الحراك الشعبي الذي يحدث في العراق يصل الى اعتاب الاسبوع الرابع وسط غياب الحلول الجذرية، احتجاجات جعلت من الحكومة في موقف حرج للغاية، حيث تقف عاجزة عن تقديم شيء يهدأ الوضع الحالي ولو بصورة مؤقتة.
الاحداث الاخيرة افرزت امور لم تكن بالحسبان على صعيد الافراد وعلى المستوى الدولي بصورة عامة، فالأحوال بعد ثورة تشرين الاول الماضي لم تكن كما في السابق بالنسبة لايران على وجه الخصوص.
تتمتع إيران بمقبولية نسبية في كربلاء المقدسة التي تعتبر موطن الشيعة في العالم الاسلامي، اذ لا يزال الكثير من الايرانيين يعملون في كربلاء بصورة مباشرة او غير مباشرة، اذ يشاركون في اعمار العتبات المقدسة على المستوى الشعبي، فضلا عن تواجد القنصل الايراني في اغلب النشاطات الرسمية وغيرها التي تحصل في المحافظة على المستوى السياسي.
الجماهير الساخطة على سوء الاحوال وتعاسة الاوضاع التي يعشها المواطنين من نقص في الادوية والشلل الذي اصاب المنظومة التربوية والترهل في البنى التحتية والقائمة تطول لا يمكن حصرها في كلمات محدودة، تقف وراءه جهات دولية استطاعت تنفيذها بأياد داخلية.
يعتقد الكثير من المتواجدين في ساحات الاعتصام وفي المدن العراقية كافة ان سبب ما يمر به البلاد هو نتيجة التدخل الايراني في مفاصل الدولة الى جانب غيره من التدخلات الدولية، فبحسب شهود عيان ان بعض المسؤولين الايرانيين يحضرون الاجتماعات الامنية التي تعقد بين الاشخاص المعنيين بالجانب الامني من العراقيين، ناهيك عن التدخل في بعض القرارات السيادية، فهل يوجد اكثر من هذه الادلة على حجم التدخل الايراني في الشأن العراقي.
ايران تمكنت من تحقيق هذا التغلل عبر الزج بأذرعها في السلطات الثلاث والوزارات على حد سواء، وهو ما جعلها على دراية بكل شاردة وواردة تخص العلمية السياسية العراقية.
وهذه الجهات التي تحتسب على ايران وتعتبر تمثل وجهة النظر الايرانية داخل المنظومة الحكومية لم تستطيع من تقديم رؤية جديدة في عراق ما بعد التغيير، فمن الملاحظ انها انشغلت في تحقيق المكاسب الحزبية والفردية الضيقة ولم تستطع الخروج من دائرة المصلحة الشخصية طيلة الاعوام التي تلت عملية الإطاحة بنظام صدام حسين، كل هذه الاخفاقات كانت السبب الكفيل في تراكم السخط على الاحزاب التي تعدها الجماهير بانها تمثل ايران بشكل او بآخر.
حكومة طهران لم تدخر جهدا الا وقدمته للجهات الموالية لها في العملية السياسية، حيث قامت بتقديم الدعم المادي المنقطع النضير الى جانب المشورة الدائمة ازاء مجريات الاحداث اليومية في البلاد وكيفية التعاطي معها والخروج برؤية من شأنها عدم تقويض او معارضة سياستها في الداخل العراقي.
لم يتوقف الدعم الايراني الى حد المشورة او تقديم النصح بل تعدى ذلك بشكل كبير جدا، وخير مصادق على ذلك هو تواجد الافراد في ساحات المعارك ضد كيان داعش الارهابي، كل هذه التضحيات هي لكسب ود الشارع العراقي وتقليل الهوة التي وجدت منذ الحرب العراقية الايرانية، لكن ايران لغاية الآن لم تجني ما زرعته في نفوس العراقيين على مدار الاعوام السابقة.
النفور الجماهيري من ايران بالتأكيد اتى من سوء سلوك الاحزاب الموالية لها والتي في اغلب الاحيان تأخذ التعليمات من حكومة طهران، فلا يمكن ان ننكر ما تفلعه الاحزاب من استهتار في المال العام، ناهيك عن تقديم الطاعة المطلقة بعيدا عن المصلحة الوطنية التي من المفترض تصبح هي الاولى لدى من يتقلد مناصب حساسة في الدولة العراقية.
الاحزاب التابعة او الموالية لحكومة طهران لم تعمل في المجال السياسي وفق خطة رصينة قائمة على تحسين الاوضاع المعيشية لابناء الشعب، بالتالي يعطيها قبول جماهيري من قبل الطبقات الاجتماعية كافة، لكن ما حصل مختلف عن ذلك تماما، اذ ساد التخبط وغياب الرؤية بشكل تام ما ساهم وبشكل كبير في تكريس حالة العداء الذي يكنه البعض في نفسه نتيجة النتائج التي برزت للسطح من تولي بعض الشخصيات الموالية زمام الامور وهو ما زاد الامور تعقيدا.
اذا ارادت ايران ان تعيد الثقة في نفوس جمهورها في العراق عليها ان تعيد حسابتها وتبعد قدر الامكان الوجوه التي تمثل سياستها، فهذه الخطوة ستعمل على امتصاص الزخم المعادي لها نتيجة سياستها الخاطئة تجاه ما دار في العراق.
كذلك لابد من العمل بصورة اكثر جدية على اعادة مكانتها كجار شريك للعراق لا بفكر التبعية وعدم التفكير بمصلحتها الشخصية فقط، ويجب ان تعرف جيدا ان امريكا تبذل قصارى جهدها لزعزعة مكانة ايران وتحجيم نفوذها في بعض الدول العربية وخير برهان على ذلك هو ما يحصل في لبنان وحزب الله حلف ايران، وصولا الى الاوضاع الراهنة التي يمر بها العراق التي لن ترجع الى عهدها السابق.
رابط المصدر: