حسن فحص
هل تصل الأمور بالجماعات المتمسكة والمؤيدة للاتفاق النووي، والحفاظ عليه، والاستمرار في تطبيقه، في إيران، إلى الاعتذار من الجماعات التي عارضت واعتبرت الاتفاق وثيقة استسلام أمام الضغوط الأميركية والأوروبية؟
هل سيأتي يوم يتقدم فيه المدافعون عن الاتفاق بالاعتذار، والاعتراف بأن الطريق الذي سلكوه بإبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع أوروبا بهدف التصدي للهجمة التي قام بها الرئيس الأميركي المنتيهة ولايته دونالد ترمب عليها وعلى الاتفاق النووي؟ وأن يكون خيار البقاء في الاتفاق وعدم الانسحاب منه خطأ استراتيجياً ارتكبته إدارة الرئيس حسن روحاني وفريقه المفاوض، وعلى رأسه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في إطار عدم إعطاء ذريعة لإدارة ترمب لتشكيل إجماع دولي لمحاصرة طهران وفرض العقوبات عليها؟ وهل سيعترف روحاني وفريقه بالخطأ الذي ارتكبوه عندما وضعوا ثقتهم بالترويكا الفرنسية والألمانية والبريطانية الشريك الأوروبي في الاتفاق، وأن هذه الخطوة لم تكن في مكانها الصحيح وعليهم العودة الى موقف المرشد الأعلى الذي شدد على وجوب عدم ثقة المفاوض الإيراني بأي جهة غربية لأنها لا تعمل سوى مصالحها؟
الاتهام الأوروبي
فرض هذه الأسئلة على المشهد، البيان الصادر عن الترويكا الأوروبية حول النشاطات النووية الإيرانية، ومدى التزام طهران بما جاء في الاتفاق خلال السنتين الماضيتن، اتهمتها فيه بالقيام بخروقات كبيرة للتعهدات النووية التي التزمت بها أمام مجموعة دول 5+1 الراعية للاتفاق وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يشكل المظلة الدولية له.
في الوقت الذي يسعى روحاني وحكومته لاستغلال فرصة التغيير في البيت الأبيض لتحقيق انفراجة في الأوضاع الاقتصادية والتخفيف من العقوبات التي أرهقت الدولة والشعب قبل انتهاء مدته الرئاسية، بما يساعد في ترميم صورته وإدارته، ويحقق بعضاً من الإنصاف الشعبي والتاريخي، جاء البيان الأوروبي الذي وزعه مندوبو الترويكا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، متهماً إيران بخرق التزاماتها وتعهداتها بعد تنفيذ قرارها بضخ غاز هيغزافلوريد اليورانيوم في أجهزة طرد مركزية متطورة من نوع IR-2m في منشأة نطنز، ليزيد من الجراح السياسية ويعطي المعارضين لروحاني والاتفاق النووي، ورقة تؤكد فشل خياراته الاستراتيجية والسياسية في التمسك بالاتفاق والمراهنة على دور إيجابي لهؤلاء الشركاء وتصديق وعودهم التي بقيت حبراً على ورقة مدى سنتين من تاريخ القرار الذي اتخذه ترمب في مايو (أيار) 2018 بالانسحاب والعودة إلى فرض عقوبات مباشرة عليها وعلى الدول والشركات غير الأميركية التي تتعامل معها في المجالات والقطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والمالية والنفطية.
يأتي البيان الأوروبي ليضع بعض المواقف الإيرانية أمام حقيقة تبادل الأدوار بين الترويكا الراعية للاتفاق وبين الولايات المتحدة الأميركية، واتهام الحكومة بالتقصير في فهم الموقف الأوروبي الذي كان الشرطي الجيد في مرحلة التصعيد الأميركي، وأن الموقف الجديد يشكل عودة للدور السابق الذي لعبته هذه الدول خلال عملية التفاوض الطويلة التي استغرقت ثلاث سنوات من 2013 إلى 2015، عندما كانت تشكل رأس حربة في عرقلة أي تقدم، وتولت مهمة الدفاع عن المطالب والشروط الإسرائيلية، بخاصة ما يتعلق بمسألة فتح الحوارات والتفاوضات لتشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي لطهران في منطقة الشرق الأوسط، وما يشكله من تهديد لأمن تل أبيب واستقرار دول الجوار العربي بخاصة دول الخليج.
العودة إلى قواعد الاشتباك
توقيت العودة الأوروبية لممارسة الضغط على إيران من باب اتهامها بخرق الاتفاق النووي في خطوتها الأخيرة، اعتبرته بعض دوائر القرار المقربة من المرشد الأعلى نتيجة التغيير الحاصل في أميركا ووصول جو بايدن الديمقراطي إلى البيت الأبيض، وهي خطوة تعزز فرضية قيام الرئيس الأميركي الجديد بخطوة إيجابية نحو طهران، بإعلان العودة إلى الاتفاق، ما يستدعي من هذه الدول العودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت قائمة في رئاسة باراك أوباما ومرحلة التفاوض، والتي اختلت مع وجود ترمب، أي العودة إلى لعب دور الطرف المتشدد الذي يعتمد الموقف التصعيدي في مواجهة الطموحات والمطالب الإيرانية، بالتالي ضرورة خلق توازن بين الإيجابية الأميركية والتشدد الأوروبي لضرورات الحصول من إيران على تنازلات جديدة.
إدارة روحاني
المستجد الأوروبي من طهران على خلفية اتهامها بخرق الاتفاق، يعتبر مختلفاً عن المواقف التي صدرت عنها في السنوات الثلاث الماضية حين كان التصعيد يأتي من واشنطن، ما شكل ما يشبه الصدمة لدى إدارة روحاني، فسارعت الخارجية، وهي الجهة المعنية أكثر من غيرها بتطور الموقف الأوروبي على خلفية مراهنة الوزير ظريف على لعبة التوازن في المواقف للحد من تأثيرات السلبية الأميركية، لمطالبة الجانب الأوروبي بالعودة للالتزام بتعهداته في الاتفاق خصوصاً في الجانب الاقتصادي، في حين أكد ظريف أن الخطوات الإيرانية في ما يتعلق بخفض التزاماتها يمكن العودة عنها بشكل سريع، وبقرار من الحكومة، في حال عادت واشنطن الى الاتفاق والتزمت الأطراف الأخرى بتعهداتها.
لعل ما يقلق النظام الإيراني من بيان الترويكا الأوروبية، ويشكل إرباكاً لكل الرهانات التي عقدها على خروج ترمب وعودة الديمقراطيين، هو الضغط باتجاه العودة إلى الدائرة الأولى من التفاوض لفرض اتفاق جديد يقوم على طرح ملفات لا علاقة لها بالبرنامج النووي، تعتبرها طهران أنها أصبحت وراءها، الأمر الذي دفع وزير الخارجية لاعتبار أي بحث في البرنامج الصاروخي أو النفوذ الإقليمي غير مسوّغ، خصوصاً أن هذه الأمور استنزفت الكثير من الوقت في مفاوضات الاتفاق النووي بين عامي 2013 و2015، الأمر الذي دفع روحاني إلى رفع صوته داخل الحكومة دفاعاً عن الدور الإيراني الإقليمي في مختلف الساحات.
رابط المصدر: