سونر چاغاپتاي, أماندا سلوت, مولي مونتغمري, و توماس هوسكينز
“في 24 أيلول/سبتمبر، ألقى سونر چاغاپتاي وأماندا سلوت ومولي مونتغمري وتوماس هوسكينز كلمة أمام منتدى سياسي في معهد واشنطن لمناقشة كتاب الدكتور چاغاپتاي الجديد إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط. چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. سلوت هي زميلة أقدم في زمالة “روبرت بوش” في “مركز شؤون الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينغز”. مونتغمري هي نائبة رئيس في مجموعة “أولبرايت ستونبريدج” ومستشارة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية. هوسكينز هو ناشر ورئيس تحرير السياسة في “آي. بي. توريس”، وهي طبعة لـ “نشرة بلومزبري”. وفيما يلي ملخّص المقرّر لملاحظاته“.
سونر چاغاپتاي
غالبًا ما يرافق حسّ مضخم من أيام العز الأمم التي كانت يومًا ما إمبراطوريات عظمى، فيجعل مواطنيها عرضةً للتأثّر بسهولة بأمجاد الماضي – إنما في الوقت نفسه ضحايا تلاعب يمارسه السياسيون الذين يستطيعون أن يشهدوا على هذه السردية. ولا تزال صورة رومانسية للإمبراطورية العثمانية المنهارة تحدد نظرة الأتراك إلى مكانتهم في العالم اليوم، لذا من الضروري فهم هذا الماضي لنفهم تركيا الحديثة.
عند مقارنة المقاربة التي يعتمدها الرئيس رجب طيب أردوغان إزاء الشؤون العالمية والإقليمية بالسياسات الخارجية التي انتهجها أسلافه العثمانيون والأتراك، يبدو أنها تمثّل الاستمرارية والتغيير في آنٍ. فمحاكاة الغرب تحت حكم السلاطين العثمانيين التي بدأت مطلع القرن التاسع عشر كانت مشروعًا استراتيجيًا مدفوعًا بإدراك نقاط ضعف الدولة. ومن أجل إحياء عظمة الإمبراطورية، قرر السلاطين نسخ مؤسسات حكم الدولة عن قوى عالمية أوروبية. وانتهج مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة عام 1923 هذا النموذج كما فعل خلفاؤه. واستمر هذا التوجه بعد الحرب العالمية الثانية حين التفّت أنقرة نحو أوروبا والولايات المتحدة. وبينما هم ينتظرون استعادة مكانتهم كقوة عظمى، غالبًا ما تحالف السلاطين الراحلون ورؤساء تركيا الأوائل مع قوى غربية – مع بريطانيا تحديدًا خلال معظم القرن التاسع عشر ضد روسيا، ومع فرنسا خلال الجزء الأكبر من الفترة التي كانت بين الحربين العالميتين ضد إيطاليا الفاشية، ومع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ضد الاتحاد السوفييتي.
غير أن أردوغان اختار نموذجًا غير تقليدي بشكل أكبر. فهدفه جعل تركيا قوة عظيمة بمفردها وليس دولة تعتمد ببساطة على الغرب. وعليه، لم تكن سياسته الخارجية موحدّة. وعندما استلم الحكم في 2003، شعر أنه في موقف حرج بسبب المؤسسات العلمانية التركية، بما فيها الجيش. وسعى بالتالي إلى أن يكون نسخة أفضل عن أسلافه الكماليين، فروّج لسياسات دولية وموالية لأمريكا وللاتحاد الأوروبي بشكل أكبر. على سبيل المثال، شملت مبادراته الأولى محاولات لتوحيد قبرص وتطبيع العلاقات مع أرمينيا.
وانتهت هذه المرحلة بحلول العام 2011، بعدما جرّد الجيش من نقاط قوته ومرر سلسلة قوانين وضع بموجبها القضاء تحت سيطرته وبدأ بتقويض خصومه – بمساعدة “حركة غولن” التي كانت حليفته في ذاك الوقت. وإذ لم يعد العلمانيون يحاصرونه، أطلق مجموعة جديدة من المبادرات العالمية والشرق أوسطية التي هدفت إلى استعادة القوة التي عُرفت بها تركيا في الحقبة العثمانية وقد ساهمت انتفاضات “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة في تمهيد الطريق أمامه.
غير أن سياسته باءت بالفشل، أولًا لأن أنقرة تجاهلت دور “الأعداء التاريخيين” في الشرق الأوسط – فأردوغان لم يدرك أن نظرة العديد من العرب واليونانيين لا تزال سلبية نسبيًا تجاه تركيا باعتبارها الحاكم المطلق الذي استعمر بلادهم في الماضي. كما اختتمت أنقرة أفعالها هذه بدعم طرف واحد خلال الربيع العربي: جماعة “الإخوان المسلمين”. وعندما خسرت الجماعة نفوذها في مصر ودول أخرى، كذلك خسر أردوغان التأثير نفسه. فدعم تركيا للمعارضة السورية أعطى نتائج عكسية وجعلها على خلاف مع روسيا وإيران.
وقد حاول أردوغان تعويض بعض هذه الخسائر خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أرغم رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو على الاستقالة في 2016، ورمّم العلاقات مع العراق وإسرائيل. لكن تركيا لا تزال في عزلة عن معظم دول الشرق الأوسط باستثناء قطر. كما أن علاقاتها مع واشنطن شهدت تقلبات ولا يمكنها التعويل على أصدقائها التقليديين في الغرب بعد الآن، ما يترك البلاد عرضةً لتهديدات موسكو.
ومن أجل التخفيف من حدة هذه المخاطر، أبرم أردوغان اتفاقات خاصة مع روسيا تراوحت بين السياسة إزاء سوريا وشراء منظومة الدفاع الجوي “أس-400”. وكان الرئيس فلاديمير بوتين متجاوبًا بشكل خاص مع هذا الانفتاح منذ فشل الانقلاب في تركيا عام 2016، لكن هذا التودد الراهن من قبل روسيا يخدم الهدف الذي جسدته عداوتها في الماضي: إزعاج أنقرة. لكن أردوغان بنى علاقات مهمة في أوراسيا وأفريقيا، لذا فإن تعافى اقتصاد تركيا قريبًا، قد يتمكن من المضي قدمًا في المقاربة التي اعتمدها مؤخرًا مع الاستفادة من العداوة بين موسكو وواشنطن.
أماندا سلوت
تتسّم العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة وتركيا بمظالم قديمة العهد ومتراكمة. فأنقرة مستاءة من واشنطن بسبب رفضها تسليم رجل الدين فتح الله غولن، الذي يزعم المسؤولون الأتراك أنه كان وراء محاولة الانقلاب في 2016. كما أن الأتراك قلقون إزاء تعاون الولايات المتحدة مع “وحدات حماية الشعب”، الجماعة الكردية التي تسيطر على مساحات شاسعة من شمالي سوريا. أما صناع السياسة الأمريكيون، فتتنامى شكوكهم إزاء ما إذا كانت تركيا شريكًا موثوقًا بسبب ارتداداها عن الديمقراطية وقرارها بشراء منظومة “أس-400” من روسيا وتأخرها في الانضمام إلى الحملة لدحر تنظيم “الدولة الإسلامية” من جملة أمور أخرى.
وبالنظر إلى الماضي، كانت واشنطن متفائلة إلى حدّ ما عندما استلم أردوغان السلطة واتخذ خطوات لتحديث اقتصاد تركيا وحكمها الديمقراطي ونظامها البيروقراطي. وكان شعور مماثل يسود في بروكسل مع بدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن علاقات تركيا بالغرب لم تنفك تتدهور خلال العقد الماضي، حيث حاول كل طرف “تدبّر الأمور” للحفاظ على العلاقات من دون حل المشاكل العالقة. ومن المستبعد أن تحسّن أنقرة روابطها بالغرب قريبًا، لذا فإن إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه في أولى سنوات حكم أردوغان ليست مطروحة الآن.
مولي مونتغمري
إن التصورات الخاطئة بشأن عملية صنع السياسة في أمريكا تصعّب على تركيا فهم سلوك الحكومة الأمريكية إزاء مسائل مثل تسليم غولن. وبما أن السلطة موحّدة في أنقرة، يصبح من السهل على المسؤولين الأتراك الاعتقاد بأن واشنطن تعمل بالطريقة نفسها ورؤية دليل واحد على تعمّد الولايات المتحدة أفعالها المنفصلة.
وعلى نحو مماثل، غالبًا ما تعجز واشنطن عن فهم محركات سياسة تركيا الخارجية، بما في ذلك كيف يمكن لهوية البلد وتاريخه تحديد قرارات أردوغان. فسياسته الخارجية هي رد فعل إزاء الكمالية وإعادة تأكيد واعية على موقع تركيا كقوة مسلمة وشرق أوسطية.
وناهيك عن التوترات بسبب قضية غولن و”وحدات حماية الشعب” وشراء منظومة “أس-400″، اختلفت واشنطن مع أنقرة في مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون منذ محاولة الانقلاب. ولم يتمّ تبديد هذه المخاوف بعد، حتى أنه من المستبعد القيام بذلك في عهد أردوغان. وإلى حين حلّ هذه المشاكل، لن نشهد أي استئناف حقيقي للعلاقات بين تركيا والغرب. مع ذلك، فإن حرص أنقرة على الموازنة بين الشرق والغرب يصبح مقلقًا أكثر فأكثر، كما أن تداعيات الانهيار ستكون خطيرة وترغم تركيا ربما على الخضوع لروسيا.
توماس هوسكينز
من الدروس المهمة لصناع السياسة هي أنهم لا يستطيعون التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في تركيا قبل أن يعرفوا مصدرها. فتاريخ البلاد الغني والعلاقة المتوترة في أغلب الأحيان بين الشرق والغرب هما عاملان مهمان لفهم سياستها الحالية – ولفهم الشرق الأوسط ككل. وثمة سطر رائع في كتاب الدكتور چاغاپتاي عن “وضع تركيا الحديثة ما بين بين”: “من الشرق تبدو تركيا دولة غربية، ومن الغرب تبدو دولة شرقية”. وتكمن هذه الديناميكية في صميم علاقة أنقرة بالدول المجاورة ونظرتها إلى مكانها في السياسة العالمية. فكتاب أمبراطورية أردوغان يوفّر درسًا شاملًا عن القائد التركي كان يفتقر إليه في السابق عالما الثقافة وصناعة السياسة.
رابط المصدر: