أنهت المحكمة العليا الأميركية الجمعة حق الإجهاض بإصدارها قرارًا له وقع مزلزل ويقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي.
وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم “رو ضد واد” والذي صدر عام 1973 ليكرس حق المرأة في الإجهاض وقالت إن بإمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيده كما ترى، كما كان سائدًا قبل السبعينات.
وقالت المحكمة وأغلب قضاتها محافظون ان “الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، يُنقض +رو ضد واد+ وتعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثّليهم المنتخبين”.
الحكم هز المجتمع الأميركي، وكان له وقع الصدمة لكثيرين من الليبراليين واليساريين في الحزب الديمقراطي، ليس فقط لأنه جعل قوانين حظر الإجهاض التي أقرتها مسبقاً ولايات محافظة عدة، سارية بشكل فوري، بينما تستعد ولايات أخرى للحاق بها خلال أسابيع قليلة، ولكن أيضاً لأن الليبراليين يستشعرون خطراً من إلغاء سوابق أخرى يمكن أن تتخذها المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون، بخاصة بعدما دعا قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس إلى إلغاء الحقوق الدستورية التي أكدتها المحكمة للحصول على وسائل منع الحمل وحقوق المثليين.
في الأثناء، تجمع خارج المحكمة العليا مئات الأشخاص بعضهم يذرف دموع الفرح والبعض الآخر يبكي حزنًا، وسط اجراءات أمنية مشددة أقرت قبل صدور الحكم.
وقالت جينيفر لوكوود شبات (49 عاما) وهي أم لبنتين كانت تبكي حزنا “من الصعب أن نتخيل العيش في بلد لا يحترم المرأة كبشر وحقها في السيطرة على جسدها”.
لكن غوين تشارلز البالغة (21 عامًا) وهي معارضة للإجهاض، كانت مبتهجة.
وقالت تشارلز لفرانس برس “هذا هو اليوم الذي كنا ننتظره… ندخل في ثقافة جديدة للحياة في الولايات المتحدة”.
من المرجح أن يؤدي قرار المحكمة العليا إلى سنّ مجموعة قوانين جديدة في نحو نصف الولايات الأميركية الخمسين ستقيد بشدة عمليات الإجهاض أو تحظرها تمامًا وتجرمها، ما سيجبر النساء على السفر لمسافات طويلة إلى الولايات التي لا تزال تسمح بهذا الإجراء.
بعد ساعات فقط، حظرت ولاية ميسوري الإجهاض بدون استثناء الحمل الناتج عن الاغتصاب أو سفاح القربى، وكذلك فعلت ولاية ساوث داكوتا باستثناء الوضعيات التي تكون فيها حياة الأم في خطر.
وقال المدعي العام في ولاية ميسوري اريك شميت “هذا يوم تاريخي لقدسية الحياة”.
وقال القاضي صمويل أليتو إن الحكم في قضية “رو ضد واد” في رأي غالبية قضاة المحكمة “خاطئ بشكل صارخ”.
وأضاف “الإجهاض يمثل قضية أخلاقية عميقة يتبنى الأميركيون آراء متضاربة بشدة بشأنها”، وأردف أن “الدستور لا يحظر على مواطني كل ولاية تقنين أو حظر الإجهاض”.
ورفضت المحكمة الحجة التي استندت إليها قضية “رو ضد واد” ومفادها أن للنساء الحق في الإجهاض على أساس الحق الدستوري في الخصوصية على أجسادهن.
يمثل الحكم انتصارا لخمسين عاما من حراك اليمين الديني ضد الإجهاض، ومن المتوقع الآن أن يواصل النشطاء الضغط من أجل حظره تماما على مستوى البلاد.
يعكس رأي أليتو إلى حد كبير ما جاء في مسودة ألّفها وتم تسريبها بشكل غير معتاد مطلع أيار/مايو وأثارت تظاهرات منددة على مستوى البلاد.
لن تقف عند هذا الحد
اعترض القضاة الثلاثة الليبراليون في المحكمة على الحكم الذي جاء غداة قيام المحكمة بتكريس حق المواطنين في حمل مسدس في الأماكن العامة.
وقالوا “أيا كان النطاق الدقيق للقوانين المقبلة، فإن نتيجة قرار اليوم المؤكدة هي تقييد حقوق المرأة”.
وحذروا من أن مقدمي خدمات الإجهاض قد يواجهون الآن عقوبات قانونية وأن “بعض الولايات لن تقف عند هذا الحد”.
وأضافوا “ربما في أعقاب قرار اليوم، قد يجرم قانون ولاية سلوك المرأة أيضًا، وسجنها أو تغريمها لجرأتها على السعي للاجهاض أو إجرائه”.يتعارض قرار المحكمة مع التوجه الدولي لتخفيف قوانين الإجهاض، بما في ذلك في دول مثل إيرلندا والأرجنتين والمكسيك وكولومبيا حيث لا يزال للكنيسة الكاثوليكية نفوذ واسع.
ولم يكن صدور الحكم ممكناً لولا ترشيح الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب ثلاثة قضاة محافظين للمحكمة.
وكانت القضية المعروضة أصلا على المحكمة تتعلق بقانون في ولاية ميسيسيبي يقيّد الإجهاض خلال 15 أسبوعًا من الحمل، لكن أثناء النظر في القضية في كانون الأول/ديسمبر، أشار عدد من القضاة إلى استعدادهم للمضي أبعد من ذلك.
ووفق “معهد غوتماشر”، أعدت 13 ولاية قوانين تحظر الإجهاض فور صدور قرار المحكمة العليا تقريبًا.
ولدى عشر ولايات أخرى قوانين تعود إلى ما قبل عام 1973 ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ مجددا أو تشريعات تحظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل أي قبل أن تعرف الكثير من النساء أنهن حوامل.
يتعين على النساء في الولايات التي تطبق قوانين صارمة ضد الإجهاض إما الاستمرار في الحمل وإما الخضوع لإجهاض سري أو الحصول على حبوب الإجهاض أو السفر إلى ولاية أخرى حيث الإجراء قانوني.
اتخذت العديد من الولايات التي يحكمها الديموقراطيون خطوات لتسهيل الإجهاض وأصدرت ثلاث منها (كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن) تعهدًا مشتركًا بالدفاع عن هذا الحقّ في أعقاب قرار المحكمة العليا.
ردود أفعال سياسية
ردت شخصيات عامة من مختلف الأطياف السياسية على حكم المحكمة العليا الأمريكية يوم الجمعة بإلغاء قرار (رو ضد وايد) التاريخي الصادر عام 1973 الذي اعترف بالحق الدستوري للمرأة في الإجهاض وشرعته على الصعيد الوطني.
وصف الرئيس جو بايدن الحكم بأنه “خطأ مأسوي” نابع من “أيديولوجيا متطرفة”، معتبرا أنه “يوم حزين للمحكمة والبلد”. وأضاف بايدن أن “صحة وحياة النساء في هذه الأمة في خطر الآن”، محذراً من أن حقوقاً أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلا، مثل الزواج المثلي ووسائل منع الحمل.
وحضّ الرئيس الديموقراطي الكونغرس على سنّ قانون فدرالي يحمي حق الإجهاض، وقال إن المسألة ستكون في صلب الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر.
قال الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب مشيدا بالحكم، إن “الله اتخذ القرار”.
نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي والمنتمية للحزب الديمقراطي تقول في بيان “هذا الحكم القاسي شائن ومؤلم. ثقوا تماما أن حقوق النساء وجميع الأمريكيين ستطرح في الاقتراع في نوفمبر (انتخابات التجديد النصفي للكونجرس)”.
ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ يقول في بيان “هذا انتصار تاريخي للدستور وللطرف الأضعف في مجتمعنا”. (القرار) “شجاع وصحيح”.
الرئيس السابق باراك أوباما “اليوم، لم تبطل المحكمة العليا سابقة تعود إلى ما يقرب من 50 عاما فحسب، بل عطلت القرار الشخصي، الأكثر قوة، والذي يمكن لأي شخص اتخاذه لحساب أهواء السياسيين وأصحاب الأيديولوجيات .. هذا هجوم على الحريات الأساسية لملايين الأمريكيين”.
مايك بنس نائب الرئيس السابق يقول في بيان: “اليوم، الحياة فازت. بإلغاء قضية رو ضد ويد، أعطت المحكمة العليا للولايات المتحدة الشعب الأمريكي بداية جديدة للحياة، إنني أثني على القضاة في الأغلبية لشجاعتهم في قناعاتهم.
“بعد أن أتيحت لنا هذه الفرصة الثانية للحياة، يجب ألا نرتاح ولا يجب أن نلين حتى يتم استعادة قدسية الحياة إلى مركز القانون الأمريكي بكل ولاية في البلاد”.
دوليا، اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن إلغاء الحق في الإجهاض الذي قررته المحكمة الأمريكية العليا “يشكل ضربة موجعة للحقوق الإنسانية للنساء”.
وقالت ميشيل باشليه في بيان إن “الحق في الإجهاض الآمن والقانوني والفاعل متجذر بعمق في القانون الإنساني الدولي وهو في صلب استقلالية النساء وقدرتهن على القيام بخياراتهن بأنفسهن”، مبدية أسفها لقرار “يشكل تراجعا كبيرا”.
واعتبرت أن “القرار ينتزع استقلالية ملايين النساء في الولايات المتحدة، خصوصا ذوات الدخل المنخفض واللواتي ينتمين إلى أقليات عرقية وإثنية، (ويأتي) على حساب حقوقهن الأساسية”.
نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي والمنتمية للحزب الديمقراطي قالت في بيان: “هذا الحكم القاسي شائن ومؤلم. ثقوا تماما أن حقوق النساء وجميع الأمريكيين ستطرح في الاقتراع في نوفمبر/تشرين الثاني (انتخابات التجديد النصفي للكونغرس)”.
دان عدد من القادة بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ونظيره الكندي جاستن ترودو “التراجع” الأميركي.
في فرنسا، أعرب الرئيس إيمانويل ماكرون عن أسفه ل”التشكيك” في حريات المرأة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن واشنطن تعتزم مع ذلك مواصلة دعم “حقوق الصحة الإنجابية” في كل أنحاء العالم.
أشادت الأكاديمية الباباوية من أجل الحياة يوم الجمعة بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة بشأن الإجهاض وقالت إنه “يتحدى العالم أجمع” فيما يخص قضايا الحياة.
وقالت الأكاديمية في الفاتيكان في بيان إن الدفاع عن الحياة البشرية لا يمكن أن يتم حصره في حقوق فردية لأن الحياة أمر “له أهمية اجتماعية واسعة”.
قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الجمعة، بعد أن ألغت المحكمة العليا الأمريكية قرارا صدر عام 1973 يقضي بإجازة الإجهاض، إن فرض قيود على هذا الإجراء لن يؤدي إلى منعه “بل سيجعله أكثر فتكا”.
وقال المتحدث ستيفان دوجاريك للصحفيين “الصحة الجنسية والإنجابية والحق فيهما أساس الحياة القائمة على الاختيار والتمكين والمساواة للنساء والفتيات في العالم.. فرض قيود على الإجهاض لا يمنع الناس من السعي للإجهاض، بل يجعله أكثر فتكا”.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي وكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة إن “45 بالمئة من كل عمليات الإجهاض في العالم غير آمنة، مما يجعلها سببا رئيسيا لوفيات الأمهات”.
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت في بيان إن قرار المحكمة الأمريكية “انتكاسة كبيرة” و “ضربة قوية لحقوق المرأة والمساواة”.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن ما يقرب من نصف حالات الحمل في جميع أنحاء العالم غير مقصودة وإن أكثر من 60 بالمئة منها قد تنتهي بالإجهاض.
ولايات تمنع عمليات الإجهاض
بعدما دفنت المحكمة العليا المحافظة جدا في الولايات المتحدة الحق في الإجهاض في تغيير تاريخي، اغتنم عدد من الولايات الفرصة لحظر عمليات إنهاء الحمل على أراضيها على الفور.
وفيما تغلق العيادات في ميزوري أو ساوث داكوتا أو جورجيا أبوابها واحدة تلو الأخرى، تعهدت ولايات ديموقراطية مثل كاليفورنيا أو نيويورك، الدفاع عن الحصول على عمليات الإجهاض على أراضيها.
كتب القاضي صموئيل أليتو “لا يشير الدستور إلى الإجهاض ولا يحمي أي من مواده ضمنيًا هذا الحق”. وأضاف “حان الوقت لإعادة مسألة الإجهاض إلى ممثلي الشعب المنتخبين” في البرلمانات المحلية.
وهذه الصيغة قريبة من مسودة حكم أولية كانت محور عملية تسريب غير مسبوقة في بداية أيار/مايو.
ومع أن القرار كان متوقعا، تجمّع الآلاف للتعبير عن فرحتهم أو حزنهم أمام مقر المحكمة العليا في واشنطن.
وقالت جينيفر لوكوود شبات (49 عاما) وهي تبكي “من الصعب أن نتخيل العيش في بلد لا يحترم حقوق المرأة”.
لكن غوين تشارلز (21 عاما) عبّر عن ارتياحه مؤكدا “نحن ندخل ثقافة جديدة لحماية الحياة”.
ويشير أستاذ قانون الصحة العامة لورنس جوستين إلى أن الحكم الذي نُشر الجمعة “يعد من أهم الأحكام في تاريخ المحكمة العليا منذ إنشائها عام 1790”.
وقال لوكالة فرانس برس “حدث في الماضي تغيير لكن لتأسيس أو إعادة حق وليس لإلغائه”.
ورأى الملياردير الجمهوري في تصريحات لشبكة فوكس نيوز أن هذا القرار يعكس “إرادة الله”.
عملياً، يتعلق هذا النص بقانون لولاية ميسيسيبي يكتفي بتقليص المهلة القانونية للإجهاض. ومنذ جلسة كانون الأول/ديسمبر، ألمح قضاة عدة إلى أنهم يعتزمون اغتنام الفرصة لمراجعة تشريعات المحكمة في العمق.
واعترض القضاة التقدميون الثلاثة عن الأغلبية التي قالوا إنها “تعرض حقوق الخصوصية الأخرى للخطر مثل منع الحمل وزواج المثليين”. ودانوا قي بيان طغت عليه لهجة حادة الأغلبية التي تبدو “قد تحررت من التزامها تطبيق القانون بنزاهة وحياد”.
وذكر معهد غوتماشر وهو مركز أبحاث يقوم بحملات من أجل الوصول إلى وسائل منع الحمل والإجهاض في العالم، أنه يفترض أن تحظر نصف الولايات عمليات الإجهاض على أمد قصير إلى حد ما.
وخلال ساعات الجمعة، أعلنت سبع ولايات على الأقل منها لويزيانا وألاباما وكنتاكي، أن كل عمليات الإجهاض غير قانونية.
وفي جزء من البلاد، ستُجبر النساء الراغبات في إجراء إجهاض على مواصلة الحمل وإدارة الأمور سراً، ولا سيما عن طريق الحصول على حبوب إجهاض عبر الإنترنت أو السفر إلى ولايات أخرى تبقى فيها عمليات الإجهاض قانونية.
وتحسبا لتدفق النساء، اتخذت هذه الولايات ومعظمها ديموقراطية، تدابير لتسهيل الوصول إلى الإجهاض على أراضيها وبدأت العيادات تعبئة مواردها من موظفين ومعدات.
دموع الفرح تتحدى صرخات الاحتجاج
امتزجت دموع الفرح بنظرات الوجوم وهتافات الرفض وصرخات التحدي في مشهد جمع الفرقاء خارج المحكمة العليا الأمريكية بعد جلسة النطق بالحكم لإلغاء الحق في الإجهاض.
ندد البعض بالقرار وأكدوا أنهم لم يخسروا معركتهم بعد، فيما احتفى به مئات آخرون.
ورغم المخاوف من أن تتحول القضية العاطفية إلى أعمال عنف، كانت احتجاجات المعارضين والمؤيدين، وكثير منهم طلاب جامعيون، ذات طابع سلمي، حيث وقفت المجموعتان على جانبي مبنى المحكمة في فيرست ستريت في واشنطن العاصمة.
واحتشد الناس من الفريقين بأعداد كبيرة يوم الجمعة قبل أن تتخذ المحكمة قرارها المثير بإلغاء الحكم التاريخي لعام 1973 الذي اعترف بالحق الدستوري للمرأة في الإجهاض وأضفى شرعية على هذه الممارسة في جميع أنحاء البلاد.
قالت ميسي بيتي (22 سنة) من ساوث كارولاينا “يغمرني شعور بالامتنان للمحكمة العليا التي أخذت على عاتقها إصدار هذا الحكم لإنقاذ الأطفال”.
جثت بيتي على ركبتيها وهي تبكي عند سماع الأخبار حول قرار المحكمة، بينما ردد النشطاء من حولها الهتافات وغنوا أغنية عن حب المسيح لكل الناس.
تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين يؤيدون الحق في الإجهاض. لكن إلغاء الحكم التاريخي الذي يضفي شرعية على الإجهاض ظل هدفا للمعارضين والمحافظين المسيحيين على مدى عقود، مع تنظيم مسيرات سنوية في واشنطن بما في ذلك في يناير كانون الثاني هذا العام.
تم تقسيم الشارع المكتظ بالناس أمام المحكمة العليا المحاطة بسياج إلى نصفين.
سادت أجواء احتفالية في أحد الفريقين وعزف معارضو حق الإجهاض الموسيقى وأطلقوا فقاعات الهواء في الجو ورقصوا ورددوا الهتاف “وداعا رو” في إشارة للقانون. على الجانب الآخر، هتف دعاة حقوق الإجهاض “لا عدالة، لا سلام”.
قال ماركو سانتشيث (23 عاما) من بورتلاند في أوريجون وهو عضو في جماعة (طلاب من أجل الحياة) المناهضة للإجهاض منذ السنة الأولى في المدرسة الثانوية “جئت إلى هنا لمقاومة العار في بلدنا الذي سمح بقتل أرواح بريئة قبل الولادة”.
على الجانب الآخر، انتقد سام جولدمان (35 عاما) وهو من النشطاء المدافعين عن الحق في الإجهاض، قرار المحكمة ووصفه بأنه “غير شرعي”.
وأضاف “الأمومة القسرية غير شرعية. لا ينبغي لهذا الوضع أن يستمر. الإجهاض القانوني في جميع أنحاء البلاد حسب الطلب هو ما نحتاج إليه وعلى الناس الخروج للشوارع وعدم التوقف حتى يتحقق هذا الطلب”.
ومن المحتمل أن يؤثر الحكم على سلوك الناخبين في انتخابات التجديد النصفي المقررة في الثامن من نوفمبر تشرين الثاني، عندما يواجه الديمقراطيون في حزب بايدن خطرا كبيرا بفقدان أغلبيتهم الضئيلة في مجلس النواب وربما في مجلس الشيوخ.
ويأمل بعض قادة الحزب الديمقراطي أن يجذب القرار الناخبين المتأرجحين، على الرغم من أن النشطاء أعربوا عن خيبة أملهم وإحباطهم من التعرض للهزيمة بينما يحتفظ حزبهم بالسلطة الكاملة في واشنطن.
جاء قرار المحكمة العليا بشأن الإجهاض بعد يوم واحد من إصدارها حكما تاريخيا آخر قضى بأن الدستور الأمريكي يحمي حق الفرد في حمل مسدس في الأماكن العامة للدفاع عن النفس.
قضاة عينهم ترامب لعبوا الدور الحاسم
بعد 17 شهرا من تركه المنصب، حقق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعدا انتخابيا عندما ألغت الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا والتي كان وراء تعزيزها الحكم الصادر في عام 1973 في قضية (رو ضد ويد) الذي أباح الإجهاض في الولايات المتحدة.
ويمثل حكم المحكمة العليا الذي صدر يوم الجمعة نصرا عملت من أجله طويلا حركة محافظة جيدة التنظيم وفيرة التمويل لدفع المحاكم الأمريكية في اتجاه اليمين بمساعدة نشطاء قانونيين ومناورات سياسية بارعة من جانب ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ.
وخلال رئاسته عين ترامب ثلاثة قضاة هم القاضي نيل جورساتش في عام 2017 والقاضي بريت كافانو في عام 2018 والقاضية إيمي كوني باريت في عام 2020. وكان من شأن ذلك أن المحكمة التي كانت تتكون من أربعة قضاة محافظين مقابل أربعة قضاة ليبراليين في بداية حكم ترامب صارت بها أغلبية راسخة من القضاة المحافظين عددها ستة قضاة مقابل ثلاثة قضاة ليبراليين عند نهاية رئاسته.
وكان القضاة الثلاثة الذين عينهم ترامب من بين الأغلبية التي أبطلت الحكم في قضية رو ضد ويد.
في الشهر السابق على انتخابه رئيسا في نوفمبر تشرين الثاني عام 2016 وعد ترامب، وهو رجل الأعمال الجمهوري الذي اتجه إلى العمل بالسياسة، خلال مناظرة مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بتعيين قضاة يلغون الحكم في قضية رو ضد ويد.
وقال ترامب في ذلك الوقت “حسنا، إذا عينا اثنين أو ربما ثلاثة قضاة آخرين، فإن ذلك (إلغاء حكم رو)… سيحدث تلقائيا في رأيي لأنني أضع قضاة مؤيدين للحياة في المحكمة”.
ولاقت النغمة التي تحدث بها ترامب هوى في نفوس الناخبين المسيحيين المحافظين الذين صاروا كتلة انتخابية رئيسية خلال رئاسته.
وقال ترامب في بيان أصدره يوم الجمعة “القرار (الحكم) الذي صدر اليوم الجمعة، وهو أكبر نصر للحياة خلال جيل، بالإضافة إلى قرارات أخرى أُعلنت في الآونة الأخيرة لم تكن لتصدر إلا لأنني فعلت كل شيء كما وعدت به، بما في ذلك تعيين ثلاثة قضاة أجلاء وهم دستوريون أقوياء والحصول على التأييد لتعيينهم (في الكونجرس) في المحكمة العليا للولايات المتحدة”.
وأضاف “لي عظيم الشرف أنني فعلت هذا”.
ويواصل ترامب، الذي خسر انتخابات عام 2020، الإشارة ضمنا وعلنا إلى فكرة أنه سيخوض انتخابات عام 2024.
واعترف الرئيس الديمقراطي جو بايدن يوم الجمعة بدور ترامب الحاسم في إبطال حكم قضية رو.
وقال بايدن “ثلاثة قضاة عينهم رئيس واحد، هو دونالد ترامب، كانوا أساس القرار الذي صدر اليوم بقلب ميزان العدالة واجتثاث حق أساسي للنساء في هذه البلاد”.
كما صار ترامب في 2020 أول رئيس أمريكي يحضر المسيرة من أجل الحياة التي ينظمها سنويا في واشنطن مناهضو الإجهاض في وقت قريب من ذكرى الحكم في قضية رو ضد ويد.
وقال ترامب أمام المشاركين في المسيرة بينما كان يروج على وجه التحديد لتعييناته في المحكمة العليا “الأطفال الذين لم يولدوا لم يكن لهم في أي وقت سابق مدافع عنهم في البيت الأبيض”.
ولم يعلن ترامب ما إذا كان سيسعى للترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2024.
.
رابط المصدر: