تعد بلدان الشرق الأوسط من أهم البؤر في أزمة تغير المناخ العالمية، وتعتبر إيران عينة إقليمية متكاملة تجتمع فيها كل تجليات الأزمة المناخية وتداعياتها وأسبابها. وتفاقمت أزمة التغير المناخي في إيران بوتيرة سريعة خلال العقدين الماضيين وتجاوزت كونها أزمة بيئية صرف، إذ أنتجت تداعيات اقتصادية وصحية، وتركت بصمتها على المجالات السياسية والاجتماعية والدبلوماسية. ومع أن إيران تعاني من أزمات كبرى متراكمة تهدد أمن الدولة واستقرارها، إلا أن مراكز الدراسات الرسمية وغير الرسمية تكاد تجمع على أن التحدي المناخي، بكل أوجهه، يعد الأهم من بين خمس أكبر تحديات تُحدِق بمستقبل البلاد، وتهدد كيان الدولة الإيرانية ووحدة أراضيها.
ولا يمكن اعتبار أزمة المناخ المستشرية في إيران أزمة محلية ناجمة عن أسباب داخلية ومحدودة بحدود البلد؛ إذ إن منطقة الشرق الأوسط بأكملها تعاني من تجليات تحدي المناخ وتداعياته، كما تؤكد ذلك دراسات محلية ودولية. وتشير المعطيات إلى أن هذا التحدي والأزمات الناتجة عنه يتفاقمان في إيران بسرعة أعلى مقارنة ببقية البلدان. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، من بينها: تدهور البنية التحتية للاقتصاد الإيراني، مما يؤدي إلى زيادة استهلاك مصادر الطاقة والبيئة مقابل تراجع الإنتاجية والمخرجات؛ وتقادُم تقنيات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك؛ وحالات التعارض في المصالح بين المؤسسات المؤثرة في صنع القرارات البيئية، مما يعمل على تقويض الشفافية في النظام السياسي، ويؤثر في قدرة الدولة وأجهزتها على إدارة التغير المناخي بشكل فعال.
التحدي المناخي في إيران بوصفه سلسلة من الأزمات المترابطة
باعتبارها أزمة بيئية شاملة، تتكون أزمة المناخ في إيران من خارطة تفاعلية من الأزمات المترابطة، حيث يتعزز تأثير كل منها ويتراكم مع الآخر لتشكيل تداعيات غير بيئية في مختلف المجالات، مثل الحراكات الاجتماعية والملفات الاقتصادية. وبشكل عام، يمكن إبراز وضع التحدي المناخي في إيران في ثلاثة محاور رئيسة:
1. أزمة المياه
تعد أزمة المياه المحور الأساسي للتحدي المناخي في إيران، والسبب الرئيس وراء تفاقم الأزمات الأخرى. في الواقع، شهدت معدلات هطول الأمطار في إيران، خلال العقد الأخير، انخفاضاً طفيفاً بنسبة 4% فقط مقارنة بالمعدلات الطويلة الأمد (من 250 مم سنوياً إلى 240 مم سنوياً وفقاً لدائرة الأرصاد). بالإضافة إلى ذلك، تراجع حجم المياه الجارية في إيران بشكل حاد بنسبة 44% خلال نفس الفترة (من 87 مليار متر مكعب سنوياً إلى 49 مليار متر مكعب خلال العقد الأخير). ونتيجة لنقص المياه العذبة الجارية، ارتفع معدل استخراج المياه الجوفية بشكل ملحوظ، حيث ازدادت أعداد الآبار المنفذة في إيران من حوالي 40 ألف بئر في منتصف الثمانينيات إلى 840 ألف بئر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مما يعكس زيادة تصل إلى 1700% في غضون أقل من 30 عاماً. ونتيجة لاستمرار هذا الاستهلاك المتزايد، شهدت المخزونات الاستراتيجية الإيرانية من المياه العذبة الجوفية انخفاضاً بنسبة 70% خلال أقل من ثلاثة عقود، لينخفض المعدل الفردي لمخزون المياه العذبة في إيران من 2600 متر مكعب في التسعينيات إلى أقل من 1200 متر مكعب، مما يضع إيران في حالة “الإفلاس المائي” وفقاً للمساعد السابق لرئيس منظمة البيئة الإيرانية. وبناءً على هذه الوقائع، تُصنِّف مؤسسات دولية إيران ضمن البلدان الـ 17 التي تقترب من “اليوم الأخير” الذي يمثل نهاية مصادر المياه.
ونتيجة لذلك، أشارت مصادر رسمية إلى أن حوالي 334 مدينة من إجمالي 1150 مدينة إيرانية عانت من أزمة توفير المياه العذبة خلال عام 2022، مما يعني أن حوالي 34 مليون نسمة من إجمالي 80 مليون نسمة عانوا من “تحدي المياه” خلال العام الماضي. وواجه حوالي 17 مليون نسمة ما يُعرَف بـ”المرحلة الحمراء”، أي مستوى حاداً في نقص المياه العذبة. وأكدت وزارة الطاقة الإيرانية أن 7 مدن من أصل 10 أكبر مدن في إيران، بما في ذلك العاصمة طهران، شهدت أزمة كبيرة في توفير مياه الشرب خلال الصيف الماضي. وبناءً على مصادر الوزارة ذاتها، هناك توجه لتنفيذ خطة لتحصيص المياه في تلك المدن خلال الصيف المقبل، نظراً لاستمرار العجز في مصادر المياه.
ومع أن أزمة المياه التي تعاني منها إيران ناتجة جزئياً عن انخفاض كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة العالية، مما أدى إلى زيادة معدلات التبخر، فإنها أيضاً ناتجة جزئياً عن الأساليب القديمة المتبعة في معالجة المياه والتقنيات المتقادِمة في مجال توزيع المياه واستهلاكها وإعادة تدويرها. ومن إجمالي استهلاك المياه العذبة السنوي في إيران، البالغ حوالي 98.3 مليار متر مكعب، يستحوذ القطاع الزراعي على نحو 88.7 مليار متر مكعب وفقاً لوزارة الطاقة، في حين يستخدم حوالي 8.3 مليارات متر مكعب لتوفير مياه الشرب في المدن والأرياف، ويُخصص الباقي للقطاع الصناعي. وعلى الرغم من أن معدل إنتاج المواد الغذائية بالنسبة لكل متر مكعب من المياه في إيران يبلغ حوالي رُبع المعدل الأوروبي، وفقاً لوزارة الزراعة الإيرانية، إلا أن الدراسات تشير إلى أن أساليب استهلاك المياه في القطاع الزراعي يؤدي إلى إهدار حوالي 60 مليار متر مكعب سنوياً، نتيجة استقرار معدل إنتاجية المياه في هذا القطاع عند 33%، وهو معدل منخفض حتى بالمقارنة مع معدلات دول مثل مصر وليبيا. وتُشير الدراسات الرسمية إلى أن حوالي 13.6% من المياه العذبة المخصصة للقطاع المدني، والبالغة حوالي 1.13 مليار متر مكعب، تُهدَر في أنابيب نقل الماء المتهالكة، وبلغ إجمالي إهدار المياه العذبة في القطاع المدني في مختلف المراحل حوالي 28% في عام 2022، وفقاً لوزير الطاقة الإيراني، وهو ما يعني أنها تفوق معدلات إهدار المياه في دولةٍ مثل ألمانيا بخمسة أضعاف.
وهذا كله يعني أن أزمة المياه الناتجة عن تغير المناخ والاستهلاك غير التنموي لمصادر المياه، بما في ذلك المياه الجوفية، إضافةً إلى تدهور البنية التحتية لنقل المياه وتقادُم أساليب الري في القطاع الزراعي، قد أقحمت إيران في حافة أزمة لا يكاد يكون لها حل، وتشكل أكبر تهديد لمستقبل البلاد، وفقاً لمساعد الرئيس الإيراني السابق، عيسى كلانتري.
2. أزمة التصحر والغبار
نتيجة لتفاقم أزمة المياه في إيران، اشتدت أزمة التصحر والغبار بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، حتى تحولت إلى أزمة شاملة تؤثر في الحياة البشرية والبيئة في 26 محافظة من إجمالي 31 محافظة إيرانية، وفقاً لخبراء إيرانيين.
وفي هذا السياق، يؤكد مدير مؤسسة زاغروس للبيئة أنه قُضيَ على ستة ملايين و500 ألف هكتار من إجمالي 12 مليون هكتار من الغابات في منطقة جبال زاغروس المركزية في إيران خلال العقود السبعة الماضية. وبالإضافة إلى ذلك، يشير مدير منظمة إدارة الأزمات إلى أن حوالي 100 ألف هكتار من الغابات والمراتع في إيران تعرضت لحرائق شاملة خلال السنوات الخمس الماضية، ويحذر من استمرار هذه الوتيرة، مما يعني أنه الغابات في إيران معرضة للزوال خلال العقود الخمسة المقبلة. وفي نفس السياق، يشير تقرير رسمي أصدرته وزارة الزراعة الإيرانية إلى أن مساحة الغابات في محافظة مازندران شمال إيران قد انخفضت من 1.1 مليون هكتار إلى 870 ألف هكتار في الفترة من عام 1985 إلى 2015، مما يعني أنه قُضيَ على 21% من الغابات خلال فقط ثلاثة عقود.
ووفقاً للدراسات الرسمية، يُلاحَظ زيادة حجم الصحاري في إيران بما يقدر بنحو 1 مليون هكتار خلال العقد الأخير. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس منظمة الغابات أن حوالي 100 مليون هكتار من المساحة الخضراء في إيران معرَّضة للتصحر، ومن هذه المساحة، يوجد حوالي 32 مليون هكتار على مشارف التحول إلى صحراء. ويوضح أنه خلال العقد الماضي، تحول حوالي 7.2 مليون هكتار من هذه المساحة إلى مصدر لنشوء موجات الغبار. وبينما يؤكد البعض على دور البلدان المجاورة لإيران في تكوين موجات الغبار، تؤكد مصادر محلية أن ما يصل إلى 70% من موجات الغبار ينشأ من التجمعات الصحراوية الداخلية في إيران، وأن هذه الموجات تؤثر في حياة 57% من سكان البلاد. وتشير مصادر رسمية إلى زيادة كبيرة في عدد أيام الغبار في إيران خلال العقدين الماضيين، حيث ارتفع إلى حوالي 120 يوماً في عام 2021 مقارنةً بـ 34 يوماً في عام 1999.
بالإضافة إلى الآثار الصحية التي تنجم عن موجات الغبار مثل انتشار أمراض الجهاز التنفسي والأمراض القلبية وأنواع مختلفة من السرطان، فإن الدراسات تشير أيضاً إلى الآثار الاقتصادية الكبيرة للغبار. تؤثر موجات الغبار في إنتاجية المحاصيل الزراعية، حيث تشير الدراسات الإيرانية إلى تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة تتراوح بين 4% و6% نتيجة لتأثير الغبار. كما تؤدي موجات الغبار أيضاً إلى تعطيل الحياة الإدارية وتأثير سلبي على النشاط الاقتصادي. وفي هذا السياق، توضح الدراسات أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن موجات الغبار التي اجتاحت جنوب إيران وغربها خلال فترة خمس سنوات (2002-2007) بلغت حوالي 208 مليون دولار يومياً. ويُقدر إجمالي الضرر الناتج عن موجات الغبار خلال تلك الفترة بما بين 2.23 مليار و 13.3 مليار دولار وفقاً لمختلف السيناريوهات.
وعموماً، تشير الدراسات الدولية إلى أن إيران تعد واحدة من 19 دولة مرشحة لأن تصبح منطقة صحراوية بحلول عام 2040. وفي الوقت نفسه، يُشير مساعد الرئيس الإيراني السابق عيسى كلانتري إلى أن أزمة التصحّر وموجات الغبار الناجمة عنها ستؤدي إلى أكبر موجة حراك بشري خلال العقود المقبلة، إذا لم تتوصل الجهات المعنية إلى حل لهذه المشكلة.
3. التلوث الجوي
تعد أزمة التلوث الجوي ثالث أزمة في قائمة التحديات المناخية التي تواجهها إيران، وهي تستفحل بشكل ملحوظ. وأشار البنك الدولي إلى أن العاصمة الإيرانية طهران تعد واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم، وأكد أن القضاء على مشكلة التلوث في طهران والمدن الرئيسة الأخرى في إيران يبدو صعباً نظراً للنمو السكاني المتزايد والتطور الصناعي وزيادة استهلاك الوقود الأحفوري في البلاد. ووفقاً للأرقام التي أصدرتها جهات مختصة في إيران، فإن العاصمة طهران شهدت حوالي 123 يوماً من التلوث الجوي الحاد خلال عام 2021. وأشارت وزارة التعليم إلى أن أزمة التلوث أدت إلى تعليق الدراسة في المدارس والجامعات في طهران لمدة تقارب 66 يوماً خلال العام الدراسي السابق.
وبحسب المصادر الدولية فإن التلوث الجوي في إيران يتسبب في أضرار صحية تُقدَّر قيمتها بحوالي 2.6 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب التلوث في تعطيل الأنشطة الإدارية والحياتية، ويؤثر في القطاع الاقتصادي بشكل عام، ويتسبب في انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية وتدهور الثروة الحيوانية. وأفادت مصادر وزارة الصحة الإيرانية بأن تلوث الهواء أسفر عن وفاة 11,160 شخصاً في إيران خلال عام 2021، بما في ذلك 3,750 شخصاً في العاصمة طهران. وأوضحت المصادر الحكومية أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء بلغت حوالي 7 مليارات دولار في عام 2021، منها 2.3 مليار دولار في العاصمة طهران بمفردها.
بالتأكيد، لا يمكن تقييد التحدي المناخي الذي تواجهه إيران بالأزمات الثلاث السالفة الذكر فقط. لكنها تُمثِّل أهم جوانب هذا التحدي، في إطار خريطة ترابطية، حيث يتأثر كل جانب بالجوانب الأخرى. ويتنبأ هذا الترابط بمزيد من تجليات التحدي المناخي وتداعياته في المستقبل، خاصة في ضوء عدم وجود حلول متفق عليها بالإجماع تلقى تأييداً من كل مؤسسات الدولة في إيران.
وتجلب التحديات المناخية والأزمات البيئية المترابطة تداعيات تؤثر في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما يفرض ضغوطاً إضافية على أزمات أخرى يواجهها نظام الحكم في إيران. يتضمن ذلك التأثير على الأمن الغذائي، وتزايد الحراك الاجتماعي، والهجرة، وتغير الديناميات السياسية والاجتماعية. فمن الناحية الاقتصادية، تعد التحديات المناخية التي تواجه إيران تكلفة باهظة على الاقتصاد الإيراني. وسيترك ذلك أثراً ملحوظاً في الأمن الغذائي في إيران، حيث توضح الأرقام أن انخفاض المحاصيل الزراعية في البلاد أدى إلى زيادة استيراد السلع الغذائية خلال العقد الماضي.
وفيما يتعلق بالجانب البشري، يؤدي التحدي المناخي دوراً مهماً في استثارة موجة الهجرة الأكبر في تاريخ إيران المعاصر. وقد تأثرت الأزمات المناخية وموجات الهجرة الناجمة عنها بالهيكل الاقتصادي والقطاع الزراعي بشكل كبير، مما أدى إلى تفاقم أزمة سكان الصفيح والضواحي المعدمة في الضواحي المحيطة بالمدن الكبرى.
وإلى جانب كل ذلك، فإن إيران تحتل مكانة عالية في قائمة البلدان التي تُطلِق غازات الدفيئة، وذلك نتيجة للاستمرار في تفاقم الأزمات المناخية وتقادم آليات إنتاج الطاقة.
صحيح أنه لا يمكن تجاهل تأثير المؤثرات الإقليمية والعالمية على التحديات المناخية في إيران، باعتبار أن المعطيات الميدانية توضح أن بعض الأزمات البيئية التي تواجهها إيران لها جذور في واقع الدول المجاورة وإجراءاتها، مثل الجفاف الذي يعاني منه إقليم بلوشستان نتيجة قطع تدفق المياه من أفغانستان، والجفاف المتوقع في شمال غرب إيران بسبب تراجع تدفق المياه بسبب بناء تركيا للسدود على الأنهار الرافدة، وانتشار موجات الغبار في غرب إيران نتيجة الجفاف والتصحر في العراق وسورية. لكن مع ذلك، تظل أهم أسباب تعاظم أزمة المناخ محلية ناتجة عن قرارات وصعوبات داخلية، ووجود تعارضات في المصالح تمنع التوصل إلى حلول شاملة.
وتشير الدراسات إلى أن إيران بحاجة إلى استثمارات تقدر بما لا يقل عن 180 مليار دولار خلال العقد المقبل للتصدي لتداعيات أزمة المياه وأزمة التصحر والتلوث الجوي. ومع ذلك، فإن حجم الاقتصاد الإيراني الذي تضرر منذ أكثر من عقدين بسبب العقوبات الدولية لا يسمح بتوفير مثل هذه الاستثمارات من مصادر داخلية. وتقف العقوبات المفروضة على مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية عائقاً أمام تحديث آليات إنتاج وتوزيع المياه والطاقة، ويعدان سببين رئيسين في استفحال الأزمة البيئية والمناخية في إيران.
كما أن جزءاً كبيراً من تعطيل تلك المشاريع التي تهدف إلى الحد من التلوث البيئي يعود إلى تعارض المصالح والصلاحيات بين المؤسسات في صنع القرارات المؤثرة على البيئة، وذلك في بلد يعرف بتداخل صلاحيات مؤسساته الرسمية. وفيما يضع القانون الإيراني منظمة البيئة في مرتبة أعلى ضمن هرم القرارات المؤثرة على المناخ، فإن الدراسات الرسمية تشير إلى تخلي الحكومة عن هذه الترتيبية من خلال إقرار مشاريع مؤثرة على البيئة من دون الحصول على رخص من هذه المنظمة. كما تشير المعطيات الميدانية إلى عدم التزام مؤسسات سيادية أخرى بمقررات الحكومة في مجال البيئة، وتطبيق مشاريعها دون اللجوء إلى القوانين البيئية أو الالتزام بالأولويات المناخية. وتُظهر تلك المعطيات زيادة دور مؤسسات تابعة للحرس الثوري وأخرى تابعة لبيت القائد الأعلى في مشاريع طاقة وبنية تحتية تتعارض مع الرؤية البيئية وتزيد من التحديات المناخية، نظراً لهشاشة دور الحكومة، وغياب الدور الفاعل لمنظمة البيئة باعتبارها مؤسسة سيادية.
وفي ضوء ذلك، يتحدث العديد من الخبراء عن وجود “مافيا” تتولى تنفيذ العديد من المشاريع التي تعارض الأولويات البيئية وتزيد من التحديات المناخية. وتشير مصادر برلمانية إلى أن هذه المافيا عملت على مدى العقدين الفائتين على تنفيذ مشاريع نقل المياه، حيث حصلت على مليارات الدولارات، بينما تسببت في جفاف الأنهار وتغير المناخ في مناطق واسعة. ويشير باحثون إلى أن هذه المافيا، التي تتخصص في إنشاء السدود وتنفيذ مشاريع نقل المياه الضخمة، تتكون من شركات كبرى متعاقدة مع وزارة الطاقة وتابعة لمؤسسات سيادية خارجة عن نطاق الحكومة، مثل الحرس الثوري والعتبة الرضوية ومنظمة المستضعفين.
التداعيات الإقليمية لأزمة المناخ في إيران
يمكن النظر إلى أزمة المناخ في إيران بوصفها أزمة عابرة للحدود؛ فهي تترك آثاراً مباشرة، وغير مباشرة على المشهد الإقليمي، وذلك إلى جانب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على الصعيد المحلي. ولا تقلّ أهميّة التداعيات الإقليمية التي تتركها أزمة المناخ عن الآثار الداخلية؛ إذ تعمل على تحريك خلافات، أو التمهيد لمسارات تعاون، ستُشكِّل بنية العلاقات الإقليمية على المديين القريب والمتوسط.
وينجمُ معظم التداعيات الإقليمية لأزمة المناخ في إيران عن الخلافات حول إدارة موارد المياه المشتركة بين طهران، وجيرانها، وما يرافقها من أزمات الغبار والتصحُّر، الناتجة عن سوء إدارة الموارد المائية. وتُشير خريطة الملفات على هذا الصعيد إلى وجود خلافات قائمة حول إدارة الموارد المائية بين إيران وجميع دول الجوار التي تشترك إيران معها بحدود برية، حيث تشترك إيران مع الدول المجاورة لها في أكثر من 28 نهراً، تمتدُّ لأكثر من 1900 كيلومتر. ومن بين أهم الخلافات حول موارد المياه، تلك القائمة بين إيران وكلّ من أفغانستان، والعراق، وتركيا.
في حالة أفغانستان، تتمحور الخلافات حول نهرين: نهر هريرود الذي يصب من إيران إلى أفغانستان، ونهر هلمند الذي يصب في الاتجاه المعاكس. وأدت الخلافات المائية الإيرانية مع أفغانستان على مر الأعوام الماضية إلى مناوشات بين الجانبين. وتفاقمت هذه الأزمة بعد هيمنة طالبان على أفغانستان، وأدت إلى مقتل عدد من الجنود الإيرانيين والأفغان.
وفي حالة العراق، أدّت الخلافات المائية الإيرانية-العراقية إلى تعكير صفو العلاقات الثنائية في أكثر من مرحلة على الرغم من التقارب السياسي الكبير. ويؤكد الجانب العراقي أن سياسات إيران منعت تدفق المياه إلى الأراضي العراقية. ولا يقتصر الخلاف بين إيران والعراق على الأنهار التي تغذي الأهوار والمحافظات العراقية الغربية، بما فيها محافظة ديالى، بل يمتد الخلاف إلى مناطق إقليم كردستان العراق.
وتُشكِّل خلافات المياه مع تركيا الضلع الثالث من مثلث الخلافات المائية بين إيران وجيرانها. وقد تفاقمت هذه الخلافات بفعل سياسات الهيمنة الإقليمية لكلٍّ من تركيا وإيران، وبفعل برامج التنمية التي تواصلها أنقرة، والتي أثارت حفيظة صانع القرار الإيراني في أكثر من موقف. ولا ينحصر الخلاف الإيراني-التركي حول نهر أرس الذي تتهم طهران أنقرة بمنع تدفق المياه من مصادره إلى الأراضي الإيرانية، وإنما توجه طهران أصابع الاتهام إلى تركيا أيضاً في موضوع موجات الغبار التي تتعرض لها أكثر من 20 محافظة إيرانية، خصوصاً على الشريط الغربي، والتي تكلف إيران مليارات الدولارات من الأضرار السنويّة؛ حيث ترى طهران أن منشأ 80% من هذا الغبار، يقع في بؤر رمال في بلدان أخرى، من ضمنها سورية، والعراق. وتؤكد إيران أن السدود التي أنشأتها تركيا على نهري دجلة والفرات في إطار مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، عملت على تعميق حالة الجفاف في كل من العراق وسورية، وخلق موجات واسعة من الغبار، تؤثر في صحة الشعب الإيراني واقتصاده.
وإلى جانب الخلافات المائية المذكورة إعلاه بين إيران وكلٍّ من أفغانستان وتركيا والعراق، تنخرط طهران في خلافاتٍ متفاوتة الأهمية مع جيران آخرين، من ضمنهم تركمنستان، وأذربيجان، وأرمينيا. كما تتسبب أزمة الغبار الناجمة عن أزمة المياه في خلافاتٍ، أو اشتراكِ مصيرٍ مع بلدان أخرى، لا تربطها بإيران حدود جغرافية مباشرة.
ومع ترجيح المُعطيات تفاقُم أزمة المناخ العالميّة خلال الأعوام المقبلة، وفي ظلّ انعدام وجود حلول سريعة لأزمة المناخ، والتحديات المرتبطة بها في منطقة الشرق الأوسط، من المفترض أن تشتد الأزمة خلال السنوات المقبلة في هذه المنطقة أيضاً، وبحيثُ تلقي بظلالها على منظومة العلاقات الإقليمية، ومصفوفة توزيع القوى في المنطقة، سواء كان ذلك نتيجة تفاقم الخلافات المائيّة، وتغيير مسار الأنهر، أو نتيجة أزمات الغبار والتلوّث الناجمة عن سياسات المياه، والتي ستؤثر في أمن المنطقة واقتصادها ورخائها والحراك الاجتماعي داخلها، إذ من المحتمل أن تُطلِق موجات احتجاجات قد تُغيَّر وجه المجتمع في هذه المناطق على الصعيد الداخلي، وعلى الصعيد الإقليمي. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تؤدي أزمة المياه في إيران إلى تعزيز مشكلة تأمين المياه العذبة للمدن، وتعميق مشكلة توفير المياه الزراعية. ونتيجة تفاقم المشكلتين إلى جانب احتجاجات السكان في جغرافيا الغبار، ستؤدّي أزمات المياه والمناخ بشكل عام إلى موجات من الهجرة الداخلية بين مختلف المحافظات الإيرانية، حيث أشارت مصادر رسمية إلى إمكانية حصول حالات هجرة جماعية تطال 70% من السكان خلال الأعوام العشرين المقبلة. بينما تشير معطيات ميدانية إلى هجرة نحو 1.7 مليون نسمة على مرّ الأعوام العشر الماضية من المحافظات المتضررة من أزمة المياه إلى محافظات أخرى أو إلى بلدان أخرى، وهناك 500 ألف نسمة على وشك مغادرة بلوشستان نتيجة استمرار أزمة نهر هلمند. وهذا الأمر، في النتيجة، يصب في اتجاه تعزُّز مسار الهجرة من البلدان المتضررة بالأزمات البيئية والاقتصادية إلى بقية أنحاء العالم. وتُشير التقديرات إلى موجات هجرة متوقعة تطال عشرات الملايين في غضون العقدين المقبلين نتيجة تفاقم أزمة المناخ.
وعلى المدى القريب، ستترك الخلافات حول إدارة الموارد المائية في الشرق الأوسط أثراً ملحوظاً في السياسات الإقليمية من خلال التأثير على خطوط الصدع السياسية والجيو-سياسية والجيو-اقتصادية. ويمكنُ ملاحظة بوادر هذا التأثير من خلال المناوشات الحدودية بين أفغانستان وإيران على الحدود الشرقيّة، وتصعيد اللهجة المُتبادل بين صُنّاع القرار في أنقرة وطهران. ومن المرجّح أن تعمل الخلافات المائية على تعميق الفجوة السياسية بين طهران وبغداد، على الرغم من التقارب السياسي المتوفر بين النظامين السياسيين حتى الآن. وكل ذلك يُنذر بتفاقم الخلافات المائية بين بلدان المنطقة بشكل عامّ. وضمن هذا المستوى، سيعمل الخلاف حول الموارد المائية باعتباره مُحفزاً لخلافات سياسية متوافرة أصلاً بين إيران دول الجوار.
ويمكن أن تتحول الخلافات حول المصادر المائية، على المديين المتوسط والبعيد، من أزمةٍ مُحفِّزَة لخطوط الصّدع الأساسيّة، بحيثُ تصبح أزمة المياه هي خط الصدع الأساسي الذي تتشكّل حوله كل الخلافات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية الإقليمية. وما يدعم احتمال تحول أزمة المياه والأزمات الناتجة عنها إلى خطّ الصدع الأساسي في المستقبل القريب، تفاقُم تجليات أزمة المناخ على الصعيد العالمي، وانعدام الإرادة لدى صُنّاع القرار الدوليين في وضع حدّ لتجليات الأزمة، أو وضع حلول تشاركيّة لمعالجة الخلافات القائمة والآخذة في الاتساع.
وستعمل أزمة الغبار الناتجة في جزء كبير منها عن سياسات المياه، على تغيير طبيعة الاصطفافات السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط على المديين المتوسط والبعيد. ومن المرجح أن تنشأ تحالفات من الدول المتضررة من موجات الغبار، في مواجهة تركيا التي تراها غالبية بلدان المنطقة المسبب الرئيس في تفاقم أزمة التصحُّر والغبار نتيجة تطبيق تركيا مشروع جنوب شرق الأناضول. وقد بدأنا نلمح بوادر مثل هذا التنسيق بين إيران وسورية والعراق. ومن المتوقّع أن نشهد انعكاسات مباشرة لكل لذلك على السياسات، خصوصاً في ضوء تفاقم الأزمة على مرّ الأعوام المقبلة، وتحولها إلى أزمة تمس الأمن والاقتصاد في هذه البلدان.
وفي حين تبدو بلدان الخليج العربي خارجة عن نطاق التأثر المباشر بتداعيات أزمة المناخ التي تجري بين طهران وجيرانها، من المتوقع أن تنعكس هذه الأزمة على دول الخليج بطرق غير مباشرة، سواء عبر موجات الغبار التي ستطال الخليج وشطآنه في حال استمرار الأزمة، أو من خلال قرارات إيرانية (وعراقية) لاستخدام مياه الخليج، لتوفير المياه العذبة للمجتمعات المدنية، والصناعات، بما قد يترك أثراً بيئيّاً واضحاً في مياه الخليج.
وستؤثر أزمة المناخ بكل تجلياتها في أمن الخليج من خلال عدة طرق. أولاً، من خلال تعرُّض مجتمعات الخليج، باعتبارها مراكز اقتصادية صاعدة ومستقرة، إلى موجات من الهجرة، من المفترض أن تترك أثراً في التركيبة السكانية الهشّة، وتؤدي إلى تداعيات أمنية. وثانياً، من خلال عمل أزمة المناخ والتحديات الناتجة عنها على خلق بؤر عدم استقرار بجوار دول الخليج، وتعرُّض الجوار الخليجي (وبشكل خاص إيران) إلى تداعيات القلاقل الأمنية، والاضطرابات الأهلية، والإقليمية الناتجة عن الأزمة والخلافات المستفحلة حولها. وكلّ ذلك سعمل على استفحال أزمة المناخ العالمية، وتضييق الأفق للعمل الإقليمي المشترك؛ ما سينقل أزمة المناخ وتجلياتها من أزمة ثانوية تدعم خطوط الصدع السياسية والجيوسياسية إلى مستوى أزمة من الدرجة الأولى، تُشكِّلُ بذاتها محور خطوط الصدع الإقليمية، وتوجّه مختلف التحولات، والصراعات، والتحالفات الإقليمية. ومن هذا المنطلق فإن أزمة المياه ستغير على المديين المتوسط والبعيد وجه الدبلوماسية الإقليمية، واضعة بلدان المنطقة أمام “دبلوماسية المناخ” التي قد تشكل الوجه الجديد، أو الصيغة الأكثر حداثةً لتوزيع القوى في المنطقة.
الاستثمار في اقتصاد المناخ الإيراني: تحويل الأزمة إلى فرصة
أدى الانهيارُ الاقتصادي، ونقص الاستثمارات في إيران، إلى تفاقُم الأزمة المناخيّة، بحيث بات من المحتمل أنْ تتطوّر إلى حالة لا رجعة فيها ما لم تتخذ السلطات إجراءات فورية. وتُشير الدراسات إلى أن إيران بحاجة إلى استثمارات ضخمة وسريعة لتحسين الوضع، وهذه الاستثمارات تتجاوز قدرة إيران الحالية على توفيرها من مصادر داخلية؛ إذْ تحول السياسات الرسمية، والعقوبات دون حصول إيران على التمويل اللازم لمواجهة الأزمة؛ ما يعني أنّ أبرز تحدٍّ تواجهه إيران في مواجهة أزمة تغير المناخ هو الحصول على الاستثمارات.
لكن هذه الصورة القاتمة على رغم سوداويّتها، تنطوي أيضاً على فرصٍ واعدة في عدّة مجالات؛ إذ تُوفِّرُ أزمة تغير المناخ أرضيّة للحوار والتعاون الإقليميين، وتُتيح فرصاً للدبلوماسية الإقليمية. كما توفِّر التحديات الناشئة عن استفحال أزمة المناخ فرصاً اقتصادية كبيرة لمختلف الأطراف في قطاعات استراتيجية، مثل:
1. قطاع الطاقة: يُعدُّ من أهم التحديات المرتبطة بأزمة المناخ، وتواجه إيران في هذا القطاع أيضاً تحديات كبيرة. وتُظهر الأرقام الحالية أن إيران تعاني من عجزٍ يبلغ حوالي 16% بين مُعدّلات الإنتاج والاستهلاك اليومي؛ حيث تُنتج البلاد حوالي 59 غيغاواط، بينما يصل الاستهلاك إلى 70 غيغاواط. هذا العجز أدى إلى موجات واسعة، وتسبّب انقطاع التيار الكهربائي في اضطرابات في العديد من المدن عام 2021، وأدى أيضاً إلى أضرارٍ تُقدَّرُ بأكثر من 7 مليارات دولار في عام 2022 نتيجة قطع الكهرباء عن القطاع الصناعي بداعي توفيرها للقطاع السُّكاني. وتشير الأرقام أيضاً إلى أن إيران بحاجة لزيادة قدرتها الإنتاجية في مجال الكهرباء إلى 95 غيغاواط في غضون عقد من الزمن، لتحقيق نمو بنسبة 6%؛ ما يعني أن إيران تحتاج إلى توفير حوالي 25 مليار دولار لإضافة 25 غيغاواط إضافية من الطاقة إلى السعة الإنتاجية الحالية، وتحسين شبكتها لنقل الطاقة.
وخلال مؤتمرات المناخ السابقة، التزمت إيران بإنشاء مصانع لإنتاج طاقة نظيفة بهدف خفض الانبعاثات الكربونية. وبحسب البيانات الصادرة عن مؤسسات الدولة، فإن لدى إيران رغبة رسمية في زيادة سعة إنتاج الطاقة المتجددة إلى حوالي 12 غيغاواط، وهذا يشكل نصف مخططاتها لإنتاج الطاقة خلال العقد القادم. وفي إطار تحقيق هذه الأهداف، اتخذت إيران خطوات رسمية نحو الحصول على استثمارات دولية بعد الاتفاق النووي لعام 2015. وقد شهدت هذه التحركات استجابة من قبل مستثمرين دوليين بسبب الظروف الجغرافية المواتية التي تمنح إيران ميزة تنتج منها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح بكفاءة. وأدت هذه التحركات إلى توقيع تفاهمات أولية تُقدر بنحو 12 مليار دولار مع شركات دولية لإنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة. لكنّ عودة العقوبات حالت دون تطبيق تلك التفاهمات؛ إذ منعت العقوبات المفروضة على القطاع المالي تدفق رؤوس الأموال لتفعيل عقود إنتاج الطاقة النظيفة على الرغم من أن العقوبات لم تشمل هذا القطاع.
2. قطاع المياه: يمكن اعتبار أزمة المياه الخانقة والمتصاعدة التي تواجهها إيران حالياً، واحدة من أهم تجليات الأزمة المناخية في البلاد. ويُلاحظ أن هذه الأزمة تتسبب في تداعيات وخيمة على صعيد توفير المياه للاستخدامات المدنية والزراعية، وتسبّبت في اشتعال العديد من موجات الاحتجاجات الاجتماعية، وصلت حدّ المناوشات الدموية خلال العقد الماضي، حيث أزهقت بسببها عشرات الأرواح في مدن مختلفة من إيران. وأدّت هذه الأزمة أيضاً إلى زيادة حالات الهجرة؛ حيث هاجر سُكان العديد من القرى، والمدن الصُغرى إلى المدن الكبرى؛ مما زاد من وتيرة الهجرة الخارجية من البلاد. وتؤكد المعطيات الرسمية أن أزمة المياه المستفحلة في إيران ناجمة جزئيّاً عن طرق استهلاك المياه، والتقنيات المتهالكة التي تستخدمها البلاد في نقل المياه؛ إذ لم تشهد هذه التقنيات تطويراً يُذكرُ على مدى العقود الأربعة الماضية، وهي تتسبّبُ في هدر كميّات ضخمة من المياه. وتُقدَّرُ كميّات المياه المهدورة في إيران نتيجة ضعف الشبكات والاستهلاك غير الفعَّال للمياه، بنحو 20 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويّاً، بحسب أرقام رسمية، وهي كميّة كافية لسدّ احتياجات نحو 275 مليون نسمة من مياه الشرب لمدّة سنة كاملة. وتُظهِر البيانات والتصريحات الرسمية وعياً رسمياً في إيران بضرورة الاستثمار في تحديث أنظمة الري وشبكات نقل المياه. ووفقاً لتصريح نائب وزير الطاقة، تخطط الحكومة لاستثمار نحو 12 مليار دولار في تحديث البنية التحتية والأنظمة في قطاع المياه. وبحسب دراسات صادرة عن مراكز أبحاث رسمية في إيران، فإن حاجة البلاد إلى استثمارات في قطاع المياه تبلغ نحو 20 مليار دولار في العقدين المقبلين، ومن أجل تحقيق هذه الاستثمارات، تخطط الحكومة للحصول على نحو 40% من المبلغ من مصادر خارجية.
3. القطاع الزراعي: عانى هذا القطاع من خسائر كبيرة بسبب أزمة المياه؛ حيث انخفض الإنتاج الزراعي بشكل كبير، وتراجعت حصته من مجمل الاقتصاد المحلي. إذ انخفضت حصة الزراعة من الاقتصاد المحلي من 22% في عام 2000 إلى نحو 13% في عام 2025؛ مما يعكس الأثر السلبي الكبير لأزمة المياه في الاقتصاد الزراعي والاقتصاد العام للبلاد. وترتبط أزمة المياه بتحديات مهمة في الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، وتُعَد من التحديات المهمة التي نشأت عن أزمة المناخ. وتظهر المعطيات في هذا الصدد أن مزيجاً من الأسباب أدى خلال العقد الماضي إلى تقلُّص حجم القطاع الزراعي بنحو 25% خلال أقل من 6 أعوام، وأدى أيضاً إلى فقدان نحو 1.2 مليون فرصة عمل. وهذا التقلص في الإنتاج الزراعي أثَّرَ كثيراً في الأمن الغذائي لإيران؛ حيث أدى إلى زيادة الاعتماد على واردات الحبوب. وبسبب نقص المياه، وتأثيراتها السلبية على الزراعة، اضطرت إيران إلى استيراد نحو 38% من حاجتها الإجمالية للحبوب في عام 2018. وتحتاج إيران إلى حوالي 120 مليار دولار من الاستثمارات لتنمية القطاع الزراعي، بما في ذلك 24 مليار دولار للاستثمارات العاجلة في تحديث أنظمة الري، وزيادة الإنتاجية في الأراضي الزراعية. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في إيران حوالي 14 مليون هكتار، منها 6 ملايين هكتار مروية، و8 ملايين هكتار للزراعة الجافة. ويُعَدُّ الاستثمار في هذا المجال فرصة واعدة للمستثمرين، ليس فقط من حيث الأرباح الاقتصادية، وإنما أيضاً من حيث دورها في تحقيق الأمن الغذائي من خلال الزراعة العابرة للحدود (Overseas agriculture).
ويُعَدُّ الاستثمار في هذه المجالات فرصة واعدة للمستثمرين، ليس فقط من حيث الأرباح الاقتصادية، وإنما أيضاً من حيث دورها في تحقيق الأمن الغذائي والمائي والطاقوي. وعلى الرغم من هذه الحوافز، إلا أن هذه المجالات لم تحصل بعد على استثمارات دولية لافتة. ويُعَزَى ذلك جزئيّاً إلى وجود عدة عقبات، منها: العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، وتقلُّبات سعر العملة الإيرانية؛ وخصوصية الاقتصاد الإيراني، وبيئته القانونيّة المعقّدة، ومشكلاته الهيكليّة.
رابط المصدر: