حسن فحص
القارة العجوز وجدت نفسها خارج المعادلة التي يجري تركيبها بين واشنطن وطهران
أي اتفاق بين طهران وواشنطن سيضع الجهود الفرنسية في مهب الفشل بانتظار أن يتوافق الطرفان على آلية الحل لهذه الأزمة
في وقت تؤكد الحكومة الإيرانية أن التمسك بالمفاوضات مع الولايات المتحدة من جهة، و”الترويكا” الأوروبية من جهة أخرى، يندرج تحت الشعار الذي التزمت به بإلغاء العقوبات والدفاع عن الحقوق النووية بناء على القانون الذي أقره البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 2020، فضلاً عما تؤكده باستمرار بأنها لن تغادر طاولة التفاوض ولن تتخلى عن التزامها الاتفاق النووي، يبدو أن الأمور لن تسير بما تشتهي سفن النظام وطهران، خصوصاً بعد عودة عواصم “الترويكا” الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) الشريكة في السداسية الدولية التي أنتجت اتفاق 2015 للغة التشدد والتصعيد من خلال التلويح بالمطالبة بتمديد المدة الزمنية التي تفرض على إيران عدم تطوير برنامجها الباليستي والتي تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل وانتهاء الأعوام الثمانية التي حددها الاتفاق.
المسعى الأوروبي لعدم التزام ما جاء في اتفاق 2015 قد يعني أن هذه العواصم على استعداد لاعتماد مسار تصعيدي مع طهران وإمكان أن يتحول هذا الأمر في حال تمسكت به، ورفضت طهران الالتزام أو القبول بالتمديد، إلى الانتقال لمرحلة متقدمة من التصعيد من خلال العودة لما سبق أن بدأته هذه العواصم بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي بطلب تفعيل “آلية الزناد” التي تسمح بإعادة تفعيل العقوبات الدولية ضد إيران من دون أن يكون لأي من أعضاء مجلس الأمن ومن بينهم روسيا والصين حق الاعتراض أو “الفيتو” عليه.
اختيار “الترويكا” الأوروبية لمسألة البرنامج الصاروخي والمدة الزمنية لإعفاء إيران من العقوبات والرقابة، يمكن اعتباره إعادة إنتاج لموقفها السابق الذي لوحت به عام 2022 بعد اتهام طهران بتقديم الدعم لروسيا في حربها على أوكرانيا وإرسال طائرات مسيّرة “شاهد 136” التي لعبت دوراً مؤثراً في تغيير المعادلات الميدانية لمصلحة موسكو.
المدخل الأوروبي استفاد حينها من تراجع المسار التفاوضي بين طهران والإدارة الأميركية نتيجة عاملين أساسيين، الأول انتظار واشنطن لما ستؤول إليه الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) 2022 بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، والثاني الدعم الإيراني للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الذي اعتبر انتهاكاً للاتفاق النووي في مجال بيع وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
وعلى رغم عدم عضوية واشنطن في الاتفاق نتيجة قرار الرئيس السابق دونالد ترمب الانسحاب منه عام 2018، فإن تمسك “الترويكا” الأوروبية بالاتفاق لا يقل عما هو عليه لدى الجانب الإيراني، إلا أن الخيار الأوروبي حينها بالذهاب مباشرة إلى مجلس الأمن جاء من خارج اتفاق فيينا الذي ينص على مناقشة الإشكاليات في لجنة المتابعة للدول الموقعة، على أن تكون العودة لمجلس الأمن الخيار الأخير في حال فشلت طهران بتقديم المسوغات الجدية لأي اتهام بانتهاك الاتفاق ومواده.
الدور الذي لعبته العاصمة الإماراتية أبو ظبي في الأقل باستضافة اللقاء الذي جمع مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين علي باقري كني بنظرائه في وزارات خارجية دول “الترويكا” في الـ26 من يونيو (حزيران) الماضي، وسبقه لقاء بين باقري كني ومساعد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا بالعاصمة القطرية الدوحة في الـ21 من يونيو، ساعدا في فتح نافذة إيجابية لإعادة ترميم العلاقة بين طهران وهذه العواصم ومهدا الطريق أمام مسار إيجابي وبناء في ما يتعلق بموضوع التوصل إلى حلول لإنهاء العقوبات الاقتصادية على إيران.
الإيجابية الأوروبية باتجاه طهران جاءت متزامنة مع تزايد الحديث عن اقتراب الإدارة الأميركية والنظام الإيراني من التفاهم على صيغة يمكن وصفها بـ”الهلامية” حول نقاط محددة تشكل محل اهتمام لدى الطرفين. من الناحية الأميركية تتمحور حول التوصل إلى اتفاق على إطلاق سراح المعتقلين الأميركيين في السجون الإيرانية وقبول طهران بتجميد أنشطة تخصيب اليورانيوم عند مستوى 60 في المئة، في المقابل تحصل إيران على جزء من الأرصدة المجمدة في الخارج، خصوصاً في العراق وكوريا الجنوبية ويسمح لها برفع كمية النفط المصدر والحصول على عائداتها المالية ضمن آلية تشبه آلية النفط مقابل الغذاء والدواء.
إلا أن العودة للتصعيد والتلويح بالمطالبة بتمديد المدة الزمنية المتعلقة بالأسلحة الباليستية وما يتضمنه من إمكان اللجوء إلى تفعيل “آلية الزناد” بذريعة الخوف من لجوء إيران إلى الاستفادة من هذا الإعفاء والعمل على تزويد روسيا بالصواريخ لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، قد يكون مرده وبحسب اعتقاد بعض الدوائر المقربة من القرار الإيراني، أن الجانب الأوروبي وجد نفسه خارج المعادلة التي يجري تركيبها بين واشنطن وطهران وأن واشنطن التي تسعى إلى الحصول على نقاط تعالج مكامن القلق والهواجس لديها سواء بالنسبة إلى المعتقلين أو أنشطة تخصيب اليورانيوم، فإن هذه التركيبة لا تأخذ المصالح الأوروبية، تحديداً الفرنسية، في الاعتبار، مما يعني أن هذا الاتفاق سيكون على حساب مصالحها الاقتصادية والسياسية، بخاصة أن باريس داخلة في شكل واضح بالأزمة اللبنانية وتسعى إلى أن تكون اللاعب أو العامل المساعد في التوصل إلى حلول لها وما يتعلق بالفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وأن أي اتفاق بين طهران وواشنطن سيضع الجهود الفرنسية في مهب الفشل بانتظار أن يتوافق الطرفان على آلية الحل لهذه الأزمة، فضلاً عن أن المصالح الفرنسية في إيران والعراق ولبنان والعقود الاستثمارية فيها ستكون في حال من الضبابية. بالتالي، فإن بازار المصالح والضغوط ربما يفتح بينها وبين النظام الإيراني مقابل القبول بتمرير أي تغيير في معادلة العقوبات.
.
رابط المصدر: