في الوقت الذي تتجه فيه أنظار صناعة النفط والطاقة العالمية إلى بدء تطبيق فرض أوروبا سقفًا لأسعار النفط الروسي، وبينما كانت أسواق النفط تعول على اتخاذ تحالف أوبك بلس قرارًا من شأنه تهدئة مخاوف كبار المستوردين على مستوى العالم ومخاوف محاولات التكتل الغربي الأمريكي تعقيد المشهد النفطي العالمي؛ جاء قرار التحالف بالإبقاء على سياسة إنتاج النفط دون تغيير.
ولذلك تستمر حصص إنتاج النفط لدول التحالف بنفس الآليات، مع الإبقاء على سياسة خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا حتى ديسمبر من العام المقبل 2023. ومُنحت لجنة المراقبة الوزارية المشتركة السلطة لعقد اجتماعات إضافية، أو طلب عقد اجتماع وزاري للتحالف في أي وقت لمعالجة تطورات السوق إذا لزم الأمر.
مؤشرات وعوامل أسهمت في القرار
سياسة الحفاظ على ملايين براميل النفط تحت الأرض سياسة متبعة منذ فترات لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك بالإضافة إلى بعد عام 2016 وبدء تشكيل تحالف أوبك بلس، وتلك السياسة تهدف إلى تجنب إغراق الأسواق بالنفط الخام، ودراسة الطاقة الاستيعابية للأسواق بشكل عام، والتي ظلت تعاني من عدم القدرة على أمتصاص المزيد من براميل النفط الخام وبالتحديد منذ انهيار الطلب في مايو من عام 2020.
ولكن الانخفاض النسبي الأخير في أسعار النفط بسبب العديد من العوامل والتأثيرات الجيوسياسية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية ووسط مخاوف من الركود، دفع أوبك بلس إلى ضرورة اتخاذ خطوات وإجراءات عديدة في المرحلة السابقة تهدف في المقام الأول إلى حماية عائداتهم النفطية، وذلك من أجل إعادة بناء اقتصاداتهم التي تضررت كثيرًا من ضعف الطلب على النفط الخام وانهيار مستويات الأسعار النفطية مؤخرًا. ولكن الآن هو وقت الانتظار ومراقبة حركة الأسواق العالمية؛ بسبب سيطرة حالة عدم اليقين بحالة الأسواق النفطية، ولذلك كان قرار تثبيت السياسة السابقة متوقعًا وذلك طبقًا للمؤاشرات التالية:
● محاولة الاتحاد الأوروبي إبعاد حوالي 5 مليون برميل من النفط الروسي عن الأسواق مع الخفض المتبع من التحالف الاجتماع السابق والذي يمثل حوالي 2% من الطلب العالمي من المؤكد سيؤدي إلى إرباك المشهد النفطي العالمي.
● حالات الارتباك في المشهد العالمي للطاقة والنفط فيما يتعلق بمسألة العرض والطلب في العام المقبل.
● حالة عدم اليقين في أسواق النفط الخام فيما يتعلق بمدى نجاح العقوبات الأوروبية على النفط الروسي والتي تدخل حيز التنفيذ اليوم الاثنين.
● القرار جاء ليعكس الحالة الحالية للأسواق النفطية، بالإضافة إلى حالة التراجع في أسعار النفط الفورية.
● البيانات الاقتصادية الضعيفة من الصين، والتي شكلت أداة ضغط هبوطي على أسعار النفط العالمية في الفترة الأخيرة.
● المخاوف من فرض عقوبات إضافية كبيرة محتملة على النفط الروسي، مما سيعمل على ضعف الطلب على الخام في الصين ويصعد المخاوف من حدوث ركود محتمل.
● تأكيد موسكو بأنها لن تقبل بتحديد سقف لسعر نفطها وأنها تدرس الموقف للرد، مما سيعقد المشهد خلال الفترة المقبلة.
● تأثير تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في الطلب على النفط الخام.
● جاء الاجتماع بمثابة مراجعة لتطورات السوق النفطية والتحديات التي تواجه كبار منتجي النفط في العالم، وتأكيد مقررات التحالف بشأن خفض الإنتاج للكميات المقررة؛ لتحقيق مزيد من الاستقرار والتوازن لأسواق النفط العالمية.
● أصبح من الضروري أمام تحالف أوبك بلس الانتظار لدراسة تداعيات العوامل الأخيرة التي واجهت أسواق النفط العالمية وبحث تأثيراتها المختلفة على حركة الأسواق (الإمدادات والأسعار).
● العديد من الأعضاء مقيدون بالقدرة الإنتاجية من النفط الخام وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
● حاجة دول التحالف النفطي الأقوى في العالم إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط العالمية.
● التوقعات بارتفاع الطلب في القارة الأوروبية في حالة تعرضها لموجة شتاء شديدة خلال الأسابيع المقبلة، بالإضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي؛ يجعل دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى زيادة اعتمادها على النفط الخام أكثر من الغاز الطبيعي والغاز المسال.
● حرص التحالف على تأكيد دوروه في الحفاظ على استقرار أسواق النفط وتحقيق التوازن المطلوب.
وبالتالي نستطيع القول إن تأثير القرار سيكون محدودًا وضئيلًا في الأسواق العالمية وحركة السوق لمدة لا تقل عن شهر إلى شهرين؛ إذ من المتوقع أن يحتاج تأثير مدى العقوبات الأوروبية والسقف السعري لصادرات النفط الروسي المنقول بحرًا لمدة أطول، بالإضافة إلى تأثير سياسة خفض الإنتاج السابقة لتحالف أوبك بلس وتداعيات تلك الخطوة على الأسواق وحركة أسعار النفط خلال شهري مارس وفبراير من العام المقبل 2023.
حصص إنتاج النفط لدول تحالف أوبك بلس في يناير القادم
طبقًا لقرار تثبيت سياسة الإنتاج المتبعة من تحالف أوبك بلس، سيتم العمل بقرار الخفض السابق في شهر يناير من عام 2023؛ إذ قرر التحالف تعديل الإنتاج الطوعي بدءًا من شهر نوفمبر الماضي وحتى ديسمبر من العام المقبل 2023، مقارنةً بالمستويات المطلوبة في شهر أغسطس الماضي ولذلك وفقًا للجدول التالي:
ومن هنا تجب الإشارة إلى توقعات منظمة الدولة المصدرة للنفط أوبك بنمو الطلب العالمي على النفط الخام، وذلك بإجمالي حوالي 2.34 مليون برميل يوميًا من النفط خلال عام 2023، وذلك طبقًا للتقرير الصادر عن المنظمة، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى بنحو 560 ألف برميل يوميًا من النفط الخام نموًا في إجمالي حصتها اليومية من النفط الخام.
خلاصة القول، إن الأسواق العالمية لا تزال تشهد حالة من التقلبات الشديدة في أسعار النفط والغاز الطبيعي، والتي بدأت مع اختلال التوازن بين العرض والطلب بعد جائحة كورونا واستمرت بعد الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى ارتفاع حالة الضبابية على المدى القصير والطويل فيما يتعلق بمسألتى العرض والطلب على النفط الخام، والتى تُعد نطاقًا ضيقًا نسبيًا لخام برنت. ولذلك كان من الضروري اتخاذ سياسة التثبيت من أجل قراءة للمشهد القادم في أسواق النفط العالمية، مع دراسة تداعيات تلك الفترة وقرارتها السابقة على حالة السوق النفطية.
وفى الأخير، بالنسبة إلى تحالف أوبك بلس السؤال هو ما سيكون التأثير على المعروض الروسي من النفط الخام خلال الفترة المقبلة وبالتحديد من يناير إلى مارس؟ والشق الآخر من السؤال إلى أي مدى سيستمر الإصرار الغربي الأمريكي على إبعاد النفط الروسي عن المشهد النفطي العالمي؟
.
رابط المصدر: