إعداد : هند ناصر خلفان السويدي ، باحثة في الشؤون السياسية والأمن والإهاب
تصاعدت التهديدات المتبادلة مابين إسرائيل وإيران، بالتوازي مع مفاوضات فيينا المارثونية، والتي لم تصل لحد الأن الى نهاية ترضي الطرفين. وانتقلت التهديدات الى حد أعتراض السفن البحرية وأخرى إلى ضرب السفن في البحر الأحمر ومياه الخليج العربي. رغم ان مايحصل مابين إسرائيل وإيران هي “حرب محدودة” يعرف كلا الطرفين حدودها ومخاطرها، لكن ضمن مفاهيم المن والدفاع، غير مستبعد أن تنزلق إلى حرب مباشرة بين الطرفين.
وهذا يعني إن توتر العلاقة مابين إسرائيل وإيران، يضع أمن المنطقة على حافة “الأنزلاق” وعدم الستقرار في ظل أزمة اقتصادية دولية وحروب ونزاعات دولية تضرب بتداعياتها أمن المنطقة. فما دلالات هذا التصعيد، وسيناريوهات الحرب بين الطرفين؟ وتأثيراتها على الدول العربية والعالم بصفة عامة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي بخاصة.
الملف النووي الإيراني J.C.P.O.A
قالت ممثلة مجاهدي خلق في واشنطن خلال شهر نوفمبر 2002 أن هناك أعمال مشبوهة في “ناتنز” الإيرانية وهو ما أثار ضجة كبيرة حينها فالغرب لا يريد أن يتكرر سيناريو “عبد القدير خان” من جديد.
وعقب هذا المؤتمر سارع مفتشي الأمم المتحدة من أجل تقصي حقيقة الأمر والسؤال الأهم المطلوب عليه إجابة من أين حصلت إيران على هذه التكنولوجية المتقدمة؟انتهت إيران والدول الست في 14 يوليو2015 التي تفاوضت معها بشأن برنامجها النووي منذ عام 2006 ، وهي (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا -المعروفة مجتمعة باسم مجموعة (1 + 5) خطة العمل الشاملة المشتركة والتي تهدف إلى ضمان إمكانية استخدام برنامج إيران النووي لأغراض سلمية بحتة، مقابل رفع واسع للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على إيران،وتعكس خطة العمل المشتركة الشاملة إلى حد كبير ما تم الاتفاق عليه فقد قال الرئيس الأمريكي أوباما إن الهدف من خطة العمل الشاملة المشتركة هو زيادة الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لسلاح نووي واحد إلى ما بين ستة أشهر وسنة واحدة، وكذلك تحسين قدرة المجتمع الدولي على اكتشاف مثل هذا السيناريو في إطار 2 أبريل 2015 للاتفاق.
يحل هذا الاتفاق محل الاتفاق النووي المؤقت لخطة العمل المشتركة الساري منذ يناير2014 ، وأشار المسؤولون الأمريكيون والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران التزمت تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة. يذكربإن الكونغرس لم يلغي الأتفاق النووي لعام 2015 والذي حدده قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية (17-114 PL) ووافق عليه المجلس التشريعي الإيراني.
إسرائيل لا تعتقد أن الاتفاق النووي يستحق الإحياء بشكله الحالي . يقول الدكتور مايكل ستيفنز ، محلل شؤون الشرق الأوسط في معهد لندن للخدمات الفكرية الملكية (RUSI) ، إن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة هي محاولة متعمدة لتخريب المفاوضات النووية. ” الإسرائيليون يحاولون من جانب واحد إخراج البرنامج النووي الإيراني عن مساره. يمكن لهذه الجهود الإسرائيلية أن تقوض الموقف التفاوضي الأمريكي وهي تسعى إلى الدخول مرة أخرى الاتفاق النووي مع إيران “لكن ، قد يتطلع الإيرانيون إلى المواجهة ، من خلال هجمات غير متكافئة ضد المصالح الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم. لقد أثبتت إسرائيل أنها قادرة على تعطيل البرنامج الإيراني ، ولكن بأي ثمن؟”
التهديدات الإيرانية بإمتلاك سلاح نووي
أصدر الرئيس الأمريكي بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائيرلابيد إعلاناً مشتركاً في 14يوليو 2022، تعهد فيه باستخدام “جميع عناصر” القوة الأمريكية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
وفقا لأحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اعتباًرا من مايو، 2022 احتفظت إيران بـ 30 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي 1-IRفي ناتنز (حوالي 5000آلة). المسموح بها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، لكن إيران أعادت أيضا تنشيط 6 مجموعات من أجهزة الطرد المركزي، وتقوم بالتخصيب (6) مجموعات متتالية ، وسلسلة واحدة من أجهزة الطرد المركزي 164 6-IRآلة، مع خطط لتركيبته مجموعات من أجهزة الطرد المركزي 1 IR ، وستة من أجهزة الطرد المركزي 2 m-IR ، وستة من أجهزة الطرد المركزي من طراز 4-IR، وسلسلة واحدة من طراز 13 -6 IR ، نظرا لأن النماذج المتقدمة متعددة أقوى عدة مرات من آلات 1-IRالأصلية، ستكون سعة التخصيب الإجمالية أكبر في الواقع حتى مع عدد أقل من أجهزة الطرد المركزي.
تسعى الولايات المتحدة إلى محاولة العودة للعمل وفقاً للخطة الشاملة والتي كانت قد أُعدت في العام 2015 من أجل الحد من طموحات إيران النووية.
التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي والدولي
مازالت إيران لها القدرة على تهديد الأمن الأقليمي والدولي، وزادت أكثر بعد توقيع إتفاقية “السلام الإبراهيمي” في 15 سبتمبر 2020، إيران تشعر بإن إسرائيل أصبحت قريبة من حدودها، رغم تأكيدات دولة الإمارات العربية، بان أراضي دولة الإمارات لايمكن ان تكون نقطة انطلاق لأي تهديدات لدول الجوار. أدت ماتسمى ب “ثورات الربيع العربي” إلى تغيير ميزان القوة في المنطقة لصالح إيران، مما زاد من دور إيران الإقليمي وقوتها التفاوضية في شؤون المنطقة. وهنا يجدر الإشارة إلى دور دولة الإمارات العربية بتهدئة التوترات في المنطقة، انطلاقاً من سياساتها المعروفة بتعزيز الأمن والأستقرار اقليميا ودوليا، وكانت هناك زيارة إلى أحد كبار المسؤولين في دولة الإمارت إلى طهران، لتأكيد سياسات حسن الجوار وتعزيز الأمن في المنطقة.
لدى طهران ترسانة الصاروخية وقوة تدميرية هائلة وبعيدة المدى، منها “شهاب 3″ وهو صاروخ قادر علي الوصول إلى مدى 900 كيلو متر حمولتها 750 كجم. وتعد عائلة صواريخ سجيل من النماذج الصاروخية الإيرانية المطورة ذات مدي 2000 كيلو متر بحمولة تصل إلى 750 كجم من المتفجرات.
كشفت صورة منشورة للجنرال الإيراني “حسن طهراني مقدم ” الضابط الأبرز التابع لقوة الفضاء في الحرس الثوري الإيراني والذي لقى مصرعه في قاعدة الغدير في بيدنكت الإيرانية وبجانبه صندوق كتب عليه ” بوشهر ” ، أن الجنرال قد أسس قبل إغتياله قاعدة “بوشهر” للتجارب الصاروخية. وبعد إنتشار هذه الصور الجديدة وميول الإتحاد الأوروبي إلى فتح صفحة جديدة مع الإيرانيين ومع ضغط الولايات المتحدة نجحت إيران بتطويرقدراتها الصاروخية أكثر على إصابة أهداف اقليمية.وترفض طهران رفضاُ قاطعاَ وضع برنامجها الصاروخي على طاولة مفاوضات وفي نفس الوقت تحاول طهران الوصول إلى التقنيات الصاروخية العابرة للقارات على غرار النموذج الكوري الشمالي، وبالتالي فمن الصعب احتواء إيران.
الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية
تعتبر الحروب بالوكالة من أهم مكونات الحرب في العصر الحديث، وما يمكن رؤيته في القرن الحالي هو الأهمية المتزايدة لهذه الإستراتيجية، لأنها تساعد الحكومات على تحقيق أهدافها من خلال إنفاق أقل، هناك آراء متباينة بين المراقبين الدوليين حول طبيعة وموقف هذا المكون، يعتقد البعض أن الحروب بالوكالة يمكن أن تكون نظرية أو عقيدة، بينما يرى آخرون أنها استراتيجية سياسية عسكرية تناسب الاستراتيجيات الواقعية بقوة.
ويمكن وصف إيران بإنهاأكبر المستفيدين من الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية إبان ما يسمي “بالربيع العربي”، يتضح ذلك من خلال ما عرف إصطلاحاً بالهلال الشيعي الممتد من إيران ثم العراق إلى اليمن ومن إيران إلى لبنان مروراً بسوريا واخرها الدعم الإيراني لحركة الجهاد الإسلامية (حماس). وتمثل الميليشيات المسلحة الدعامة الرئيسية لفرض سيطرة غيران على العراق وسوريا ولبنان واليمن.
شهد النفوذ الإيراني توسعاً في المنطقة العربية وتزايد بصعود ميليشيا الحوثيين وسيطرتها على مقاليد الأمور في اليمن خلال العروض العسكرية التي أقامتها مؤخراً بدعم الحرس الثوري الإيراني.ولم يتردد حزب الله لبنان بالإعلان عن ولائه إى ولاية الفقيه، وكان احد العوامل بتطوير منظومته الصاروخية القائد بالحرس الثوري الإيراني ” حسن طهراني مقدم “.
تمركزت القوات الإيرانية وتلك المدعومة من إيران في عدة مناطق، في النصف الجنوبي من “دير الزور”، وأنشأت إيران جماعات شبه عسكرية جديدة، مثل ما يُسمى بـ” جيش القرى”، الذي يتكون من أكثر (2500) مقاتل من القرى الموجودة في المنطقة. كذلك أنشأت إيران قاعدتين عسكريتين في الضواحي الغربية لمدينة الميادين وفي البوكمال وفقا في 31 مارس 2020.
إعتراض السفن : تعترض إيران مسار العديد من السفن سواء كان ذلك بالقرب من مضيق هرمز أو محاولة التضييق على السفن في البحر الأحمر وفي الغالب تكون هذه الزوارق السريعة تابعة للحرس الثوري الإيراني. أعلن التلفزيون الرسمي في 7 أكتوبر 2021 عن إعتراض الزوارق الحربية التابعة للحرس الثوري الإيراني لسفينة أمريكية في مياه الخليج العربي.
الهجمات السيبرانية الإيرانية : تشتهر إيران بقيامها أعمال قرصنة إلكترونية منافية للمعايير والقيم الدولية، ولكن لم يكن هناك دليل ثابت حتى أعلنت ألبانيا في سبتمبر 2022 أنها قامت بطرد دبلوماسيين إيرانيين من على أراضيها على إثر الهجمات السيبرانية التي شنتها المجموعات الإيرانية على مخدم الحكومة adminata.al، ثم تبعته بالهجوم الثاني وقع في يوليو 2022 واستهدف بوابة الحكومة الإلكترونية e-Albania.al.وقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية للتأكد من البيانات التي استطاعت إيران الحصول عليها جراء هذه الهجمات وبالطبع أدانة الحادثة بشكل كامل.
سرقة التكنولوجيا المتقدمة : يُفرض على إيران حصار من كافة النواحي مما يثير الشك حول كيفية مواكبتها التطور العالمي ولا سيما في مجال التسليح، ويعزى بعض المحللين ذلك إلى عدم قدرة الأمم المتحدة على فرض هيمنتها على السوق السوداء لبعض المواد. يرجح السبب في استمرار إيران في مسألة تطوير جناحها العسكري إلى قدرتها على الاختراق وسرقة التكنولوجيا ولا سيما العسكرية منها.
إحتمالية التصعيد العسكري
قد يكون هناك احتمالية لنشوب صراع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل، وقيام إسرائيل بشن غارات جوية على المفاعلات النووية الإيرانية مثل التي شنتها على مفاعل تموز في العراق، ولكن الواقع يتسم بالضبابية وعدم وضوح الرؤية فعملية مثل هذه تعني حرفياً إشتعال المنطقة بأسرها وقد تؤدي إلى إشتعال العالم، فتوجيه ضربة مباشرة للمفاعلات النووية الإيرانية إذا على العالم ان يكون مستعداً لتبعات غلق مضيق هرمز شريان الحياة للعالم وبالتبعية إغلاق مضيق باب المندب. هناك ضبابية كبيرة حول تمركز بطاريات الصواريخ الإيرانية وبالتالي ووفقاً لأبسط قواعد العسكرية” إذا كنت لا تعرف مدى الرد فلا تبدأ “.
وإجمالاً؛ فإن محاولة أحد الطرفين الهجوم على الآخر ستكون مغامرة كارثية بكافة المقاييس الأمنية العالمية. وبالتالي يُستبعد أن تكون هناك مواجهة مباشرة بين الطرفين في أسوأ الأحوال ستكون إما حرب بالوكالة أو إستمرار الحرب الإستخباراتية من اجل تعطيل أحدهما للأخر، فتوسع النفوذ الإيراني ولا سيما فيما يعرف بالهلال الشيعي الأمر الذي يتضح من خلال إتساع رقعة المواجهة مع إيران.
التقييم
مازالت دول أوروبا والولايات المتحدة، تراهن على منع حصول إيران على السلاح النووي وذلك بالوصول إلى اتفاق جديد يتضمن تهديدات إيران النووية أو اسلحة باليستية وكذلك من خلال أنشطة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، لكن إيران مازالت تصر على العودة إللا صيغة اتفاق العمل المشترك خمسة زائد واحد لعام 2015.
الملف الإيراني النووي، خضع إلى الكثير من التجاذبات لأغراض انتخابية تخدم الأدارات الأمريكية ومرة تخدم الأنتخابات الإيرانية، ناهيك عن رهان دول أوروبا للحصول على أكبر حجم من الإستثمارات الأقتصادية ومصادر الطاقة.
أما مصالح إسرائيل فهي تتعارض مع المصالح الأمريكية كثيرا، وغير مستبعد إنها كانت وراء رفض أمريكا للمقترحات الإيرانية الأخيرة في مفاوضات فيينا. وبدون شك إن رؤية إسرائيل للإمن الأقليمي وأمنها تختلف عن الرؤية الأمريكية، وهذا مايعتبر تحدي إلى واشنطن، التي كثيرا ما لعبت دور “ضبط” نوايا إسرائيل بتوجيه أي ضربة عسكرية لأيران.
إن امتلاك غيران للسلاح النووي ممكن ان يكون مصدر تهديد للإمن الدولي والأقليمي، بسبب طموحات النظام السياسي في طهران، إلى تصدير أيدلوجيته لدول المنطقة.
يبقى خيار الوصول إلى اتفاق مع إيران حول الملف النووي هو الأفضل، كون هذا ممكن أن يجنب دول المنطقة مخاطر التوتر وعدم الأستقرار، ولكن بالتوازي مع ذلك، ربما يكون هناك أتفاق اقليمي أو ربما اتفاقات ثنائية مع إيران بأشراف أممي، يكفل الأمن والأستقرار لدول المنطقة.
ويبدو إن التجاذبات مابين إيران وإسرائيل سوف تبقى في أطار التصعيد السياسي والعمليات العسكرية المحدودة مثل أعتراض السفن في البحر الأحمر وربما في مياه الخليج العربي، والقرصنة والهجمات السيبرانية، مع استبعاد توجيه ضربات مباشرة.
هوامش:
- Realism on the Iranian-Israeli Nuclear Rivalry
https://eudl.eu/doi/10.4108/eai.31-3-2022.2320957 - Iran, the Middle East, and International Security
https://dergipark.org.tr/en/pub/ortetut/issue/22568/241106 - أثر التنافس الإسرائيلي على إتفاق إسرائيل النووي.
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/76/9/1/186151 - Israeli-Iranian relations: past friendship, current hostility
https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/13537121.2022.2041304 - Israeli National Security Concerns About Iran
https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-95602-8_2 - Iran–Israel’s Incendiary Relations
https://www.thecitizen.in/world/iranisraels-incendiary-relations-285043
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: