عومير كرمي
تتمثل إحدى أبرز نقاط الضعف الرئيسية في «خطة العمل الشاملة المشتركة» مع إيران لعام 2015 في بنودها المختلفة الخاصة بـ “الانقضاء”، ومن بينها البند الذي يقصر الحظر الدولي على الأسلحة إلى خمس سنوات – وهو تاريخ انتهاء الصلاحية الذي سيصادف في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية أشارت واشنطن مراراً وتكراراً إلى رغبتها في تمديد فترة الحظر عبر مجلس الأمن الدولي، حتى أنها هددت باللجوء إلى آلية إعادة فرض العقوبات المنصوص عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة» إذا لم يتم تلبية المطالب الأمريكية (وهو اقتراح معقد نظراً لانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018).
وهذا الأسبوع عقد مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» اجتماعه الفصلي عن بُعد، وكان على جدول أعماله مناقشة أحدث تقارير مدير عام «الوكالة» بشأن إيران. ووفقاً لأحد هذه التقارير، “قامت إيران على مدى أكثر من أربعة أشهر بمنع الوصول… إلى موقعَين، ولم تشارك لما يقرب من عام في مناقشات بنّاءة لتوضيح استفسارات «الوكالة»”. ورداً على ذلك، أعدّ الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) مشروع قرار يعبّر وفقاً لبعض التقارير عن “قلق بالغ” بشأن قرار إيران بمنع الوصول [إلى مواقع معينة]. وفي وقت سابق من الثامن عشر من حزيران/يونيو الحالي، أصدر مسؤولون أمريكيون في فيينا تصريجاً أيّدوا فيه هذا القرار “المتوازن والعادل”، جاء فيه أيضاً: “بينما نعتقد اعتقاداً راسخاً بإنه بإمكان تعزيز النص للتأكيد على الطبيعة الأساسية للطلبات المعلقة لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، فإن الولايات المتحدة توافق على هذا القرار وتؤيده بالكامل وتحث جميع أعضاء المجلس الآخرين على أن يحذوا حذوها”.
ويقيناً أن القرار الأوروبي سيترك تأثيرات عملية طفيفة على إيران مقارنةً بالإجراءات الأكثر صرامة المتخذة بحقها (على سبيل المثال، قرار عدم الامتثال للضمانات). لكن الوضع الراهن يذكّر بالانتكاسات الدبلوماسية الصادمة التي تعرّضت لها طهران في منتصف العقد الأول من الألفية، والتي أدّت في النهاية إلى قيام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي وفرض عقوبات كبيرة عليها.
هل يُحال الملف مجدداً؟
في عام 2002، أُجبِرت إيران على الدخول في مفاوضات مع المجتمع الدولي بعد أن اكُتشف بأنها تبني موقعاً سرياً لتخصيب اليورانيوم في نطنز ومحطة لإنتاج المياه الثقيلة في أراك. وبحلول عام 2005، فشلت عدة اتفاقيات مؤقتة بين إيران والثلاثي الأوروبي على الرغم من الدعم الأمريكي لها، لذلك قرر النظام الإيراني استئناف برنامجه النووي المتوقف على أمل كسر الجمود الحاصل. وفي ذلك الوقت، كان الجانب الإيراني من العملية تحت إدارة المرشد الأعلى علي خامنئي (صانع القرار الرئيسي)، وحسن روحاني (كبير المفاوضين النوويين، قبل سنوات من توليه الرئاسة)، ومحمد جواد ظريف (سفير إيران في الأمم المتحدة، ووزير الخارجية حالياً)، وعلي أكبر صالحي (ممثل إيران لدى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، الذي تم ترقيته منذ ذلك الحين إلى منصب “رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”).
ومع ذلك، فبدلاً من دفع المحادثات إلى الأمام، أدّت سياسة حافة الهاوية هذه إلى دفع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى اعتماد قرار ينص على عدم امتثال إيران لاتفاقات الضمانات مع «الوكالة». وفي مطلع عام 2006، أحال اجتماع خاص لمجلس «الوكالة» الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وزادت طهران من تصعيد الموقف من خلال وقف تنفيذ “البروتوكول الإضافي”، وهو إجراء اتخذته «الوكالة» لتوسيع نطاق التزامات أعضائها وتعزيز قدرة «الوكالة» على التحقيق في المنشآت والأنشطة النووية غير المصرّح عنها. وبدأ النظام الإيراني أيضاً بتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز. وفي النهاية، اعتمد مجلس الأمن القرارين 1696 (تموز/يوليو 2006) و 1737 (كانون الأول/ديسمبر 2006)، اللذين أسفرا عن ضغوط اقتصادية وسياسية شديدة على طهران.
ووفقاً للروايات السابقة للرئيس روحاني لهذه الأحداث، قررت القيادة الإيرانية في بداية الأزمة تبنّي مقاربة “صبورة وحذرة”، آملةً في تأجيل إحالة الملف إلى مجلس الأمن قدر المستطاع. وبالفعل، نجحت هذه الاستراتيجية المُهدِرة للوقت في إكساب النظام فترة سماح مدتها بضع سنوات قبل أن ينهال الضغط الكامل عليه، مع تفضيل المجتمع الدولي في البداية إجراء مفاوضات مطولة بدلاً من إحالة الملف، الأمر الذي قد يثير التصعيد في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من كَوْن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» منظمة تقنية، إلّا أن مجلس إدارتها يتألف من دول أعضاء، ولكلٍّ منها أجندة سياسية خاصة بها. وبالتالي، لم يكن مستغرباً أن تستغرق إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي بضع سنوات، ولم تتم هذه الإحالة إلا بعد تصعيد كبير من الجانب الإيراني. ولكن الإحالة تمّت في النهاية، وخلّفت عواقب عميقة على إيران لا تزال ملموسة حتى اليوم.
الإشارات التي يبعثها حالياً الجانب الإيراني
من المحتمل أن يتخذ مجلس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» مقاربة بسيطة وحذرة فيما يتعلق بالخلاف الأخير مع إيران، موازناً بين رغبته في تفادي إعطاء الانطباع بأنه أداة ضغط أمريكية من جهة، وحاجته إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق طهران بسبب تحديّها المستمر لطلبات «الوكالة» من جهة أخرى. وبالتالي، فمن شبه المؤكد أن يمتنع المجلس عن إصدار إعلان رسمي يؤكد عدم الامتثال الإيراني، ناهيك عن إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وبدلاً من ذلك سيؤكد على عدم تعاون إيران والاستمرار في متابعة التحقيقات.
ومع ذلك، لا تزال القيادة الإيرانية تشعر بصدمة من أحداث الماضي، وقد ترى حتى في أقل توبيخ لها من قبل «الوكالة» – الأول خلال عقد من الزمن – على أنه محاولةً أمريكية لوضع الأسس اللازمة لإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي وتمديد فترة حظر الأسلحة. وعلى غرار الحالات السابقة، كانت إيران قد ردّت أساساً على الخلاف المُتأجج بتهديدات بالانتقام الشديد. وفي 14 حزيران/يونيو، حذّر ظريف من أنّ إحالة الملف إلى مجلس الأمن سيدفع إيران إلى الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» و”معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”. وبالمثل، حذر مندوب إيران إلى «الوكالة» كاظم غريب آبادي، المجلس بتوخي الحذر من أجل حماية “التعاون البنّاء بين إيران و«الوكالة»”، وتعهد بأن تلجأ طهران إلى “رد متناسب” إذا لزم الأمر. وفي 18 حزيران/يونيو، أضاف أن مشروع القرار الأوروبي هو “خطوة مؤسفة وغير بنّاءة على الإطلاق”.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» تهديدات أوضح بهذا الشأن. ففي اليوم الذي سبق افتتاح جلسات مجلس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، نشرت “وكالة مهر للأنباء” افتتاحية عدّدت فيها خيارات مختلفة للرد على أي تمديد لحظر الأسلحة، مثل تقييد عمليات التفتيش التي تقوم بها «الوكالة»، ووقف تنفيذ “البروتوكول الإضافي”، والانسحاب من “معاهدة عدم الانتشار”، وإنهاء العمل وفقاً لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة أو أعلى (للحصول على تفسيرات لهذه المسألة وغيرها من القضايا التقنية، انظر “معجم إيران النووي” الذي أصدره معهد واشنطن). واختتمت “وكالة مهر” مقالتها باقتباس [كلمات] من خطابٍ ألقاه الرئيس روحاني في أيار/مايو، تعهد فيه بمواجهة عواقب وخيمة إذا تم تمديد الحظر “حتى ليومٍ واحد، وتحت أي ذريعة، ومن خلال أي آلية كانت”.
إجراءات “متناسبة” مع نتائج لا يمكن التنبؤ بها
توحي الرسائل الإيرانية الأخيرة أن طهران ستختار الانتقام المحدود من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، على غرار خطى استراتيجية حافة الهاوية التي اتبعتها عام 2005-2006. على سبيل المثال، قد توقف تنفيذ “البروتوكول الإضافي” أو تغيّر طريقة تفسيرهها لـ “القانون 3.1” الذي يشكل جزءاً من الإجراءات التي اتخذتها «الوكالة» لتحديد الحالات التي تستوجب من الدولة العضو إبلاغ «الوكالة» بإقامة منشأة نووية جديدة. وبموجب النسخة الأصلية التي وافقت عليها إيران في عام 1976، من واجب كل دولة الإبلاغ عن أي منشأة جديدة في موعد لا يتجاوز 180 يوماً قبل إدخال المواد النووية. لكن طهران وافقت في عام 2003 على تنفيذ “القانون المعدّل 3.1” الذي يتطلب تقديم المعلومات المتعلقة بالتصميم إلى «الوكالة» حالما يتم التخطيط لإقامة منشأة جديدة. ثم توقفت إيران عن الالتزام بالقانون المعدّل في عام 2006 كأحد إجراءاتها الانتقامية، لتعاود الالتزام به مع دخول «خطة العمل الشاملة المشتركة» حيز التنفيذ.
وقد يبدو اليوم تعليق العمل مجدداً بـ “القانون 3.1” بمثابة تفاصيل فنية دقيقة، ولكن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تعيق إلى حد كبير قدرة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على مراقبة برنامج إيران النووي، والتحقيق في الأنشطة السرية المشتبه بها، ومعالجة العديد من المخاوف المتعلقة بالأسلحة النووية التي أثيرت في بيان فيينا المذكور سابقاً الصادر عن الحكومة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، قد يُثبت هذا النوع من الانتقام أنه سيف ذو حدين بالنسبة لطهران. وكما أشار روحاني في عام 2007، “لو تصرّفت طهران بشكل مناسب” خلال المواجهات السابقة، “لما كانت القضية مطروحة في مجلس الأمن”. واليوم، يدرك بالتأكيد أن الوقت ليس مناسباً لاستفزاز الغرب ومعاداة روسيا والصين، لأن بلاده لا تزال تجابه تداعيات فيروس كورونا، والخطر المستمر للاحتجاجات، وزيادة الضغوط الاقتصادية. ومن المرجح أن يؤدي تغيير أو عرقلة أيٍّ من التزامات إيران لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» – حتى إذا كان النظام يعتبرها “رداً متناسباً” – إلى التسبب بضرر أكبر من الفائدة، مما يجعل طهران أقرب إلى صدور قرار بحقها بعدم الامتثال أو بإحالة ملفها إلى مجلس الأمن الدولي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما إذا كان صانعو القرار الأقل واقعيةً في المعسكر المحافظ في إيران و «الحرس الثوري» يفهمون ذلك أيضاً، ومَن هي الجهة التي ستفوز في هذا الجدال الداخلي.
رابط المصدر: