اتجاهات مستقبلية: الطريق نحو مراكز الفكر والتغيير

تعتبر مراكز الفكر من المؤسسات الحيوية التي تلعب دوراً مهماً في تشكيل السياسات العامة والقرارات الاستراتيجية في مختلف المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وتمثل هذه المؤسسات حلقة الوصل بين صانع القرار والمواطنين إذ أنها تملأ الفجوة بين المعرفة الأكاديمية في الجامعات والمراكز البحثية، والإنتاج الإعلامي المتداول بوسائل الإعلام المختلفة. تاريخياً، كانت تعرف مراكز الفكر بإنتاج الأبحاث والدراسات التي تسهم في فهم القضايا المعقدة، إلا أنه في الآونة الأخيرة شهدت هذه المراكز تحولاً ملحوظاً في دورها، حيث انتقلت من كونها مجرد مراكز فكرية إلى مراكز للتغيير الفعلي. هذا التحول يعكس الحاجة المتزايدة إلى التأثير المباشر في المجتمعات والسياسات. لقد أدركت مراكز الفكر أن إنتاج المعرفة وحده لا يكفي؛ بل يجب أن تكون هناك استراتيجيات فعالة لتحويل هذه المعرفة إلى أفعال ملموسة. وتسعى الآن مراكز الفكر إلى تنفيذ حلول عملية للمشكلات المختلفة من خلال التعاون مع صانعي القرار، والمجتمعات المحلية، والقطاع الخاص. ويبرز هذا التحول أهمية الابتكار والتكيف في مواجهة التحديات المعاصرة، مما يجعل من هذه المراكز لاعباً رئيسياً في عملية التغيير. تناقش هذه الدراسة الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه مراكز الفكر في عملية التغيير من خلال عرض ممارسات جيدة ذات صبغة دولية واقليمية وتجارب فردية لبعض الدول كنموذج، مع تقديم لمحة عن نشاط بعض مراكز الفكر في مجتمعنا العربي بشكل موجز وبسيط بعيداً عن متاهة الأرقام والإحصاءات.

كلمة “Tank” تعني خزان أي “مستودع كبير عادة ما يستخدم لحمل أو نقل أو تخزين السوائل”، كما تعني أيضاً دبابة وهي “مركبة قتالية مدرعة ومسلحة بشكل كبير تتحرك على مسارات”. وإذا نظرنا إلى هذا التعريف، فسوف نتساءل لماذا اختارت العديد من “معاهد أبحاث السياسات” تسمية نفسها بــــــ “مراكز الفكر”. في الواقع، يعود هذا المصطلح إلى الحرب العالمية الثانية، حيث استُخدم لوصف مساحة آمنة حيث يمكن مناقشة الاستراتيجيات. وفي بيئة اليوم المعقدة والمشبعة بالمعلومات والسريعة الخطى، يظل من المهم أن توفر مراكز الفكر مساحة آمنة للتخطيط الاستراتيجي السياسي. وتشير المعلومات إلى أنه لا يوجد تعريف عام وشامل حتى الآن لمراكز الفكر الاستراتيجية، وتكمن صعوبة إيجاد تعريف عام لهذه المراكز في أن العديد من هذه المؤسسات تعلن عن نفسها كمنظمات غير حكومية أو منظمات غير ربحية. وتعرف مراكز الفكر بعدد من الأسماء في مختلف اللغات، مثل: مراكز الأبحاث، أو معاهد أبحاث السياسة العامة، أو مصانع الفكر، أو مراكز التحقيق، أو مختبرات الفكر، أو مراكز دعم القرار أو مركز الدراسات الاستراتيجية وغير ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن وظائف مراكز الفكر ليست ثابتة، وغالباً ما تمارس في سياق الوظائف التي يتبناها الآخرون، ويوضح الشكل (1) المساحة التي تشغلها مراكز الفكر في الفضاء الاجتماعي.

شكل (1): مراكز الفكر في الفضاء الاجتماعي…المصدر دليل بناء مراكز الفكر.

إن مراكز الفكر التقليدية عبارة عن منظمات تجتمع وتتيح المجال للمناقشات “شبه السرية” وتقدم التحليلات السياسية. وهي تقدم المعلومات لصناع السياسات وتساعدهم على اتخاذ القرارات. وفي كثير من الأحيان، لا يحتاج صناع السياسات إلى أن يُقال لهم ما يجب عليهم فعله، بل ما يجب عليهم التركيز عليه. ولكن هذا يتعلق بتحديد أولويات السياسات، وليس الابتكار في السياسات. إن التحول من أحدهما إلى الآخر سوف يصبح أكثر أهمية وسوف يتطلب من مراكز الفكر تغيير أساليب عملها. إن الابتكار ليس مجرد طرح فكرة جديدة فهو ليس مثل الاختراع. ومن المؤكد أن مراكز الفكر معتادة على طرح أفكار جديدة لصناع السياسات تتنافس مع أفكار أخرى ولكن الابتكار يتعلق بالتوصل إلى أفكار جديدة يتم تنفيذها. والابتكار يتعلق بإنجاز الأمور وحل المشكلة المطروحة. وعلى هذا فإن مراكز الفكر سوف تضطر على نحو متزايد إلى توفير مساحة لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة للالتقاء والتوصل إلى طرق جديدة لصنع السياسات وسوف يتطلب تحقيق هذا التغيير عدة خطوات ولكن قبلها يجب التغلب على العقبات.

يشير تقرير لمعهد ميركاتور للدراسات الصينية إلى أنه سيتعين على مراكز الفكر التغلب على ثلاث عقبات إذا أرادت الابتكار هي؛ “الخبرة المنعزلة” فمن المعروف أن مراكز الفكر هي موطن للخبراء حيث يوجد أفراد حاصلون على درجة الدكتوراه ويتخصصون وينظرون في التفاصيل الدقيقة لكل قضية لكن المشكلة هي أن الخبرة تميل إلى التخصص إلى حد ما، وهذا يخلق حواجز وفقاعات قضايا، والتي غالباً ما تعكسها هياكل مراكز الفكر. هذا هو العكس تماماً مما يتطلبه الابتكار إذ تتطلب التحديات الكبيرة والشاملة مثل تغير المناخ وعدم المساواة وغيرها إجابات شاملة تتجاوز تلك الصوامع. العقبة الثانية هي أهمية السياسة”، وهنا في هذه النقطة يبدو الأمر متناقضاً ولكن كونها ذات صلة بالسياسة يمكن أن تكون عقبة أمام الابتكار. العديد من مراكز الفكر في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، متصلة جيداً بعالم السياسة وتعرف السياسة جيداً، لدرجة أنها تصوغ أفكارها ضمن أطر السياسة القائمة. هذا يجعلها غير قادرة على التوصل إلى أفكار أصلية عندما يتعلق الأمر بالسياسات أو طرق جديدة لتنفيذها. العقبة الأخيرة وهي التمويل غير المرن” إذ يحتاج الابتكار إلى تمويل مرن. ومع ذلك، أصبح التمويل متخصصاً بشكل متزايد، فهو مرتبط بمشاريع محددة ومنتجات محددة وهذا يجعل من الصعب على مراكز الفكر أن تبتكر، لأنها مضطرة إلى ملاحقة مطالب الممولين باستمرار. وعلى هذا، فلكي تتمكن مراكز الفكر من الابتكار، يتعين على الممولين أن يكيفوا عملهم أيضاً، فلا يركزون فقط على النتائج قصيرة الأجل، بل ويتعين عليهم أيضاً توفير مساحة للأمد البعيد تسمح بتعديل أجندات البحث بما يتناسب مع التطورات الجديدة.

وفقاً لــــ “روبن نيبليت” مدير معهد تشاتام هاوس – المعهد الملكي للشؤون الدولية، وهو مؤسسة بحثية بريطانية مقرها لندن، إنجلترا، وتتمثل مهمته المعلنة في مساعدة الحكومات والمجتمعات على بناء عالم آمن ومزدهر وعادل على نحو مستدام- في حفل إطلاق مختبر الفكر في 23 يونيو 2021 فإن عملية التحول بمراكز الفكر إلى “حاضنات للابتكار السياسي” لابد أن تتم وفق خطة تتكون من عشر نقاط كالتالي:

  1. إشراك مجتمعات أوسع نطاقاً: لم يعد كافياً أن نتعامل فقط مع الحكومة والشركات والمجتمع المدني المنظم بل يتعين على مراكز الفكر أن توسع نطاقها وأن تشرك الفنانين وشركات التصميم والخبراء التقنيين وعلماء النفس؛ الأشخاص الذين يعيدون التفكير في كيفية القيام بالأشياء.
  2. إشراك المزيد من الأصوات الشابة: كل مركز فكري لديه مجموعة من كبار المستشارين ولكن كبار المستشارين يقدمون وجهات نظر تستند إلى خبرتهم، وهو أمر مهم ومفيد ولكنه قد لا يعكس تفكير الأجيال الأصغر سناً. أنشأ تشاتام هاوس مجموعة من المستشارين الشباب، وهي متنوعة وتتمتع بتوازن جيد بين الجنسين. إن الجمع بين الهيئتين يجلب العديد من وجهات النظر ووجهات النظر الأخرى مما يعمل على تعزيز الابتكار.
  3. إشراك مجتمعات جديدة: العديد من المجتمعات التي لا تشكل حالياً جزءاً من المناقشة السياسية تستحق مقعداً على الطاولة. يمكن لمراكز الفكر أن تكون حليفة في النضال من أجل مناقشة سياسية أكثر شمولاً. وبدلاً من إخبار الآخرين بما يجب القيام به، يمكن لمراكز الفكر – كمنظمين – التأكد من إدراج المجتمعات غير الممثلة في المناقشات التي تؤثر على مستقبلها.
  4. خلق الطلب على تغيير السياسات: إن التأثير على السياسات لا يقتصر على تقديم التحليلات إلى صناع القرار المهمين، بل يتعلق أيضاً بتعزيز التنفيذ والتغيير السياسي. ولن يتخذ صناع القرار أي قرار إذا لم يشعروا بأن الفكرة تحظى بالفعل ببعض الصدى العام. لذا، يتعين على مراكز الفكر أيضاً أن تشارك في خلق الصدى.
  5. تقديم رؤية ملهمة: لا يتعلق الأمر فقط بمعرفة كيفية عمل السياسة، بل يتعلق أيضاً بإشراك الناس في الرؤية. لقد قام معهد تشاتام هاوس بمشروع يبحث في كيف قد تبدو بيكاديللي سيركس – أحد تقاطعات الطرق الرئيسية والساحات العامة في لندن – بعد 30 إلى 50 عامًا. لقد جمعوا أشخاصاً من خلفيات متنوعة، توصلوا إلى رؤية لبيكاديللي سيركس.
  6. صور مرئية تفتح العيون: الواقع أن الصور المرئية قد تكون مفرطة الاستخدام بالتأكيد ولا تخلق دائما تأثيراً كافياً، ولكن الصور المرئية قد يكون لها تأثير لا يصدق من خلال التقاط أبعاد مشكلة سياسية بوضوح مذهل وتحفيز العمل السياسي.
  7. كلما قلت الخبرة، زاد العمل المتقاطع: يتعين على مراكز الفكر أن تكسر صوامعها وتنظر إلى قضايا السياسة من وجهات نظر متنوعة، وتجمع بين مجالات سياسية مختلفة. على سبيل المثال، تأسست مؤسسة أميركا الجديدة بهذه الروح. فقد اعتبروا أنفسهم “مركزا فكرياً مضاداً”. ولم يرغبوا في وجود أي متخصصين، بل أشخاص يمكنهم التفكير في جميع المجالات. من الصعب جداً الابتكار إذا كان التمويل مرتبطًا بمشاريع محددة ومخرجات محددة.
  8. المحاكاة: وفي هذا السياق، تشكل التمارين والمحاكاة على الطاولة وسيلة رائعة للناس للتوصل إلى أفكار مبتكرة .
  9. انتبه إلى اللغة المستخدمة. لا يتعلق الأمر دائماً بتغيير السياسة. في بعض الأحيان، قد يكون لتغيير المصطلحات واللغة التي يتم تصميم السياسة حولها تأثيراً هائلاً. إن التوصل إلى تعريفات هو عملية أساسية لصنع السياسات، ولكن استخدام لغة شاملة تجمع بين مختلف الجهات الفاعلة يمكن أن يؤدي أيضاً إلى التقدم.
  10. التمويل: من الصعب جداً الابتكار إذا كان التمويل مرتبطاً بمشاريع محددة ومخرجات محددة إذ أن الابتكار يحتاج دوماً إلى تمويل مرن.

يقدم دليل بناء مراكز الفكر وهو أحد منتجات منظمة مراكز الفكر العالمية(OTT)  تعريفاً للمنظمة على أنها شركة استشارية عالمية ومنصة للتغيير تدعم وتعزز عمل المنظمات البحثية والمؤسسات والحكومات وغيرها لدعم اتخاذ قرارات مستنيرة بشكل أفضل، حيث تعمل من خلال جزئين، الأول وهو استشاري متمثل بمكتب (OTT Consulting) والثاني هي منظمة (On think tanks) المعروفين معاً باسم .(OTT) ويشير الدليل إلى أن العمل الاستشاري في المنظمة يركز على تطوير حلول مصممة خصيصاً لتحديات معينة من خلال الخدمات التي تشمل عمليات البحث ورسم الاستراتيجيات والتقييم وتيسير التعلم والتحول التنظيمي، وتتشارك المنظمة مع المنظمات لدفع التغيير القائم على الأدلة، بينما تعتبر المنظمة مصدراً رائداً للمعلومات والدعم للأشخاص الذين يعملون في مراكز الفكر ومموليهم. كما تصنع المنظمة مساحة للتواصل والتعلم وتبادل المعرفة والأفكار والموارد.

مجموعة مراكز الفكر الأوروبية هي شبكة تجمع بين الأبحاث والتحليلات المبتكرة والمتعلقة بالسياسات. تشكلت المجموعة في 2010، وتجمع بين الخبرة المتعددة التخصصات لستة أعضاء هي؛ المركز الأوروبي لإدارة سياسة التنمية (ECDPM)، ومعهد إلكانو الملكي، ومعهد الشؤون الدولية (IAI)، ومعهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية (IDDRI)، والمعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS)، ومعهد أو دي أي (ODI). وتجدر الإشارة إلى أنه خلال خمسة عشر عاماً من وجودها، امتدت عضوية مجموعة مراكز الفكر الأوروبية إلى 7 دول أوروبية. بالإضافة إلى ذلك، بنت المجموعة شراكات مع مجموعة متنوعة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ومراكز الفكر الرائدة في أفريقيا والأمريكيتين وآسيا وأوروبا وفقاً للموقع الإلكتروني للمجموعة. ويعمل أعضاء المجموعة بشكل منهجي في اتصال وثيق مع صناع القرار والمؤسسات الوطنية والاتحاد الأوروبي، والرئاسات المتعاقبة لمجلس الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى في التعاون الدولي مثل البنوك الإنمائية العامة والمتعددة الأطراف، ووكالات الأمم المتحدة، ومؤسسات الاتحاد الأفريقي، ومراكز الفكر في الجنوب ومجموعة كاملة من أصحاب المصلحة الآخرين من المجتمع المدني. وتستند قوة المجموعة إلى الخبرة المتعددة التخصصات لأكثر من 400 باحث، تغطي أجندة العمل الخارجي الشاملة للاتحاد الأوروبي والتعاون الدولي.

مختبر الفكر هو منصة ومساحة للتعلم ومحرك لعمل مؤسسات الفكر المبتكرة والموجهة نحو التأثير. تأسس مختبر الفكر في عام 2021، ويدعم التقدم الإبداعي المشترك لقطاع مؤسسات الفكر الألماني من خلال تعزيز التعلم بين الأقران، والإبداع المشترك والتبادل داخل مؤسسات الفكر وفيما بينها، تأهيل موظفي مؤسسات الفكر من خلال فرص التدريب المصممة خصيصًا، والاستعانة بالمصادر الجماعية واختبار ونشر الممارسات الجيدة والأساليب الجديدة لعمل مؤسسات الفكر. ويستهدف المختبر في المقام الأول مؤسسات الفكر ومعاهد البحوث الموجهة نحو السياسات ومقرها ألمانيا، كما أنه يعزز أيضاً التبادل مع مجتمع مؤسسات الفكر الأوروبية والدولية. ويشير المجلس الألماني للعلاقات الخارجية أنه لدعم التنمية المستقبلية لمشهد مراكز الفكر الألمانية فقد تم بناء “مختبر مركز الفكر” حول ثلاثة ركائز.

تعتمد الركيزة الأولى على “بناء مجتمع الممارسة” لدعم التعلم بين الأقران والتعاون داخل مراكز الفكر وفيما بينها وذلك من خلال تنظيم فعاليات مجتمعية منتظمة ومؤتمر رئيسي سنوي، وكل هذا من شأنه أن يوفر فرصاً لمراكز الفكر للالتقاء ومناقشة أحدث الاتجاهات في مراكز الفكر المختلفة. وعبر هذه الركيزة يعمل المختبر على تجربة طرق لكيفية جمع خبراء مراكز الفكر عبر المنظمات للعمل على التحديات النظامية. الركيزة الثانية وهي “مدرسة مركز الفكر” (Think Tank School)، والتي تهدف إلى تقديم تدريب إضافي لموظفي مراكز الفكر. وتجدر الإشارة إلى أن “مدرسة الفكر” هي برنامج تدريبي فريد من نوعه للمهنيين في بداية حياتهم المهنية، وهو مصمم خصيصاً لتلبية متطلبات واحتياجات قطاع الفكر. ويوفر البرنامج الذي يستمر ستة أشهر للمشاركين الفرصة لاتخاذ الخطوة التالية في حياتهم المهنية من خلال تطوير مهاراتهم للعمل الفعال في مؤسسات الفكر، وتوسيع شبكتهم المهنية في مجتمع السياسات ومؤسسات الفكر، وتطبيق أساليب مبتكرة على مشروع بحثي فردي من اختيارهم. ويتألف البرنامج من تدريبات حول قضايا تتراوح من تحليل السياسات ورواية القصص إلى الاستشراف وإدارة المشاريع وجمع التبرعات. الركيزة الثالثة وتسمى “صندوق أدوات مركز الفكر” (Think Tank Toolbox) وعن طريقها يتم مشاركة النتائج والدروس المستفادة والخبرات والممارسات الجيدة، والمعلومات والأدوات المفيدة التي يتم اكتشافها في الفعاليات وورش العمل والتدريبات، عن طريق وضعها معاً في صندوق أدوات. وبهذا يتم ضمان أن العمل الجيد الذي تقوم به مراكز الأبحاث في جميع أنحاء ألمانيا متاح لجميع مراكز الأبحاث، حتى يمكن زيادة التأثير الجماعي على السياسات المستندة إلى الأدلة والنقاش العام.

تحت شعار “إطلاق العنان للإمكانات”، عقدت الصين في 17 أكتوبر 2024 “منتدى مراكز الفكر لبلدان الجنوب العالمي” بمشاركة ممثلين من ما يقارب ست وسبعون دولة، برعاية دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجموعة الصين للإعلام وفقاً للموقع الإلكتروني لشبكة “سي جي تي إن” الصينية. وقد أجرى المشاركون في المنتدى من الساسة والعلماء والمفكرين والإعلاميين مناقشات حول السلام والتنمية والأمن وبناء عالم مزدهر. وتم إصدار مبادرة بلدان الجنوب العالمي بشأن بناء عالم مزدهر ذي مستقبل مشترك وفقاً لفيديو الفعالية على منصة يوتيوب . كما عقدت الصين في مارس من هذا العام “منتدى مراكز الفكر الصينية الأفريقية” في تنزانيا، ويمثل منتدى هذا العام النسخة الثالثة عشر. على صعيد أخر، تشارك الصين في مجموعة بريكس بلس وهي المجموعة التي تعتبر بكين فيها لاعباً  أساسياً منذ بداية إنطلاقها إذ أن لمراكز الفكر دوراً هاماً خاصة مع وجود مجلس لمراكز الفكر يضم دول المجموعة بتشكيلها الجديد وذلك وفقاً لدراسة صادرة عن المرصد المصري في أكتوبر 2024 تحت عنوان “دور مراكز الفكر في إطار تجمع دول بريكس”.

تنتشر مراكز الفكر في العديد من الدول العربية وبعضها حائز على مراتب متقدمة في التصنيفات الدولية كتصنيف جامعة بنسلفانيا – تصنيف صادر عن معهد لودر بجامعة بنسلفانيا تحت اسم “مؤشر مراكز الفكر العالمية”  Global Go To Think Tank Index، وتحت مظلة برنامج مراكز الفكر والمجتمعات المدنية (TTCSP) -كما أننا لسنا حديثي عهد بهذا النوع من المراكز إلا أن دورها مازال بحاجة إلى مزيد من التطوير بحيث يواكب الفكر العالمي والتطورات الحادثة في هذا الاتجاه خاصة مع بزوغ فجر مفاهيم جديدة علينا وليست اعتيادية في عالمنا العربي مثل الاستشراف وصناعة المستقبل بدلاً من تحليل أحداثه المتشابكة وفهم الظواهر المرتبطة بهذه الأحداث. على صعيد العمل الفردي، هناك طفرة حادثة في زيادة عدد مراكز الفكر في الدول العربية خاصة في بعض دول الخليج ومصر. وعلى صعيد العمل العربي فقد قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتنظيم “الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية” بالقاهرة تحت شعار: “بالفكر نحقق التنمية المستدامة”، على مدار يومي 19-20 ديسمبر 2023، وذلك بالتنسيق بين قطاع الإعلام والإتصال وإدارة البحوث والدراسات الاستراتيجية. وقد جاء انعقاد الملتقى انطلاقاً من إعلان جدة الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة العادية (32)، والمتضمن: “مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات، والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة، لتعزيز الاهتمام العربي المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية” وفقاً لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وعلى صعيد العمل العربي الثنائي، فقد انضمت كلاً من مصر والإمارات العربية المتحدة لتجمع بريكس وقد شاركت كلا الدولتين من خلال ممثلين من مراكز الفكر لديها عدداً من مراكز الفكر والمؤسسات البحثية لدول التجمع في “القمة الأولى لمراكز الفكر لدول بريكس” وفقاً لما أعلنه مركز تريندز للبحوث والدراسات. وقد مثل مصر في هذه القمة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئيس مجلس الوزراء المصري.

الخاتمة

تبين الممارسات الجيدة لمراكز الفكر حول العالم وتجمعاتها المختلفة أهمية الابتكار والتعاون في تحقيق تأثير ملموس على السياسات العامة وكذلك على المجتمعات. وتلفت الدراسة النظر إلى أن تطبيق هذه الممارسات هو بمثابة فرض عين على كل مركز فكر عربي يسعى نحو المستقبل ويرغب في امتلاك أدواته، وبالإضافة إلى الضرورة الفردية فإن هناك ضرورة جماعية أخرى تقتضي البناء على النجاحات التي حققها انعقاد الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية، وقد يكون البناء على هذ النجاح عبر تبني مقترحات في الملتقى الثاني – حال انعقاده- يقضي أحد هذه المقترحات بالسعي نحو “تكوين شبكة أو رابطة أو اتحاد لمراكز الفكر العربية” من أجل توحيد الجهود وتنسيقها وتعزيز الفاعلية للدور العربي المشترك على الصعيد الاقليمي والدولي بحيث يكون لهذا الاتحاد أو هذه الشبكة أو الرابطة -أياً كان المسمى- أمانة يتم تشكيلها وفق أهداف واضحة وأدوار ومسئوليات تخاطب المستقبل. في الختام، فإن التركيز على الاستعانة بالشباب في مراكز الفكر بجانب الخبرات سيضفي بعداً هاماً في عملية التحول المنشودة نحو الابتكار، كما أن الدمج بين تخصصات العلوم المختلفة (العلوم الطبيعية والإنسانية والتقنية) سيكون له أثر بالغ على الخروج بقراءات مبتكرة تسابق المستقبل لتصنع أحداثه.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M