تفاؤل حذر، هو وصف الحال في طهران اليوم، هناك “لكن” تلحق بكل تصريح يتحدث عن تقدم في المفاوضات التي تجريها إيران في فيينا. لن تجد واحدًا بين المسؤولين في طهران يجزم بحتمية التوصل إلى اتفاق مع المجموعة الدولية بشأن ما تحب إيران في عهد رئيسي أن تسميه “مفاوضات إزالة العقوبات” أو ما تسميه الأطراف الغربية “إعادة إحياء الاتفاق النووي”، ولكن أيضًا لن تجد إلا أصواتًا قليلة تقول: إن حكومة رئيسي لا ترغب بالتوصل إلى اتفاق.
يواصل فريق التفاوض الإيراني سعيه لتحقيق إنجاز تفاوضي تحتاجه حكومة رئيسي ذهابًا وإيابًا بين طهران وفيينا؛ فالمرحلة التي وصلت إليها المفاوضات باتت تحتاج إلى قرارات سياسية عليا. تواصل بعض الأطراف داخليًّا وضع علامات الشك والاستفهام بشأن كفاءة الفريق التفاوضي وقدرته على التوصل لحل يضمن الشروط الصعبة التي وضعها مجلس الشورى ووضعتها القيادة العليا في إيران، لكن الفريق نفسه لا يترك مناسبة إلا ويؤكد أن هذه المواقف منه مردها إلى صلابته التفاوضية.
مصادر أميركية وأوروبية تحدثت عن الوصول إلى مرحلة حاسمة في المفاوضات وتحدثت أخرى عن وجود ما يقرب من 30% من القضايا ما زالت عالقة. والحديث عن “اتفاق” أيضًا أشار له كبير المفاوضين الإيرانيين في مفاوضات فيينا، علي باقري، بالقول: بعد أسابيع من مفاوضات مكثفة نقترب إلى الاتفاق أكثر من أي وقت مضى لكن قبل الاتفاق على جميع المواضيع لن يكون هناك أي اتفاق. حان وقت اتخاذ القرار من قبل الأطراف المشاركة في المفاوضات. وتحدث المستشار الإعلامي للوفد الإيراني المفاوض، الدكتور محمد مرندي، عن آمال بقرب التوصل إلى اتفاق.
وفي الأيام الأخيرة، تكثفت المحادثات بين أطراف المفاوضات بصورة كبيرة، وكان ملاحظًا كثرة الاجتماعات على مستوى الخبراء الذين يعملون على النصوص ومع كبار المفاوضين. واجتمع كبير المفاوضين الإيرانيين مع رؤساء وفود بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
وبالتزامن مع الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق، يكرِّر آية الله علي خامنئي التمسك بسلمية البرنامج النووي الإيراني، وأعاد في حديثه الأخير التأكيد على بعض المحاذير التفاوضية، وقال: إن ملاحظاتٍ سجَّلها فيما يتعلق بالاتفاق، في 2015، ولم يؤخذ بها، أوجدت المشكلات التي شهدناها لاحقًا. وهو ما قد يكون مقصودًا منه الضمانات التي باتت إيران تطلبها اليوم.
الداخل: الصراع الذي لا يخفى
جرى الحديث عن انسجام مؤسسات الحكم في إيران بعد انتخاب رئيسي كنقطة قوة في صالح صناعة القرار، لكن مجريات ملف التفاوض تشير إلى خلاف واختلافات في قضايا محورية تتعلق بهذه القضية داخل التيار الأصولي نفسه، تجلَّى بصورة واضحة في انتقادات صحيفة كيهان لأكثر من مرة لتصريحات لوزير الخارجية أهمها ما يتعلق بالتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية.
وفيما لا يخفى الخلاف داخل أطياف المعسكر الأصولي يتخذ التنافس والصراع شكلًا آخر في الجبهة المقابلة وتحديدًا التيار الذي يتزعمه حسن روحاني، فالرجل الذي خرج من الرئاسة دون أن يتمكن من إيصال المفاوضات إلى خاتمة تحفظ إرثه السياسي، ينشط في الساحة الإيرانية اليوم معزِّزًا من مكانته وساعيًا لبناء جماعة ضغط صلبة ومؤثرة داخل النظام، ويحاول بصورة أو بأخرى أن يحتل المكان الخالي الذي تركه الراحل رفسنجاني.
قد لا يملك روحاني مهارات رفسنجاني وعلاقاته، ولكنه صاحب إرث ونفوذ سياسي وأمني وعلاقات لا يستهان بها، وهو رجل يمكن وصفه بـ”الصندوق الأسود” للجمهورية الإسلامية، ويتحرك اليوم وهو مدرك بصورة فعلية، للتحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها المجتمع الإيراني كما أنه يعرف نقاط قوة وضعف خصومه، وما زال لديه خط مفتوح مع القائد الأعلى للثورة في إيران، آية الله علي خامنئي.
مما لا شك فيه أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي قد أضرَّ بشكل مباشر بالمكانة السياسية لروحاني وتياره، وقلَّل من أسهمه في اللعبة السياسية حاليًّا، لكن العقدة التي لا يمكن لخصومه أن يتجاوزوها هي أنه صاحب الاتفاق النووي الذي وُقِّع في 2015، وإذا تمكن الفريق الحالي من إحياء الاتفاق فذلك إقرار بصورة أو بأخرى بصوابية سياسته فيما يتعلق بالتفاوض، وإذا فشل في التوصل إلى اتفاق فذلك أيضًا معناه أنه غير قادر على إنجاز مشابه لما حققه روحاني الذي سيحتفظ بالاتفاق كإرث سياسي.
يتحرك خصوم رئيسي بصورة واضحة لسوق الأدلة على ما يصفونه بالفشل السياسي، وينصبُّ جهدهم على عملية التفاوض في اتجاهات عدة:
- التقليل من كفاءة فريق التفاوض والتركيز مثلًا على عدم تحدثه باللغة الإنجليزية على عكس الفريق السابق.
- تضخيم الحديث عن خلافات داخلية، وسوق بعض الشائعات التي تسعى إلى القول بأن أطرافًا أصولية تسعى لإفشال فريق التفاوض الحالي.
مؤخرًا، انتعشت سوق الشائعات بشأن عملية التفاوض، فقد نفت وزارة الخارجية الإيرانية، الأربعاء 11 فبراير/شباط 2020، أن يكون وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، قد خاطب القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية بشأن وضع المحادثات النووية مشتكيًا من شخصيات عارضت لسنوات عملية التفاوض وفي مقدمتها سعيد جليلي، الذي يعتبر الأب الروحي لكبير المفاوضين باقري. واستندت هذه المقولات على رسالة من 200 صفحة قالت وسائل إعلام إصلاحية: إن عضو مجلس الأمن القومي، سعيد جليلي، أرسلها إلى خامنئي معترضًا على سير المحادثات، وجرى تصوير الرسالة بأنها طعنة في ظهر فريق التفاوض الحالي. أحجم سعيد جليلي بداية عن الرد على هذه التسريبات وقال: إنها لاتستحق الرد، لكن المدى الذي وصلت إليه جعلته يوضح ملابساتها في التالي:
- الرسالة أُرسلت منذ ما يزيد عن ستة أشهر، في أواخر عهد حكومة روحاني.
- الرسالة تضمنت تعليقات وتفنيدًا لما ورد في تقرير حول المحادثات النووية قدمته حكومة روحاني إلى مجلس الشورى.
بمعنى أن ملاحظات سعيد جليلي قد وُجِّهت إلى أداء حكومة روحاني بشأن الملف النووي وليس لأداء الفريق الحالي، وهو ما أكده عباس رنجبر، أحد موظفي مكتب جليلي، الذي لفت إلى أن محتوى الرسالة هو تقرير صادر عن مجموعة عمل السياسة الخارجية لحكومة الظل ومكوَّن من 136 صفحة، كتعليق على التقرير الأخير لوزير الخارجية آنذاك، محمد جواد ظريف، المرفوع للبرلمان بخصوص الاتفاق النووي.
كان من الملاحظ دعوة بيان وزارة الخارجية لضرورة الوحدة بين مختلف القوى السياسية لدفع عجلة المفاوضات النووية وهو في حقيقته مؤشر واضح على حالة التجاذب ووجود خلافات جوهرية بين أقطاب النظام فيما يتعلق بالتفضيلات الاستراتيجية الرئيسية لإيران في المرحلة الحالية، وأهمها النهج المناسب في الملف النووي ومحادثات إحياء الاتفاق، والخطوط الحمراء التي يمكن عمل تسويات بشأنها والأخرى التي لا يمكن تجاوزها. ويمكن القول: إن حالة الانسجام في أوساط التيار الأصولي الحاكم كانت أكبر مع بدء المحادثات عمَّا هي عليه اليوم مع الجولة الثامنة التي يُتوقع أن تكون حاسمة في التوصل إلى حل نهائي.
إسرائيل القلقة دائمًا
من الدلالات التي تشير إلى وصول المفاوضات إلى مرحلة حاسمة قد تفضي إلى اتفاق تضاعُف الحراك الإسرائيلي في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، والسعي للتأثير على سير المحادثات حيث أرسلت إسرائيل مبعوثًا إلى العاصمة النمساوية، فيينا، لمتابعة مستجدات المفاوضات الجارية بين القوى الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي.
وأكدت وسائل إعلام إيرانية هذا الخبر واعتبرت وكالة “إيسنا” أن “وجود مسؤول صهيوني في فيينا في مثل هذا الوضع هو خطوة غير بنَّاءة في تقدم المحادثات، وقبل كل شيء، يظهر جهود الصهاينة للعب دورهم الطبيعي وهو التدمير”.
وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بخطوة كهذه منذ استئناف المحادثات النووية مع إيران، وبعد أن تولى الرئيس الأميركي، جو بايدن، منصبه. وتبدو إسرائيل قلقة فيما يتعلق بالمفاوضات سواء جرى التوصل إلى العودة إلى التطبيق حيث إنها تصف ذلك بـ”الخطأ الاستراتيجي” أو فشلت المحادثات لأن ذلك يعزز من توجه إيران نحو السلاح النووي، وتريد بصورة جلية تنفيذ عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني وهو ما لم تحظ بالموافقة عليه من الجانب الأميركي حتى الآن.
التفاوض المباشر: إشارات ومؤشرات
ليس في عهد رئيسي فقط، بل ومنذ نشأة الجمهورية الإسلامية وموضوع العلاقة مع واشنطن إشكالية كبرى في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. وخلال السنوات الأخيرة من عمر رفسنجاني حاول أن يُحدث تغييرًا على هذا الصعيد وأن يدعم مسار تيار الاعتدال في طي ملف الخلاف المعقد والطويل مع واشنطن، لكن رفسنجاني مات فيما بقي ملف العداء حيًّا.
كان الاختراق الكبير على هذا الصعيد قد حدث في عهد أحمدي نجاد عندما كسر محظور التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، واستثمر حسن روحاني التقدم في المحادثات النووية محاولًا أن يحدث تغييرات جذرية في ملف العلاقة لكن ذلك لم يكن سهلًا بالنسبة له.
فقد استمر القائلون بأن “لا تفاوض ولا تقارب ولا علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية” في الدفاع عن مواقفهم، حتى مع تقدم المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي. ووجَّه نواب أصوليون في مجلس الشورى الإسلامي انتقادات لسياسات الحكومة وللرئيس ولوزير خارجيته، ووصفوا الاتفاق المرحلي بين طهران ومجموعة الدول الست الكبرى -الذي بدأ في فبراير/شباط 2014- بأنه يضيف مكاسب لصالح الدول الغربية؛ ويُعَرِّض مصالح ومكانة إيران للخطر، ووصفوه بأنه يُدخل إيران في حقل ألغام. واستقبل عشرات من المتظاهرين الأصوليين روحاني عقب عودته من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة؛ محتجين على مكالمته مع أوباما؛ ومردِّدين شعار: “الموت لأميركا“.
حاول رفسنجاني أن يقدم الدعم لروحاني في أكثر الملفات حساسية، فنشر بعضًا من يومياته التي سماها (صراحت نامه/ رسالة الصراحة) وقال فيها: إن الإمام الخميني كان موافقًا على حذف شعار “الموت لأمريكا”، وفيما دافعت مؤسسة نشر آثار الخميني عن رفسنجاني، مؤكدة أن يومياته المكتوبة بخط يده موثوقة ويمكن الأخذ بها، وصف قائد الحرس الثوري في ذلك الوقت، محمد علي جعفري، ما صدر عن رفسنجاني بأنه “خداع“.
غاب رفسنجاني وغادر روحاني كرسي الرئاسة فيما بقي الخلاف بشأن العلاقة مع واشنطن على حاله، وانتقل ليكون ملفًّا خلافيًا أيضًا في فترة رئيسي.
في 26 فبراير/شباط 2022، هاجم حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان، علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، بشأن ما أسماه “خطة تفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة”، وقال: إنها تصريحات غير محسوبة. ولعل تصريحات شمخاني التي تحمل مواقف متضاربة بشأن المحادثات النووية تعد هي الأخرى مؤشرًا على عمق الخلاف فمن السهل أن نجد له تصريحات تؤكد حدوث المفاوضات ومن السهل أيضًا أن نجد له تصريحات تناقض السابقة بالكامل؛ حيث عاد ونفى تأييده فكرة المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
سبق شمخاني تصريح لعبد اللهيان، في 25 فبراير/شباط 2022، قال: إن إيران مستعدة للجلوس مباشرة مع الولايات المتحدة إذا لزم الأمر “إذا وصلنا إلى مرحلة في عملية التفاوض يكون فيها التوصل إلى اتفاق جيد بضمان عالٍ ضروريًّا ليكون هناك مستوى من الحوار مع الولايات المتحدة، فلن نتجاهل ذلك”.
جرت مهاجمة الطرفين من قبل شخصيات أصولية وصفت التفاوض المباشر بـ”الذي يبحث عن الماء من خلال السراب”. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الإشارة التي أطلقها علي خامنئي عند لقائه مجموعة من أهالي مدينة قم عندما أكد أن: “التفاوض والتفاعل مع العدو في مرحلةٍ ما لا يعني الاستسلام له”، فهي إشارة يمكن فهمها على أنها ضوء أخضر للدخول في تفاوض مباشر.
يرى مفاوض كبير سابق تحدثت معه الباحثة في طهران أن تصريح عبد اللهيان جاء متسرعًا لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن عقدة المفاوضات الدائرة حاليًّا ليست في التفاوض المباشر، فالطرفان فعليًّا يتحدثان إلى بعضهما من خلال رسائل مكتوبة ولا يتعدى دور الوسيط الأوروبي في هذا الباب نقل الرسائل المدونة بين الطرفين.
ولكن مرة أخرى، فإن إشارة خامنئي توسع هامش التحرك للفريق المفاوض وتقول باستراتيجية جديدة كمؤشر على إحراز تقدم فعلي في المفاوضات والوصول إلى مفاصل تقتضي مثل هذه الإشارة.
ماذا تريد إيران؟
بعد الانسحاب الأميركي وعدم نجاح السياسة الأوروبية في تفعيل بنود الاتفاق النووي، لم تقف إيران مكتوفة اليد على الرغم من أنها لم تقابل الانسحاب بانسحاب مقابل، بل استخدمت نصوصًا في الاتفاق نفسه تعطيها الحق في التراجع عن التزاماتها. وبضغط من مجلس الشورى الذي سنَّ قانونًا بهذا الخصوص، وجدت حكومة روحاني نفسها مجبرة على البدء بخطوات التراجع عن تطبيق بنود الاتفاق الذي أبرمته في 2015، وكذلك واصلت حكومة رئيسي سياسة التراجع عن تطبيق الاتفاق وهو ما يمكن تلخيصه في التالي:
- إعادة تفعيل منشآتها النووية وفي مقدمتها مفاعل نطنز الشهير الذي تعرض لأكثر من هجوم على مدى السنوات الماضية، وكذلك الحال بالنسبة لمفاعلات أراك وكرج وأصفهان.
- رفعت إيران من مستوى تخصيب اليورانيوم حتى 60%، كما زادت إيران من مخزون اليورانيوم بكمية تزيد عمَّا هو مسموح به في اتفاق 2015.
- فرضت قيودًا على الرقابة الدولية على منشآتها ودخلت في عملية شد وجذب في علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- أضافت أجهزة طرد مركزية متطورة تعمل بالحقن بالغاز إلى مجموعة سابقة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة نطنز.
وبناء على التطور الذي حدث في البرنامج النووي الإيراني، فإن مجرد العودة إلى الاتفاق السابق لن تحل المشكلة بين إيران والقوى الغربية، فإيران لن تتخلى بسهولة عن مخزونها من اليورانيوم ولن تقبل بتدمير أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي أدخلتها إلى دورة برنامجها النووي، وهو ما يقتضي بنودًا جديدة أو ملحقًا للاتفاق يحل هذه الإشكاليات إضافة إلى تجاوز عقدة الاتفاق المؤقت الذي ترفضه طهران خاصة أن الاتفاق الموقع في 2015 لم يبق زمن طويل على نهايته.
المستشار الإعلامي للوفد الإيراني في فيينا، محمد مرندي، لا يخفي أمله في التوصل إلى اتفاق قريبًا، لكنه يستدرك: “مازال أمامنا مشكلات كبيرة إذا لم يلبِّ الأوروبيون مطالب إيران ولم يلتزموا بالاتفاق النووي، فلا يمكننا توقيع اتفاقية”.
ويرى مرندي أنه “إذا أظهر الأميركيون والأوروبيون مرونة وعقلانية، فيمكن حل القضايا المتبقية بسرعة”، وأي اتفاق لا يتضمن رفع العقوبات لن توافق عليه طهران، مشيرًا إلى أن “بعض القضايا تم حلها في محادثات فيينا، لكن البعض الآخر لا يزال قائمًا”.
التحقق من سياسات واشنطن
تعيد إيران مرارًا وتكرارًا التأكيد على وجوب التحقق من سياسات واشنطن، وبدون التحقق الذي تطلبه لا يمكن تلبية مطالب الولايات المتحدة والأطراف الغربية من طهران. والتحقق يتطلب تفعيل نظام تحويل الأموال الدولي “سويفت” بصورة جدية.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الجانب الأميركي صعوبة تقديم ضمانات، فإن وزير الخارجية الإيراني، عبد اللهيان، يؤكد أن بلاده لا تقبل ضمانات شفهية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي. وأشار إلى أن مفاوضي بلاده اقترحوا على الدبلوماسيين الغربيين أن يصدر الكونجرس الأميركي على الأقل “بيانًا سياسيًّا” بشأن التزام واشنطن بالاتفاق النووي. “بيان سياسي” قد يكون مخرجًا لعقدة حرجة في المفاوضات لكنه لا يقدم الضمانات القانونية التي تصر عليها طهران وتمنع أحد الأطراف من الانسحاب من الاتفاق مجددًا.
في حواره مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أعاد وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، على موقف إيران من موضوع الضمانات، وقال: إن الولايات المتحدة فشلت في الاستجابة لطلب إيران بمنح ضمانة حول عدم انسحاب أي من الأطراف من الاتفاق النووي.
في السياق نفسه، تأتي تغريدة الأمين العام لمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، والتي تقول: فشلت الولايات المتحدة وأوروبا في اختبار الوفاء بالتزاماتهما في الاتفاق، الذي أصبح الآن صَدفة فارغة لإيران في المجال الاقتصادي ورفع العقوبات. لن تكون هناك مفاوضات تتجاوز الاتفاق مع أميركا سيئة العهد وأوروبا العاجزة.
ورغم ما تحمله هذه التغريدة من تناقض، إلا أنها تصب في باب التحقق من الالتزامات الذي تطلبه طهران، فشمخاني يرى أن الولايات المتحدة وأوروبا فشلتا في اختبار تنفيذ تعهداتهما في إطار الاتفاق النووي.
خلاصة
رغم كل ما يقال عن “مماطلة إيرانية”، فإن الفريق الحاكم في إيران اليوم يريد إنجاز اتفاق يؤدي إلى إزالة العقوبات ويقود إلى حلحلة الأوضاع الاقتصادية مما ينعكس على الداخل الإيراني ومعيشة المواطن وهو ما من شأنه أن يمنح هذا الفريق مكانة سياسية يحتاجها بصورة آنية ومن أجل مستقبله السياسي، صحيح أنه يتحرك في خطة موازية لتحييد تأثير العقوبات لكنها خطة تحتاج إلى وقت طويل وصبر قد لا يكون بمقدور الداخل الإيراني أن يمنحه بعد دورات متتالية من العقوبات. إن رفع العقوبات من شأنه أن يؤثِّر بصورة مباشرة على مبيعات النفط والتبادل التجاري وقطاع البنوك الذي بات يواجه مشكلات كبيرة بفعل خروجه من سوق التحويلات المالية العالمية بفعل العقوبات.
يريد هذا الفريق اتفاقًا، لكنه يحاول التملص من إرث روحاني في الملف النووي ويريد أن يرسي قواعد جديدة في موضوع العلاقات مع الغرب والحصول على ضمانات بجدية الالتزام، وهو يتحرك باتجاه هذا الهدف والأطراف التي تتربص به في الداخل كثيرة سواء تلك التي تأتي في إطار التنافس والصراع السياسي من قبل المنافسين والخصوم، أو من داخل التيار نفسه من طيف أخذ على عاتقه مراقبة وتجريم أية محاولة للتواصل مع الولايات المتحدة الأميركية.
جرى في هذه المفاوضات حل الكثير، لكن هناك قضايا ما زالت عالقة أهمها مخزون إيران من اليورانيوم المخصب: هل يبقى في إيران مشمَّعًا بالأحمر تحت رقابة الوكالة الدولية أو يُنقل إلى دولة أخرى؟، ومسألة اختبار جدية إزالة العقوبات، وغيرها أهم.
تدرك الأطراف الأخرى أن فشل المفاوضات سيجر تبعات أمنية ثقيلة على المنطقة والعالم، وكما أن مواجهة عسكرية مع إيران ستكون مكلفة بالنسبة للجميع، فإن عدم التوصل إلى اتفاق ينذر بتحرك إيران نحو السلاح النووي إذا ما تصاعد التهديد الموجه ضدها.
.
رابط المصدر: