تتجه أنظار أسواق النفط العالمية صوب فيينا مقر انعقاد تحالف أوبك بلس الذي سيجتمع غدًا حضوريًا للمرة الأولى منذ شهر مارس عام 2020، وسط ترقب لتحركات التحالف في ظل تدهور أسعار النفط، بهدف مناقشة كيفية تحقيق حالة من التوازن في أسواق النفط وذلك في ظل تراجع العقود الآجلة الدولية ودراسة الوضع الحالي لأسواق النفط العالمية، وأثره على الأسعار وحجم المعروض من الخام، وذلك مع تصاعد أزمة الطاقة التي تضرب العالم.
يكتسب الاجتماع أهميته من كونه الثالث لتحالف أوبك بلس وذلك بعد نهاية خطط تخفيضات الإنتاج المعمول بها منذ مايو من عام ٢٠٢٠، وذلك عقب انهيار أسعار النفط تحت وطأة تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى حالات عدم الاستقرار في العديد من الدول ومنها العراق وليبيا، بالإضافة إلى ترقب الأسواق للوضع الإيراني وووضع النفط الروسي المستقبلي، بالإضافة أنه الأول حضوريًا منذ عامين بعد أن كان التحالف يجتمع على أساس شهري عبر الإنترنت، ولم يكن من المتوقع أن يرتب اجتماعًا بحضور المندوبين على الأقل حتى نهاية العام الحالي. مما يعني بأن وزراء التحالف لن يأتوا إلى فيينا لأول مرة منذ عامين حتى لا يفعلوا شيئًا أو من أجل خفض رمزيًا.
من جهة أخرى، ألغى التكتل اجتماعًا كان مقررًا للجنة الفنية المشتركة اليوم الثلاثاء قبل اجتماع الغد لوزراء دول المجموعة لتحديد سياسة الإنتاج حيث تقدم اللجنة الفنية المشتركة المشورة للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك بلس والاجتماعات العامة الوزارية بشأن العوامل الأساسية بالسوق مما يعني بأن الأسواق النفطية قد ينتظرها قرار من نوعٍ مختلف، ربما يكون مهمًا مثل اجتماع عام ٢٠٢٠ وهو الاجتماع الذي اتفق فيه التحالف على تخفيضات قياسية في الإمدادات بلغت نحو عشرة ملايين برميل يوميًا أو ما يعادل حوالي ١٠٪ من الإمدادات العالمية، وذلك في الوقت الذي ضربت فيه جائحة كورونا الطلب على النفط الخام.
تحديات كبيرة تواجه سياسة أوبك بلس
اتبع تحالف أوبك بلس سياسة إبقاء ملايين براميل النفط تحت الأرض؛ وذلك لتجنب إغراق الأسواق بالنفط الخام التي لم تكن قادرة على امتصاصه بسبب انهيار الطلب، وذلك منذ مايو من عام ٢٠٢٠، ولكن الانخفاض النسبي الأخير في أسعار النفط وبالأخص في الفترة الأخيرة ووسط مخاوف من الركود قد يدفع أوبك بلس إلى التزام الحذر، فمنذ ارتفاعه القياسي في مارس الماضي (بداية الحرب الروسية الأوكرانية) حين سجلت أسعار النفط مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية في عام ٢٠٠٨، خسر برميلا النفط الخام المرجعيان أكثر من حوالي ٣٠٪ من سعريهما، ويأتي ذلك الاجتماع بعد أن أتفق التحالف الذي يضم ٢٣ دولة بقيادة السعودية في اجتماعه الأخير على خفض رمزي للإنتاج بمقدار حوالي ١٠٠ ألف برميل فقط يوميًا لشهر أكتوبر، وذلك من أجل الوصول إلى تحقيق حالة من الاستقرار في الأسواق وذلك رغم دعوات الدول المستهلكة إلى المساعدة في ترويض التضخم المتفشي من طريق استمرار ضخ النفط الخام، ولكن تحالف أوبك بلس قد يواجه تحديات كبيرة في كيفية تحقيق التوازن والاستقرار في أسواق النفط العالمية، وذلك بسبب العديد من الأسباب ومنها:
- نقص الاستثمار وصيانة البنية التحتية في بعض الدول الأعضاء منذ مايو عام ٢٠٠٥.
- صعود النفط الصخري مرة أخرى مما يزيد الضغوط على النفط التقليدي.
- الأزمات السياسية المطولة في العديد من الدول ومنها ليبيا والعراق وفنزويلا.
- احتفاظ عدد ضئيل من الدول الأعضاء بالطاقة الإنتاجية من النفط الخام بمعدلات متواضعة.
- ارتفاع المخاوف من الركود الاقتصادي المحتمل، بسبب سياسة التشديد النقدي التي تجوب أرجاء العالم لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة، مع تراجع معدلات التنمية.
- دعوات الدول الأوروبية لفرض سقف على أسعار النفط الروسي.
- وصول مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي للدول إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ٣٠ عامًا.
- العواقب المفاجئة كنتيجة لعمليات تسريع تآكل الطلب من خلال دعم أسعار النفط في الوقت الذي تتباطأ فيه الاقتصادات.
- تأثير الأسواق الرمادية لبيع النفط الخام أسواق النفط العالمية.
- ارتفاع الدولار بعد أن رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة.
- المخاطرة بإثارة غضب الدول المستهلكة بشكل عام والتخوف من قرارات خفض كبيرة.
- انخفاض معدلات الإنتاج الروسي تحت تأثير العقوبات الغربية المرتبطة بحرب أوكرانيا، بالإضافة إلى قرب دخول مرحلة الحظر مرحلة الحسم.
- تحقيق خام برنت خسائر شهرية وفصلية بنحو حوالي ٨٬٨ و٢٣٪ على التوالي، فيما سجل الخام الأمريكي تراجعًا بنحو حوالي ١٢٪ خلال سبتمبر وحوالي ٢٥٪ في الربع الثالث من العام الحالي ومواصلة الاقتصاد العالمي المتدني الضغط على أسعار النفط الخام.
- شهدت أوبك بلس الشهر الماضي عجزًا في الإنتاج بواقع حوالي ٣٬٥ مليون برميل، حيث أن إجمالي ما أنتجه التحالف أكثر من حوالي ٣٨ مليون برميل يوميًا الشهر الماضي، في حين كان المفترض إنتاج ما يتجاوز مستويات ٤٢ مليون برميل يوميًا.
- مستوى المخزون النفطي التجاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ حوالي ٢٬٧ مليون برميل في يونيو الماضي، حيث يشكل هذا المعدل أقل بنحو حوالي ١٦٣ مليون برميل عن نفس الفترة من العام الماضي (الاتجاهات والميول فى أسواق النفط سلبية).
بشكل عام، ارتفعت أسعار النفط العالمية وذلك كنتيجة طبيعية لتوقعات خفض الإنتاج المتوقعة من التحالف فى اجتماع الغد بما يصل إلى حوالي ٥٪، مع تداول العقود الآجلة لخام برنت القياسي عند حوالي ٨٩٬٤١ دولارًا للبرميل اليوم الثلاثاء، وذلك وسط توقعات بأن أوبك والتحالف ستحاول استعادة السيطرة على الأسعار النفطية.
توقعات اجتماع الغد
بشكل عام وطبقًا لقراءة الأحداث الحالية في سوق النفط العالمي؛ يُعد هذا الاجتماع تمهيدًا مهمًا ورسم سيناريو لاجتماع ديسمبر المقبل، وذلك مع بدء سريان الحظر الأوروبي على الإمدادات الروسية من النفط، ومن ثم سيعلن اللاعبين الرئيسون نياتهم، لتحقيق التوازن بين حصة السوق والسعر، وأيضًا لضمان تكوين جبهة مشتركة وموحدة عندما تتطلب الحاجة إلى القيام بتخفيضات بمستويات قياسية، وطبقًا للتحديات السابقة التي تواجه أسواق النفط العالمية ودول التحالف، فإن هناك العديد من السيناريوهات المحتملة لاجتماع الغد (سياسة الخفض ولكن بمعدلات مختلفة)، لأن عدم تدخل التحالف أو اتخاذ إجراءات قوية لسحب البراميل من السوق سيزيد الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط العالمية، وزيادة حالة التذبذب الحاد فى أسعار النفط الخام، ومن هنا نستطيع أن نلقى الضوء عليها:
- الخيار الأول:
خفض مستويات الإنتاج بنسبة تتراوح بين ٤٥٠ إلى ٦٥٠ ألف برميل، وذلك الخيار يهدف إلى استقرار أسواق العقود الآجلة للنفط الخام، ويكتسبت هذا الخيار دعمًا قويًا من داخل التحالف حيث عانت أسعار النفط الخام من أطول سلسلة في تاريخ التحالف من الخسائر وذلك منذ عام ٢٠٢٠ وذلك بسبب المخاوف الكبيرة بشأن قوة الاقتصاد العالمي، مما عرض المكاسب المفاجئة وغير المسبوقة التي يتمتع بها دول التحالف هذا العام للخطر، ولكن يظل السؤال عما هي المعايير المطلوبة لتحريك مثل هذه الخطوة، وكيفية توزيع نسب الخفض على الدول الأعضاء.
- الخيار الثاني:
خفض مستويات الإنتاج بمعدلات تتراوح بين ٦٥٠ إلى مليون برميل حيث طرحت موسكو تلك الرؤية، وعلى الرغم من أن روسيا التي اقترحت خفض الإنتاج تتطلع إلى تعزيز دخلها النفطي لتمويل حربها في أوكرانيا، إلا أن القرار الذي يدعم جهود موسكو بشكل مباشر أو غير مباشر، لن يكون جيدًا على الساحة الدولية.
وبشكل عام؛ يبقي خيار الخفض هو الخيار الأساس على مائدة اجتماع الغد، واحتمالات خفض إنتاج النفط لشهر نوفمبر المقبل تظل السيناريو الأكثر ترجحيًا، ولكن أنه إذا تم الاتفاق على خفض مستويات الإنتاج بين أعضاء التحالف فيجب أن تكون النسبة أكبر كثيرًا من الخفض السابق لكي يكون لها تأثير واضح على الأسعار النفطية وليس تأثير لحظي بما لا يقل عن ٤٥٠ ألف برميل يوميًا، لأن الأساس من قرار خفض الإنتاج هو تحقيق حالة من التوازن والاستقرار في الأسواق النفطية وبين العرض والطلب، ولكن يبقي السؤال هو ماذا سيكون الرد الأمريكي على قرار تحالف أوبك بلس بخفض مستويات الإنتاج بمستويات مرتفعة وفي حال استجابة الأسواق النفطية للقرار وارتفاع الأسعار بشكل كبير عن المستويات الحالية (احتمال متوسط التأثير)، فهذه الحالة من الممكن أن تتدخل واشنطن والدول الأعضاء الأخرى في وكالة الطاقة الدولية وسحب المزيد من الاحتياطيات الإستراتيجية من النفط الخام لتهدئتها، حيث تكررت تلك الخطوة كثيرًا (اللعب بورقة الاحتياطي الاستراتيجي)، حيث لجأ بعض الرؤساء الأمريكيين إلى السحب من الاحتياطي لتهدئة أسواق النفط خلال أوقات الحرب أو عند حدوث أعاصير تتسبب في تعطل البنية التحتية النفطية على امتداد الساحل الأمريكي على خليج المكسيك.
تحديات وصعوبات توزيع حصص الخفض على الدول الأعضاء
بصفة عامة، تُمثل أوبك حوالي ٤٠٪ من الإنتاج العالمي من النفط، ومع تحالف أوبك بلس يصل إلى حوالي ٦٥٪، وتُشكل طريقة توزيع وتنفيذ مقترح الخفض المتوقع مسألة صعبة لدول التحالف، حيث إن معظم دول التحالف والمشاركين في اتفاق الإنتاج الذي تم العمل به منذ عام مايو عام ٢٠٢٠ والذي تم الانتهاء من العمل به الشهر الماضي، ولذلك يكافحون من أجل استعادة مستويات الإنتاج وهي مسألة في غاية الصعوبة في ظل ضعف حجم الاستثمارات مع ضعف في البنية التحتية، ويرجع تراجع بعض الشركات النفطية إلى الضغوط التي يمارسها المساهمون الذين إما يدفعون لنماذج أعمال أكثر وعيًا بالبيئة، أو يسعون إلى تحقيق عوائد أفضل على حجم استثماراتهم، وبعض هذه الأفكار ترجع ببساطة إلى تضرر الإيرادات النفطية بشكل كبير بشدة وذلك في منتصف عام ٢٠٢٠، وهو الأمر الذي أجبر العديد من الشركات على خفض ميزانياتها، ومن جهة أخرى تتمتع دول التحالف بالقدرة على الحفاظ على توازن الأسواق النفطية وذلك من خلال سياسات مختلفة (الخفض أو الزيادة)، على الرغم من أن عددًا قليلًا فقط من الدول البالغ عددها ٢٣ دولة لديها قدرة إنتاجية فائضة، ومن المحتمل أن يكون لدى أكبر بلدين، أقل مما تشير إليه الأرقام المستخدمة في سياسة الإنتاج.
ولكن وقد تكون أحد الحلول الممكنة من أجل التغلب على تلك المعادلة الصعبة كالتالي:
- قيام مجموعة من أعضاء التحالف التي تضخ النفط الخام بمعدلات تقترب من حصصهم والتي لديها فائض في الإنتاج في تحمل وتنفيذ حجم الخفض المقترح، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية والعراق والكويت الإمارات العربية المتحدة.
- أن تقبل موسكو سقفًا منخفضًا يتماشى مع الرياض دون أن تخسر شيئًا؛ حيث سيستمر إنتاجها مقيدًا بالعقوبات والحظر.
ختامًا، مما لا شك فيه أن أعضاء التحالف يحتاجون إلى اتخاذ قرارات تهدف إلى حماية عائداتهم النفطية، وذلك لإعادة بناء اقتصاداتهم التي تضررت كثيرًا من تدمير الطلب على النفط الخام وانهيار مستويات الأسعار النفطية، ولكن تحالف أوبك بلس ينتج بالفعل أقل من المعدلات المستهدفة بمراحل كثيرة، وذلك يعني أن أي خفض إضافي بنسبة متواضعة لن يكون له أي تأثير ملموس (مجرد تأثير لحظي) في الإمدادات، حيث إن منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها لم تصل بالفعل إلى هدف إنتاجها الأساسي وبفارق حوالي ٣٬٥ ملايين برميل يوميًا خلال شهر أغسطس الماضي (وهذا أعلى من حجم الخفض المتوقع في اجتماع الغد)، وهو عجز أكبر مما كان عليه في شهر يوليو الماضي.
وقد تظل الأسعار منخفضة على المدى القريب وذلك بسبب الاتجاه السائد لتجنب المجازفة وقوة الدولار الأمريكي وحالة عدم اليقين في الأسواق النفطية؛ لأنه بالنظر إلى التطورات الإجمالية للأسواق النفطية، سنجد حالة واضحة من التدهور تسود الأسواق العالمية وصناعة النفط بشكل عام، وقرار خفض الإنتاج قد لا يدعم العودة إلى الاتجاه التصاعدي للأسعار، بالإضافة إلى أن العديد من دول التحالف تنتج بالفعل أقل من حصتها، وفي الأخير لا شك في أن تحالف أوبك بلس سيحتاج إلى خفض معدلات الإنتاج عاجلًا أم آجلًا، إذا كانت ستمنع استمرار انخفاض أسعار النفط الخام وسعي التحالف المستمر في الحفاظ على مستويات فوق ١٠٠ دولار للبرميل.
.
رابط المصدر: