أنس بن فيصل الحجي
ما من دولة أثرت في أسواق النفط العالمية مثل إيران! قد ينزعج البعض من هذه العبارة، لكن إذا عُرف السبب، بطل العجب!
كُثُر لا يعرفون أن شركة النفط البريطانية “بي بي” فارسية الأصل! وأن وجود هذا النفط أدى إلى زيادة الطلب على النفط عالمياً بشكل عام. ويجهلون أن سبب انتشار اللغة الإنجليزية عالمياً الآن هو إيران، وإلا لكان غالبية العالم يتحدث الألمانية!
اكتشاف النفط
بدأ التنقيب عن النفط عام 1901، وكانت إيران تعرف وقتها باسم “فارس”، عندما حصل ويليام نوكس دارسي على امتياز للتنقيب عن النفط وإنتاجه لمدة 60 سنة.
ولسبب ما، غطى الامتياز كل “فارس” إلا الولايات الخمس المتاخمة لروسيا. وبعد سبع سنوات من الفشل، باع دارسي غالبية حصته إلى شركة بورما للنفط البريطانية، والتي قررت وقف عمليات التنقيب، إلا أنه قبل أن تبدأ عمليات الإغلاق، اكتشف الجيولوجي جورج برينارد النفط يوم 25 مايو (أيار) 1908 في منطقة تعرف بـ”مسجد سليمان”.
وأسست شركة النفط الأنغلو – فارسية يوم 14 أبريل (نيسان) 1909 كشركة عامة (وهي أساساً شركة النفط البربطانية بي بي) لاستخراج وتسويق النفط الفارسي. وكانت الحكومة في ذلك الوقت تحصل على 16 في المئة من صافي الأرباح فقط.
أدرك وينستون تشرتشل، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء برطانيا، أن أي معارك بحرية سيربحها من لديه سفن وزوارق سريعة، وأن المحركات البخارية التي تعتمد على الفحم بطيئة مقارنة بمحركات الاحتراق الداخلي التي تعتمد على المشتقات النفطية، فاتخذ قراراً في عام 1912 بتحويل البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط.
كان قرار تشرتشل متأخراً مقارنة بالدول الأخرى، وذلك للدور الكبير لمناجم الفحم في بريطانيا في الاقتصاد البريطاني ودور لوبي الفحم في السياسة البريطانية، لكنه كان قراراً صعباً بسبب المعارضة الشديدة لذلك، وساعده على ذلك وفرة النفط الفارسي الذي اعتمدت عليه بريطانيا وقتها بشكل كبير.
ونتج عن هذا تحويل البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط قلق لدى بعض القادة العسكريين والسياسيين من نقص الإمدادات النفطية، خاصة أثناء الحرب، فقرر تشرتشل أن تقوم الحكومة البريطانية بالسيطرة على شركة النفط الأنغلو – فارسية عن طريق شراء 51 في المئة من أسهمها.
هذا يعني أن النفط الإيراني أصبح في صميم الأمن القومي البريطاني. ولا أدل من ذلك أكثر من حجم الاستثمارات البريطانية الضخمة في مصفاة عبادان حتى أصبحت هذه المصفاة هي الأكبر في العالم. وأصبحت الشركة هي أكبر استثمار حكومي بريطاني خارج بريطانيا، الأمر الذي جعل إيران تتفوق على الهند، المستعمرة البرطانية!
قبل أن نستمر، تذكروا أمرين، الأول أن امتياز الشركة لا يغطي الولايات الخمس المجاورة لروسيا، والثاني أن هناك علاقة مباشرة بين شركة النفط الأنغلو – فارسية وتشرتشل، توجت بحصول الحكومة البريطانية على أسهم الغالبية فيها.
في عام 1923 وظفت شركة النفط الأنغلو – فارسية تشرتشل ليصبح لوبياً لها عند الحكومة البريطانية كي تمدد امتيازها ليشمل كل فارس، ويتم ضم الولايات الخمس للامتياز الموجود. ونجح تشرتشل، وحصلت الشركة على ما تريد.
لاحظوا حجم السيطرة البريطانية على فارس: لم يلجأوا إلى الحكومة المحلية لتوسيع الامتياز، بل لجأوا إلى بريطانيا.
وفي عام 1933، بعد تجاوز الامتياز نصف عمره، تم التفاوض على تعديل امتياز الشركة وتمديده لستين عاماً، ولكن كانت هناك معارضة شديدة له داخل فارس لأنه امتياز مجحف ويمنع حكومة فارس من التحكم بالإنتاج والصادرات.
وفي عام 1935 قرر حاكم فارس، رضا شاه، تغيير اسمها إلى “إيران”، الأمر الذي أجبر الشركة على تغيير اسمها إلى شركة النفط الأنغلو – إيرانية.
بعد بدأ الحرب العالمية الثانية في سبتمبر (أيلول) 1939، وفي أوج الحرب، في 1941، قامت كل من بريطانيا والاتحاد السوفيتي باجتياح إيران واحتلالها.
الاتحاد السوفيتي احتل الولايات الخمس التي لم يتضمنها الامتياز الأول! وبعد سجن رضا شاه وتعذيبه وإهانته، نفي وعين ابنه محمد رضا بهلوي، ذو 22 ربيعاً، شاهاً لإيران. من عبر التاريخ أن سكوت الشاه عما فعل البريطانيون بأبيه، جعل الأمر يتكرر معه، حيث انتهى طريداً شريداً بعد أن تخلى عنه أعز أصدقائه من الأميركيين والبريطانيين.
خلاصة الأمر أن النفط الفارسي لعب دوراً عالمياً كبيراً عن طريق تحويل البحرية البريطانية إلى النفط، وجعله جزءاً أساسياً من الأمن القومي البريطاني. حتى تلك الفترة لم تكن هناك بدائل للنفط الفارسي بسبب تأخر الاكتشافات في دول الخليج العربية.
ويعود هذا التأخر إلى قناعة الجيولوجيين البريطانيين بأن النفط يوجد في الضفة الشرقية من الخليج، ولا يوجد في الضفة الغربية منه. وهذا الخطأ التاريخي الكبير من البريطانيين سمح للأميركيين بدخول المنطقة من أوسع أبوابها واكتشاف أكبر حقل نفطي في العالم، في الصفة الغربية للخليج: حقل الغوار!
ثورة محمد مصدق
أجّج الاحتلال البريطاني لإيران وما فعلته برضا شاه مشاعر الإيرانيين ضد بريطانيا، فخرجت تظاهرات عارمة في عام 1950 ضد البريطانيين، وبدأت، لأول مرة، ترفع شعارات تأميم النفط. كانت إيران أول من فكر في التأميم في الشرق الأوسط، ولكن لم تكن الأولى عالمياً لأن المكسيك أممت نفطها في عام 1938.
في ظل هذه الظروف المضطربة والعواطف الملتهبة، وفشل البريطانيين في إدارة الموقف السياسي، نجح حزب محمد مصدق في الانتخابات البرلمانية، وسيطروا على المجلس، وأصبح محمد مصدق رئيساً للوزراء. وكان أول ما قام به هو تأميم صناعة النفط يوم 19 مارس (آذار) عام 1951، وطرد البريطانيين. وأسست شركة النفط الوطنية الإيرانية بعد نحو 40 يوماً من ذلك. هذه الأحداث رفعت أسعار النفط وقتها.
ويبدو أن محمد مصدق لم يرد التأميم، ولكن تجاهل البريطانيين له أجبره على ذلك. كل ما كان مصدق يريده هو تغيير شروط الامتياز إلى شروط مماثلة للامتيازات في فنزويلا بحيث تحصل إيران على أرباح 50 في المئة.
وهذا يقودنا إلى فكرة هامة غير مطروقة بشكل يعطيها حقها: نتج عن اكتشاف النفط في دول الخليج في الثلاثينيات من القرن الماضي خسارة فنزويلا حصتها السوقية بسبب انخفاض تكاليف إنتاج النفط في الشرق الأوسط وغزارة آباره. كما نتج عن ذلك تحول استثمارات شركات النفط العالمية من فنزويلا إلى دول الخليج. وزاد الطين بلة نجاح الفنزويليين في إجبار الشركات على تنفيق الريع ونظام “50 في المئة – 50 في المئة”، فتخلت الشركات عن فنزويلا وارتفعت تكاليف النفط الفنزويلي (يقصد بتنفيق الريع حساب العائد الذي يحصل عليه صاحب المورد كنفقة في حسابات المنتج بحيث يدفع مباشرة لصاحب المورد بغض النظر عن الأرباح).
أدرك الفنزويليون المستقبل القاتم لنفطهم فقرروا “تعليم العرب والفرس” أن عليهم تطبيق ما حصل في فنزويلا، ولكن الهدف هو استرداد حصة فنزويلا في أسواق النفط من جهة، وجذب شركات النفط العالمية للاستثمار في فنزويلا من جهة أخرى. ووردت فكرة “التعليم” في الوثائق الفنزويلية!
وهذا ما حصل، حيث أرسلت الحكومة الفنزويلية وفداً إلى المنطقة، وقابل الوفد محمد مصدق، الذي أعجبته الفكرة. باختصار، قدمت فنزويلا الطعم، وابتلعه مصدق، من دون أن يستعد لعواقبه! كان عليه أن يستعد أولاً.
أخلت بريطانيا كل العمال والمهندسين والموظفين البريطانيين من عبادان في خريف 1951، ومن ثم قامت البحرية البريطانية بفرض حظر بحري على صادرات النفط الإيرانية. ونظراً إلى عدم ملكية إيران لأي ناقلة نفط، توقفت الصادرات الإيرانية تماماً، وارتفعت أسعار النفط.
أخطأ مصدق في ثلاثة أمور؛ الأول أنه قام بالتأميم وليس لديه أي إمكانات لتسويق النفط، ولم يكن لدى إيران حتى ناقلة نفط واحدة!
الثاني أنه ظن أن العالم لن يستغني عن نفط بلاده، ولذلك ستتهافت الدول الأخرى لشراء النفط الإيراني، وتبين الآن مدى حجم هذا الخطأ. والثالث أنه بإمكانه أن يستبدل بالمهندسين البريطانيين مهندسين من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى، ولكن لم يأتِ أحد.
وحاول الإيطاليون شحن النفط الإيراني، إلا أن البحرية البريطانية استخدمت القوة وأوقفت هذه الشحنات، معطية درساً قاسياً لكل من يفكر في شحن النفط الإيراني، وهو أمر لم يجرؤ عليه الرئيس ترمب.
انقلب الأميركيون على مصدق يوم 19 أغسطس (آب) من عام 1953، وأعادوا الشاه للحكم بعد أن غادر إيران بعد التأميم. والغريب في الأمر أن أحد المسوغات التي قدمتها الحكومة الأميركية للانقلاب هو القيمة الاستراتيجية للولايات الخمس المجاورة للاتحاد السوفياتي، والخوف من سيطرة الشيوعيين على الحكم في إيران بحيث تصبح إيران جزءاً من المنظومة الشيوعية. وهنا لا بد من ذكر أمرين:
1- كان محمد مصدق علمانياً وطنياً، ودعمه الآيات وقتها، وعلى رأسهم الآية الذي تتلمذ على يديه آية الله خميني، ولكن الآيات انفضوا عنه ودعموا الانقلاب الأميركي!
2- صاحب كل الأحداث السابقة تقلبات كبيرة في أسعار النفط العالمية.
بعد الانقلاب واستقرار الوضع، حصلت تغييرات عدة في قطاع النفط الإيراني، والتي تضمنت تغيير اسم شركة النفط الأنغلو – إيرانية إلى “شركة النفط البريطانية” التي أصبحت تعرف لاحقاً بـ”بي بي”. وأسست شركة جديدة لإنتاج وتسويق النفط الإيراني تضمنت دخول الأميركيين قطاع النفط الإيراني مكافأة لهم على الانقلاب. وكانت ملكية الشركة الجديدة كالتالي: شركة النفط البريطانية 40 في المئة فقط، و”رويال دتش شل” 14 في المئة، وشركة النفط الفرنسية 6 في المئة، وشركة “غلف” (الآن شيفرون) 8 في المئة، وشركاء أرامكو الأربعة 32 في المئة، 8 في المئة لكل منها.
وكان شركاء أرامكو الأربعة “ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا” (شيفرون)، و”ستنادارد أويل أوف نيوجرسي” (إكسون موبيل)، و”ستنادر أويل أف نيويورك” (إكسون موبيل)، و”تكساكو” (شيفرون).
الاتفاق يعطي إيران 50 في المئة من الأرباح، ولكن لا يعطيها الحق في مراجعة أي حسابات أو اختيار أي عضو من أعضاء مجلس الإدارة، بعبارة أخرى، كانت إيران جزءاً من “أوبك” بين 1960 و1979، وليس لديها أي سيطرة على قطاعها النفطي.
الثورة الإيرانية
بدأت أسعار النفط ترتفع في عام 1978 بعد امتداد الإضرابات العمالية إلى قطاع النفط. وكانت إيران وقتها من أكبر المنتجين في العالم، حيث كانت تنتج نحو 6 ملايين برميل في اليوم. ومن ثم تم طرد الشاه في بداية 1979.
أممت الشركة التي أسسها الأميركيون وألغي اتفاق 1954. ومنذ ذلك الوقت وكل شيء تحت سيطرة شركة النفط الوطنية الإيرانية. إضرابات العمال ونجاح الثورة، أوقفا إنتاج النفط الإيراني لفترة قصيرة، ولكن بعد نجاحها خفض الإنتاج من 6 ملايين برميل يومياً إلى إلى 3 ملايين برميل يومياً.
هذه الأحداث رفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وبدأت أوروبا والولايات المتحدة بشكل جدي في تبني سياسات للتخفيف من الاعتماد على النفط بشكل عام، ونفط منطقة الخليج بكل خاص، علماً بأن ما حصل في إيران جاء بعد المقاطعة النفطية في أواخر 1973 وأوائل 1974.
ووصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية بعد بدء الحرب العراقية – الإيرانية يوم 22 سبتمبر (أيلول) 1980، إلا أن ارتفاع الأسعار لم يدم طويلاً على الرغم من الحرب، وتوقف جزء من الصادرات الإيرانية والعراقية.
بدأت الأسعار رحلة طويلة من الهبوط حتى انهارت في منتصف الثمانينيات، على الرغم من توقف الصادرات الإيرانية والعراقية! كيف يمكن أن تهبط الأسعار بعد أن خسر العالم نحو 5 ملايين برميل يومياً؟
الإجابة بسيطة: الارتفاع الكبير في أسعار النفط منذ 1973، ومن ثم وصوله إلى إلى مستويات قياسية نتيجة إضراب عمال النفط الإيرانيين، ولاحقاً الثورة الإيرانية، وقرار إنتاج ثلاثة ملايين برميل بدلاً من 6 ملايين برميل، ومن ثم الحرب العراقية – الإيرانية، جلب كميات ضخمة من النفط إلى الأسواق تجاوزت 7 ملايين برميل يومياً تضمنت مليوني برميل يومياً من الآسكا و 3 ملايين برميل من بحر الشمال، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب على النفط في بعض الأوقات، بينما تباطؤ نمو الطلب على النفط بشكل كبير نتجة التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى.
ومن ثم ارتفعت الأسعار قليلاً في 1986 و1987 بعد أن استخدمت كل من إيران والعراق الصواريخ طويلة المدى لضرب المنشآت النفطية في كلا البلدين، كما هددت الملاحة في الخليج، الأمر الذي جعل بعض الدول الخليجية ترسل حاملاتها النفطية بحماية البحرية الأميركية. وتقلبت أسعار النفط بشكل كبير في تلك الفترة بسبب هذه الأحداث.
انخفضت أسعار النفط بعد انتهاء الحرب يوم 20 أغسطس (آب) 1988، إلا أن الأسعار استقرت نسبياً، وانخفضت ذبذبتها. وبدأت إيران بإعادة البناء.
برنامج إيران النووي
عادت مشاكل إيران للسطح عندما بدأت برنامجها النووي، وبدأ النفط الإيراني يؤثر في أسواق النفط مرة أخرى ويزيد من تذبذب الأسعار.
وكان من ضمن التطورات التي حصلت أن ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2005 و2008 حجّم من قدرة الولايات المتحدة من التعامل مع إيران لخوف الحكومة الأميركية من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات أعلى.
ومن هنا يرى بعض المتخصصين أن حكومة الرئيس جورج دبليو بوش نظرت لارتفاع أسعار النفط على أنه تهديد للأمن القومي، على الرغم من أنه لم يؤثر سلباً في الاقتصاد الأميركي، لأن ارتفاع الأسعار قلل من عدد الخيارات المتاحة أمام الساسة الأميركيين للتعامل مع إيران.
قامت الحكومة الأميركية بفرض عقوبات على إيران في عام 2005، تبعتها عقوبات أممية تجددت كل عام. ومن ثم زادت حكومة الرئيس باراك أوباما العقوبات في عام 2010، وشدد الكونغرس الأميركي العقوبات بشكل كبير في عام 2013، الأمر الذي أثر سلباً في صادرات النفط الإيرانية وأسهم في رفع أسعار النفط.
وجاء الأثر الأكبر من تشديد العقوبات على المعاملات البنكية، الأمر الذي حرم إيران من الحصول على جزء كبير من إيرادات النفط.
وحتى يعرف القارئ أثر إيران والمشاكل المحيطة ببرنامجها النووي، علينا أن نتذكر التصريحات الإيرانية النارية المتعلقة بإغلاق مضيق هرمز أو مهاجمة المنشآت النفطية لدول الخليج، إضافة إلى ما قامت به البحرية الإيرانية من احتجاز لحاملات النفط والسفن والقوارب في المنطقة، وتفجير السفن في الخليج، وفي ميناء الفجيرة، ومن ثم مهاجمة محطات ضخ أنابيب النفط في وسط السعودية والهجوم على أرامكو في سبتمبر (أيلول) الماضي.
كل هذه الهجمات أحدثت تقلبات كثيرة في أسعار النفط. ولا شك أن هناك خلافاً بين المحللين عن هوية الفاعل، ولكن غالبيتهم يعتقد أن الفاعل مرتبط بإيران بطريقة أو بأخرى.
اتفاق أوباما – إيران
بعد مباحثات مضنية توصلت مجموعة “5+1″، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة إلى اتفاق عرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وتختصر بـ”جاكوبا” يوم 14 يوليو (تموز) 2015، ووافق عليها مجلس الأمن الدولي بعد نحو أسبوع من ذلك اليوم. وبموجب الاتفاق تخضع إيران لمراقبة وكالة الطاقة الذرية الدولية والشروط المكتوبة في الاتفاق التي تحجم من مشروعها النووي، بينما تحصل إيران على مزايا منها الإفراج عن أموال مجمدة ورفع العقوبات تدريجياً.
ونتج عن ذلك أمرين، الأول زيادة فعلية في إنتاج وصادرات النفط الإيراني، والثاني ظهور النفط الذي كانت تهربه إيران للعلن، فانخفضت أسعار النفط. توقيت الاتفاق النووي كان سيئاً جداً بالنسبة إلى دول أوبك ودول الخليج.
فأسعار النفط كانت مُنهارة في النصف الأول من 2015، وكان يفترض أن تبدأ بالتحسن في النصف الثاني، خاصة مع تكثيف المحادثات بين دول أوبك وخارج أوبك على ضرورة التعاون لتخفض الإنتاج.
ترمب يلغي الاتفاق النووي
وعد ترمب عندما كان مرشحاً بأنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعه الرئيس أوباما، وحصل ذلك فعلاً في 2018، ونتج عن ذلك مشكلة كبيرة في أسواق النفط العالمية أسهمت في انهيار الأسعار؛ فبعد الاتفاق التاريخي بين دول أوبك وخارج أوبك في الجزائر في أواخر 2016 على تخفيض الإنتاج، وتحسن أسعار النفط حتى تجاوزت الأسعار 70 دولاراً للبرميل، قرر ترمب إلغاء الاتفاق النووي.
وأسهمت مبالغات ترمب في التهديد في رفع أسعار النفط حتى تجاوزت الأسعار 80 دولاراً للبرميل. عندها طلب ترمب من بعض دول أوبك زيادة الإنتاج حتى لا تؤدي العقوبات إلى استمرار ارتفاع أسعار النفط، فقامت هذه الدول بزيادة الإنتاج، وبعد وصول هذا النفط إلى الأسواق أعلن الرئيس الأميركي العقوبات، ولكنه أعطى استثناءً لثماني دول، وهذا يعني عدم انخفاض صادرات النفط الإيرانية فانهارت أسعار النفط.
منذ ذلك الوقت حصلت أحداث ضخمة في المنطقة تضمنت الهجوم على ناقلات النفط في الخليج والهجوم على محطات ضخ الأنابيب في وسط السعودية، والهجوم على منشآت أرامكو في أبقيق وخريص، وكلها أثرت في أسعار النفط. كما أن التصرفات الإيرانية في الخليج والخلاف حول مستوى صادراتها ما زال يؤثر في أسعار النفط.
إيران والانتخابات الأميركية
إذا فاز دونالد ترمب بدورة ثانية فعلينا ألا نستغرب رغبته بتوقيع اتفاقية معه إيران. وستؤدي تصريحات كهذه إلى تخفيض أسعار النفط. وإذا وقّع اتفاقية فعلاً فإن ذلك يخفض أسعار النفط قليلاً لعدة شهور. ولكن السؤال، هل ترغب الحكومة الإيرانية فعلاً في توقيع اتفاقية مع ترمب؟
أما إذا فاز جو بادين، فإنه يتوقع أن تقوم إيران، بالتعاون مع الصين، بزيادة صادراتها النفطية بشكل ملحوظ مباشرة، ويتوقع أن تتجاهل حكومة بايدن هذه التطورات، وسينتح عن ذلك انخفاض في أسعار النفط.
ولا يُتوقّع العودة إلى اتفاق جاكوبا مباشرة؛ نظراً إلى انشغال بايدن بآثار فيروس كورونا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم فإن العودة إلى جاكوبا لن يكون ضمن الأولويات.
ولا يُتوقّع أن تقوم إيران بالعودة إلى جاكوبا أيضاً لأنها تريد أن تضمن ألا يقوم رئيس في المستقبل بفعل ما فعله ترمب، وهذا يعني أنها تريد موافقة من الكونغرس ومجلس الشيوخ. كل هذه الأحداث والمباحثات التي تقود لها ستلقي بظلالها على أسواق النفط.
خلاصة القول، إذا نظرنا إلى رسم بياني فيه أسعار النفط منذ عام 1950، وحتى الآن، وكتبنا عليه الأحداث السياسية التي أثرت في أسعار النفط، فإن اسم إيران سيتردد أكثر من أي دولة أخرى، ما يجعلها الدولة الأكثر تأثيراً في أسواق النفط. وإذا أضفنا دور النفط الفارسي في تحول البحرية البريطانية إلى النفط، ودور النفط في فوز الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ندرك أن القول بأنه ليس هناك مبالغة إذا قلنا إنها “الأكثر تأثيراً” في أسواق النفط، وسبب انتشار اللغة الإنجليزية عالمياً بدلاً من الألمانية.
رابط المصدر: