حُكم على مواطن روسي الجنسية بالسجن مدى الحياة، الأربعاء 15 ديسمبر، في ألمانيا. على خلفية اتهامه بتنفيذ أوامر روسية بقتل معارض شيشاني لموسكو في الخارج. ومن جانبه، ندد الكرملين على الفور بالحكم الذي من المُزمع أن يرفع مستوى التوترات بين البلدين. خاصة بعد أن عقبت وزيرة الخارجية الألمانية، “أنالينا بيربوك”، على الحكم لافتة إلى أن بلادها قد استدعت سفير موسكو وطردت اثنين من موظفي السفارة الروسية، نظرًا لأن جريمة القتل تمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون والسيادة الألمانية وسوف تؤثر بقوة في العلاقات الروسية- الألمانية.
وردًا على ذلك، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، “ماريا زاخاروفا”، في بيانٍ لها، واصفة تحرك برلين بأنه خطوة عدوانية، وتوعدت بالرد. وبعد ذلك، سرعان ما أعلنت الخارجية الروسية، الإثنين 20 ديسمبر، بطرد اثنين من الدبلوماسيين الألمان. وهي الخطوة التي أوجزتها الخارجية الروسية في بيانها بأنها تأتي وفقًا لمبدأ التعامل بالمثل. وأضاف بيان الخارجية الروسية قائلاً: “الطرف الروسي يرفض في شكل قاطع الاتهامات التي لا أساس لها، والمنفصلة عن الواقع في شأن ضلوع كيانات رسمية روسية في هذه الجريمة”، وكانت هذه المحاكمة مستمرة منذ أكتوبر 2020، في قاعة محكمة تخضع لحراسة مشددة. حيث استجوبت النيابة الألمانية نحو 50 شاهدًا خلال التحقيق.
هوية القاتل والمقتول
قُتِل “زليخمان خانجوشفيلي” بتاريخ 23 أغسطس 2019 أثناء مروره في حديقة عامة بوسط برلين، بعد عودته من المسجد عندما كان يسير على طول طريق الأشجار في الحديقة. وقد باغته القاتل الذي كان يستقل دراجة بخارية وأطلق عليه ثلاث رصاصات أودت بحياته. وكان القتيل جورجي الجنسية، وزعيم سابق للانفصاليين الشيشان، سبق وأن قاتل في صفوف القوات الروسية خلال الفترة ما بين العام 2000 إلى 2004، وانتقل للحياة في ألمانيا بعد أن طلب اللجوء إليها منذ عام 2016. ودرس خلال فترة بقائه في ألمانيا اللغة الألمانية، وحضر دورات لحراس الأمن المحترفين. ووفقًا لأرملته الثانية، أنه قد أراد فتح شركته الأمنية الخاصة هناك، ولهذا السبب كان يدرس طبيعة عمل حُراس الأمن.
وسبق وأن تحدث عنه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، علانية خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماعات الخاصة بـ “صيغة نورماندي”، في تاريخ 10 ديسمبر 2019، بالعاصمة الفرنسية باريس. وقال “بوتين”، “إن زليخمان خانجوشفيلي متورط في عدد من الجرائم، من بينها الهجمات الإرهابية في مترو موسكو”. كما وصفه “بوتين”، في وقتٍ لاحق، أكثر من مرة بأنه أكثر من مُتشدد وبأنه قاتل دموي.
وتعرض “زليخمان” من قبل إلى محاولة اغتيال خلال عام 2009 لمحاولة تسميم، اضطرته لمغادرة جورجيا. وذهب أولاً بعد ذلك إلى ألمانيا، ثم إلى السويد لزيارة بعض أقاربه، ثم غادر إلى أوكرانيا وعاش لبعض الوقت في العاصمة أوديسا. ووفقًا لشقيقه الأكبر، فإنه كان يخشى البقاء في أوكرانيا لذلك قرر العودة لألمانيا في عام 2016. ووفقًا لشهادات مختلفة، فقد حاول القتيل، خلال الحرب الروسية الجورجية، مساعدة القوات الجورجية من خلال جمع عدد يقدر بالمئات من المتطوعين للحرب في بانكيسي، ووضعهم في السيارات التي تحركت نحو “تسخينفالي”، للانضمام إلى القوات الجورجية.
كانت وكالة “إنترفاكس” الروسية الحكومية، قد نقلت عن مصادر ما يفيد بأن القتيل شارك خلال الفترة ما بين مايو وأغسطس 2003، في الهجمات على قوافل القوات الفيدرالية على الطريق بين مدينتي الخاستا وجلاشكي في منقطة سونزنسكي في إنجوشيا، مما أسفر عن مقتل 15 جنديًا. ووفقًا لنفس المصدر، فإن القتيل شارك في يونيو 2004، في هجوم على ممثلي السلطات والإدارة في إنجوشيا، حيث قتل 98 شخصًا، من بينهم 76 مسؤولاً أمنيًا، وأصيب 104 آخرون.
وفيما يتعلق بهوية القاتل، فقد أدانت محكمة برلين، الرجل الروسي المعروف باسم “فاديم كراسيكوف”، بتهمة القتل. ووجهت محكمة برلين اتهامات مباشرة للسلطات الروسية التي أعطت الأوامر للمتهم بتصفية الضحية، وذلك وفقًا لـ “أولاف أرنالودي”، رئيس المحكمة. وذكرت المحكمة أن القرار تم اتخاذه من السلطات الروسية بهدف الانتقام. وحرم القضاة المُدان من إمكانية طلب الإفراج المشروط بعد 15 عامًا. وذكر المُدعى العام، خلال المحاكمة، أن المتهم كان قائد في وحدة خاصة من جهاز الاستخبارات الروسية، وأنه قد سافر من موسكو إلى باريس، ثم إلى وارسو، لافتًا إلى أن وصوله للعاصمة الألمانية جرى بشكل خفي تمامًا، لكنه أكد أنه قد حصل على مساعدة نشطة. ومن جهته، أصر المتهم طوال محاكمته، على نفي الهوية التي نسبتها له النيابة الألمانية، قائلاً، “إنه لا يعرف أحدًا بهذا الاسم”. وأكد المتهم عن طريق محاميه روبرت أونجر، إنه يُدعى “فاديم سوكولوف، وأنه روسي وأعزب ويعمل مهندس إنشاءات.
ونفى الكرملين تورطه في عملية القتل، كما نددت موسكو باستمرار أي تورط لها بالاغتيال مؤكدة أن الحكم سياسي بالكامل. بينما قال السفير الروسي في ألمانيا، “سيرجي نيتشاييف”، “نعتبر إن هذا الحكم ليس موضوعيًا، إنه قرار سياسي يسئ بشكل خطير للعلاقات الروسية-الألمانية الصعبة أساسًا”.
“موسكو-برلين”.. توترات متزايدة
يأتي حكم المحكمة الألمانية بالسجن على المواطن الروسي المتهم بقتل معارض ريادي له تاريخ طويل في مناوءة موسكو في توقيت شديد الحساسية. حيث يشهد العالم، بالأساس، توترات متصاعدة ما بين موسكو والغرب على خلفية التصعيد الروسي على الحدود الأوكرانية. وكان المستشار الألماني، “أولاف شولتس”، قد حذر الأربعاء 15 ديسمبر، من أن روسيا ستدفع ثمنًا باهظًا إذا اجتاحت أوكرانيا. وقال “شولتس”، أمام مجلس النواب الألماني، “في هذه الأيام، نراقب بقلق بالغ الوضع الأمني على الحدود الروسية الأوكرانية”. كما أضاف: “سنناقش ذلك بشكل مكثف في المجلس الأوروبي وقمة الشراكة الشرقية” للاتحاد الأوروبي المنعقدة بعد ظهر الأربعاء. وأوضح: “اسمحوا لي، إذا لم يفهم الجميع ذلك بعد، أن أكرر ما قالته سلفتي (أنجيلا ميركل): كل انتهاك لوحدة الأراضي سيكون له ثمن.. ثمن باهظ”، فيما تزداد المخاوف من اجتياح موسكو لأوكرانيا.
من جهته، حذر نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد من حزب الخضر، “روبرت هابيك”، في مقابلة نُشرت السبت 18 ديسمبر 2021، من عواقب وخيمة على روسيا قد تشمل أنبوب الغاز، “نورد ستريم 2″، المثير للجدل، في حال شنت روسيا هجومًا ضد أوكرانيا. كما أوضحت وزيرة الخارجية الألمانية أن خط أنابيب الغاز الألماني- الروسي الجديد المثير للجدل “نورد ستريم 2” لن يُسمح له بالعمل إذا تصاعدت التوترات مع كييف.
ومن ناحيته، صرح “بوتين” لمسؤولين بارزين في وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء 21 ديسمبر، أن بلاده قلقة للغاية بشأن تواجد قوات الناتو بالقرب من حدودها، وأنها لا تستطيع أن تسمح للناتو بنشر صواريخ في أوكرانيا، من شأنها أن تكون على مسافة بضع دقائق عن موسكو. كما قال الرئيس الروسي: “في حال استمر التوجه العدائي لزملائنا الغربيين، سوف نتخذ إجراءات الرد الملائمة وسنرد بقوة على الخطوات غير الصديقة”، وأضاف ” أريد أن أؤكد أننا لدينا كل الحق في فعل ذلك. لدينا كل الحق في اتخاذ إجراءات بهدف ضمان أمن وسيادة روسيا”.
ومن ناحية أخرى، أثارت جريمة قتل القائد الجورجي في 2019 بالإضافة إلى حادثة تسميم المعارض الروسي، “أليكسي نافالني”، والذي تلقى علاجه في ألمانيا بصيف 2020 قبل سجنه في روسيا. وجريمة قتل الجاسوس الروسي السابق “سيرجي سكريبال”، في بريطانيا في عام 2018، شكوكًا جدية بشأن دور لقوات الأمن الروسية في عمليات عنيفة.
إلى أي مدى قد يتأثر مستقبل خط أنابيب “نورد ستريم 2” بالتوترات؟!
في ضوء التوترات السالفة الذكر، نقف بعلامات الاستفهام، أمام سؤال حول إلى أي مدى قد يتأثر المشروع الروسي-الألماني الطموح بالأوضاع الراهنة؟! وردًا على هذا السؤال، ينبغي أن نعود بالزمن للوراء إلى فترة وجيزة، لنتذكر الجهود التي بذلتها المستشارة الألمانية السابقة، “أنجيلا ميركل”، لفصل المشروع الاقتصادي مع روسيا عن توترات ملف موسكو الحقوقي. وسنعرف من خلال قراءة وجيزة، أن هذا المشروع يُشكل أهمية استراتيجية لألمانيا تمامًا بنفس الطريقة التي يشكل بها أهمية استراتيجية لروسيا. ويعود ذلك إلى عدة أسباب رئيسية، أولها؛ أن التكلفة الإجمالية للمشروع قد وصلت إلى 9,5 مليار يورو، ومن الممكن أن يوفر لمواطني ألمانيا الكثير من الأموال.
كما أن ألمانيا، التي يعرف الجميع، أنها بحاجة للمزيد من الطاقة، شأنها في ذلك شأن كل دول العالم التي تختبر شتاءً قارسًا بفعل التغيرات المناخية التي عصفت بالكوكب. تعتمد بالفعل على الغاز الروسي المصدر إليها بنسبة 40%، وتحصل من النرويج على نسبة تتراوح ما بين 20-30%. كما أن حصتها من الغاز النرويجي على وشك النفاد، كذلك، بسبب توجه الحكومة النرويجية للاعتماد بشكل كلي على الغاز المنتج محليًا. مما يأخذنا إلى فرضية البحث عن بدائل لبرلين تغنيها عن الاعتماد عن الغاز الروسي في وقتٍ قريب، بما يسمح لها بإلغاء المشروع وتوقيفه تمامًا والاستغناء عنه!
حقيقة الأمر، من المؤكد أن برلين ترغب في الحصول على بدائل عن الغاز الروسي. لكن يظل من الصعب، وضع أي تصورات بإمكانية تنفيذ المسؤولين الألمان لتهديداتهم بشأن وقف المشروع والاستغناء عنه تمامًا، في ظل عدم توافر بدائل كفيلة بمد ألمانيا بالقدر الذي تطمح إليه من الغاز. إذ أنه في حالة الاستغناء عن المشروع، فسوف تضطر برلين لأن تلجأ للحصول على الغاز من مصادر أخرى بتكلفة أعلى، مثل غاز التكسير الذي تستخرجه الولايات المتحدة من الأرض عن طريق حقن السوائل، ويتسبب استخراجه في تدمير مساحات هائلة من الأراضي. علاوة على ذلك، فإن خط “نورد-ستريم2″، يمتد من الساحل الروسي إلى أوروبا الغربية، وسيتم تشغيله بعدد محطات أقل، اعتمادًا على تكنولوجيا أقل وأكثر حداثة.
.
رابط المصدر: