احتواء المخاطر: هل تبدأ حقبة جديدة في العلاقات التركية السورية؟

عقب مرحلة من الجمود والتوقف تبنت تركيا خطوات إيجابية على مسار التقارب مع دمشق بدأتها بعقد اجتماع لمسئولين عسكريين من القوات المسلحة التركية والجيش السوري في قاعدة حميميم الجوية الروسية يوم 11 يونيو الفائت بوساطة روسية، لتتوالى بعد ذلك النبرة الدبلوماسية التصالحية الداعية للتهدئة ولتتسارع وتيرة التحركات الدبلوماسية الهادفة لتطبيع العلاقات الثنائية بما في ذلك التشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في كازاخستان، علاوة على تواتر أنباء بشأن اجتماع سوري تركي مرتقب غير مُحدد الموعد في العراق، وفتح معبر “أبو الزندين” الواقع في قرية “أبو الزندين” قرب مدينة حلب والفاصل بين مناطق النظام والمعارضة، لكن التحول اللافت كان تكليف أردوغان وزير خارجيته هاكان فيدان بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد وسط تلميح إلى احتمالية دعوة الأسد لزيارة تركيا بالتزامن مع زيارة مرتقبة لبوتين يحتل ملف المصالحة التركية السورية موقع الأولوية منها، وهي خطوة لم تكن متصورة قبل أشهر قليلة في ظل التعنت التركي ضد الرئيس الأسد. وبناءً عليه، تناقش هذه الورقة محفزات التحركات التركية تجاه التطبيع مع سوريا وتداعياتها على الواقع السوري والإقليمي.

يقصد بكلمة التطبيع عودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي بعد مرحلة مضطربة وقد وضعت تركيا شروطًا لاستعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق ضمن تسوية سياسية شاملة تكون المعارضة جزءًا منها ولا تتضمن بقاء بشار الأسد رئيسًا لسوريا، لكن مع إدراكها لغياب حل سياسي في الأفق لجأت أنقرة لإعطاء الأولوية للقضايا الجزئية بديلًا عن الحلول الشاملة والجذرية للأزمة السورية، بحيث بات التطبيع يحمل معنى مختلفًا ويرتبط بشروط مغايرة تتعلق أساسًا بمكافحة حزب العمال الكردستاني وتقييد الطموحات الكردية وتسهيل عودة اللاجئين، ومن هنا يُمكن فهم دوافع أنقرة لإعادة تفعيل مسار التطبيع حاليًا بما يفرض واقعًا إقليميًا جديدًا، والتي يُمكن تناول أبرزها كالتالي:

• تأمين الحدود الجنوبية: أدركت أنقرة أن معالجة هاجسها الأمني واستقرار الحدود الجنوبية عن طريق ملاحقة حزب العمال الكردستاني وتفكيك هياكل الحكم الذاتي شبه المستقل في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا –التي تعتزم إجراء أول انتخابات بلدية في مناطق سيطرتها خلال أغسطس المقبل– يتطلب مشاركة الحكومة السورية في ظل استمرار السياسات الأمريكية الراعية للأكراد، ولعل الاستعانة التركية بالوساطة العراقية راجعة بالأساس لوجود القيادة الرئيسية لحزب العمال في منطقة قنديل، ما يتطلب إجراء تفاهمات أمنية مع بغداد لقطع خطوط الإمداد والتواصل البري بين حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية عبر الحدود السورية العراقية. وفي الواقع تشارك دمشق أنقرة الهاجس الأمني ذاته إدراكًا منها لمخاطر تقسيم البلاد إذا ما مضت قوات سوريا الديمقراطية قدمًا في إجراء انتخابات أغسطس وتعتقد أن تركيا تعمل كشريك أمني لمواجهة هذا السيناريو، وربما يُفسر ذلك تخفيف الأسد لموقفه المتشدد إزاء ضرورة انسحاب القوات التركية كشرط للتطبيع.

• تخفيف ضغوط قضية اللاجئين: مثلت قضية اللاجئين السوريين صداعًا في رأس الحكومة التركية بعدما باتت موضوعًا رئيسيًا للمنافسة السياسية يتم توظيفه من قِبل مختلف الأحزاب لمهاجمة أردوغان، علاوة على تنامي المشاعر العنصرية المناهضة للاجئين وتزايد حالات العنف بحقهم وكان آخرها أعمال العنف بحق اللاجئين وممتلكاتهم وأشغالهم في ولايات قيصري وهاتاي وأضنة وبورصة وغازي عنتاب وشانلي أورفا وقونيا وكيليس وإسطنبول، فضلًا عن تنامي الأصوات التي تُحمّل اللاجئين جزءًا كبيرًا من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعليه، تتطلع أنقرة لإبرام تفاهمات مع النظام السوري تضمن توفير ضمانات بعدم ملاحقة العائدين لتشجيع عودتهم، لا سيَّما أن السوريين في تركيا ينحدرون من عديد المدن السورية، كما أن المناطق الشمالية ليست ملائمة بالكامل لعودة السوريين بسبب الظروف المعيشية.

• توظيف المتغيرات الإقليمية: تحفز بعض متغيرات اللحظة الإقليمية الراهنة مسار التطبيع التركي السوري انطلاقًا من جوانب عدة؛ فمن جهة، تستغل أنقرة سعي دمشق للبحث عن حلفاء إقليميين نتيجة للمخاوف من اندلاع حرب إقليمية تبدأ من جنوب لبنان وتتوسع لتشمل الجنوب السوري أيضًا في ظل عدم استعداد روسيا للدخول في مواجهة مع إسرائيل وعدم رضاء الحكومة السورية بالكامل عن الوحدة الروسية الصغيرة المنتشرة بالقرب من هضبة الجولان. ومن جهة ثانية، تنظر تركيا لارتباك العلاقات السورية الإيرانية نتيجة الضربات الإسرائيلية ضد عناصر وأهداف إيرانية في سوريا، وانشغال طهران بالانتخابات المبكرة وصعود رئيس إصلاحي، وفقدان إيران لبعض خبرائها ومستشاريها المعنيين بالشأن السوري في الضربات الإسرائيلية، كفرصة لضمان عدم عرقلة طهران مساعي التقارب. وعلى صعيد ثالث، يحظى توجه التطبيع بين البلدين بتشجيع بعض الأطراف الخليجية وبالأخص الإمارات والسعودية كحافز للنظام السوري الذي لم ينخرط ضمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي الحالي.

• مؤشرات الانتخابات الأمريكية: تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة احتمالات عودة مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا خلال انتخابات نوفمبر المقبل، وتتحسب أنقرة لتداعيات هذا السيناريو على الملف السوري الذي يمنحها فرصًا وتحديات في آن واحد؛ فلدى أردوغان خبرة سابقة مع قرار ترامب تقليل القوات الأمريكية شمال شرق سوريا وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا لتنفيذ عملية نبع السلام خلال أكتوبر-نوفمبر2019، ومن ثَمّ يُمكن أن تخلق عودة ترامب فرصة لانخراط تركي أكبر في الأزمة السورية لا سيَّما إذا ما خفضت الإدارة الأمريكية وجودها العسكري في سوريا تاركة فراغًا ربما تسعى أطراف إقليمية منافسة لملئه مثل إيران، ويُتيح حرية حركة أكبر لقوات قسد، ويُجدد احتمالات الحوار الكردي-السوري خاصةً مع وجود روابط غير مباشرة بين الأكراد وإيران وروسيا، وهذه الأخيرة تشجع الحوار بين وحدات الشعب ودمشق، وهو سيناريو يحتاج التعاون أو على الأقل التنسيق مع دمشق لمجابهته، لذلك أرادت أنقرة استباق أي تغيرات في المشهد السياسي والأمني السوري لبناء تفاهمات مع الحكومة السورية.

• تعزيز الدبلوماسية الإقليمية: ترغب تركيا في اكتساب المزيد من النفوذ الدبلوماسي على الساحتين الإقليمية والعالمية، وهو ما أطلقت عليه في السنوات الأخيرة “المبادرة الدبلوماسية”، وبموجبها بادرت أنقرة بالمصالحة مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، ويُمكن النظر إلى إحياء مسار التطبيع مع سوريا كجزء من هذه الجهود وتعزيز دور تركيا في الشرق الأوسط، كما أنه يُظهر قدراتها على اتباع سياسة التوازن بين الولايات المتحدة وروسيا اللذين يمتلكان مصالح واستراتيجيات مختلفة تجاه سوريا، وذلك ضمن صفقات جيوسياسية أوسع.

يحمل دخول العلاقات التركية السورية مرحلة جديدة تداعيات محتملة على الأوضاع السياسية والاقتصادية في مناطق الشمال السوري وكذلك بالنسبة للحكومتين التركية والسورية، وهو ما يُمكن توضيحه كالتالي:

• فقدان الحاضنة الشعبية لتركيا: تخشى المليشيات في مناطق المعارضة تبعات تقارب أنقرة ودمشق على استمرار الدعم السياسي والعسكري التركي أو إجبارها على المصالحة مع الحكومة السورية في إطار صفقة سياسية مع دمشق، ونتيجة لذلك انخرطت الفصائل المعارضة للمرة الأولى في اشتباكات مع القوات التركية التي وإن بدأت وكأنها استجابة مباشرة للاعتداء على اللاجئين السوريين في ولاية قيصري التركية إلا أنها تحمل في أحد أبعادها اعتراضًا على سياسات تركيا الجديدة تجاه القضية السورية عمومًا ما يُنذر بفقدان أنقرة حاضنتها الشعبية في الشمال السوري.

• استجابة متباينة لفصائل المعارضة: ربما تتوقف استجابة فصائل المعارضة للتحول في العلاقة التركية السورية على درجة تبعيتها لأنقرة؛ فالفصائل التي أسستها تركيا والمرتهنة كليًا لقرارها مثل فرقة السلطان سليمان شاه وألوية السلطان مراد وفصيل الحمزات أكثر استعدادًا للامتثال للتوجيهات التركية وقد تتماهي مع قرار التقارب السياسي وتقبله لا سيَّما أنها فصائل غير متجانسة عرقيًا ومناطقيًا، وتعتمد على دعم أنقرة، وقادتها ذوي الأصول التركية. بينما الفصائل ذات التوجه الإسلامي، والمتجانسة عرقيًا ومناطقيًا والمنحدرة من أصل عربي، وتتمتع بدعم اجتماعي قوي متجذر في الروابط الإقليمية والعائلية والقبلية، وتشكلت بالأساس للإطاحة بالأسد، مثل جبهة الشام وحركة التحرير والبناء وفرقة المعتصم، وكذلك هيئة تحرير الشام المُسيطرة على أدلب، قد تقاوم العملية التركية وتسعى لعرقلتها وتنخرط في عمليات عسكرية ضد المصالح التركية أو تؤجج الاحتجاجات الشعبية ضدها.

• إعادة تشكيل العلاقة مع فصائل المعارضة: اعتادت أنقرة ألا تُلقي بأوراقها كليةً فلربما احتاجت لإعادة تدويرها وتوظيفها، هكذا يُتوقع أن تحكم زاوية التفكير هذه سياسات أنقرة تجاه الفصائل المسلحة الموالية لها، إذ ربما لا تتخلى عنها نهائيًا وإنما تلجأ لإعادة هيكلتها عن طريق تفكيك بعضها ودمج البعض الآخر وإعادة تعريف مهامها وتحديد مستوى وحجم تسليحها، وهي خطوات متقدمة تتوقف على مدى نجاح التفاهمات التركية السورية وتطورها وصولًا للمرحلة النهائية التي تعترف خلالها تلك الفصائل بدمشق باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في سوريا، لكنها خطوة مستبعدة خلال المرحلة الحالية. ومع ذلك، يعتري الارتباك والتشكك مسار العلاقات التركية مع الفصائل الموالية حيث لم يُسفر لقاء منسق الاستخبارات التركية بشكان سامي مع 100 قائد من الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة في مدينة أعزاز خلال يوليو الجاري سوى عن تصريحات فضفاضة بخصوص عدم تخلي تركيا عن هذه الفصائل وضمان سلامتها وحمايتها، دون الوعد بإجراءات ملموسة أو الالتزام بإشراك ممثليها في الاجتماعات السورية التركية المقبلة.

• ارتباك في مناطق الأكراد: يُعد مصير قوات سوريا الديمقراطية وسلاحها والمناطق المُسيطرة عليها موضوعًا للتفاهمات التركية السورية، إذ قد تفضي المباحثات إلى الاتفاق على مواصلة العمليات العسكرية التركية في مناطق الإدارة الذاتية واستهداف عناصرهم وبنيتهم التحتية المدنية، وربما الاستعانة بالجيش العربي السوري أو بعض الفصائل الموالية لأنقرة مثل ألوية السلطان مراد وفرقة السلطان سليمان شاه وفصيل الحمزات، والعمل تدريجيًا خلال الأمدين المتوسط والبعيد على استعادة النظام السوري لسيطرته على مناطق الشمال الشرقي، وبحث صيغة ما لتفكيك قوات سوريا الديمقراطية أو ضمها للقوات الحكومية الرسمية، ومناقشة حجم التسليح المسموح لعناصرها، وصيغة المشاركة الكردية في نظام الحكم، وهو ما قد يدفع الأكراد باتجاه التشاور مع الحكومة السورية بدعم روسي إيراني لا سيَّما إذا استشعرت رفع المظلة الأمنية الأمريكية حال غيرت واشنطن سياستها تجاه سوريا، وفي هذه الحالة لن تحصل قوات سوريا الديمقراطية سوى على موافقة بالعمل كقوات أمن محلية ضمن القوات الحكومية السورية.

• تحقيق مكاسب اقتصادية: بينما يلعب العامل الاقتصادي دورًا ثانويًا في تحفيز التقارب التركي السوري إلا أنه يُعد أحد نتائجه المحتملة؛ فافتتاح المعابر الحدودية والطرق الدولية وإن كان يحمل رسائل سياسية تتعلق بالاعتراف بالنظام السوري وإقامة روابط اقتصادية وتجارية معه، لكن تفعيل شرايين التجارة عبر استئناف حركة البضائع والأشخاص عبر الحدود وبين مناطق الداخل السوري سيتيح فرص اقتصادية للبلدين ويسمح بتحسين الظروف المعيشية السورية، فعلى سبيل المثال إذا ما نجحت جهود توسيع طريق حجاز الشط في مدينة أعزاز الخاضعة لسيطرة تركيا الذي يربط حلب بمدينة غازي عنتاب التركية الحدودية، ومساعي إعادة تشغيل الطريق السريع M4 (طريق تجاري حيوي يربط غرب سوريا بالعراق وتسيطر عليه جزئيًا هيئة تحرير الشام)، فإن ذلك –إلى جانب إعادة فتح معبر “أبو الزندين” القريب من مدينة الباب والذي أدى إلى إقامة روابط تجارية بين المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية في شرق حلب– سيتيح الفرصة للتجارة التركية الوصول إلى الأسواق الخليجية عبر سوريا مرورًا بالأردن عن طريق بوابة نصيب الحدودية في جنوب غرب سوريا، وتتضاعف أهمية المسار السوري الأردني بالنسبة للتجارة التركية بالنظر لإغلاق مسار ميناء حيفا الإسرائيلي الذي اعتمدت عليه أنقرة لتصدير بضائعها إلى الخليج منذ 2011 نتيجة قرار تركيا حظر التجارة مع إسرائيل على خلفية حرب غزة.

وبالتوازي، يحمل فتح معبر “أبو الزندين” فوائد اقتصادية لمناطق المعارضة السورية، إذ يُتيح تصريف المنتجات المُنتجة في المناطق الصناعية بمدن جرابلس والباب وكوباني وأعزاز وعفرين إلى مناطق النظام، كونها ظلت قاصرة على السوق المحلية نتيجة إغلاق المعابر الفاصلة بين مناطق السيطرة المختلفة، ومع ذلك، فالتأثير الاقتصادي محدود نظرًا لكون التجارة الرئيسية لمناطق المعارضة تتم مع تركيا، كما أن الاستفادة المنتظرة للحكومة السورية ضعيفة طالما لم ينقل المعبر النفط من مناطق الإدارة الذاتية وهو أمر لن يحدث. وعلى جانب آخر، ربما تأمل دمشق الحصول على مكسب اقتصادي عبر الاستعانة بتركيا لاستعادة حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في محافظة دير الزور، أو الوصول لصيغة اتفاقية بشأن تشغيل الحقول وتوزيع عائداتها.

• تعزيز المكانة الإقليمية للنظام السوري: إن اتخاذ أردوغان الخطوة الأولى تجاه الأسد عاكسًا سياسته التي لطالما تشدد لها لهو بمثابة انتصار دبلوماسي لصالح الرئيس الأسد، وخطوة إضافية باتجاه تخفيف عزلته الإقليمية بعدما استعاد خلال العام الماضي العلاقات مع العديد من الدول العربية، ورفع تجميد عضوية بلاده لدى الجامعة العربية. ويسعى الأسد لتحقيق مكتسبات من لقاء أردوغان تتعلق باتخاذ خطوات تدريجية تجاه خروج القوات الأجنبية وفرص السيادة الكاملة على كامل أراضي بلاده وتسريع عملية إعادة الإعمار.

تبرز جملة من التحديات التي تواجه استقرار مسار التقارب التركي السوري بخطوات ثابتة نحو استعادة واقع العلاقات قبل عام 2011، لتظل التفاهمات جزئية ومُحددة القضايا وعرضة للتعثر، ومنها:

• الظروف غير المواتية لعودة اللاجئين: لا يزال الزمان والمكان والكيفية التي يعود بها اللاجئين غير معروفة بالنظر إلى الصعوبات على أرض الواقع في ظل التدمير الواسع للبنية التحتية وعدم امتلاك عديد من اللاجئين منزلًا يعودون إليه، والافتقار إلى الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية، وغياب نظم اقتصادي يدعم الحياة اليومية، وبطء جهود إعادة الإعمار نتيجة للعقوبات الأمريكية، علاوة على رفض معظم اللاجئين العودة إلى المناطق الخاضعة للحكومة السورية.

• ضعف قدرات الجيش السوري: نظريًا يُمكن الاتفاق على آلية لمكافحة محاولات الأكراد تشكيل هياكل حكم موازية، لكن الحكومة السورية لا تزال غير قادرة بمفردها على تنفيذ تعهداتها؛ فالجيش العربي السوري غير قادر بمفرده على السيطرة الكاملة على الشمال السوري، ويحتاج إسناد خارجي لمواجهة عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب لا سيَّما أن الأخيرة تحظى بدعم أمريكي، لذلك لا يتوقع انسحاب فوري كامل للقوات التركية وإنما الوصول لبعض التفاهمات الأمنية بشأن السيطرة على الوضع في الشمال.

• التباين بشأن صيغة التسوية السياسية: لا تزال أنقرة متمسكة بقرار مجلس الأمن رقم 2254 كإطار للتسوية النهائية للأزمة السورية، ويتطلب تنفيذ القرار انفتاحًا للحكومة السورية على المعارضة والبدء في محادثات لصياغة دستور وإجراء انتخابات رئاسية لا يُكون الأسد جزءًا منها؛ وهو ما يرفضه الأخير ويعتبره تدخلًا في الشئون الداخلية، كما أن القرار الأممي المذكور لم يعد محل اهتمام المجتمع الدولي، وفقد مسار جنيف وظيفته في تسريع العملية السياسية، وذلك يُرجح اقتصار التطورات على معالجة بعض القضايا النوعية مثل الأكراد واللاجئين وليس عودة العلاقات الثنائية إلى نمطها قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011.

• احتمالات تشدد الموقف الإيراني: يُعد النهج السلبي الذي تتبعه إيران عاملًا مهمًا في تقدم عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، ورغم الموقفين التركي والإيراني المتقارب المناهض لقوات سوريا الديمقراطية؛ إلا أن الأخيرة لا ترغب بمزيد من النفوذ التركي شمال سوريا وتسعى لإحلال قوات موالية لها محل القوات التركية، لذلك فإن مدى تساهلها مع الطرح التركي يرتبط باستراتيجيتها تجاه المنطقة عمومًا، وسوريا خصوصًا، ومدى ملاءمتها لمصالحها، وطبيعة التفاهمات والصفقات بين الحكومة الإيرانية الجديدة وأنقرة. وربما لم تحسم طهران موقفها بشأن التقارب التركي السوري لكنها قد تضغط خلال مرحلة ما على الأسد للتشدد بشأن تحديد جدول زمني لمغادرة القوات التركية للأراضي السورية بما يعرقل مسار التقارب.

استنتاج ختامي، لا يُمكن تصور أن تُسفر عملية التطبيع الجارية عن تصفية كافة القضايا العالقة ولن تُفضي إلى عودة العلاقات التركية السورية إلى نمطها الإيجابي الذي تمتعت به خلال العقد الأول من القرن الحالي بطبيعة الحال بالنظر للفجوة العميقة وفقدان الثقة بين البلدين ورئيسيهما التي سببتها الأزمة السورية والمصالح والسياسات المختلفة للبلدين تجاه بعضهما البعض، وإنما مبتغاها الرئيسي التوصل لتفاهمات بشأن بعض القضايا الإشكالية التي تُمثل أولوية أمنية وسياسية بالنسبة للبلدين وخفض تكلفة استمرار الخلافات، وهي لا تعدو كونها خطوة مكملة لسلسلة لقاءات استخباراتية ودبلوماسية سابقة مع الحكومة السورية، وحلقة أخرى ضمن مسار عملية طويلة من المفاوضات تهدف إلى الوصول لتفاهمات سياسية يتوقف نجاحها أو فشلها على مدى قدرة البلدين الوصول لصفقات مُربحة لكلاهما وعدم اصطدام المباحثات بمواقف جامدة تؤدي لعرقلتها. كذلك، لا يُتصور أن تعني مساعي المصالحة التركية السورية تخليًا تركيًا عن المعارضة السورية، فلم تعتد أنقرة إلقاء أوراقها بسهولة، وإنما الاحتفاظ بها وإعادة توظيفها وتعريف أدوراها ومهامها بما يضمن مصالحها، لا سيَّما أن المعارضة في قلب رؤيتها للتسوية السياسية القائمة على وضع دستور جديدة للبلاد وإجراء انتخابات بمشاركة المعارضة وإعادة تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/47300/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M