نشر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في 18 نوفمبر 2022 مقالاً لإيرين ميا، كبير الباحثين بالمعهد، المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، والصراع، والأمن، والتنمية؛ ومحررة “مسح النزاعات المسلحة 2022″، الذي صدر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية مؤخراً. جاء المقال تحت عنوان: “مسح النزاعات المسلحة في العالم 2022 – تقدمة المحرر”، حيث يستعرض مسح النزاعات المسلحة في العالم لعام 2022 والذي يغطي الدوافع والتطورات والاتجاهات لثلاثة وثلاثين صراعاً نشطاً في الأمريكتين، وأوروبا، وأوراسيا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأفريقيا السوداء (أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى)، وآسيا.
في فبراير 2022، وبينما كان العالم لا يزال يترنح تحت وطأة الإرث الكارثي الذي خلّفته جائحة كوفيد-19، تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في أكبر نزاع مسلح بين الدول منذ الحرب العالمية الثانية، مما أصاب الاقتصاد العالمي بصدمة كبيرة أخرى من خلال تعطيله لسلاسل إمداد السلع الزراعية والطاقة 1. وقد فاقمت تلك الحرب الفقر وعدم المساواة وانعدام الأمن الغذائي من خلال إضافة مزيد من الضغوط التضخمية التي كانت موجودة مسبقاً (من حيث تأثيرها على الحبوب الأساسية، والأسمدة، وأسعار الطاقة) – حيث كان انعدام الأمن الغذائي قد وصل بالفعل إلى مستويات قياسية في أعقاب الوباء 2. وبالتأكيد، ستؤدي هذه الاتجاهات إلى تفاقم الأسباب الجذرية للصراع وعدم الاستقرار في البلدان الهشة – لا سيما في الدول التي تعتمد على واردات الغذاء والطاقة من الخارج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة واحتياجات إعادة الإعمار التي أوجدتها الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى الحد من المساعدات الإنسانية الدولية وتمويل التنمية، المتاح للعديد من النزاعات والأزمات في أجزاء أخرى من العالم.
(انتشار انعدام الأمن الغذائي -المعتدل أو المرتفع- كنسبة مئوية من إجمالي عدد السكان، حسب كل منطقة، 2014-2021)
إن تفاقم انعدام الأمن الغذائي هو أحد المظاهر المرئية لكيفية تقاطع الصدمات العالمية لجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا مع الطوارئ الممتدة والمتسارعة لتغيرات المناخ. ويبدو أن كلاً من “تغير المناخ” و “النزاع” مرتبطان معاً بشكل متزايد في إطار حلقة مفرغة، حيث يساهم تغير المناخ بشكل غير مباشر في ديناميات الصراع (عن طريق مفاقمة دوافعها وتضخيم أو خلْق التوترات والمظالم) ويحد النزاع من قدرة الدول على التخفيف من تأثير تغير المناخ من خلال استراتيجيات التكيف.
الجغرافيا السياسية في الصدارة
يقوم مسح النزاعات المسلحة برصد مشهد الصراع العالمي ومحاولة فهمه منذ بداية السلسلة، في عام 2015، حيث يوثّق التعقيد المتزايد لدوافع النزاع والجهات الفاعلة والديناميكيات، فضلاً عن التحدي المتمثل في “حالة الاستعصاء” والموجود بوضوح في معظم النزاعات الجارية.
ويُعدّ التدويل المتزايد للنزاعات المسلحة هو أحد مصادر التعقيد المهمة التي أبرزها مسح النزاعات المسلحة منذ بدايته. ففي حين أن معظم الحروب المعاصرة هي حروب داخلية في جوهرها، فإن عدداً ونطاقاً متزايداً من القوى الإقليمية والعالمية غالباً ما تتدخل في تلك النزاعات – وبأشكال علنية إلى حد ما – سعياً وراء مصالحها الاستراتيجية، مما يزيد من تعقيد الديناميات الداخلية التي غالباً ما يكون لها سمات عابرة للحدود الوطنية (على سبيل المثال، الإسلاموية الجهادية)، ودوافع متعددة ومعقدة 3.
وفي حين عادت المنافسة الجيوسياسية لتتصدر مشهد الصراع المسلح العالمي في السنوات التي سبقت الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا، أدى هذا التطور الأخير إلى تصعيد هذا الاتجاه إلى مستويات جديدة، مع تداعيات عميقة على المنافسة الدائرة بين القوى العظمى، والتحالفات الجيوسياسية و استدامة النظام الدولي القائم على القواعد. والجدير بالذكر هنا أن الحرب تبدو وكأنها قد شكلت نقطة انعطاف في الاتجاه الذي برز مؤخراً والمتمثل في حالة الإرهاق التي ألمّت بتدخلات الدول الغربية وانعدام الوضوح الاستراتيجي بشأن التدخل وإعادة الإعمار والسياسة الخارجية – وهو الاتجاه الذي وفر فرصاً للقوى الوسطى (بما في ذلك روسيا) للقيام بقدر أكبر من الأدوار في النزاعات وعمليات صنع السلام في الآونة الأخيرة. وكانت حالة الإرهاق التي بدت في التدخل الغربي واضحة خلال الفترة المشمولة في تقرير مسح الصراع المسلح 2022، والتي بلغت ذروتها في الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان في يوليو وأغسطس 2021 بعد عقدين من التورط هناك. وقد عزّزت الحرب بين روسيا وأوكرانيا تماسك الغرب (يتضح ذلك في التنسيق في فرض العقوبات الاقتصادية الشاملة على روسيا) بعد التهديد الأمني الذي تعرضت له أوروبا، مما دفع الناتو والدول الأوروبية إلى إعادة تقييم أولوياتهم الاستراتيجية مع إطلاق عملية إعادة تسليح في العديد من الدول الأوروبية. ومن المرجح أن يكون للنهج الجديد – المرتبط بالأمن القاري والعالمي، وقضايا أخرى – الذي تبناه الفاعلون الغربيون تداعيات واسعة النطاق على العديد من الحروب الأهلية الجارية.
لقد أصبحت استراتيجيات التحول العالمي في مصادر الطاقة والتخفيف من آثار تغير المناخ نواة للمنافسة الجيوسياسية – وهو اتجاه من المؤكد أن تزداد أهميته في العقود القادمة. ومن المرجح أن تصبح الخلافات حول مسؤوليات التخفيف والتنافس على السيطرة على الموارد والتقنيات ذات الأهمية الخاصة بالتحول الأخضر مصادر مهمة للتوتر بين الدول بشكل متزايد، وأن تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الجيوسياسية الحالية. ويُذكر أن السيطرة على المعادن ذات التحول الأخضر قد تؤدي إلى زيادة تدخل طرف ثالث في الحروب الأهلية في البلدان الهشة الغنية بالموارد، وأن تصبح عاملاً رئيسياً في حسابات الجماعات المسلحة من غير الدول.
يهدف مسح النزاعات المسلحة 2022 إلى تزويد جمهورنا من الخبراء والممارسين وصانعي السياسات بتقييم استراتيجي لمشهد الصراع العالمي المعاصر، وإلقاء الضوء على دوافعه المحلية والإقليمية والعالمية، والمساعدة على إدراك التطورات الحالية وتوقع الاتجاهات المستقبلية (بما في ذلك المخاطر السياسية والنقاط الساخنة المحتملة للصراع). وفي محاولة لفك الارتباط المعقد بين الأبعاد المحلية والجيوسياسية للنزاعات الأكثر نشاطاً، فإن مسح النزاعات المسلحة يقوم برسم خرائط لأطراف النزاع وروابطها الإقليمية والعابرة للحدود الوطنية بالتفصيل، مع التركيز على الجماعات المسلحة من غير الدول التي تتكاثر باستمرار، بالإضافة إلى التدخلات المباشرة والحرب بالوكالة عن طرف ثالث والتأثيرات العالمية. ويوفر مؤشر البعد العالمي للنزاع المسلح في مسح النزاعات المسلحة 2022 آلية إضافية للتحليل الاستراتيجي وتحديد الأولويات. وتماشياً مع الطابع العالمي للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية وتركيز الأبحاث الإستراتيجية والجيوسياسية، فإنه يقيس الأهمية العالمية للنزاعات بناءً على تأثيرها وتداعياتها الجيوسياسية بالإضافة إلى شدتها وتأثيرها الإنساني. وتوفر فصول التحليل الإقليمي في المسح، والتي تغطي الاتجاهات ذات الأهمية الاستراتيجية، مزيداً من الأفكار بخصوص الديناميكيات الإقليمية المهمة. وتضمنت الاتجاهات ما بين خفض التصعيد في الشرق الأوسط والأبعاد الجيوسياسية للصراعات في أفريقيا السوداء، جنوب الصحراء الكبرى، إلى التداعيات الإقليمية للحرب الروسية الأوكرانية في أوراسيا، والجغرافيا السياسية للفنتانيل في الأمريكتين وطرائق تدخل الصين في صراعات آسيا. ويحتوي هذا الإصدار أيضاً على قسم التوقعات الإقليمية التي تحدد آفاق السلام والتصعيد والتداعيات الإقليمية المحتملة، بالإضافة إلى المخاطر السياسية الرئيسية ومجالات الهشاشة المحتملة التي يجب مراقبتها في العام المقبل.
المناخ والصراع
وكما هو الحال في الإصدارات السابقة، يتضمن مسح النزاعات المسلحة 2022 قسماً مخصصاً لبعض الاتجاهات العالمية المختارة، الحالية أو الناشئة، ذات الأهمية الخاصة لمشهد الصراع العالمي. ونظراً للحاجة الملحة المتصاعدة للحاجة لفهم الروابط المعقدة بين تغير المناخ والضعف المناخي والصراع وسط تسارع الاحتباس الحراري العالمي، ويتضمن هذا الإصدار ميزة خاصة بالأمن المناخي. ويتعمق هذا القسم في ثلاثة جوانب مهمة للعلاقة بين المناخ والصراع، والتي تم اختيارها لأهميتها الاستراتيجية في تشكيل مشهد الصراع في المستقبل.
ويبحث مقال بعنوان “آثار الحرب في مناخ متغير: مواءمة الحلول للأمن المناخي وبناء السلام” في العلاقات المتبادلة بين بناء السلام والقدرة على التكيف مع تغير المناخ والفرص الكبيرة لمواءمة أجندات بناء السلام والقدرة على التكيف مع المناخ في الدول الهشة وتلك المتأثرة بالصراعات. ويمكن لبرامج بناء السلام المصمَّمة لتكون قادرة على التكيف مع المناخ أن تدعم التخفيف من مخاطر المناخ وبناء المرونة المحلية والوطنية لمجموعة متنوعة من الصدمات والضغوط – بما في ذلك العوامل البيئية – وبالتالي تعزيز استدامتها. وفي الوقت نفسه، يمكن للبرمجة المناخية جيدة التصميم في سياقات الهشاشة أن تعزز أيضاً عمليات بناء السلام من خلال توفير منصة أقل حساسية من الناحية السياسية للحوار والتعاون وبناء الثقة بين الأطراف. ومع ذلك، فيجب مواجهة بعض التحديات والتغلب عليها في حالة الجمع بين الأجندتين، بما في ذلك الانقسامات بين العاملين في المجال الإنساني والإنمائي وبناء السلام، والمقاييس الزمنية المختلفة لبناء السلام والبرمجة المناخية (حيث عادة ما تكون الأولى قصيرة الأجل و الأخيرة طويلة الأجل). وبالإضافة إلى ذلك، فلجعل بناء السلام أكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ، هناك حاجة إلى المزيد من التمويل المناخي من المانحين. ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة درجة وعيهم بالتحديات التي يفرضها تغير المناخ على جهود تحقيق الاستقرار.
ويستكشف مبحث “تغير المناخ واستغلال الموارد الطبيعية في استمرارية الحرب: دور الجماعات المسلحة من غير الدول والاستجابات الدولية ” كيف أن زيادة ندرة الموارد الطبيعية تزيد من قيمتها الجوهرية كأداة للضغط العسكري والسياسي أثناء الحرب وما بعدها، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور البيئي وانعدام الأمن البشري. ويُعتبر لجوء الجماعات المسلحة من غير الدول إلى استخدام الموارد الطبيعية كأداة للحرب والسلطة السياسية تطوراً مقلقاً بشكل خاص ويؤثر سلباً على جهود مكافحة التمرد والتدخلات في الصراع وما بعد النزاع، فضلاً عن الجهود المبذولة في الحفاظ على البيئة والأنشطة الموجَّهة نحو معالجة الهشاشة الهيكلية. وتستدعي أوجه القصور العديدة في القواعد الدولية (بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون البيئي الدولي) – من حيث قابلية التطبيق والامتثال والإنفاذ، فيما يتعلق بالمجموعات المسلحة من غير الدول – تستدعي طرقاً مبتكرة للتعامل مع الجماعات المسلحة من غير الدول بشأن حماية الموارد الطبيعية، وبشكل أعم، ضمان احترام المبادئ الدولية الأساسية. وتُعدّ التطورات في بنية القانون الدولي والعمل الذي قامت به عدة جهات فاعلة متعددة الأطراف للتعامل مع الجماعات المسلحة من غير الدول ضمن الأسباب لبث الأمل. وستكون أيضاً عملية تطوير أطر عمل للإنذار المبكر تعتمد على البيانات يمكنها تحديد الأماكن التي من المرجح أن تحدث فيها النزاعات التي تنطوي على الموارد، خطوة مهمة لتقليل المخاطر وتعزيز المرونة وتحديد أولويات الإجراءات.
ويتناول المبحث الأخير في هذا القسم، “الانتقال في الاضطرابات: الآثار الجيوستراتيجية لتغير المناخ وتحول الطاقة”، الأبعاد الجيوسياسية وتداعيات جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والانتقال العالمي المرتبط بها من الوقود الأحفوري إلى أنظمة الطاقة منخفضة الكربون. وستختلف الرغبة والقدرة على الاستجابة والتعاون بشأن تغير المناخ بين الدول اعتماداً على مستويات الانبعاثات، ومرحلة التنمية، والأولويات الاستراتيجية، والاعتماد على الموارد، والتقدم التكنولوجي والقدرة على استيعاب الصدمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الناتجة. وستعتمد أيضاً على الحقائق الجيوسياسية، والنفوذ الجغرافي الاقتصادي النسبي، ونوع من الاتفاق بين العالم النامي والمتقدم – لا سيما من يتحمل المسؤولية الأكبر للعمل والدفع (ومدى السرعة). وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تؤدي الحاجة الملحة لإزالة الكربون إلى زيادة المنافسة للسيطرة على الموارد والتقنيات اللازمة للانتقال إلى الطاقة الخضراء والسيطرة عليها، مع تداعيات مهمة على التوازن الجيوسياسي للقوى ومشهد الصراع العالمي. وسيؤدي هذا السياق إلى تفاقم التأثير المتضاعف للتغير المناخ الآخذ في الاتساع بالفعل على التوترات بين الدول والتوترات الداخلية على الموارد الطبيعية النادرة، لا سيما في البلدان المعرضة لتغير المناخ. ويجادل المقال بأن معالجة حالة الطوارئ المناخية ستتطلب نزع الطابع السياسي عن التحدي المناخي، وتقليل الاعتماد على الطاقة، ودفع إجراءات مستدامة ومتماسكة تتم في الوقت المناسب، لا سيما من خلال خلق حوافز قوية للقوى العظمى للتعاون.
تصور الصراع وعدم الاستقرار
ويُستكمل التحليل الزاخر بالبيانات في جميع أقسام مسح النزاعات المسلحة 2022 بصرياً بعناصر بيانية متعددة، بما في ذلك الخرائط والمخططات والجداول الإقليمية والمتعلقة بالنزاع، والتي توضح اتجاهات النزاعات الأساسية خلال الفترة المشمولة بالتقرير والبيانات ذات الصلة (بما في ذلك الأحداث العسكرية والتدخلات والبيانات الخاصة بالأثر الإنساني والنزوح القسري)، فضلاً عن الروابط الإقليمية والعالمية والتداعيات. ويوفر التصنيف الشامل والتحليل المتكامل لأطراف النزاع، بالإضافة إلى الجداول الزمنية للأحداث العسكرية والسياسية الرئيسية للفترة قيد الاستعراض، معلومات أساسية قيِّمة عن النزاعات التي تم استعراضها.
وبالإضافة إلى ذلك، يوفر الرسم البياني المصاحب لمحتوى النزاع المسلح لمحة بصرية عن قابلية التأثر بالمناخ واتجاهات الأمن الغذائي في 33 صراعاً نشطاً تم تناولها في مسح النزاعات المسلحة 2022، مستكملاً الرؤية التي تولدت في قسم الاتجاهات العالمية وفصول النزاع المحددة. وسعياً لإحياء العلاقة المعقدة بين قابلية التأثر بالمناخ والصراع، يعرض الرسم البياني خريطة الأحداث العنيفة للبلدان التي تحدث فيها النزاعات بالإضافة إلى عامل التأثير البشري في مؤشر البعد العالمي للنزاع المسلح ومؤشرات قابلية التأثر بالمناخ واستدامته، ومخاطر الغذاء وتضخم الغذاء.
نظرة مستقبلية: آفاق إقليمية للصراع
ويستكمل مسح النزاعات المسلحة 2022 تقييمه الاستراتيجي لمحركات الصراع واتجاهات الصراع المحلية والإقليمية والعالمية بتحليل التطورات المستقبلية في مشهد الصراع العالمي، واستكشاف آفاق السلام والتصعيد، والمخاطر السياسية ونقاط التوتر المحتملة التي يجب مراقبتها عن كثب. ويهدف نموذج “مسح الأفق” إلى توفير رؤى استشرافية لاستراتيجيات جمهورنا من صانعي السياسات والممارسين والجهات الفاعلة في الشركات العاملة في الدول المتأثرة بالنزاع أو بالقرب منها.
،لا تزال آفاق الصراع في الأمريكتين قاتمة في ظل الأسباب الجذرية المستعصية، والنفوذ السياسي المتزايد والتوسع العابر للحدود للجماعات الإجرامية والطلب الإقليمي والدولي المتزايد على المخدرات غير المشروعة. ومع ذلك، هناك عدد من التطورات السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى بعض الهدوء المحدود في المنطقة على المدى المتوسط، بما في ذلك إحياء محتمل للمفاوضات بين حكومة فنزويلا والمعارضة واتخاذ خطوات نحو التنفيذ الكامل لاتفاق السلام وتمديده في كولومبيا في ظل قيادة الرئيس المنتخب حديثاً، جوستافو بيترو. ومع ذلك، فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في أعقاب جائحة فيروس كورونا، إلى جانب ارتفاع التضخم وانعدام الأمن الغذائي، ستوفر المزيد من الفرص للجماعات الإجرامية لترسيخ نفسها في المجتمعات المحلية مع تحدي شرعية مؤسسات الدولة وقدرتها على الحكم. وفي الدول الهشة المتأثرة بشكل خاص لتغير المناخ، مثل هايتي أو تلك الواقعة في المثلث الشمالي بأمريكا الوسطى، فإن تزايد التضخم وانعدام الأمن الغذائي سيؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار المحلي وسيؤدي إلى تدفقات الهجرة غير المنضبطة، مع تداعيات سلبية على الأمن الإقليمي. وسيؤدي التطور المستمر وإعادة تشكيل أعمال الجماعات الإجرامية وفقاً لهوامش الربح والطلب إلى إثارة النزاع والعنف حول طرق تهريب المخدرات (بما في ذلك الموانئ) والأسواق، والوصول إلى الدول التي تخلو إلى حد كبير من العنف المرتبط بالمخدرات حتى السنوات الأخيرة، مثل كوستاريكا وبنما في أمريكا الوسطى (حيث تتزايد مضبوطات المخدرات) والإكوادور في أمريكا الجنوبية، حيث أسفرت المنافسات بين العصابات عن مذابح واسعة النطاق في السجون في السنوات الأخيرة. وسيستمر تركيز عصابات تهريب المخدرات المكسيكية على الفنتانيل، مما يؤدي إلى احتدام الصراع بينما يعيدون تشكيل أعمالهم ومجالات سيطرتهم وفقاً لذلك. وعلى الرغم من أن الكوكايين سيظل جزءاً من محفظتهم على المدى القريب، فإن الانتقال إلى الفنتانيل بشكل رئيسي هو سيناريو محتمل على المدى المتوسط، مع آثار مهمة على ديناميكيات الاتجار بالمخدرات على المستوى الإقليمي.
وفي أوروبا وأوراسيا، ستكون هناك تداعيات بعيدة المدى للحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهي أكبر نزاع مسلح بين الدول في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبينما فشلت محاولة روسيا لفرض نظام موالٍ لموسكو في أوكرانيا، فإن نتيجة الحرب لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير وسط مخاطر بتصاعدها إلى أشكال أكثر حدة أو تدميراً من الصراع. وحتى بالنسبة لأهداف روسيا العسكرية البسيطة المتمثلة في احتلال دونباس بأكملها بالإضافة إلى مقاطعتين جنوبيتين – خيرسون وزابوريزهزيا – فلن يكون من السهل تحقيقها نظراً لتصميم كييف على مواصلة القتال، والمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، والعصيان على نطاق واسع داخل المناطق المحتلة من روسيا، وأوجه القصور الكامنة في التخطيط الروسي وسير العمليات هناك. وسيعتمد نجاح أوكرانيا (وقدرتها على تحديد موعد بدء المفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار وفقاً لشروطها) على الإمدادات السريعة للأسلحة من الغرب، فضلاً عن الدعم المالي والاقتصادي المقدم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعلى خلفية التقدم الضئيل نحو تسوية سلمية لتحقيق الاستقرار في وقف إطلاق النار وإنهاء نزاع عام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان حول ناجورنو كاراباخ، فقد أدى إضعاف روسيا في أعقاب الصراع في أوكرانيا إلى زيادة مساحة أذربيجان للمناورة، مدعومة بمساندة من تركيا. وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن أرمينيا قد تعافت تماماً من الهزيمة التي مُنيت بها في عام 2020، بسبب افتقارها إلى الموارد اللازمة لجولة جديدة من الأعمال العدائية، إلا أن خطر تجدد الصراع لا يزال كبيراً، خاصة وسط مؤشرات على أن أذربيجان قد تسعى للسيطرة على المزيد من الأراضي. إن اندلاع التوترات بين طاجيكستان وقيرغيزستان في أبريل 2021، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، لم يسلط الضوء على العلاقات الثنائية الصعبة بينهما فحسب، بل سلط الضوء أيضاً على القضية الأكبر، المتمثلة في عدم ترسيم الحدود في آسيا الوسطى. وفي حين وقعت عدة حوادث (بما في ذلك الانفجارات والهجوم الصاروخي في أبريل 2022) في ترانسنيستريا منذ فبراير، فإن احتمالات اندلاع الحرب في أوكرانيا ضئيلة. وبالإضافة إلى ذلك، فطالما استمرت الحرب في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تتمكن القوات الانفصالية في ترانسنيستريا والوحدة الصغيرة نسبياً من القوات الروسية هناك من شن هجوم كبير بمفردها. ويظل الوضع في المقاطعات الجورجية الانفصالية التي تحتلها روسيا – أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية – هادئ حتى الآن. ومع ذلك، فإن النجاح الروسي في أوكرانيا سيعزز انجراف جورجيا إلى فلك موسكو، مما سيخلق توترات داخلية بين الحكومة من جهة والمعارضة المؤيدة للاتحاد الأوروبي وجزء من السكان من جهة أخرى. وستحمل هزيمة موسكو في أوكرانيا مخاطر أيضاً على تبليسي: إذا اتجهت روسيا إلى جورجيا كجائزة ترضية، فلن تكون الأخيرة قادرة على تقديم الكثير من المقاومة بسبب ميزانيتها وقدراتها العسكرية المنخفضة للغاية.
ومن المرجح أن تظل معظم الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حالة من الجمود المطوَّل خلال العام المقبل. ومع ذلك، فإن احتمالية التصعيد في اليمن وسوريا لا تزال مرتفعة، على الرغم من الهدنة في الأولى (اليمن) والجمود العسكري في الأخيرة (سوريا). وقد يؤدي عدد من السيناريوهات المختلفة إلى تجدد القتال هناك. ويواصل الرئيس رجب طيب أردوغان تهديده بشن تركيا هجوماً جديداً في شمال سوريا يستهدف قوات سوريا الديمقراطية. وقالت قوات سوريا الديمقراطية إنها قد تتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد إذا شنت أنقرة العملية، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل الصراع وتنشيطه. كما حثّت روسيا، التي كانت مستاءة من قرار تركيا منع سفنها الحربية في البحر الأسود عقب غزوها لأوكرانيا، تركيا على عدم شن الهجوم. ولا تزال إمكانية التصعيد عالية أيضاً في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حتى مع تنامي علاقة إسرائيل بدول الخليج العربي، مما يعني أنها على الأرجح ستلاقي انتقادات أقل لأفعالها. وقد يكون تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أسعار الغذاء العالمية غير ملائم لظروف المنطقة، لا سيما في حالة حدوث ركود عالمي، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتفاقم الصراعات الحالية وخطوط عدم الاستقرار.
و بعد عِقدين من النمو المستمر، أدت الصدمة المزدوجة لوباء كوفيد-19 والحرب الروسية-الأوكرانية إلى تعقيد التوقعات بالنسبة لأفريقيا السوداء، جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة بالنسبة للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات. وتشكل النزاعات في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد ومنطقة البحيرات الكبرى، التي تغذيها ديناميكيات الصراع العابر للحدود الوطنية والحدود التي يسهل اختراقها، أكبر مخاطر التصعيد. وتهدف الجماعات الإسلامية المتطرفة الناشطة في هذه الصراعات، والمرتبطة إما بالدولة الإسلامية أو القاعدة، إلى توسيع نطاق العنف بشكل تدريجي وانتشارها في المنطقة. وقد ظهر اتجاه لانتشار العنف من منطقة الساحل إلى بعض البلدان الساحلية في غرب إفريقيا خلال الفترة المشمولة بالتقرير، مع وقوع هجمات في بنين وكوت ديفوار وتوجو. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجموعة المعقدة من محركات الصراع في المنطقة – بما في ذلك العجز المزمن في الحكم في الأطراف (على سبيل المثال، في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان)، والصراعات المتعددة المصاحبة (على سبيل المثال، إثيوبيا ونيجيريا) وحركات التمرد المحلية المتداخلة والجهادية العابرة للحدود الوطنية ( على سبيل المثال، موزامبيق والصومال) – ستواصل منع إحراز تقدم حاسم نحو السلام الدائم هناك. وتساهم الأعداد المتزايدة من النزاعات بين الدول في المنطقة أيضاً في حالة عدم الاستقرار: حيث انخرطت إثيوبيا والسودان في اشتباكات حدودية مدمرة في مثلث الفشاغة في يونيو 2022 في نزاع يتقاطع مع قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير، والذي يشمل أيضاً مصر. كما تصاعدت التوترات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بسبب وجود الجماعات المسلحة من غير الدول في المناطق الحدودية. وعلى صعيد أكثر إيجابية، يمكن أن ينجم بعض التقدم المحتمل بشأن السلام والأمن عن وقف إطلاق النار والمفاوضات المقبلة بين إثيوبيا وجبهة تحرير شعب تيجراي. وبالإضافة إلى ذلك، ففي ظل حكم الرئيس المنتخب حديثاً حسن شيخ محمود، من المأمول أن تُصلح الصومال بعض تصدعاتها الداخلية. وقد بدأت أيضاً مرحلة جديدة في الكفاح ضد حركة الشباب مع الانتقال من عملية حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي – النشطة لمدة 15 عاماً – إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، والتي تهدف إلى نقل المسؤوليات إلى الجيش الوطني الصومالي بحلول عام 2024.
وتوفر قِلّة من النزاعات المسلحة داخل الدول في آسيا آفاقاً راسخة للسلام على المدى القصير. وتشكل ميانمار خطر تصعيد شديد وسط تمرد في السهول الوسطى وصعود قوة الدفاع الشعبي واشتباكاتها مع المجلس العسكري. وتلوح في الأفق شكوك حول حكم طالبان الأفغانية وتأثيرها على الأمن الإقليمي في سياق آفاق السلام في أفغانستان وباكستان. وعلى الرغم من أن الحركة الأولى لم تنتكس إلى الدخول في حرب مباشرة بعد استيلائها على السلطة في عام 2021، فقد كافحت لتوفير الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية وسط أزمة إنسانية متفاقمة ناجمة عن انعدام الأمن الغذائي. كما انتشر العنف في البلاد، بما في ذلك جماعات مثل ولاية خراسان الإسلامية، وجبهة المقاومة الوطنية، وجبهة الحرية الأفغانية، والمجلس الأعلى للمقاومة، وغيرها. ومن الممكن حدوث تدهور في الأمن في أفغانستان على المدى القصير، بينما من المحتمل أن يمتد انعدام الأمن المتزايد في البلاد إلى باكستان، حيث لا تزال تنشط حركة طالبان باكستان، والانفصاليون البلوش، وولاية خراسان الإسلامية. كما تظل العلاقة بين الهند وباكستان تشكل تهديداً محتملاً لاستقرار آسيا. وفي كشمير، من غير المرجح أن يهدأ العنف المسلح في المستقبل المنظور، في حين أنه من غير المرجح أن يتمكن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف من التواصل بشكل مثمر مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بشأن قضية كشمير نظراً للموقف المتشدد للأخير. كما أن التوترات المتفاقمة بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان تشكل خطراً كبيراً على أمن آسيا. وعلى العكس من ذلك، في تايلاند، فقد تم إشاعة جو من التفاؤل من خلال اتفاقية أبريل 2022 بين لجنة حوار السلام التابعة للحكومة التايلاندية والجبهة الثورية الوطنية الملاوية باتاني، والتي توفر الأساس لمزيد من المحادثات. وبالإضافة إلى ذلك، فيبدو أن قوات الأمن في الفلبين في صعود مستمر، مما يضع الجماعات الإسلامية المتشددة تحت الضغط في غرب مينداناو. وعلى الرغم من أن هذا الوضع قد لا يؤدي إلى سلام مستقر، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى الحد من العنف.
.
رابط المصدر: