرفأ بيروت باعتبارها أساسية للأمن الغذائي الوطني.
ازمة كبيرة
وفي هذا الشأن بات من الممكن الآن أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، المكروب بالفعل من قبل الانفجار الذي دمر ميناءه الرئيسي، بمثلي المعدل المتوقع سابقا للعام الحالي، مما سيزيد صعوبة تدبير التمويل الذي يحتاجه البلد للوقوف على قدميه من جديد. يقول الاقتصاديون إن الانفجار الذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من المرافق التجارية لبيروت، قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي حوالي 20 إلى 25 بالمئة هذا العام – ليتجاوز بكثير توقعا حديثا من صندوق النقد الدولي لتراجع نسبته 12 بالمئة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة.
وتشير تقديرات المسؤولين اللبنانيين إلى أن الخسائر الناجمة عن الانفجار، الذي أودى بحياة 150 شخصا وأصاب الآلاف فضلا عن تشريد عشرات الآلاف، قد تصل إلى مليارات الدولارات. وكانت أزمة مالية أجبرت لبنان بالفعل على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في مايو أيار من العام الحالي بعد أن تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن تلك المحادثات تعثرت في غياب الإصلاحات.
ويقول المحللون إن الانفجار يسلط الضوء على إهمال الإدارة اللبنانية ويفرض مزيدا من الضغوط على الحكومة للتعجيل بالإصلاحات كي تحصل على المساعدة الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد. ورغم إبداء التعاطف الواسع مع لبنان فقد لوحظ غياب أي التزامات بتقديم المساعدة حتى الآن، عدا عن الدعم الإنساني الطارئ. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حالة عدم تنفيذ إصلاحات، فإن لبنان سيستمر في الغرق.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، ”من المستبعد للغاية أن يتمكن لبنان من تدبير التمويل الذي يحتاجه للتغلب على مشاكله الاقتصادية العميقة. بعض الشركاء قد يبدون ترددا في تقديم الدعم. وبلغت الأزمة المالية اللبنانية مرحلة حرجة في أكتوبر تشرين الأول الماضي في ظل تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات ضد الفساد وسوء الإدارة، بينما حدت أزمة في العملة الصعبة البنوك لفرض قيود صارمة على سحب السيولة وتحويل الأموال إلى الخارج.
وجدد الانفجار الضغط على الليرة اللبنانية، التي جرى تداولها بنحو 8300 ليرة للدولار في السوق السوداء عقب الانفجار، مقارنة مع ثمانية آلاف قبله، حسبما قال متعاملون. ويتوقع الاقتصاديون مزيدا من التآكل في القوة الشرائية للعملة، التي فقدت نحو 80 بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر تشرين الأول وسط تضخم فلكي يتجاوز 56 بالمئة، مما يؤجج التوترات الاجتماعية. ويقول الاقتصاديون إن الإصلاحات الأشد إلحاحا التي يجب تطبيقها لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد تشمل معالجة عجز الميزانية الجامح وتنامي الديون والفساد المزمن.
وقال باترك كوران، كبير الاقتصاديين بشركة تِليمر للأبحاث في بريطانيا، ”نرى أن الانفجار قد يؤخر عملية الإصلاح في ظل محاولة الحكومة التنصل من المسؤولية، مما سيؤدي إلى تآكل رأس المال السياسي الضروري لإجراء إصلاحات صعبة لكن الحاجة تشتد لها“. ويقول رجال الأعمال والاقتصاديون إن الميناء – أحد أكبر موانئ شرق المتوسط والذي تتوجه 40 بالمئة من شحناته العابرة إلى سوريا ومنطقة الشرق الأوسط – فقد بالفعل إيرادات وأعمالا منذ الانفجار لصالح موانئ منافسة مع قيام شركات النقل البحري بتحويل اتجاه شحنات. بحسب رويترز.
وقال جواد العناني، الاستشاري الاقتصادي الإقليمي والوزير الأردني السابق، ”اتضح أن الميناء هو نقطة ضعف (لبنان).. الاعتماد عليه كان أكبر مما ينبغي، لذا عندما لحقه الدمار اتضح أنه كان كعب أخيل“. ولن تفضي التوترات السياسية المتصاعدة منذ الانفجار إلا لمزيد من التدهور وتعقد جهود تسريع الإصلاحات، مما يدفع البلد صوب مستقبل مجهول. ويقول كمال حمدان، مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، ”النظرة المستقبلية تبعث على الاكتئاب في ظل الصراعات الدائرة بين طبقة سياسية غير متوافقة على سبيل للخروج من الأزمة وغير مستعدة لتناول الدواء المر“.
مساعدات مشروطة
الى جانب ذلك قال صندوق النقد الدولي إنه على استعداد لمضاعفة الجهود لمساعدة لبنان بعد الانفجار المروع الذي ضرب بيروت لكنه أكد على أن كل مؤسسات البلاد تحتاج إلى إظهار صدق نيتها على تنفيذ الإصلاحات. وفي بيان لمؤتمر عاجل للمانحين، قالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا إن الإصلاحات المتوقعة تشمل خطوات لاستعادة القدرة على الوفاء بالديون في الماليات العامة وصلابة النظام المالي وإجراءات حماية مؤقتة لتجنب استمرار هروب رؤوس الأموال.
وقالت جورجيفا ”نحن مستعدون لمضاعفة جهودنا. لكننا نحتاج لتوحيد الهدف في لبنان. نحتاج أن تتحد كل المؤسسات على التصميم لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشدة“. وتابعت قائلة ”الالتزام بتلك الإصلاحات سيتيح الوصول لمليارات الدولارات لصالح الشعب اللبناني. تلك هي اللحظة التي يتعين فيها على صانعي السياسات في البلاد التصرف بحسم. نحن جاهزون للمساعدة“. كما دعت إلى اتخاذ خطوات للحد من الخسائر الفادحة التي تتكبدها الكثير من الشركات التابعة للدولة وتوسيع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الأكثر احتياجا في البلاد.
وقد يكون لبنان على وشك تلقي مساعدات عاجلة بقيمة 298 مليون دولار لكن ما يحتاجه لإعادة بناء اقتصاده المتداعي، والذي تشير تقديرات البعض إلى أنه قد يزيد على 30 مليار دولار، لن يأتي دون إصلاح. وقد تعرقل استقالة حكومة لبنان مثل هذا التغيير، في حين من المرجح أن تخضع خطة إنقاذ مالي وُضعت في أبريل نيسان للمراجعة، بل وقد تتخلى عنها الإدارة الجديدة، حسبما قاله مصدران ماليان مطلعان على الخطة.
وأضاف أحد المصدرين أن خطة الإنقاذ، والتي كان دعمها متعثرا أصلا قبل الانفجار، تتضمن توقعات لم تعد واقعية لمقاييس مالية مثل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وسعر الصرف في السوق الموازية. وسيقوض ذلك على الأرجح محادثات مع الدائنين لإعادة هيكلة دين لبنان السيادي الخارجي.
وكان لبنان بدأ في مايو أيار محادثات بشأن خطة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي بعد تعثره في سداد ديونه بالعملة الأجنبية. لكنها جُمدت بسبب عدم إحراز تقدم على صعيد الإصلاحات ولوجود خلافات بشأن حجم الخسائر المالية. وسيكون وضع خطة اقتصادية ذات مصداقية هو الاختبار الحقيقي لمن ستؤول إليه قيادة لبنان الذي يواجه انحدارا في صافي تدفقات رؤوس الأموال في ظل تهافت متزايد على العملة الصعبة.
وقال كارلوس عبادي، مستشار جمعية مصارف لبنان”المقياس الأمثل لقدرة الحكومة سيكون الخطة الاقتصادية التي تضعها.“ وتشير تقديرات جاربيس إيراديان من معهد التمويل الدولي إلى أنه في أعقاب انفجار الرابع من أغسطس آب، زادت احتياجات لبنان من التمويل الخارجي للأعوام الأربعة المقبلة إلى أكثر من 30 مليار دولار من 24 مليارا. بحسب رويترز.
وقال عبادي ”للتغلب على حق النقض الذي تملكه الولايات المتحدة بصندوق النقد، سيكون على الحكومة المقبلة إيجاد خطة تركز على وضع الاقتصاد على مسار للنمو في المستقبل دون إمكانية تحويل المليارات لأغراض إجرامية.“ ومع اقتراب عدد اللبنانيين الذين يعيشون في فقر من نصف عدد السكان، تتنوع هذه الإصلاحات من بناء شبكات أمان اجتماعي لحماية الأكثر ضعفا إلى ضمان مشاركة النخبة الثرية في عبء الخسائر المالية الناجمة عن إعادة رسملة البنوك.
قلق ومخاوف
في السياق ذاته يساور دائنو لبنان قلق من احتمال أن تكون الخسائر أشد وطأة، وذلك بعد أن عقّد انفجار مدمر في بيروت عملية لإعادة هيكلة الديون متعثرة بالفعل. وفيما يتعلق بالخروج من اضطرابات مالية بلغت أوجها بتعثر لبنان في سداد ديونه بالعملة الأجنبية في مارس آذار. ومما يسلط الضوء على قتامة التوقعات، هوت سندات البلاد السيادية الدولارية البالغة قيمتها 31 مليار دولار، والتي تضررت بسبب قلة السيولة منذ التعثر في السداد، جميعها لأقل من عشرين سنتا للدولار منذ مارس آذار.
وزاد هذا من حدة انحسار احتمالات التعافي لدى الدائنين الذين يواجهون بالفعل خسائر أكبر في ديون الأرجنتين والإكوادور، إذ أنهما بلدين آخرين متعثرين صارا أكثر قربا من إتمام إعادة هيكلة ديونهما. وبحسب بيانات من ماركت أكسس، زادت أحجام تداول السندات اللبنانية لتبلغ أعلى مستوياتها، فيما تشير مصادر مالية إلى دفعة من جانب بعض الدائنين سعيا لبيع حيازاتهم.
وقال ستيفن ريتشولد مدير المحفظة في ستون هاربور إنفستمنت التي تمتلك بعضا من السندات الدولية اللبنانية ”يعني ذلك تزايد احتمالات أن يحظى لبنان بتعاطف من المجتمع الدولي، لكننا لا نعلم ما ستتمخض عنه هذه الآلية وما تعنيه بالنسبة لبرنامج الإصلاح. ”من حيث قيم التعافي، لن تكون إيجابية. إذا حدث أي شيء، فسيكون بالسلب. ”لكن المحدد الرئيسي هو حقائق الميزانية العمومية على أرض الواقع للمؤسسات المعنية المختلفة، أي الحكومة والمصرف المركزي والبنوك المحلية، وهذا هو ما سيقود التعافي“.
وفي الوقت الذي من المتوقع فيه أن يواجه لبنان تراجعا اقتصاديا أكثر حدة هذا العام في أعقاب الانفجار، يفكر المستثمرون في حجم التعديلات التي قد تحدث لمقاييس قدرة الحكومة على تحمل الديون، والتي تتضمنها خطة إنقاذ حالية، إذ أصاب سعر الصرف في السوق الموازية مزيد من الانخفاض وارتفعت التكاليف بالنسبة للحكومة. وقال دائن أجنبي رفض ذكر اسمه ”الاحتمالات أكثر سوءا من ذي قبل…تسلط الحلقة الضوء على مدى ضعف حالة الحكم في لبنان“. بحسب رويترز.
وحتى قبل الانفجار، لم تكن عملية إعادة هيكلة الديون قد بدأت من الأساس، إذ لم يتواصل المستشار المالي للحكومة لازارد حتى الآن مع الدائنين بشكل كامل نظرا لتعليق محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن التمويل. وأعربت البنوك التجارية بلبنان، والتي تمثل أكبر شريحة من حائزي السندات الدولية، عن مخاوف حيال الخطة الحكومية. وقال مستشار لجمعية مصارف لبنان رفض ذكر اسمه إن الانفجار ”نقطة فاصلة“ يمكن أن تغير النظام السياسي للأفضل. كما حذر المستشار من إنه إذا تمسكت الطبقة السياسية الحالية والحاكمة منذ فترة طويلة بالسلطة، فقد تؤدي التكاليف الاقتصادية للانفجار إلى انخفاض قيم التعافي.