بسنت جمال
لا يُمكن فصل ما شهدته أسواق السلع خلال عام 2021 عن احداث عام كورونا 2020 وذلك على الرغم من اختلاف حركة السوق خلال العامين بشكل جذري إلا إنهما مرتبطان ببعضهما البعض؛ إذ ترجع تحركات الأسعار التي سجلها النفط أو الذهب خلال الشهور الماضية إلى تداعيات الوباء وما ترتب عليه من إجراءات استثنائية بشكل أساسي.
وفي هذا الإطار، استطاع الذهب الأسود أن يتخلص من خسائره غير المسبوقة التي سجلها خلال شهري مارس وأبريل من عام 2020 لينتعش بأسرع وتيرة منذ سنوات بحلول بداية العام الجاري، ومن ناحية أخرى، قام المعدن الأصفر بمحو مكاسبه المسجلة خلال الوباء مع أوائل العام معاودًا الارتفاع من جديد بحلول منتصف العام مسجلًا انخفاضًا آخر في نهاية ديسمبر 2021.
أداء سوق النفط وسط أزمة الطاقة العالمية
بدأت اضطرابات أسواق النفط تلوح في الأفق مع إعادة فتح الاقتصاد العالمي بشكل غير متوقع وعودة المصانع إلى جداول أعمالها من جديد بالتوازي مع انتشار اللقاح المضاد لفيروس كورونا بشكل واسع النطاق مما دفع الطلب على النفط إلى مستويات أعلى من تلك المسجلة قبل الجائحة في الوقت الذي تباطأ المنتجون في إعادة النفط إلى السوق مرة أخرى، وذلك في ظل مرور غالبية بلدان العالم بأزمة توفير إمدادات الطاقة، وهو ما دفع الأسعار إلى أعلى مستوياتها كما يتبين من الرسم التالي:
الشكل (1): سعر الخام الأمريكي وخام برنت (دولار للبرميل)
Source: Energy Information Administration (EIA (, Spot Prices.
من الرسم السابق يتبين إمكانية تقسيم أداء أسواق النفط خلال عام 2021 إلى قسمين؛ الأول: الفترة من يناير وحتى أكتوبر 2021، الثاني: المُدة التي تتراوح بين شهري نوفمبر وديسمبر، كما يتبين على النحو التالي:
أولًا- ارتفاعات مستمرة:
قامت غالبية الدول خلال العام 2020 باتخاذ العديد من الإجراءات لاحتواء انتشار فيروس كورونا مما ساهم في انخفاض الطلب العالمي بنحو 2.5 مليون برميل يوميًا، ولهذا اتجه تحالف “أوبك +” لتخفيض الإنتاج لدعم مستويات الأسعار. ولكن مع انحسار الوباء وإعلان ثلاث شركات أدوية عالمية عن التوصل إلى لقاحات كورونا خلال شهر نوفمبر 2020، تعهدت الدول الأعضاء بالمنظمة بزيادة طفيفة للإنتاج تُقدر بنحو 500 ألف برميل يوميًا بعكس الزيادة التي كانت مُقررة سابقًا عند مستويات تبلغ مليوني برميل يوميًا.
وساعدت السياسة الحذرة التي اتبعتها منظمة “أوبك” وحلفاؤها، بشأن التخلّص التدريجي من التخفيضات القياسية للإنتاج والمتّبعة خلال فترة الوباء، على دفع أسعار النفط الأمريكي وخام برنت إلى تحقيق مكاسب قوية مسجلين أعلى مستوياتهما خلال العام بحلول شهر أكتوبر عند 81.48 دولار للبرميل، و81.54 دولار للبرميل على التوالي.
ثانيًا- تباطؤ معدل نمو الأسعار:
ومع بداية شهر نوفمبر، نشب صدامًا بين الولايات المتحدة والدول الأعضاء في تحالف ” أوبك + ” مدفوعًا بتمسك حكومات تلك الدول بتثبيت زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا رغم مطالبة أكبر اقتصاد في العالم بزيادة المعروض الشهري من النفط بنحو 600-800 ألف برميل يوميًا أو الالتزام بمعدل الزيادة الحالي البالغ 400 ألف برميل يوميًا مع السماح للأعضاء الآخرين بضخ المزيد لتعويض انخفاض المعروض وزيادة الطلب لكبح ارتفاع الأسعار حيث تزامنت زيادة تكاليف الطاقة مع موجة تضخمية تشهدها أسعار جميع المنتجات على حدٍ سواء بداية من المنتجات الغذائية والزراعية حتى المعادن مما يهدد الانتعاش الاقتصادي من وباء كورونا.
وبناء عليه، قرر البيت الأبيض في الثالث والعشرين من نوفمبر 2021 التنسيق مع كبار المستهلكين للنفط لسحب نحو 50 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط في البلاد، وذلك بالتعاون مع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، وبعكس رغبة تحالف “أوبك +” الذي يؤكد أن أي تنسيق بين كبار المستهلكين للإفراج عن حصة من الاحتياطي الاستراتيجي يمثل تهديداً للأسواق باعتباره مساهمة غير مطلوبة في زيادة المعروض من النفط، وهو ما يهدد توازن السوق الذي يسعى لتحقيقه منذ انهيار الأسعار في أبريل 2020.
وفي الوقت ذاته، بدأت سلالة “أوميكرون” في الانتشار حول العالم مما أدى إلى زيادة حالات عدم اليقين بشأن آفاق التعافي الاقتصادي في ظل تزايد احتمالية اتجاه الدول لفرض الإجراءات الاحترازية وحالات الإغلاق من جديد لاسيما في ظل إلغاء العديد من الرحلات الجوية بسبب مخاوف انتشار العدوى إلى جانب سوء أحوال الطقس. وقد ساهمت هذه العوامل في الضغط على أسعار الخام الأمريكي لتتراجع خلال نوفمبر بنحو 2.85% على أساس شهري إلى 79.15 دولار للبرميل، وكذلك أسعار خام برنت التي سجلت نحو 81.05 دولار للبرميل خلال نفس الفترة بما يمثل هبوطًا بحوالي 2.98% مقارنة بالشهر السابق. وعلى الرغم من تراجع الأسعار الطفيف إلا إنها لا تزال أعلى من المستويات المسجلة قبل وأثناء الوباء.
الذهب.. أداة تحوط من عدم اليقين
حقق الذهب مكاسب قوية خلال عام 2020 بدعم من عدة عوامل تتمثل في زيادة الطلب على المعدن الأصفر باعتباره أحد أهم سلع الملاذ الآمن التي يتزايد الإقبال عليها في ظل انتشار عدم اليقين حول آفاق الاقتصاد العالمي، مع تصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين عقب تفشي فيروس كورونا، وتبادل الاتهامات بشأن مصدر الوباء.
ولكن خلال الربع الأول من عام 2021، تلقت أسعار الذهب صدمة فقدت من خلالها بعض المكاسب المحققة خلال العام السابق مع بدء التعافي الاقتصادي وإطلاق الولايات المتحدة حزمة الإغاثة من الجائحة والتي تبلغ قيمتها نحو 1.9 تريليون دولار، وهو ما أدى إلى تراجع سعر أوقية الذهب من حوالي 1900 دولار في أوائل يناير إلى حوالي 1600 دولار بحلول أواخر مارس.
ولكن سرعان ما عادت الأسعار إلى مستويات مرتفعة مع انتشار مخاوف التضخم في كبرى اقتصادات العالم ولهذا شهد الذهب إقبالًا شديدًا من المستثمرين للحماية من مخاطر ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وهو ما أرسل سعر المعدن النفيس إلى مستويات مرتفعة تُقدر بنحو 1890 دولارًا للأوقية.
وعقب ذلك، أسفرت تصريحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نهاية العام بعزمه رفع الفائدة بنحو 3 مرات خلال عام 2022 مع مساعيه لتسريع تقليص برنامج شراء السندات التحفيزي عن خفض تراجع سعر الذهب مرة أخرى ليتداول أدنى نحو1800 دولارًا للأوقية. ويُمكن الاستعانة بالشكل الآتي لعرض تطور أسعار الذهب خلال 2021.
الشكل (2): سعر الذهب الفوري (دولار للأوقية)
Source: Gold Hub, Gold spot prices.
ومن الشكل (2) يتبين أن الذهب قد بدأ عام 2021 عند مستويات مرتفعة تبلغ حوالي 1940 دولارًا للأوقية لينهي العام عند حوالي 1805 دولارات للأوقية، بانخفاض يبلغ حوالي 7%. كما يتضح من التحليل السابق مدى تأثر أسعار الذهب بإعلانات الحكومة الأمريكية بشأن إطلاق خطط أو برامج لمكافحة كورونا، كما يتبين أن المعدن الأصفر قد أصبح بمثابة أداة تحوط أساسية ضد التقلبات في أسواق الأسهم وأسعار الفائدة المتراجعة.
وفي الختام يتبين أن النفط استطاع أن يسجل اتجاهًا عامًا صاعدًا خلال عام 2021 وسط تزايد الضغوط التضخمية المفروضة على غالبية أسواق السلع عدا الذهب الذي شهد تراجعًا في مستويات أسعاره مقارنة بتلك المسجلة خلال جائحة كورونا.
.
رابط المصدر: