ديفيد ماكوفسكي
في خطوة مثيرة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه البارز في الانتخابات القادمة، زعيم “حزب أزرق أبيض” بيني غانتس سيزوران البيت الأبيض في 27 كانون الثاني/ يناير لإطلاعهما على خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط التي طال انتظارها. وكما هو متوقع، لم تُقدّم دعوة لـ “السلطة الفلسطينية”، التي قطعت العلاقات مع واشنطن بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في عام 2017. (ستتم مناقشة أكمل لردود الفعل الفلسطينية على الاجتماع في مرصد سياسي لاحق).
وكان ترامب قد قال في الأسبوع الماضي إنه سينشر تفاصيل مبادرته قبل اجتماعه مع نتنياهو وجانتس لكن البيت الأبيض لم يوضح بعد على وجه الدقة موعد إعلان تفاصيل الخطة .
لماذا الان؟
من الصعب تجاهل واقع قيام البيت الأبيض بتحديد موعد انعقاد القمة في اليوم ذاته الذي من المقرر أن يبدأ فيه الكنيست الإسرائيلي مداولاته بشأن منح نتنياهو حصانة من المحاكمة ضده على خلفية لوائح اتهام بالفساد إلى حين تركه منصبه. لكنّ المسؤولين في “حزب أزرق أبيض” تزعموا حتى الآن الجهود البرلمانية في هذا الشأن، ويبدو أنه ليس هناك احتمال منحه الحصانة. وتبعاً لذلك، بدأ الجمهور الإسرائيلي بتقبل الفكرة بأنه إذا فاز نتنياهو بجولة الانتخابات الثالثة غير المسبوقة التي تشهدها إسرائيل [خلال عام واحد]، في الثاني من آذار/ مارس، فسيدير نتنياهو شؤون البلاد في الوقت نفسه الذي يمثل فيه أمام المحكمة. وبالنظر إلى علاقته الحميمة المعروفة مع ترامب، فهناك تكهنات واسعة بأن نتنياهو طلب عقد الاجتماع من أجل صرف الانتباه عن إجراءات الكنيست. ويجدر بالذكر أن القمة ستُعقد أيضاً وسط المحاكمة الخاصة بعزل ترامب.
ويُعتبر تحويل تركيز الناخبين في انتخابات آذار/ مارس من الحصانة إلى خطة السلام الأمريكية منعطفاً حاداً لنتنياهو. فحتى الآن، أعطى مبررات تؤكد أن الكشف عن خطة ترامب خلال حملة انتخابية سيكون كارثياً لأنها قد تزعزع قاعدته اليمينية. وبالفعل، بعد إعلان واشنطن [عن الكشف المتوقع للخطة]، أصدر منافس نتنياهو اليميني المتطرف وزير الدفاع نفتالي بينيت بياناً أعلن فيه أن حزبه “يمينا” (اليمين) يعارض التخلي عن أي أرض إضافية لإقامة دولة فلسطينية. ورغم أن التوقعات من خطة ترامب قد تكون أقل بكثير من تلك التي يأملها الفلسطينيون على هذا الصعيد، إلا أنها من المرجح أن تمنحهم غالبية أراضي الضفة الغربية بمرور الوقت، بما في ذلك المنطقة “ج” وأجزاء كبيرة من المنطقتين “أ” (الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية في المناطق الحضرية) و “ب” (التي يسيطر فيها الفلسطينيون على الأمن العام، إلّا أن إسرائيل تتمتع بالسلطة الغالبة).
ومع ذلك، يشير توقيت الكشف عن الخطة الأمريكية إلى أن نتنياهو خشي احتمال فقدان الحصانة وأنه مستعد للمغامرة بخوض معركة مع اليمين في إسرائيل. وربما أنه واثقاً من قدرته على المراوغة وسط توقعات الجمهور بشأن خطة ترامب – على سبيل المثال، قد يشير إلى أن لديه بعض التحفظات إزاء البنود المتعلقة بالأراضي مع التأكيد في الوقت نفسه على أنها أقرب إلى متطلبات إسرائيل من أي مبادرة سلام أمريكية سابقة. ويعتقد نتنياهو على ما يبدو أن النقاد والخبراء الإسرائيليين المحافظين يركزون على الطبيعة التاريخية للخطة أكثر من تركيزهم على ترسيم الحدود المحتمل، لأن من وجهة نظرهم، من المؤكد أن يرفض الفلسطينيون الاقتراحات على أي حال. ومن هذا المنطلق، سيكون من المهم ملاحظة ما إذا كان البيت الأبيض سينشر خارطة الآن أو سينتظر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، حيث من المرجح أن تلهب مثل هذه التفاصيل، بعض الشرائح على الأقل ضمن قاعدة نتنياهو.
ما الذي تريد الإدارة الأمريكية تحقيقه؟
من المنطلق الأكثر مباشرةً، يصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن دعوة كل من نتنياهو وغانتس تنفي الادعاء بأن واشنطن تتدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية. كما أشاروا إلى أن هذه الجولة الثالثة من الانتخابات بالكاد تضمن كسر الجمود الذي وصلت إليه الأمور في نيسان/ أبريل وأيلول/ سبتمبر الماضيين، لذا لابد من اتخاذهم هذه الخطوة الآن. غير أن هذا النقاش يفترض أن تكون استجابة المرشحَيْن الإسرائيليَيْن لخطة السلام متشابهة. وفي المقابل، قد يرى البعض أن نتنياهو وترامب يمنحان الأولوية لمزاياهما الانتخابية المحتملة حتى إذا كان ذلك يهدد استمرارية حل الدولتين الذي يتم التفاوض بشأنه.
وتؤدي هذه النواحي المثيرة للقلق، إلى جانب الإدراك بأنه من غير المحتمل أن تنهي “السلطة الفلسطينية” مقاطعتها وتشارك فجأة في المفاوضات، إلى طرح السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هو هدف الاجتماعان [مع نتنياهو وغانتس] وخطة السلام القادمة؟ هناك تفسيران محتملان يبدوان أكثر ترجيحاً.
أولاً، قد تنوي الإدارة الأمريكية إطلاق “رؤية” تكون بمثابة علامة للمحادثات المستقبلية بدلاً من خطة مفصلة. وقد يعتبر الرئيس هذه المقاربة وسيلة لتحديد نقطة مرجعية جديدة تعمل على تغيير مواقف الولايات المتحدة القائمة منذ فترة طويلة بشأن القضايا الأساسية، وبالتالي التأثير على جميع المبادرات المستقبلية. وإذا أُعيد انتخاب ترامب، تعتقد الإدارة الأمريكية أنه سيتعين حينها على “السلطة الفلسطينية” التراجع عن المواجهة والتسليم لهذا الواقع السياسي الجديد.
وفي المقابل، ربما تعوّل الإدارة الأمريكية على رفض “السلطة الفلسطينية” للخطة بشكل كامل. ومن هذا المنطلق، فإن رفض فلسطيني قاطع قد يمنح إسرائيل حرية التصرف لضمّ مناطق مثل غور الأردن، الذي من المحتمل أن تضعه أي مبادرة سلام يقدمها ترامب تحت سيطرة إسرائيل، لذلك فإن طرح تفاصيل الخطة الآن يمكن أن يوفر لواشنطن وسيلة لدعم تحرك إسرائيلي مماثل حتى قبل إجراء مفاوضات مع “السلطة الفلسطينية”. وفي هذا السياق، قد يكون تعامل إسرائيل مع وضع مشابه – النزاع مع سوريا حول مرتفعات الجولان – مفيداً. فإسرائيل طبقت قوانينها الخاصة على تلك المنطقة في عام 1981، ولكنها انضمت لاحقاً إلى طاولة المفاوضات لمناقشة وضع الجولان في ظل حكومات متعاقبة في تسعينيات القرن الماضي، وتحت قيادة نتنياهو أيضاً.
ومهما يكن الأمر، فإن رفض “السلطة الفلسطينية” للخطة الأمريكية شرط أساسي لأي حركة ضمّ للأراضي تقوم بها إسرائيل، وهو ما قد يفسر سبب حث أحد كبار القادة العرب الرئيس محمود عباس مراراً وتكراراً على عدم رفض أفكار ترامب بشكل تام، خوفاً من تداعيات محتملة تتعلق بالأراضي. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه النصيحة تلقى آذاناً صاغية حتى الآن – فقد حذّر المتحدث باسم “السلطة الفلسطينية” نبيل أبو ردينة مؤخراً من أن الخطة الأمريكية ستتجاوز “الخطوط الحمراء” الفلسطينية إذا فشلت في اعتبار حدود ما قبل عام 1967 كخط أساس للانسحابات الإسرائيلية، مما يعزز احتمال أن تؤدي قمة واشنطن إلى اندلاع أعمال عنف في المناطق [العربية التي تسيطر عليها إسرائيل].
أما بالنسبة للدول العربية والأوروبية، فقد أجْرت الإدارة الأمريكية مشاورات هادئة مع عدد قليل منها على الأقل قبل إطلاق الخطة، على الرغم من أنها قد تتواصل مع هذه الدول مجدداً قبل الاجتماع. ومن الناحية المثالية، تأمل الإدارة الأمريكية أن يرى المسؤولون العرب وجود عناصر في الخطة تستحق المزيد من النقاش، مدركةً تمام الإدراك أن مثل هذه التصريحات لا تحظى بالدعم. ومع ذلك، فحتى هذا الهدف المحدود قد لا يتحقق، وقد يختار القادة العرب بدلاً من ذلك الصمت أو حتى الانتقاد العلني إذا رأوا أن الخطة تميل بشكل غير متوازن لصالح إسرائيل. على سبيل المثال، تفيد بعض التقارير أن عمّان هددت بتعليق معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل إذا أقدم نتنياهو على ضمّ غور الأردن.
مستقبل المستوطنات
تكهن البعض بأن خطة ترامب ستمنح ما يقرب من 80 في المائة من الضفة الغربية للفلسطينيين، حيث ستضمّ إسرائيل ليس فقط الكتل الاستيطانية الرئيسية القريبة من الحاجز الأمني في الضفة الغربية، بل أيضاً بعض المستوطنات البعيدة أو جميعها فضلاً عن غور الأردن. والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت سيادة الأراضي الفلسطينية الناتجة عن الخطة موصوفة بعبارات طموحة بحتة أو مرتبطة بخطوات فلسطينية محددة في المستقبل.
ويختلف جدوى الخيارات المحتملة الأخرى. فقيام خطة سلام تترك عشرات المستوطنات القائمة خارج التجمعات السكانية الكبرى كجيوب منفصلة خارج الحاجز الأمني، مع ارتباطها الدائم بإسرائيل، مع تواجدها داخل دولة فلسطينية، سيثير شكوكاً جدية حول تطبيق هذه الخطة نظراً إلى تشويهات الأراضي وعدد المستوطنين المعنيين (أكثر من 100,000 شخص). وتبدو الدعوة إلى إزالة المواقع الاستيطانية التي تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي خطوة فعالة وتلقى ترحيباً على نحو أكبر. أما بالنسبة للفلسطينيين، فربما ترمي الخطة الأمريكية إلى إقامة عاصمة لهم من خلال دمج بعض الأحياء الخارجية في القدس الشرقية إلى المدينة. ومع ذلك، فإن الإعلان عن دولة فلسطينية سيأتي على ما يبدو بشروط مسبقة – أي الموافقة على نزع السلاح وقبول هوية إسرائيل كدولة يهودية.
هل غانتس محاصر؟
من غير الواضح ما إذا كان سينتهي المطاف باجتماع واشنطن بتقويض غانتس سياسياً. ويُعتقد أن رئيس أركان الجيش السابق يخشى من احتمالين على وجه الخصوص: (1) أن يميل الاجتماع لصالح نتنياهو ويسمح له بتحويل الانتباه بعيداً عن قضية الحصانة ومشاكله القانونية الأوسع نطاقاً؛ و(2) أن يحاول نتنياهو استخدام خطة السلام كحافز لتطبيق القانون الإسرائيلي على غور الأردن أو ضمه بالكامل.
ورغم تعرُّض غانتس لضغوط شديدة لرفض دعوة البيت الأبيض قبل قراره بالموافقة عليها، إلا أنه خشي من دون شك في أن يبدو وكأن لا فائدة له في الحضور إلى واشنطن، لأن نتنياهو ربما يستغل اهتمام وسائل الإعلام للادعاء بأن علاقته الشخصية مع ترامب هي التي جعلت خطة السلام قريبة جداً من رؤيته. وقد خشي غانتس على الأرجح من أن يُنظر إليه على أنه يميل إلى يسار الإدارة الأمريكية اليمينية، لأن ذلك قد يؤدي إلى تقويض دعمه بين الناخبين الإسرائيليين المعتدلين من يمين الوسط الذين كان يسعى جاهداً إلى التقرب منهم.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن غانتس يستعد لاحتمال مقاربة من خطوتين تدفع بموجبها الخطة الأمريكية بنتنياهو إلى ضمّ غور الأردن. وكان قد صرّح في الأسبوع الماضي بأنه يفضل مثل هذا الضمّ، ولكن فقط “بالتنسيق مع المجتمع الدولي”. وفي المقابل، أعلن زميله في زعامة حزب “أزرق أبيض” يائير لبيد أنه يجب إرجاء ضمّ غور الأردن إلى ما بعد إجراء مفاوضات ناجحة مع الفلسطينيين. ومن المهم لإدارة ترامب أن لا تأخذ إسرائيل أي خطوات فاعلة لضمّ هذه المنطقة في الوقت الحاضر، على الأقل إلى حين رفض “السلطة الفلسطينية” للخطة بشكل قاطع. ومن هذا المنطلق، قد يلعب عباس لمصلحة نتنياهو على حساب غانتس.
رابط المصدر: