عبد الامير رويح
تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أزمة اقتصادية كبيرة، بسبب العقوبات الأميركية و أزمة في أسعار النفط في الاسواق العالمية، يضاف الى ذلك استمرار تفشي فيروس كورونا المستجدّ الذي اصاب ٢٦٠ ألف واودى بحياة اكثر من ١٣ الف شخص، ويرى بعض المراقبين ان أزمة انتشار كورونا كان لها تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الإيراني المتهالك أصلا بسبب العقوبات الأميركية، وفرضت الولايات المتحدة وكما نقلت بعض المصادر عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي، ولا تزال واشنطن بين الحين والآخر تفرض عقوبات إضافية على طهران. وتعد إيران من اكثر الدول تضررا من مرض كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط.
توقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني، بنسبة 6.0 في المئة مقارنة بالسنة الماضية حيث كانت نسبة النمو 7.4 في المئة، بينما في العام 2018 بنسبة 5.4 في المئة، ليشهد الاقتصاد الإيراني مرحلة حرجة للعام الثالث على التوالي. ومن المتوقع، وفق تقرير صندوق النقد، أن تصل نسبة الانكماش إلى 3.1 في المئة في السنة القادمة. وفي ظل هذا التراجع تواجه إيران العقوبات المشدّدة التي تفرضها الولايات المتحدة، وتلوح بعقوبات جديدة ضمن سجال الطرفين حول الملف النووي الإيراني.
واشارت بعض الدارسات إلى أن عددا من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، تواجه شبح الإفلاس بسبب الصعوبات المالية الناتجة عن الركود الاقتصادي وتوقف الأنشطة بسبب تفشي الفيروس، فيما يعاني بعضها الآخر صعوبات مالية متناثرة بين تراكم الديون ورفض الالتزامات المالية، ما أدى إلى إغلاق عدد منها. وتشهد العملة الإيرانية مأزقاً كبيراً بسبب انهيار سعر صرف التومان وانخفاض مبيعات النفط الإيرانية حيث تشهد العملة الايرانية تراجعاً كبيراً أمام العملات الأجنبية. وتتراوح نسبة الفقر في إيران من 30 إلى 40 في المئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.
أزمة العملة
وفي هذا الشأن أرغم هبوط العملة في الأسابيع الأخيرة البنك المركزي على التحرك فضخ ملايين الدولارات في السوق لتحقيق استقرار الريال. ووصف عبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي هذا التدخل بأنه قرار ”حكيم محدد الهدف“. وأضاف أن البنك لديه احتياطيات وفيرة من النقد الأجنبي دون أن يكشف عن حجمها. غير أن اقتصاديين قالوا إن العجز في ميزان المعاملات الجارية والموازنة بفعل الأزمة الاقتصادية قد يتطلب السحب من هذه الاحتياطيات الأمر الذي يضعف قدرة إيران على الحد من التضخم المتفشي.
وقال جاربيس إراديان كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي ”لديهم احتياطيات محدودة من النقد الأجنبي متاحة لضخها في السوق ولن يتمكنوا من احتواء انخفاض آخر في قيمة العملة في وجود العقوبات الأمريكية والعزلة عن المجتمع الدولي“. فقد الريال ما يقرب من 70 في المئة من قيمته في أعقاب الانسحاب الأمريكي في 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في 2015 مع ست قوى عالمية وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها.
وكانت الحكومة قد سعت لتعويض ذلك من خلال التعامل بعدة أسعار للصرف الأجنبي بهدف تخفيف العبء المالي عن المستوردين. لكن الريال واصل مسيرة الهبوط في السوق الحرة حتى بعد التدخل الأخير من جانب البنك المركزي. والانخفاض الأخير في قيمة العملة مدفوع بالمخاوف في الأساس إذ جاء بعد أن حثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران على الكف عن منعها من دخول موقعين نوويين سابقين تحوم حولهما الشبهات. كما يرجع جانب من هذا الانخفاض إلى تدهور اقتصادي أوسع نطاقا بسبب فيروس كورونا.
وقال نيلز دي هوج الاقتصادي بمؤسسة اتراديوس للتأمين على الائتمان ”العامل الجوهري بدرجة أكبر هو تحول ميزان المعاملات الجارية من فائض تقليدي إلى عجز صغير في 2020 بسبب انهيار إيرادات تصدير النفط“. وقال إن التقديرات تشير إلى أن البنك المركزي ما زال لديه احتياطيات كافية لدعم الريال لكنها تتآكل لأنها تسهم في تمويل العجز في الموازنة. وتحت وطأة العقوبات يقدر أن صادرات النفط تتراوح بين 100 ألف و200 ألف برميل يوميا انخفاضا من أكثر من 2.5 مليون برميل في اليوم في ابريل نيسان 2018.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن إيران ستسحب ما يقارب 20 مليار دولار من احتياطياتها هذا العام لتصل إلى 85.2 مليار دولار، كما سيسحب 16 مليار دولار أخرى في العام المقبل. ونسبت وسائل إعلام إلى مسعود خنصري رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة قوله إن التقديرات تشير إلى أن العجز في ميزانية الدولة سيبلغ عشرة مليارات دولار بحلول مارس آذار 2021. وقال خنصري إن نمو العجز في الموازنة ونمو المعروض النقدي سيؤدي إلى ارتفاع التضخم وانخفاض الريال وتضاؤل القوة الشرائية.
وقال متعامل يدعى سوروش في طهران رفض ذكر اسمه بالكامل إن الحكومة طلبت من الإيرانيين عدم التخلص من الريال بشراء العملات الأجنبية وإن أغلب المتعاملين في مكاتب الصرافة بوسط طهران يرفضون بيع الدولار. وأضاف ”عندما بدأ الدولار يزداد قيمة مقابل الريال أقبل الناس على مكاتب الصرافة لبيع الدولار لكن الهدوء يسود الآن“. غير أنه لا يكاد أحد يفلت من الصعوبات الاقتصادية. فمن نخبة الأعمال إلي العمال العاديين تشعر الأغلبية بتأثير هبوط الريال.
وتتزايد مشاكل الشركات والأعمال مع ارتفاع الضرائب وانخفاض الدعم الحكومي لأسعار السلع وتقيد الأسواق الخارجية بالعقوبات وصعوبة الحصول على العملة الصعبة اللازمة لإبرام التعاملات. وقال صاحب مصنع للأثاث في مدينة راشت الشمالية ”أزمة العملة والعقوبات التجارية أصابتنا بالشلل. هناك أيضا نقص في المواد الخام“. وأصبحت أسعار السلع الأساسية مثل الخبز واللحوم والأرز تزداد بصفة يومية. كما أصبحت اللحوم سلعة نادرة عند الكثيرين وبلغ سعرها عشرة دولارات للكيلوجرام. بحسب رويترز.
وتنشر وسائل الإعلام بصفة منتظمة أخبار الاستغناء عن العمالة وإضرابات العمال الذين لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر بما في ذلك عمال مصانع مملوكة للحكومة. وقال رضا محمود زادة الموظف الحكومي ”الحياة مكلفة جدا. مرتبي لا يكفي لسد الرمق. وكل يوم يمر نزداد فقرا“. ويقول صندوق النقد الدولي إن أغلب الإيرانيين مقبلون على زيادات أخرى في الأسعار إذ تشير التقديرات إلى أن معدل التضخم سيبلغ 34.2 في المئة هذا العام.
وساهم تراجع أسعار النفط وانحسار النشاط الاقتصادي العالمي في اتساع نطاق الأزمة الاقتصادية داخل البلاد التي سجلت أيضا أكبر عدد للوفيات بفيروس كورونا في الشرق الأوسط. وقد شرعت في تخفيف القيود المفروضة منذ منتصف ابريل نيسان في مسعى لدعم الاقتصاد. لكن الفترة الأخيرة شهدت طفرة في أعداد الإصابات والوفيات، مما حدا الرئيس حسن روحاني إلى التحذير من إعادة فرض القيود. ويقول المسؤولون الإيرانيون إن العقوبات الأمريكية تعوق جهودهم للتعامل مع تفشي الفيروس.
النفط الإيراني
على صعيد متصل أفادت بيانات للقطاع بأن إيران قلصت إنتاج النفط الخام إلى أدنى مستوياته في أربعة عقود، إذ تمتلئ صهاريج وسفن التخزين عن آخرها تقريبا بسبب تراجع الصادرات وخفض تشغيل المصافي جراء جائحة فيروس كورونا. وبحسب إف.جي.إي إنرجي، ارتفع إجمالي مخزونات الخام على البر إلى 54 مليون برميل في أبريل نيسان من 15 مليون برميل في يناير كانون الثاني. وازدادت المخزونات تضخما في يونيو حزيران لتصل إلى 63 مليون برميل.
وتشير تقديرات شركة كبلر لمعلومات السوق إلى أن متوسط مخزونات الخام الإيراني في البر في يونيو حزيران بلغ حوالي 66 مليون برميل. ويعادل ذلك نحو 85 بالمئة من طاقة التخزين المتاحة على البر. وقال هومايون فلاكشاهي المحلل البارز لدى كبلر ”رغم ذلك، لن يكون من الممكن فنيا ملء الصهاريج بنسبة 100 بالمئة بسبب قيود تقنية لصهاريج التخزين ونقاط ضعف فيما يتعلق بالبنية التحتية“.
كما تمتلئ خزانات النفط الإيرانية العائمة. وقالت مصادر بقطاع النقل البحري إن التقديرات تشير إلى أن إيران تستخدم نحو 30 ناقلة لتخزين النفط، أغلبها ناقلات عملاقة، وهي التي يمكن للواحدة منها حمل مليوني برميل من النفط كحد أقصى. ويعني هذا تخزين أكثر من 50 مليون برميل من النفط. وقالت المصادر إنه من المرجح أن يكون هذا مزيج من الخام والمكثفات، وهي درجة خفيفة جدا من الخام. وتفيد بيانات رفينيتيف بتخزين 56.4 مليون برميل على الأكثر في أماكن تخزين عائمة. بحسب رويترز.
وأظهرت بيانات من فيسل فاليو المتخصصة في التقييمات أن أسطول إيران من ناقلات النفط الخام يبلغ عددها 54 ناقلة. وقال متحدث باسم مجموعة نوردن للشحن ”من المتوقع أن تواصل إيران التخزين، إذ أننا لا نتوقع أن تتمكن هذه السفن من إتمام معاملات في أي وقت قريب“. وأضاف قائلا ”العدد الحقيقي لسفن التخزين العائم الإيرانية هي صندوق أسود نوعا ما، إذ أنها أطفأت جميعا إشارات نظامها الآلي لتحديد الهوية“.
انفجارات وحرائق
من جانب اخر قالت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء الإيرانية إن شخصين قتلا في انفجار في مصنع بجنوب العاصمة طهران هو الأحدث في سلسلة انفجارات وحرائق أصاب بعضها مواقع حساسة. وقال أمين بابائي وهو مسؤول محلي ”خطأ بشري تسبب في انفجار بأحد المصانع… قُتل شخصان وأصيب ثلاثة آخرون“. وأضاف أن الانفجار وقع في ”منطقة صناعية“ في باقر شهر بالقرب من طهران. وقال بابائي ”الانفجار الذي نتج عن تهاون العمال في التعامل مع صهاريج الأكسجين.. كان قويا لدرجة أنه دمر تماما جدران مصنع مجاور أيضا“.
وفي وقت سابق أيضا لقي 19 شخصا حتفهم في انفجار في منشأة طبية في شمال طهران وقال مسؤول إن سبب الانفجار تسرب غاز. ويوم 26 يونيو حزيران وقع انفجار في شرق طهران بالقرب من قاعدة بارشين العسكرية حيث يجري تطوير الأسلحة وقالت السلطات إن الانفجار وقع بسبب تسرب في منشأة لتخزين الغاز في منطقة خارج القاعدة.
وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن حريقا شب في محطة للطاقة في جنوب غرب البلاد. وقال مصطفى رجبي مشهدي المتحدث باسم شركة تافانير للطاقة التي تديرها الدولة لوكالة تسنيم للأنباء إن رجال الإطفاء أخمدوا الحريق الذي عطل محولا في محطة الطاقة الموجودة بمدينة الأهواز. وأضاف أن التيار الكهربائي عاد بعد انقطاع جزئي. وذكرت وكالة العمال الإيرانية للأنباء (إيلنا) شبه الرسمية أن تسربا لغاز الكلور حدث في وحدة بمصنع كارون للبتروكيماويات بالقرب من ميناء الإمام الخميني على الخليج مما تسبب في إصابة العشرات. وقال المتحدث باسم المصنع مسعود شابانلو للوكالة ”في هذا الحادث عانى 70 شخصا كانوا قريبين من الوحدة من إصابات طفيفة (بسبب استنشاق غاز الكلور) ونقلوا إلى المستشفى بمساعدة رجال الإنقاذ“. وأضاف أن جميع المصابين ما عدا اثنين خرجوا من المستشفى.
من جهة اخرى قال مسؤول نووي إيراني إن حريقا اندلع بمنشأة نطنز النووية أحدث أضرارا جسيمة قد تبطء من صنع أجهزة طرد مركزي متطورة. وقال المجلس الأعلى للأمن القومي إنه تم تحديد سبب الحادث واندلاع النيران بالموقع وسيتم إعلانه لاحقا. وقال بعض المسؤولين الإيرانيين إن الحادث قد يكون بسبب عمل تخريبي إلكتروني فيما حذر أحدهم من أن طهران ستنتقم من أي دولة تشن مثل هذه الهجمات ضدها.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن بهروز كمالوندي المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قوله إن الحادث قد يتسبب في تباطؤ تطوير وإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة على المدى المتوسط. وأضاف أن إيران ستعمل على إقامة مبنى آخر أكبر ومزود بمعدات أكثر تطورا بدلا من المبنى المتضرر. وأشار إلى أن الحادث لم يخلف خسائر في الأرواح فيما كانت الخسائر المادية جسيمة.
وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين وطلبوا عدم نشر أسمائهم إنهم يعتقدون أن الحريق نجم عن هجوم إلكتروني لكنهم لم يقدموا دليلا على ذلك. وتطرق مقال لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء إلى ما أسماها احتمالية تنفيذ عمل تخريبي من جانب أعداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة دون توجيه أصابع الاتهام مباشرة لأي منهما. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إن بلاده ”لا تقف بالضرورة“ وراء كل حادث غامض في إيران. وفي 2010 تم اكتشاف فيروس ستكسنت الإلكتروني والذي يعتقد أنه من صنع الولايات المتحدة وإسرائيل بعدما استخدم في مهاجمة منشأة نطنز. بحسب رويترز.
ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم التي يقع معظمها تحت الأرض هي إحدى عدة منشآت إيرانية تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن الموقع الذي نشب فيه الحريق لا يحتوي أي مواد نووية وإنه لم يكن أي من مفتشيها موجودا هناك بذلك الوقت.