حسن فحص
هل اقترب موعد اللقاء بين العدوين الحميمين، او الصديقين اللدودين، واشنطن وطهران؟
سؤال بات الجدل حوله في مراحل متقدمة من النقاش. ففي الوقت الذي لا تتردد الادارة الامريكية في الافصاح عن الرغبة ليس فقط في العودة المباشرة الى طاولة التفاوض، بل بالجلوس المباشر والثنائي مع نظيرتها الايرانية، يبدو ان طهران من جهتها لا تمانع في الذهاب الى هذا الخيار، خصوصا في ظل الاصوات الداخلية المطالبة بمثل هذه الخطوة، سواء من قبل الرأي العام الشعبي او من قبل بعض الناشطين السياسيين الذين سبق لهم ان تولوا مسؤوليات متقدمة تسمح لهم بالاطلاع ومعرفة كواليس الموقف الرسمي للنظام من خطوة كهذه. الا ان القيادة الايرانية مازالت تحجم عن اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي لما فيه من تعقيدات ايديولوجية وعقائدية لا تسهل العودة لخطوة مشابهة لما حدث عام 2015 بين وزيري خارجية البلدين السابقين محمد جواد ظريف ونظيره الامريكي جون كيري.
وعلى الرغم من الاجواء السلبية التي حاولت بعض الاطراف المشاركة في الجلسة الثانية من الجولة السابعة لمفاوضات فيينا، وقد لعب هذا الدور الطرف الفرنسي بشكل ابرز، الا ان الحرص الامريكي، الذي تقابله رغبة عارمة ايرانية في عدم انهيار المفاوضات، اعاد فتح كوة الامل في استمرار التفاوض وعدم اصطدامه بحائط مسودتي المطالب الايرانية الجديد، بعد ان اعتمد او لجأ الطرفان –الايراني والامريكي- الى تدوير الزوايا وادخال بعض التعديلات على الورقتين الايرانيتين، من دون الكشف عن حجم وحدود هذه التعديلات التي ادخلت، الا انها ساهمت في الحفاظ على نافذة الامل بإمكانية التوصل الى تفاهمات تضع آليات اعادة احياء الاتفاق النووي على سكة الحل.
لا شك ان الادارة الايرانية الجديدة للمسار التفاوضي، تعتقد بان نص الاتفاق الموقع عام 2015 لا يلبي كل الطموحات الايرانية في الخروج النهائي من دائرة العقوبات الامريكية والحصول على اعتراف دولي بالتقدم والتطور الذي شهده البرنامج النووي خاصة في مجال رفع مستويات تخصيب اليورانيوم لحدود 60 في المئة. وفي الوقت نفسه ترفض ادخال اي تعديل على هذا النص، وتطالب الادارة الامريكية بالعودة اليه من دون اي تعديل، بما يضمن الغاء جميع العقوبات التي سبق ان فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب بعد قرار الانسحاب من الاتفاق.
فالمطالبة او الذهاب الى خيار التعديل في النص يفتح الباب امام واشنطن لإدخال ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي الى دائرة البحث والتفاوض وربطهما بملف البرنامج النووي. وشكلت الورقتان اللتان تقدمت بهما في الجلسة الاولى للجولة السابعة قبل اسبوع مدخلا جديدا للتفاوض حول هذه المتغيرات والمواقف بما يضمن لها الابتعاد عن مواجهة تداعيات اعادة فتح الملفين الاشكاليين “الصاروخي والاقليمي” ويسمح لها في ترحيل التفاوض حولهما لمرحلة لاحقة، وفي الوقت نفسه حصره بينها وبين الادارة الامريكية، وابعاده عن اسماع الاطراف الاخرى في المجموعة الدولية، كما فعلت في الحوارات الثنائية التي جرت بينها وبين السعودية، والاتفاق على نقلها من العراق الى مكان آخر، بذريعة الطرفين ان المباحثات وصلت الى مراحل حساسة ومتقدمة لم يعد من الممكن ان يجري الحديث عنها امام المضيف العراقي.
ما يكشف او يشكل مؤشرا على جدية القيادة الايرانية لإنهاء ازمة العقوبات ومصدر التسبب بها، اي البرنامج النووي، والسعي للخروج من دائرة التهديد المستمر والدائم الناتج عن عدم الحوار المباشر مع الادارة الامريكية، الزيارات المتكررة التي يقوم بها المسؤولون المعنيون بالموضوع التفاوضي الى مدينة قم التي تحتضن الحوزة الدينية ومراجع التقليد الايرانيين، وما تمثله من موقع يمسك بمفتاح الشرعية العقائدية والغطاء الايديولوجي للنظام، تلجأ له القيادة العليا في اللحظات الحرجة التي تستدعي او تستوجب تنازلات ايديولوجية جوهرية.
واذا كانت القيادة الايرانية ومؤسسة السلطة قد استطاعت السيطرة على الحوزة الدينية ومرجعياتها وكبح طموحاتها في تعظيم دورها السياسي والتأثير على سياسات النظام، الا ان ذلك لم يمنع النظام ومؤسسة السلطة من التعامل مع هذه المرجعيات بذرائعية عالية، وتوظيف موقعيتها الشعبية والدينية والايديولوجية في اللحظات الحرجة التي تتطلب توفير غطاء عقائدي لأي قرار مصيري قد يكون النظام مجبراً على الذهاب اليه.
الصدمة التي احدثتها مواقف المرجع الديني آية الله صافي الكلبيكاني خلال استقباله لرئيس البرلمان محمد باقر قاليباف قبل اسبوعين في مدينة قم، دفعت العديد من الاصوات داخل التيار المحافظ للتهجم عليه واعتبار كلامه عن ضرورة بناء علاقات دبلوماسية مع جميع الدول والخروج من سياسة العداء مع العالم بانه “خطأ عظيم” من دون الاخذ بالاعتبار الموقع الذي سبق ان شغله كرئيس لمجلس صيانة الدستور في عهد المؤسس السيد الخميني وبالتالي منظومة النظام التي اسست لما هو عليه الان، خاصة وانه ربط بين الاثار السلبية لسياسات النظام الدولية على الوضع الاقتصادي للشعب الايراني الذي بات يعاني الفقر والعوز.
الا ان دخول مرجعية اخرى على خط هذا الموقف وهذه الدعوة، هي آية الله جوادي آملي وما يتمتع به من موقع في السياق الحوزوي والعقائدي والشعبي، وتكرار الدعوة لبناء علاقات متوازنة ومنفتحة مع دول العالم امام وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان المسؤول عن ملف التفاوض المباشر. هذا الموقف يحمل على الاعتقاد بوجود نوايا جدية لدى النظام بالذهاب الى خيارات متقدمة في الحوار مع المجموعة الدولية، والانتقال بها الى مفاوضات مباشرة مع الادارة الامريكية. قبول مسؤولي النظام لهذه المواقف غير المسبوقة بوضوحها ومباشرتها لمرجعيات الحوزة القمية، والتسويق لها في وسائل الاعلام الرسمية والحزبية المحافظة من دون العودة الى سياسة التهجم والاتهام، يعزز الاعتقاد بجدية هذا التوجه لدى النظام وحاجته لتأمين الغطاء العقائدي والايديولوجي لهذه الخطوة التي باتت على ما يبدو شبه ناضجة في دوائر القرار السياسي.
.
رابط المصدر: