اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – مصر – القاهرة
أعلنت فرنسا في الأول من أغسطس 2023 البدء في إجلاء رعاياها من النيجرمع إشتداد تأييد الشارع النيجري في العاصمة نيامي للإنقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني قائد الحرس الرئاسي في البلاد الذي أطاح برئيس النيجر محمد بازوم يوم 26 يوليو 2023مما تسبب في أزمة كبيرة في منطقة الساحل المضطربة وقد تم تعليق جميع أنشطة مؤسسات الدولة وإغلاق الحدود وفرض حظر التجول حيث كما تم احتجاز المزيد من أنصار بازوم في جميع أنحاء البلاد التي تضم بعضًا من أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم. , وفي يوم 20 يوليو 2023 استهدف المحتجون المُتحمسون السفارة الفرنسية في نيامي ،مرددين شعارات مناهضة لباريس التي حكمت الدولة الحبيسة حتى عام 1960 وما زالت تحتفظ بنفوذ كبير من خلال العديد من الاتفاقيات ودعت فرنسا إلى إنهاء “العنف غير المقبول” مشيرة إلى أن أمن مقرها الدبلوماسي في نيامي يقع على عاتق الدولة المضيفة مع التزام القوات النيجيرية بضمان الأمن بموجب اتفاقيات فيينا كما أوضحت باريس أن محمد بازوم المنتخب ديمقراطياً من قبل شعب النيجر هو الرئيس الوحيد للنيجر وفرنسا لا تعترف بالسلطات الناتجة عن الانقلاب الذي قاده الجنرال تشياني ومع ذلك وبعد رؤية الوضع يخرج عن السيطرة أمرت الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون بالإجلاء الفوري لمواطنيها اعتبارًا من بعد ظهر الأول من أغسطس 2023 وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية إن عملية الإجلاء ستبدأ اليوم وأنه “بالنظر إلى الوضع في نيامي والعنف الذي وقع ضد سفارتنا أول أمس وإغلاق المجال الجوي الذي يترك مواطنينا دون إمكانية مغادرة البلاد بوسائلهم الخاصة فسوف تستعد فرنسا لإجلاء رعاياها المواطنون الأوروبيون الراغبون في مغادرة البلاد ” . أعلن في ألول من أغسطس 2023 أن طائرة نقل عسكرية فرنسية تقل أوروبيين من النيجر وصلت إلى باريس في 31 يوليو2023 ، في أول رحلة إجلاء منذ أن أطاح الجنود المتمردون بالرئيس المنتخب ديمقراطياً في البلاد قبل أسبوع تقريبًا وأغلقوا حدودها فقد أعلنت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن إجلاء مواطنيها ومواطنيها الأوروبيين الآخرين من النيجر خوفًا من تعرضهم لخطر الوقوع في فخ الانقلاب الذي حظي بتأييد ثلاث دول أخرى في غرب إفريقيا يحكمها أيضًا جنود متمردون وأشارمسؤولون فرنسيون إلي إن حوالي 600 مواطن فرنسي يريدون المغادرة إلى جانب 400 شخص من جنسيات أخرى من البلجيكيين إلى الدنماركيين وقد حملت الرحلة الأولى في الغالب مواطنين فرنسيين ويأمل المسؤولون إنهاء رحلات الإجلاء قريباً .
كان الموقف الأمريكي عكس الموقف الفرنسي إلي حد كبير فعلي نحو آخر وخلافاً للموقف الفرنسي المُرتبك كان للأمريكيين موقف مُخالف فقد أعلن منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي في الأول من أغسطس2023إن الولايات المتحدة لا تخطط بعد لإجلاء مواطنيها من النيجر، ولا تراهم مهددين بسبب الوضع في البلاد وأوضح قوله : “لا نرى أي مؤشرات على تهديدات مباشرة لمواطني الولايات المتحدة أو منشآتنا” , وردا على سؤال حول خطط واشنطن المحتملة لإجلاء مواطنيها ذكر :”لم نغير موقفنا من الوجود في النيجر في الوقت الحاضر وأضاف كيربي أن السلطات الأمريكية تواصل “كل ساعة” مراقبة الوضع في الدولة الأفريقية , وأوضح : “أن الولايات المتحدة ليست مستعدة “للتكهن” بشأن حل عسكري محتمل للصراع في النيجر وأشار إلي أننا : “ما زلنا نعتقد أن هناك فرصة سانحة للدبلوماسية وهذا هو المجال الذي نركز عليه الآن” ، مضيفًا أن النافذة الدبلوماسية تضيق تدريجياً وأكد مجددًا أن الولايات المتحدة لا ترى أي بوادر على تدخل روسي في الأحداث في النيجر وبالإضافة إلى ذلك ، قال كيربي إن الولايات المتحدة لديها 1000 جندي في النيجر وأنه “لا توجد قرارات لاستخدامهم في أنشطة إجلاء لدول أخرى ولا توجد قرارات لنشر قوات إضافية … لهذه الأغراض” وأنه لا توجد خطط بعد لسحب الوحدة من البلاد , وهذا يعني بكل بساطة أن الأمريكيون يدركون ويعلمون الفرنسسين أن الإنقالب ضد فرنسا ومصالحها في النيجر وأن الشارع النيجري يصب جام غضبه علي فرنسا فقط وأنهم غير معنيين بذلك .
جدير بالإشارة إلي أن النيجر تمتلك النيجر احتياطيات كبيرة من اليورانيوم مع ما يصل إلى 30 شركة فرنسية نشطة في البلاد تغطي جميع القطاعات الاقتصادية لا سيما في الخدمات والتوزيع وقطاع التعدين , وفي أعقاب الانقلاب العسكري الأخير في النيجر ضد الرئيس محمد بازوم شهدت أسعار اليورانيوم ارتفاعًا طفيفًا حيث توقع بعض المحللين مكاسب أكثر أهمية في المستقبل وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية استمرت عمليات التعدين في النيجر وهي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم , فوفقًا لشركة أبحاث السوق والاستشارات UxC فقد ارتفع السعر الفوري لليورانيوم إلى 56.25 دولارًا للرطل يوم الاثنين مرتفعًا من 56.15 دولارًا في الأسبوع السابق في حين تضاعف السعر خلال السنوات الثلاث الماضية إلا أنه لا يزال أقل بكثير من ذروته البالغة 140 دولارًا التي وصل إليها في عام 2007 , وقالت شركة الوقود النووي الفرنسية أورانو في الأول من أغسطس 2023 إن أنشطتها التشغيلية مستمرة حتى في الوقت الذي تخطط فيه فرنسا لإجلاء مواطنيها من النيجر سلطت شركة Orano الضوء على أن 99٪ من موظفيها في البلاد هم مواطنون نيجيريون ( معظمهم عمال) مما يضمن استمرارية عمليات التعدين الخاصة بهم وقال رئيس UxC جوناثان هينز إن السعر الفوري لم يشهد تغيرًا طفيفًا جزئيًا لأن Orano تبيع اليورانيوم في المقام الأول من خلال عقود طويلة الأجل ، وعادة ما تكون أشهر الصيف بطيئة في السوق الفورية , كما قالت وكالة الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي Euratom في نفس اليوم الأول من أغسطس إنها لا ترى أي خطر مباشر على إنتاج الطاقة النووية في أوروبا إذا قطعت النيجر شحناتها من اليورانيوم لأن المرافق في الكتلة لديها مخزونات كافية تكفي لثلاث سنوات وأضافت Euratomقولها أن النيجر كانت ثاني أكبر مورد لليورانيوم الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي .
أكدت شركة الموارد الطبيعية GoviEx Uranium في بيان صدر عنها في 31 يوليو2023 للمساهمين أن عملياتها في النيجر مستمرة دون انقطاع على الرغم من حالة عدم اليقين في ذلك البلد نتيجة للانقلاب وعلى الرغم من أن االمعنيين بنشاط إستخراج اليورانيوم يعتقدون أن التوقعات المنعكسة في البيانات التطلعية تستند إلى افتراضات معقولة إلا أنهم لا تستطيعون تقديم أي ضمانات بتحقيق توقعاتهم وتشمل هذه الافتراضات التي قد يتبين أنها غير صحيحة ، ما يلي : (1) أن الوضع السياسي في النيجر سيتم تسويته سلمياً (2) أن سعر السوق لشركة GoviEx سوف يتعافى مع التسوية السلمية للقضايا السياسية الحالية في النيجر (3) أن دورة زيادة اليورانيوم ستستمر وتتوسع (4) أن دمج الطاقة النووية في شبكات الطاقة في جميع أنحاء العالم سيستمر كبديل للطاقة النظيفة و(5) أن سعر اليورانيوم سيظل مرتفعًا بدرجة كافية وأن تكاليف دفع مشروعات التعدين الخاصة بالشركة ستظل منخفضة بما يكفي للسماح لـ GoviEx بتنفيذ خطط أعمالها بطريقة مربحة .
تشمل العوامل التي قد تؤدي إلى اختلاف النتائج الفعلية ماديًا عن التوقعات : (1) أن الوضع السياسي في النيجر قد لا يتم تسويته سلمياً وإعادة تشكيل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً (2) أن معنويات السوق تجاه مشاريع التعدين في النيجر قد تظل غير مستقرة بسبب الوضع السياسي في النيجر (3) تراجع سعر اليورانيوم في السوق (4) عدم القدرة أو عدم الرغبة في تضمين أو زيادة توليد الطاقة النووية من قبل الأسواق الرئيسية (5) التأخيرات المحتملة بسبب قيود COVID-19 (6) فشل مشاريع الشركة لأسباب فنية أو لوجستية أو علاقات العمل أو لأسباب أخرى (7) انخفاض سعر اليورانيوم إلى ما دون ما هو ضروري للاستمرار عمليات الشركة. عدم قدرة الشركة على جمع الأموال التي تطلبها في الوقت المناسب و (11) بشكل عام عدم قدرة الشركة على تطوير وتنفيذ خطة عمل ناجحة لأي سبب من الأسباب .
جدير بالإشارة أن شركة Global Atomic الكندية تمتلك على سبيل المثال ، حصة 90٪ في مشروع Dasa وكانت قد بدأت العام الماضي في مناجم اليورانيوم الواقعة جنوب أرليت واستثمرت هذه الشركة التي تتخذ من تورونتو مقراً لها أكثر من 50 مليون دولار أمريكي في يورانيوم النيجر منذ عام 2007 ومن المقرر أن توفر اليورانيوم لـ “مرفق رئيسي في أمريكا الشمالية” بحلول عام 2025 , من جهة أخري تدعي شركة GoviEx Uranium ، التي يقع مقرها في كولومبيا البريطانية أنها واحدة من أكبر مواقع موارد اليورانيوم في العالم في موقعها في Madaouela بالقرب من بعض ممتلكات مناجم أورانو الفرنسية في منطقة أجاديز وقد وقعت Orano للتو اتفاقية شراكة عالمية جديدة مع النيجر في مايو تغطي عملياتها في Imouraren و Cominak و Somaïr وكوريا إلكتريك باور بالإضافة إلى حكومة النيجر وشركة Sopamin هم شركاء في المشروع المشترك في Imouraren – ثاني اكبر منجم يورانايوم في العالم – ووفقًا للجمعية النووية العالمية تمتلك ENUSA الإسبانية حصة أقلية في Cominak قالت شركة أورانو في بيان لأصحاب المصلحة : “أنشأت المجموعة وحدة أزمات لإعطاء الأولوية لسلامة موظفيها” “في تاريخ الإبلاغ عن البيانات المالية ولا تعتبر Orano أن هذا الحدث – أي الانقلاب – له أي تأثير فوري على أنشطتها في النيجر أو على قيمة أصولها , ويُذكر أن الرئيس المخلوع محمد بازوم اجتمع الشهر الماضي مع رئيس شركة تعدين اليورانيوم الصينية لمناقشة إعادة إطلاق العمليات في منجم سومينا كما أن ZTE Energy الصينية لها مصالح في Abokorum بينما حصلت الشركات الأسترالية والهندية على تراخيص استكشاف , جدير بالعلم أن النيجر تمثل حوالي 5 ٪ من إنتاج اليورانيوم العالمي وهي تقوم بتعدينه منذ عام 1971 .
دان أعضاء مجلس الأمن في30 يونيو2023بشدة الجهود المبذولة لتغيير الحكومة الشرعية لجمهورية النيجر بشكل غير دستوري في 26 يوليو 2023 وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس عن طلب الإفراج عن رئيس وأعرب أعضاء مجلس الأمن في بيانهم عن قلقهم إزاء الأثر السلبي للتغييرات غير الدستورية للحكومات في المنطقة وزيادة الأنشطة الإرهابية والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي كما أكدوا أسفهم للتطورات في النيجر التي تقوض الجهود المبذولة لتوطيد مؤسسات الحكم والسلام في ذلك البلد .
كما أشار سفير تنزانيا في إثيوبيا والممثل الدائم لبلاده لدى الاتحاد الأفريقي السفير إنوسنت شييو إنه في 28 يوليو 2023 عقد مجلس السلام والأمن APSA اجتماعه رقم 1164للتداول بشأن الوضع السياسي والأمني في النيجروأشار مجلس السلم في بيانه إلي أنه يتصرف في مسألة النيجر بموجب المادة 7 من بروتوكوله ويعرب عن قلقه العميق إزاء عودة الانقلابات العسكرية المقلقة التي تقوض الديمقراطية والسلام والأمن والاستقرار في القارة ويؤكد على عدم التسامح مطلقا للتغييرات غير الدستورية للحكومات بما يتماشى مع المادة 4 (ع) من القانون التأسيسي للاتحادالأفريقي وتعيد التأكيد على الالتزام التام بالأطر المعيارية للاتحاد الأفريقي بشأن الاستيلاء غير القانوني على الحكومات في القارة وأضاف سفير تنزانيا أن مجلس الأمن والسلم الأفريقي أدان بأقوى العبارات الممكنة الانقلاب العسكري في جمهورية النيجر والذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم في 26 يوليو 2023 وأوضح أن المجلس”يطالب العسكريين بالعودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم واستعادة السلطة الدستورية في غضون فترة أقصاها 15 يومًا من تاريخ اعتماد هذا البيان كما يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس محمد بازوم وجميع المعتقلين الآخرين واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حماية صحتهم الجسدية وسلامتهم الأخلاقية ويحذر المجلس من اتخاذ الإجراءات اللازمة بما في ذلك الإجراءات العقابية ضد الجناة , وأضاف سفير تنزانيا إن مجلس السلم والأمن أشاد بجهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بقيادة بولا أحمد تينوبو رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية وتعيين باتريس تالون رئيس جمهورية بنين مبعوثًا خاصًا إلى النيجر في حين رحب بعقد القمة الاستثنائية لسلطة رؤساء دول وحكومات الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المقرر عقدها 2 أغسطس 2023في أبوجا بنيجيريا ؛ وقال المبعوث التنزاني إن الاجتماع طلب من رئيس المفوضية مواصلة مراقبة الوضع عن كثب والعمل بالتنسيق الوثيق مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والجهات الفاعلة الإقليمية وإطلاع المجلس في أقرب وقت ممكن وأكد من جديد تضامن الاتحاد الأفريقي ودعمه الثابت لشعب النيجر وقرر إبقاء المسألة قيد النظر .
أما موقف التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا أو “إيكواس” فقد كان البيان الصادرعنه يوم 29 يوليو2023 شديداً ومُنذراًإذ أنه أعلن عن عقوبات سفر وعقوبات اقتصادية ضد النيجر واُشير فيه إلي إنه قد يستخدم القوة إذا لم يُعد قادة الانقلاب بازوم إلى منصبه والعودة الكاملة للنظام الدستوري في غضون أسبوع واحد وفي اليوم التالي لببيان إيكواس حذرت بوركينا فاسو ومالي في 30يوليو 2023 في بيان مُشترك من أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم الذي أطاح به انقلاب 26 يونيو سيعتبر إعلان حرب ضد بوركينا فاسو ومالي وهما “يحذران من أن أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) فضلاً عن اعتماد تدابير للدفاع عن النفس لدعم جيوش القوات وشعب النيجر ” وأشار البيان إلي أنهما “يرفضان تطبيق” “العقوبات غير القانونية وغير الشرعية واللاإنسانية ضد شعب وسلطات النيجر” المقررة في أبوجا .
علي الصعيد الدولي ثنائياً أوقف الاتحاد الأوروبي وفرنسا المساعدات المالية للنيجر وهددت الولايات المتحدة بفعل الشيء نفسه .
يعد موقف التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا هو الأشد والأكثر عدائية لإنقلاب النيجر العسكري ربما أكثر شدة من موقفه إزاء النظامين العسكريين في مالي وبوركينافاسو وربما كان ذلك الموقف نتيجة إلي :
1- أن الوجود العسكري الفرنسي في النيجر حالياً ثقيل جداً بشكل جعل الرئيسين المواليين لفرنسا محمد إسوفو ومجد بازوم أكثر إعتمادية علي العسكرية الفرنسية وذلك بالضبط نفس موقف الرئيس المُطاح به عمر البشير في السودان إذ إعتمد تماماً علي قوات الدعم السريع في بقاء نظامه آمناً من الجيش والشعب معاً وهذه بالضبط ما حدث في حالة النيجرفقد غالي الرئيس محمد إسوفو في إستقدام العسكريين الفرنسيين لبلاده دون خشية من الجيش الذي كرر عملية تغيير قياداته وإبعادها عن السلطة العسكرية كل فترة , إلي أن حدث أنه في ليلة الأربعاء 30 مارس 2021 اعتقلت السلطات المعنية عسكريون بعد “محاولة انقلاب” ووفقاً لما أعلنه مصدر أمني بعد سُماع سكان حي Plateau بنيامي عاصمة النيجر وهو حي تقع به عدة دوائر حكومية وقريب جداً من القصر الرئاسي دوي إطلاق نار كثيف في هذا الوقت , وأضاف المصدر أن “الوضع تحت السيطرة” وأنه “جرت اعتقالات في صفوف عدد قليل من عناصر الجيش كانوا وراء محاولة الانقلاب” , مُوضحاً قوله : “لم تتمكن هذه المجموعة من الاقتراب من القصر الرئاسي بعد أن ردّ الحرس الرئاسي” , وأكد مصدر مقرب من بازوم لوكالة France Press حصول ما يُوصف بأنه “محاولة انقلاب محدودة سرعان ما سيطرت عليها قوات الامن” , وتُشير تقارير أولية أنه تم القبض على عدد من المهاجمين يجري استجوابهم حاليا بمقر قيادة الدرك الوطني , وأن قائد هذه المحاولة نقيب بأمن القاعدة الجوية 101 بنيامي يُدعي Gourouzaوأنه إستخدم في محاولته الإنقلابية مع مهاجمين آخرين ثلاث سيارات وبحسب مصادر أمنية مع مهاجمين آخرين وأنه هارب في الوقت الحالي , وقد جرت هذه المحاولة الإنقلابية قبل يومين فقط من تنصيب الرئيس المُنتخب محمد بازوم في 2 أبريل في أول انتقال للسلطة الى رئيس منتخب في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا في 1960, وعلي خلفية إستمرار المعارضة في التشكيك في صحة انتصارالرئيس المُنتخب محمد بازوم في الدورالثاني للانتخابات الرئاسية التي جرت في 2فبراير2021(شغل منصب وزير داخلية ثم وزير خارجية إبان الفترة الرئاسية الثانية والأخيرة للرئيس السابق له Mahamadou Issoufou) وإقرار المحكمة الدستورية للنيجر بإنتصاره علي منافسه وزعيم المعارضة MahamaneOusmane الذي دعا أنصاره إلى الإحتجاج السلمي في أنحاء البلاد إعتباراً من 30 مارس 2021 .
ويشبه إنقلاب النيجر الأخير إنقلاب آخر في مالي عام 2012 وكان إنقلاباً عسكريً ناجحاً في قاده ضابط برتبة متوسطة يدعي Amadou Sangoأطاح بالرئيس بالرئيس المالي Amadou Tomani Toure في 22 مارس 2012 أي قبل شهر من إنتهاء ولايته الثانية والأخيرة إنتقاماً منه كونه لم يتماه مع النص الفرنسي الأمريكي لمسلسل إعادة تواجدهما العسكري المُكثف في شمال مالي , فالرئيس Amadou Tomani Toure رفض تبني وجهة النظر الفرنسية بشأن ما يُسمي بالإرهاب خاصة في وسط وشمال مالي حرصاً منه علي النسيج الإجتماعي بين قبائل العرب والقبائل الأفريقية بشمال مالي .
بعد إنقلابين في مالي وجلاء القوات الفرنسية عن مالي وإعادة تمركزها في النيجر التي بها علي الأقل 4 قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية كان الطبيعي جداً أن يساور العسكريين في النيجر القلق والخشية علي سيادة
2- أن النيجر أصبحت بعد إنقلابي مالي وبوركينافاسو حائط الصد قبل الأخير للعسكرية الفرنسية فحائط الصد الأخير هو تشاد بلا شك , ولذلك تمارس دبلوماسية فرنسا كل ماهو ممكن للضغط علي كل دول إيكواس وعلي سكرتارية هذه المنظمة الإقليمية حتي لو تطلب الأمر تحريضها علي الإقدام علي مواجهة عسكرية في نيامي لإقتلاع النظام العسكري الذي تسيد السلطة في النيجر ومع إعلان الجنرال عبد الرحمن تشياني قيادته للنيجر وحل دستور البلاد في انقلاب هذا الأسبوع ، هناك قلق متزايد بشأن مناجم اليورانيوم النيجيرية التي تديرها شركة سوبامين الوطنية ، والمناجم التي تديرها أو تمولها شركات في فرنسا والصين وكوريا الجنوبية .
إمكلنية تدخل مُسلح لمواجهة الإنقلاب العسكري الأخير بالنيجر :
سيلتقي رؤساء الأركان يوم الأربعاء 2 أغسطس في العاصمة النيجيرية في اجتماع طارئ يتم خلاله وضع الإستراتيجية العسكرية في حال إرسال قوات إلى نيامي ونادرًا ما كان لدى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مثل هذه اللهجة الحازمة لكن هل لدى التنظيم حقًا الوسائل اللازمة لتنفيذ تهديداته .
إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” مصممة على التدخل عسكريًا في النيجر إذا لم يلب المجلس العسكري الذي تولى السلطة بالنيجر المطالب التي صاغتها المنظمة في نهاية القمة التي عقدت في أبوجا يوم الأحد 30 يوليو2023 ولنتذكر حالة سيراليون فقوات ايكوموج (مجموعة المراقبة الخاصّة بدول الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا : إيكوموج ECOMOG) المشكلة من قوات افريقية للإيكواس لم تستطع مواجهة قوات الجبهة الثورية الموحدة بزعامة فوداي سانكوح لذلك قد بات واضحا ان المنظمة الافريقية لم تعد تشكل الاطار الفعال لمعالجة الصراعات التي تدمي القارة السمراء , وكانت هذه هي التجربة الفاشلة لكن كانت هناك أخري ناجحة فقد تمكنت قوة ايكوموج آنذاك من منع الرئيس الليبيري تشارلز تايلور من الاستيلاء على مونروفيا مما أدى لانتهاء الحرب عن طريق المفاوضات وإجراء الانتخابات بدلا من ذلك .
في الواقع الجماهيير في النيجر مُعبأة بالكراهية تجاه فرنسي وكل ماهو غربي فالعبث والسخرية حيال القيم والمثل الإسلامية في السويد والنرويج والمانيا وفرنسا ونيوزيلاند وغيرها عبأ النفوس في النيجر وغيرها من الدول الإسلامية بحيث لم يعد هناك حيز لإحترام هذه الدول ولا النظر إليها بقليل من الود , ويكفي أن أشير في حالة النيجر إلي أنه في وقت مبكر من عام 2019 أعلن الرئيس السابق محمد يوسفو عزمه على تغيير النشيد الوطني فتم تشكيل مجموعة من المسؤولين المنتخبين والخبراء للعمل على كلمات جديدة ولحن جديد ووضع كلمات النشيد الجديد منها: مثلاً : “تجسد الشجاعة والمثابرة وكل فضائل أسلافنا الكرام ، المحاربون الشجعان المصممون والفخورون ، دعونا ندافع عن الوطن الأم على حساب دمائنا” فقد كشفت النيجر مؤخرًا عن نشيدها الوطني الجديد مما وضع حدًا لانتقادات طويلة للنشيد النيجيري القديم الذي وضع لحنه عام 1961 موريس ألبرت الملحن الفرنسي بعد عام من استقلال البلاد وقدنظرت الحكومة إلى النشيد القديم على أنه ممثل لقيم الارتباط بالهوية الوطنية والسلام. ومع ذلك قُوبل بالنقد على بعض أوجه القصور فيه فقد تم انتقاد العبارتين الثالثة والرابعة من الترنيمة بشكل خاص وهما : “لنفخر ونشكر حريتنا الجديدة فقد فُسرت كلمة “ممتن” على أنها خضوع لفرنسا القوة الاستعمارية السابقة , لذا فأن مجرد تغيير نظام رئيس النيجر محمد يوسفو للنشيد الوطني لمجرد أن به إيحاءات للخضوع لفرنسا دليل قوي علي أن اي تدخل عسكري فرنسي أو غيره سيكون له رد فعل شعبي قوي ومُقاوم . لكن ماهي إحتمالية أو إمكانية عمل عسكري ضد إنقلاب 26 يوليو في النيجر :
1- إذا قام التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا بعمل عسكري هجومي علي قادة إنقلاب 26 يوليو فسوف لا يكون موجهاً للإنقلابيين فقط بل لقطاع عريض من الشعب في النيجر وبالتالي فسوف لا يكون مثل حالة تدخل إيكواس ECOWAS من خلال قوة إيكوموج في دول أخري , فمجموعة تحظي بقوة جاهزة دائمة تسمى ECOMOG وقد تم نشرها للتدخل في النزاعات في ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو منذ تسعينات القرن الماضي ووقتذاك قادت نيجيريا هذه القوة بإعتبارها الدولة القائدة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا , ولكن في هذه الحالات من تدخل قوة إيكوموج كان الوضع مختلفاً ذلك أن حالة النيجر الحالية أعقدها فهي ليست كأي حالة تدخل سابقة , فالتدخل العسكري في النيجر قد يتحول إلي حرب شوارع في ضوء التأييد الشعبي للإنقلابيين في أوساط شعب النيجر , ويزيد الأمر سوءاً أن التنظيمات الجهادية المُسلحة في النيجر وفي شمال مالي قد تتدخل هي الأخري ضد أي تدخل من الإيكواس أو من الجيش الفرنسي الرابض فعلاً في النيجر وفي هذه الحالة ستكون التكلفة المالية و البشرية في الأرواح والمال عالية وممتدة زمنياً , لذلك فإتخاذ قرار بالتدخل لابد وأن يضع في إعتباره التكلفة المالية والبشرية علي ضوء مكونات مسرح قتال النيجر وإمكانية أن يتحول القتال في النيجرلحرب عصابات وشوارع إن إمتدت زمنياً .
2- من الواضح أن فرنسا مُتجهة إلي تحريض تجمع إيكواس حتي يبادر بالقيام بعمل عسكري لكسر الإنقلاب العسكري في النيجر ففرنسا من غير المرجح أن تقذف بقواتها المُرابضة في النيجر إلي تهلكة حرب شوارع وصحاري في النيجر ذلك أن القوي الرئيسية الممكن أن تواجهها في النيجر هي جيش النيجروالشعب والتنطيمات الجهادية التي فشلت القوات الفرنسية في إلحاق هزيمة بها من خلال عمليتيServal و Barakhane في شمال مالي , ومن الصحيح أن فرنسا سبق وتدخلت عسكرياً في سبع عمليات عسكرية رئيسية في أفريقيا خلال الفترة 2006- 2016، وكان البعض منها يندرج ضمن المبادرات الدولية والبعض الآخر يشكّل مبادرات فرنسية, فكانت تحت غطاء دولي مثل التي كانت تحت مُسمي سانجاريس في ديسمبر 2013 في أفريقيا الوسطي لدعم نظام تؤيده هناك وليبيا (عملية هارمتان) في الفترة من 17-31 من مارس 2011 أمّا البعض الآخرفيندرج ضمن المبادرات الفرنسية ويضم خمسا من أبرز العمليات العسكرية وهي “برخان” في الأوّل من أغسطس2014، و”سرفال”في مارس 2012 في مالي و”إيبرفييه” في تشاد فبراير1986 ثم تدخلت ثانية في تشاد لدعم نظام إدريس ديبي عام 2009 في مواجهة المعارضة المُسلحة إضافة إلى “ليكورن” في سبتمبر 2002 في كوت ديفوار، و”بوالي” في أفريقيا الوسطى في الفترة من أكتوبر 2002 حتى ديسمبر 2013 , ولكنها هذه المرة في النيجر ستُواجه حتماً بثلاث قوي كما أشرت فالسناريو مختلف وكلما مر الوقت كلما زاد إلتحام الجيش والشعب فالطبقة السياسية محترفة العمل الحزبي والسياسي بالنيجر فاسدة وغير معنية بتطلعات الشعب ومرتبطة للأسف مع الفرنسيين لا الشعب ومعظم ثمار فسادهم في المصارف الفرنسية والجال العقاري الفرنسي , كما أنه بمرور الوقت وإحتدام الأزمة السياسية سينشأ رباط قوي بين العسكريين والتنظيمات الجهادية في النيجر كما هي الحال في مالي إبان عهد الرئيس المُطاح به Toumani Toure .
3- إحتمال تدخل فرنسا ونيجيريا في كسر إنقلاب النيجر تتناقص بإزدياد وتيرة مواجهة قوات نيجيريا المُسلحة لتنظيم بوكوحرام ومواجهة فرنسا لمظاهرات مناوئة للحكومة الفرنسية لإصدارها قانون التقاعد فالوضع الداخلي في فرنسا لن يتقبل عملية التدخل ببساطة هذه المرة خاصة وأن مراقبون في فرنسا وخارجها وفي نيجيريا وخارجها يرون أن تجمع إيكواس كالاتحاد الأفريقي يعاني من إزدواجية المعايير , فمؤخراً وفي حالة تشاد قررمجلس السلم والأمن PSC التابع للاتحاد الأفريقي في 14 مايو عدم فرض عقوبات على تشاد وسلطاتها الجديدة , فمنذ بدء الانتقال العسكري بعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل 2021تعرضت السلطات العسكرية التشادية الجديدة للتهديد بتعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي بسبب إنتهاكها لدستور تشاد الذي يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بحيث تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية , وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري الذي أعلن عن تولية السلطة لابن الرئيس المغدور إدريس ديبي بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة مُكتفياً بتفويض السلطة من تلقاء نفسه من واقع بيان أصدره أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات , مما يعني أن الوضع القائم في تشاد هو وضع شبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع لنقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة , لمواجهة إحتمال إتخاذ قرار من مجلس السلم والأمن الأفريقي بإعتبار تولي العسكريين السلطة بمثابة إنقلاب عسكري لمخالفته دستور تشاد فيما يتعلق بنصه الخاص بعملية إنتقال السلطة لرئيس البرلمان التشادي وليس لمحلس عسكري إنتقالي أو غيره قام محمد إدريس ديبي بزيارة Abuja حيث التقى بالنيجيري Muhammadu Buhari وكما حدث في Niamey عاصمة النيجر قبل أيام قليلة أكد لأخيه الأكبر الرئيس Buhari أنه ينوي استكمال المرحلة الانتقالية وتنظيم انتخابات حرة في غضون ثمانية عشر شهرًا كحد أقصى مع الحفاظ على التزامات تشاد في مجال سياسة الأمن الإقليمي , و بدأ مجلس السلم والأمن في 14 مايو2021 في دراسة القضية التشادية وإحتدم الجدل بين الدول أعضاء المجلس التي إنقسمت إلي فريقين الأول مُؤيد لفرض العقوبات تطبيقاً لنصوص الاتحاد الأفريقي ومعظمه من الدول الناطقة بالإنجليزية وهي بصفة رئيسية دول الجنوب الأفريقي لا سيما ليسوتو و ملاوي وقد استفادت هذه المجموعة في مُستهل النقاش من دعم الجزائر التي تمثل الشمال الأفريقي لفرض العقوبات علي النظام التشادي والفريق الثاني مُعارض وأغلبه من الدول الناطقة بالفرنسية بغرب إفريقيا (السنغال وبنين) ووسـط إفـريـقـيا (لا سيما الكونجو وبوروندي ورواندا) وهم من طالبوا بالتساهل مع المجلس العسكري التشادي الذي تم تشكيله في N’Djamena علي عجل في 27 أبريل 2021والتغاضي عن فرض عقوبات علي نظام N’Djamena العسكري وأهمها تعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي , وقد إعتمد مؤيدو التساهل تجاه N’Djamena على تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الاتحاد الأفريقي إلى تشاد في نهاية أبريل 2021 بقيادة مفوض السلام والأمن النيجيريBankole Adeoye وعضوية سفير جيبوتي (ترأس مجلس السلم والأمن في أبريل) لدى الاتحاد الأفريقي إدريس فرح .
4- من شأن التدخل العسكري المباشر في النيجر سواء نجح أم فشل أن يتداعي وينهار تنظيم أو قوة الساحل الخماسيةG 5 SAHEL بخروج كل من النيجر وبوركينافاسو وتشاد من هذا التنظيم الخماسي وهذا التظيم للأسف لم يكن يُقصد به مجابهة التنظيمات الجهادية أو الإرهابية كما يحلو للفرنسسين أو الأمريكان أو أمثال الرئيس إيسوفو ومحمد بازوم أن ينعتوها , فيما هي ببساطة تظيمات مقاومة مُسلحة للتدخل الخارجي , وربما إن لم يتقرر التدخل العسكري أن تظل النيجر في هذا التنظيم الخماسي , وإن كنت أعتقد أنه سينهار بناءه +ويتول إلي شظايا في الفرنسيين بالرغم مما كلفته المالية , تولت الدبلوماسية الفرنسية ملفاً تكتنفه صعوبات جمة وهو ملف إقامة قوة الساحل الخماسية G5 Sahel وأوجه الصعوبة الرئيسية لهذا الملف أن هذه القوة بالغة الأهمية في ضوء صعوبة توقع نتيجة عسكرية إيجابية أو حاسمة في محاربة ما يُوصف بالإرهاب أو “الجهاديين” إذا ما أنيطت مسئولية هذه المواجهة لجيوش النيجر ومالي علي نحو خاص نظراً لضعفها وللإتجاهات العدائية لفرنسا والكامنة داخل المؤسستين العسكريتين في هاتين الدولتين , وكمثال علي هذا الإتجاه حدث أن أفادني مسئول عسكري رفيع المستوي في النيجر في 14 أكتوبر 2010 بأن كثير من العسكريين في حالة من الضيق بسبب الوجود العسكري الفرنسي بالنيجر وذلك تعليقاً علي الضغوط التي تمارسها فرنسا علي النيجر للحصول علي قاعدة عسكرية بها , لكن فرنسا نجحت أخيراً بواسطة الرئيس Mohamadou Issoufou مُؤيداً من معظم أعضاء حزبه في تأسيس قاعدة عسكرية لها علي أراضي النيجر جنباً إلي جنب مع تواجد للعسكرية الأمريكية التي كثفت من وجودها في النيجر من خلال تعزيز الموارد البشرية العسكرية الأمريكية ومن بينهم مجموعة من قيادة العمليات الخاصة تعمل في إطارTrans-Sahara Counter Terrorism Partnership بالإضافة إلي قاعدتين للطائرات التي بلا طيار Drones واحدة في Niamey العاصمة وتُستخدم بصفة رئيسية طائرات من طرازPredator والأخري تكلف إنشاؤها 100 مليون دولار وتقع خارج مدينة Agadez بشمال النيجر (للولايات المتحدة حالياً 800 عسكري أمريكي يعملون في إطار AFRICOM) وكلاهما لجمع المعلومات عن الأجزاء الشمالية بصحراء مالي والنيجر معاً حيث يتحرك أبناء الطوارق الذين يُعتقد أنهم الداعم الرئيسي والحاضنة الطبيعية للتيار الجهادي في الصحراء الكبري الممتدة من موريتانيا وحتي واحة سيوة بالصحراء الغربية لمصر , أما ألمانيا فلها هي الأخري تواجد عسكري إذ أنشأت قاعدة لها في النيجر بررتها بأنها نقطة إرتباط مع القوة الألمانية المتمركزة بشمال مالي , وإلي حد ما فالتبرير غير مكتمل لأن هناك أسباب أخري تتعلق بالتواجد العسكري الألماني وهو مشروعات الطاقة المستقبلية بالصحراء الكبري وتحديداً مشروع DESERTECهذا بالإضافة إلي طموحات ألمانيا الإقتصادية الأخري بهذه المنطقة , ولذلك فليس من الغريب أن نسمع عن أنباء نُشرت علي نطاق واسع منها موقع nigerdiaspora تناولت إندلاع مظاهرات بالنيجر يوم الأحد 25 فبراير 2018 بعاصمة النيجر Niamey والمدن الهامة بالبلاد مثل Zinder و Maradi و Tillabéri و Tahoua, مُطالبة بإلغاء قانون المالية لعام 2018 الذي رآه الرأي العام بأنه مُضاد للمجتمع وكذا طالب المُتظاهرين برحيل القوات الأجنبية عن أراضي النيجر , وقد نظم وتفاعل مع هذه المظاهرات أحزاب المعارضة الرئيسية وثلاث نقابات من بين 11 نقابة بالنيجر , وأعتبر المتظاهرون القوات الأجنبية بمثابة قوات إحتلال , وقالت السيدة Mariama Bayard رئيسة جبهة المعارضة المُستقلة FOI “سنذهب معهم حتي النهاية ” , فيما قرر القضاء إطلاق سراح 7عسكريين قُبض عليهم في 4 فبراير 2018لإحتجاجهم علي قانون المالية لعام 2018 .
5- لابد وأن تدرك نيجيريا أن تدخلها العسكري ضد الإنقلاب العسكري في النيجر ستكلفها سياسياً وربما إقتصادياً وربما أثر ذلك علي ريادتها في منطقة غرب أفريقيا وقد يتجلي ذلك في ريادتها لمنظمة لجنة حوض بحيرة تشاد و اتحاد نهر مانو ، فمن الممكن أن تتفاوض نيجيريا مع إنقلابيي النيجر لإدارة البلاد لفترة إنتقالية غايتا عام أو عامين بعدها تُجري إنتخابات يتولي بموجبها رئيس مدني السلطة في البلاد علي غرار ما حدث مع إنقلاب النيجر في 18 فبراير 2010 وأنقلاب مالي في 24 مايو 2021 وغيرهما .
6- إن أي تدخل من جانب إيكواس أو فرنسا أو هما معاً سترتب عليه في الغالب توقف إستخراج اليورانيوم من مناجمه في Arlit و في شمال النيجر وسيؤدي توقف إنتاج مُستخلص اليورانيوم أو الـ Yallow Cack إلي التأثير سلباً علي توليد 70% من قوة توليد الكهرباء الفرنسية من أكثر من 100 مفاعل نووي يولد الطاقة الكهربائية لفرنسا وبعض دول الجوار لها , بدأت فرنسا في إستغلال يورانيوم النيجر في خمسينات القرن الماضي وأضطردت أهمية هذا البلد بالتوسع الفرنسي في الإعتماد علي الطاقة النووية في توليد الكهرباء حتي أن فرنسا الآن بها نحو 58 مفاعل نووي , ولهذا فهناك مبرر للحفاظ علي تحقيق إستراتيجية أمن الطاقة إرتكازاً علي النيجر , وفي ضوء المخاطر التي مصدرها ”الجهاديين” الرافضين للوجود الفرنسي سواء أكان إقتصادياً أو عسكرياً والذين يعبرون عن رفضهم بالسلاح وليس بمجرد الصعود إلي منصات الأحزاب السياسية المُناهضة لفرنسا , فقد كان لزاماً علي فرنسا للذود عن مصالحها العليا ذات الصلة المباشرة بأمنها القومي وحيويتها الإستعمارية أن تلجأ لإستخدام القوة العسكرية , خاصة وأن الهجمات المسلحة ليست هي الخطر الوحيد الذي يواجه أمن الطاقة الفرنسية هناك , فمعظم الخبراء يعلمون أنه من المُحتمل بمقدم عام 2050أن يحدث نقص حاد في اليورانيوم يضرب صناعة الطاقة فوفقاً للدكتور Yogi Goswami بجامعة Florida ” فسوف تستمر إحتياطيات اليورانيوم المُؤكدة لمدة لا تقل عن 30 عاماً , وأن المراكز والصروح النووية الحالية تستهلك حوالي 67,000 ألف طن من اليورانيوم عالي النوعية كل عام , وأن الإرسابات الحالية من اليورانيوم علي كوكبنا تُقدر بما بين 4 إلي 5 مليون طن , مما يعني أن الموارد الحالية ستظل حتي 42 عاماً فقط , لكن إذا ما حدث تصعيد في مفاعلات الطاقة النووية , وهو ما يبدو أنه الحادث فعلاً , فهنا يمكن القول أنه من المُحتمل أن يأتي الوقت للقول بأن المدي الزمني ينفذ بصفة ملحوظة , ولذا ففي عام 2050 ستنفذ كل الإحتياطيات المُكتشفة والمُؤكدة” , وأضاف الدكتور Yogiقوله ” أن الوقود النووي كان يُعتبر بغير حد طالما كانت الحكومة مُستمرة في التعاطي مع مفاعلات مُجهزة لإنتاج إشعاعات أكثر من المادة التي غُذي به المفاعل , لكن من بين 400 مفاعل مُستخدمة بالعالم , لا أعرف أن حكومة واحدة تستخدم هذا النوع من المفاعلات حالياً ” وقد أيد دكتور Lee Stefankos أستاذ الهندسة الكهربائية ومدير مركز أبحاث الطاقة النظيفة بجامعة South Florida والذي يُجري أبحاث في مجالات تحويل الطاقة الشمسية الحرارية ما قاله دكتور Yogi وقال” أنه يشعر أن الطاقة النووية ليست من بين المنتجين الرئيسيين للطاقة , فمع تقلص إحتياطيات اليورانيوم أوقن بأن الطاقة الشمسية تمدنا بطاقة أكثر أمناً وأنها علي المدي البعيد بديل أكثر رخصاً ” , وهنا تجب الإشارة إلي أن فرنسا وألمانيا علي سبيل التعيين يتحركان عملياً في منطقة الصحراء الكبري من أجل تحقيق أمن الطاقة , وتعلم فرنسا أن اليورانيوم مُعرض للنفاذ أو علي الأقل التناقص بحدة وبالتالي فقد لا يتحقق الإنتظام في تموين مفاعلاتها النووية بالكعكة الصفراء أو Yellow Cake علي المدي البعيد , ولذلك تصوب فرنسا وألمانيا والإتحاد الأوروبي من وراءهما النظرعلي ما تذخر به الصحراء الكبري من طاقة شمسية علي مدار العام يمكن إستغلالها وهذا ما في سبيله لأن يحدث بالفعل , ويؤكد ذلك ما نشرته صحيفة The National في 14 يناير 2012 عندما أشارت إلي أن السلطة النووية الفرنسيةASN حذرت من أن فرنسا وممونها بالطاقة النووية EDF عليهما تدبير ما يقرب من 10 بليون يورو لتأمين الشبكة العنكبوتية من المفاعلات النووية الفرنسية المُكونة من 58 مفاعل علي إمتداد الأراضي الفرنسية , ففرنسا التي تعتمد علي الطاقة النووية بما نسبته 80% في توليد الكهرباء , عليها التماهي مع تصاعد معدلات الأمان الدولية للجيل التالي من مُولدات الطاقة بعد الحادثة الكارثية التي وقعت عام 2011 في مفاعل FUKUSHIMA باليابان , وهو أمر يدعو للقلق إزاء كثير من المفاعلات الفرنسية التي تجاوز 34 منها عمر الثلاثين عاماً في الخدمة مما يتطلب صيانات مُتزايدة التكلفة مُستقبلاً , وبالرغم من أن المفاعلات الفرنسية ليست بحاجة لإغلاقها فوراً , إلا أنها تتطلب إستثماراً ضخماً إن كان الهدف منه تحقيق معدل أمان في حال حدوث صدمة طبيعية علي غرار FUKUSHIMA, والإشارة الأهم وذات الصلة بالمستقبل شبه المُعتم لليورانيوم والطاقة النووية المُولدة للكهرباء ما أشارت إليه الصحيفة بشأن ألمانيا فقالت ” إن مبادرة مؤسسة DESERTEC الألمانية لتوليد الطاقة من آشعة شمس الصحراء الكبري , شهدت تسارعاً بعد كارثة FUKUSHIMA , فتوليد الكهرباء من آشعة شمس الصحراء الكبري سيسد ما نسبته 15% من مجمل إحتياجات أوروبا من الكهرباء علي مدي عام 2050 , وهي الطاقة التي ستُنقل عبر كوابل من الصحراء الكبري لأوروبا وسيستفيد الأفارقة بدول الصحراء الكبري منها كذلك , وأن التكلفة (التقديرية) للمشروع الألماني تبلغ 400 بليون يورو , وهذا المشروع موضوع علي جدول تنفيذي وكان مُقدراً إتمام مرحلته الأولي عام 2012 بتطوير وتنمية 500 MW من مزرعة شمسية بمدينةQuarzazate جنوب وسط المغرب .
7- ستتردد فرنسا كثيراً في إتخاذ قرار بالتدخل في النيجر فحتي لو ظفرت بالمعركة ضد إنقلابيي النيجر ستخسر سياسياً في تسويغ مبرراتها أمام الرأي العام الفرنسي والأوروبي في دعمها لأوكرانيا وإصطفافها مع حلف NATO الداعم هو أيضاً لأوكرانيا , ومما يمكن أن يتداعي من نتائج مُترتبة علي تدخل فرنسي في النيجر أن ينخفض الدعم الفرنسي بدرجة ما فيما لو إمتد أمد معركة فرنسا غير الحاسمة في النيجر , وهذه ستكون أول مرة تواجه فرنسا إنقلاباً عسكرياً بالتدخل العسكري فلم يُستدل علي أن فرنسا دخلت حرب بسبب إنقلاب عسكري في أفريقيا أو في آسيا , علي العكس فالمراقبون للتدخلات الفرنسية يعلمون أن فرنسا صانعة لبعض الإنقلابات العسكرية في أفريقيا وذلك أمر غير خاف علي مراقبي السياسة الخارجية لفرنسا ودور المكتب الثاني (المخابرات العسكرية الفرنسية)في صناعة مثل هذه الإنقلابات .
8- إن بادرت نيجيريا بعمل عسكري ما ضد إنقلابيي النيجر فسيُنظر إلي ذلك علي أنه ناشئ بتحريض ودفع من فرنسا وبالتالي فستخسر نيجيريا كثيراً من مصداقية سياستها الإقليمية في أفريقيا وفي غربها تحديداً , فيما المكسب كله عائد إلي فرنسا , ولذلك فإن الأفضل لمصلحة نيجيريا أن تمارس دور ديبلوماسي بحت خال من التلويح بإستخدام القوة ومن الآن فلن تخسر نيجيريا النتيجرفقط بل ومعها أفريقيا الوسطي وبوركينافاسو ومالي وقد يؤدي ذلك إلي تصدع أو شرخ عميق لايلتئم في بنيان تجمع إيكواس نفسه الذي تأسس في 25 مايو 1975 بموجب اتفاقية لاجوس والذي يضم بالإضافة إلي نيجيريا كل من : الرأس الأخضر وجامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر وتوجو .
9- تتخذ الولايات المتحدة موقفاً تبدو فيه very low profile , ولهذا الموقف إنعكاساته علي تقرير التدخل العسكري من عدمه لكن علي أي الأحوال فالولايات المتحدة تبدو وكأنها ممتنة للإنقلابيين من زاوية الخلاص من عميل إضافي لفرنسا في منطقتي الساحل والصحراء , ولم يتبق لفرنسا سوي محمد كاكا إبن الصريع إدريس ديبي وهو الآن وكيل فرنسا في هذه المنطقة وقد يتم الخلاص منه في الموجة القادمة حتي تتحول منطقتي الساحل والصحراء إلي منطقة خالصة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM .
.
رابط المصدر: