- تتزايد التحديات أمام الحكومة اليمنية عقب مرور عام على توقف تصدير النفط الخام بفعل هجمات الحوثيين، لاسيما على صعيد الاستمرار في دفع رواتب موظفي القطاع العام وتقديم الخدمات الحيوية، وإبطاء وتيرة تراجع سعر صرف الريال.
- كان الأداء الحكومي اليمني في مواجهة أزمة توقف تصدير النفط الخام مُخيباً للآمال، لكن تجاوب الحكومة مع اشتراطات الدول المانحة بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات المالية والإدارية يدفع للتفاؤل بإمكانية تحقيق أداء أفضل في الفترة المقبلة.
- أظهرت أزمة توقف صادرات اليمن من النفط الخام، محورية الدعم الإماراتي والسعودي في التخفيف من تداعيات الأزمة، عبر الدعم السَّخي المُقدَّم من الدولتين للحكومة اليمنية والبنك المركزي على امتداد الفترة الماضية.
- من المهم أن تستكمل الحكومة اليمنية تطبيق الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة منها سريعاً، وأن تعمل على تكثيف مساعيها لتنمية مواردها، وتحسين مستوى تحصيل الإيرادات، بما يكفل تقليص العجز في الميزانية العامة إلى مستوى يمكن احتواء تداعياته.
تَقِف الحكومة اليمنية والبنك المركزي المعترف بهما دولياً أمام تحديات متزايدة عقب مرور عام على توقف تصدير النفط الخام بفعل هجمات جماعة «أنصار الله» الحوثية، إذ تجد الحكومة صعوبة في الوفاء بالتزاماتها المتصلة برواتب موظفي القطاع العام والخدمات الحيوية، بينما يُكابد البنك المركزي من أجل إبطاء وتيرة التراجع المستمر في سعر صرف العملة المحلية. وقد أظهرت أزمة توقُّف صادرات النفط أهمية مضي الحكومة في مسار الإصلاحات المالية والإدارية، بوصفها مرتكزاً أساسياً لاحتواء تبعات الأزمة، واستجلاب مزيد من الدعم الخارجي لجهودها، كما بيَّنت هذه الأزمة محورية الدعم الإماراتي والسعودي، تحديداً، في التخفيف من تداعياتها، عبر الدعم السَّخي المُقدَّم من الدولتين للحكومة اليمنية والبنك المركزي على امتداد الفترة الماضية.
أزمة وقف تصدير النفط وعواقبها
اضطرت الحكومة اليمنية إلى إيقاف تصدير النفط الخام من مناطق سيطرتها على نحو كامل، منذ شهر أكتوبر من العام 2022، بسبب الهجمات الحوثية على الموانئ ومنشآت التصدير الرئيسة، ولم تنجح مساعي الحكومة لاستئناف تصدير النفط الخام منذ ذلك الحين. وبالنظر إلى أن عائدات تصدير النفط الخام كانت تمثل ما يقرب من 70% من إيرادات الميزانية العامة، فقد وجدت الحكومة نفسها أمام تحدي الإيفاء بالتزاماتها على مستوى رواتب موظفي القطاع العام وتكاليف تشغيل الخدمات الحيوية في مناطق سيطرتها؛ وهو ما تبدا في تزايد انقطاع ساعات الكهرباء على نحو غير مسبوق في عدن وبقية المحافظات المحررة خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب العجز الحكومي عن توفير الكميات المطلوبة من وقود محطات توليد الكهرباء، وإن كانت الحكومة قد استمرت على الأقل في دفع رواتب موظفي القطاع العام بالشكل المعتاد.
كما أن عائدات تصدير النفط الخام كانت تمثل أهم مصدر للعملة الصعبة بالنسبة إلى البنك المركزي في عدن، وكان يَعتمد عليها في تمويل المزادات الأسبوعية لبيع العملة الصعبة إلى المستوردين من أجل تغطية جزء من الطلب عليها في السوق وسحب جزء من الكتلة النقدية من العملة المحلية من التداول، خاصة أن تضخم الكتلة النقدية المتداولة من العملة المحلية أدى إلى انخفاض قياسي في سعر صرفها، تجاوزت معه حاجز الـ 1700 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد نهاية العام 2021. وقد أفضى وقف تصدير نفط الخام إلى استئناف مسار تراجع سعر صرف العملة المحلية ووصولها إلى عتبة 1520-1530 ريال يمني في مقابل الدولار الأمريكي الواحد حالياً، بعد فترة من النجاح النسبي للبنك المركزي في تثبيت سعر الصرف عند مستوى 1100 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي على امتداد عام 2022.
ومن المؤكد أن تبعات توقف تصدير النفط الخام لعام كامل كانت ستغدو أكبر بكثير لولا المساعدات المقدمة من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، ابتداءً من وديعة الـ 2 مليار دولار أمريكي المعلن عنها في أبريل 2022، وإعلان دولة الإمارات عقب ذلك عن تكفلها بإقامة محطة توليد للكهرباء بالطاقة الشمسية في عدن بقدرة 120 ميجا وات في ديسمبر 2022، وإعلان السعودية عن منحة جديدة في أغسطس 2023 بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي خُصِّصَت لسد العجز في ميزانية الحكومة اليمنية، وصولاً إلى إعلان الإمارات في نوفمبر الجاري عن تقديم منحة جديدة من المشتقات النفطية المخصصة لمحطات توليد الكهرباء في عدن والمحافظات المجاورة.
مساعي الحكومة والبنك المركزي لتجاوز الأزمة
على الرغم من الوضع الصعب الذي تعيشه، لم تُبادِر الحكومة اليمنية من تلقاء نفسها إلى تنفيذ إصلاحات جادة من أجل تخطي أزمتها الراهنة، وإنما بدأت مؤخراً في تطبيق سلسلة إصلاحات اشترطها الجانب السعودي في إطار المنحة المالية الأخيرة، وإن كانت قد اقتصرت حتى الآن على خطوة وحيدة تتمثل في تحويل رواتب موظفي القطاع العام كافة عبر مجموعة من البنوك المحلية المعتمدة عوضاً عن تسليمها عبر المؤسسات والهيئات المُشغِّلة لأولئك الموظفين، وذلك بهدف الحد من ظاهرة الازدواج الوظيفي والأسماء الوهمية.
وتنطوي هذه الخطوة على أهمية كبيرة بالنظر إلى إمكانية مساهمتها في تخفيض حجم الأجور والمرتبات التي تعد من أكبر بنود الميزانية العامة، لاسيما أن هذا البند قد تضخَّم بشكل غير مفهوم بين عامي 2021 و2022 من 566.1 مليار ريال يمني إلى 859.4 مليار ريال يمني، بحسب التقرير السنوي للبنك المركزي للعام 2022، لكن الحكومة لم تبدأ تنفيذ خطوة تحويل الرواتب عبر البنوك المحلية إلا في شهر سبتمبر الماضي وربما لا يزال الوقت مبكراً للحكم على نجاعتها التامة. كما أن بعض مؤسسات وهيئات القطاع العام لم تنتهِ بعد من استكمال متطلبات التحول إلى هذه الآلية الجديدة في تسليم رواتب الموظفين.
لكن تحقيق نتائج إيجابية ملموسة على صعيد خفض عجز الميزانية العامة سيتطلب حتماً الانتقال إلى محاور أخرى مثل بند مشتريات السلع والخدمات الذي يشمل تكاليف تشغيل الخدمات العامة وعلى رأسها الكهرباء، حيث تتكبد الحكومة تكاليف هائلة بفعل إخفاقها في معالجة الإشكاليات المتراكمة في هذا القطاع، وعدم استكمال أهم المشاريع الجديدة مثل محطة الرئيس، ومحطة الطاقة الشمسية المقدمة من الإمارات، أو بند المنافع والإعانات الاجتماعية الذي تضاعف حجمه بشكل غير مفهوم بين عامي 2021 و2022 من 301.9 مليار ريال يمني إلى 976 مليار ريال يمني، وفقاً أيضاً لبيانات التقرير السنوي للبنك المركزي، وبالتالي صار أكبر حتى من بند الأجور والمرتبات نفسه في الميزانية العامة.
وتتجلى أهمية التدقيق في مختلف بنود نفقات الحكومة في ظل حقيقة أن الميزانية كانت ستُسجِّل عجزاً كبيراً في العام 2022 حتى في حال استمرار تصدير النفط الخام بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً في النصف الثاني من العام مقارنة بالنصف الأول، الذي سجلت فيه ارتفاعاً قياسياً تجاوز حاجز الـ 100$، وكما يظهر من الجدول التالي الذي يتتبع النفقات والإيرادات والعجز بحسب تقارير البنك المركزي الشهرية للعام 2022:
وعند المقارنة بين بيانات هذا الجدول وبين متوسط أسعار النفط الخام شهرياً خلال نفس الفترة يتضح أنّ سعر التوازن للميزانية العامة يتجاوز الـ 100$ للبرميل النفط الخام الواحد (يبلغ 110$ أو أكثر بقليل)، ومع أن ارتفاع سعر التوازن إلى هذا المستوى غير الواقعي ربما يكون نتيجة التضخم غير المفهوم في النفقات في عام 2022 مقارنة مع عام 2021 (حيث ارتفعت من 1628.7 مليار ريال يمني إلى 2661.1 مليار ريال يمني)، لكن الميزانية العامة في العام 2021 سجلت عجزاً ضخماً كذلك بقيمة 531.8 مليار ريال يمني، ما يعني أن النفقات كانت مرتفعة جداً حتى قبل تضخمها في العام 2022.
من جِهتهِ، تمثلت مهمة البنك المركزي اليمني، في عدن، خلال هذه الأزمة، في الموازنة بين تمويل العجز المتزايد في الميزانية العامة بسبب توقف صادرات النفط الخام من ناحية وبين إبطاء وتيرة انخفاض سعر صرف العملة المحلية داخل مناطق سيطرة الحكومة من ناحية أخرى، غير أن البنك أخفق في الشق الثاني من مهمته بسبب عوامل تتصل بأداء الحكومة ذاتها وعدم نجاحها في التكيف مع الأزمة بشكل مناسب، أي من خلال نهج يجمع بين تقليص نفقاتها وزيادة إيراداتها من أجل إبقاء عجز الميزانية في مستويات مقبولة.
فقد حافظ البنك المركزي على التزامه بعدم اللجوء إلى أدوات تمويل تضخمية مجدداً من أجل سد العجز في الميزانية العامة، إذ رفض طباعة أي كميات جديدة من العملة المحلية وضخها في السوق، وعلى غرار ما كان يجري بين عامي 2017 و2021، والذي تسبَّب في انخفاض سعر صرف العملة المحلية إلى أدنى مستوى تاريخي بتجاوزها عتبة الـ 1700 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد نهاية العام 2021. كما تبنَّت قيادة البنك المركزي، منذ تعيينها في نهاية 2021، خطة تهدف إلى سحب أكبر جزء ممكن من الكتلة النقدية المتداولة من العملة المحلية، عبر المزادات الأسبوعية لبيع العملة الصعبة للمستوردين، وذلك بهدف عكس مسار تراجع سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة أو تثبيته على الأقل، واعتمدت في تمويل تلك المزادات على العائدات المتزايدة لصادرات النفط الخام في النصف الأول من 2022، وكذلك على الوديعة المقدمة من السعودية والإمارات، والبالغة 2 مليار دولار أمريكي (في أبريل من نفس السنة).
وإثر ذلك، نجح البنك المركزي في تثبيت سعر صرف العملة المحلية، داخل مناطق سيطرة الحكومة، ضمن مستوى 1100-1200 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد طيلة النصف الثاني من العام 2022، قبل أن يعاود سعر صرف العملة المحلية التراجع مجدداً منذ مطلع العام 2023، ووصل حالياً إلى عتبة 1520-1530 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد.
وعلى الرغم من أن قيادة البنك المركزي حاولت وقف هذا التراجع، أو على الأقل إبطاء وتيرته، من خلال الاستمرار في إقامة المزادات الأسبوعية لبيع العملة الصعبة إلى المستوردين حتى مطلع شهر نوفمبر الجاري، لكنها اضطرت تحت ضغط وقف تصدير النفط الخام إلى إعادة ضخ معظم ما سحبته من الكتلة النقدية المتداولة من العملة المحلية إلى السوق مجدداً، مع أن تراجع سعر صرف العملة المحلية، هذه المرة، يتصل، على ما يبدو، بتشاؤم المتعاملين في السوق أكثر منه بحجم الكتلة النقدية المصدَّرة أو المتداولة، مثلما كان ارتفاع سعر الصرف في عام 2022 مرتبطاً بتفاؤل المتعاملين في السوق أكثر منه بحجم الكتلة النقدية المصدَّرة/المتداولة.
ويمكن التدليل على ما سبق بحقيقة أن الكتلة النقدية المصدَّرة في أواخر العام 2021، الذي سُجِّل خلالها أدنى مستوى تاريخي لسعر صرف العملة المحلية (بتجاوزها عتبة الـ 1700 ريال مقابل الدولار)، كانت تبلغ 3802.7 مليار ريال يمني، بينما تراجع حجم الكتلة النقدية المصدرة بشكل محدود في العام 2022 مُسجِّلاً أدنى قيمة عند 3636.9 مليار ريال يمني بالتوازي مع تعاف أكبر بكثير في سعر صرف العملة المحلية. كما أن الكتلة النقدية المصدرة سجلت قيمة قياسية جديدة في شهر أغسطس الماضي ووصلت إلى 3831.7 مليار ريال يمني على الرغم من أن سعر صرف العملة المحلية لم يتراجع إلى المستوى التاريخي الذي سجل في نهاية 2021 ولا يزال عند مستوى 1520-1530 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي في وقت كتابة هذه الورقة (تستند هذه الأرقام إلى التقارير الشهرية والسنوية للبنك المركزي في عدن).
وبالتالي، فإن تدارُك تراجُع سعر صرف العملة المحلية يتطلب من الحكومة اليمنية، في المقام الأول، تَبنِّي استراتيجية تضمَن تثبيت عجز الميزانية العامة عند مستويات آمنة لاستعادة ثقة المتعاملين في السوق، خاصة وأن بقية الحلول والخيارات المقترحة من قيادة البنك المركزي لا تبدو واعدة في خضم الأزمة الحالية، كما أن أي مساعدات وودائع جديدة ستؤمن استقرار سعر صرف العملة المحلية لفترة محدودة فقط.
اقرأ أيضاً: |
محورية الدعم الإماراتي والسعودي
ساهمت الوديعة المقدمة من الإمارات والسعودية بقيمة 2 مليار دولار أمريكي في شهر أبريل العام 2022 في تمكين البنك المركزي اليمني من تدارك تراجع سعر صرف العملة المحلية وتثبيته حتى مطلع العام الجاري، قبل أن يتسبب توقُّف تصدير النفط الخام في تراجع سعر الصرف مجدداً، لكن بيانات البنك المركزي والحسابات التقريبية تفيد بأن البنك لم يستخدم كل الوديعة، وأن المتبقي منها قد يكفي لتمويل مزادات بيع العملة الصعبة إلى المستوردين حتى منتصف العام 2024 على الأقل.
كما أن محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 120 ميجا وات والمقدمة من دولة الإمارات يمكن أن تخفف عن الحكومة نسبة كبيرة من التكاليف التي تتحملها لتشغيل خدمة الكهرباء بالمحطات التي تعمل بوقود عال التكلفة (الديزل والمازوت)، لكن التأخُّر في استكمال تركيب المحطة وتشغيلها، إضافةً لتأخُّر استكمال وصل محطة الرئيس الجديدة بالشبكة لتشغيلها بطاقتها الكاملة، حالا دون استفادة الحكومة من فرصة كانت ستخفف عنها نسبة كبيرة من أعباء هذا القطاع.
ومن المفترض أيضاً أن تساعد المنحة السعودية الأخيرة بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي في سد العجز في الميزانية العامة بسبب توقف تصدير النفط الخام حتى منتصف العام المقبل على الأقل، إن لم يكن أكثر، وقد تسلَّمت الحكومة بالفعل الشريحة الأولى من المنحة، بقيمة مليار ريال سعودي، بحسب البنك المركزي، لكن تسلُّم باقي شرائح المنحة ربما يتأخر إلى حين استكمال الحكومة تطبيق سلسلة الإصلاحات التي اشترطها الجانب السعودي.
وبفضل منحة المشتقات النفطية المقدمة من دولة الإمارات، في مطلع شهر نوفمبر الجاري، والمخصصة لمحطات توليد الكهرباء في عدن والمحافظات المجاورة (تتضمن 40 ألف طن ديزل، و30 ألف طن مازوت)، من المتوقع أن تتمكن الحكومة من تشغيل خدمة الكهرباء هناك بصورة أفضل مقارنةً بالأشهر القليلة الماضية، على الأقل حتى نهاية العام الجاري، والذي من المفترض أن يُستكمَل فيه تركيب محطة الطاقة الشمسية وتشغيلها، بالتوازي مع اقتراب موعد استكمال ربط محطة الرئيس وتشغيلها بطاقتها الكاملة، وهو أمرٌ سيجعل الحكومة قادرة على الاستغناء عن الحاجة إلى معظم المحطات التي تعمل بأنواع الوقود المرتفعة التكلفة.
الاستنتاجات
كان أداء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في مواجهة أزمة توقف تصدير النفط الخام بسبب هجمات جماعة الحوثي مُخيباً للآمال، لكن تجاوبها مع اشتراطات الدول المانحة بتنفيذ سلسلة إصلاحات هادفة إلى الحد من الفساد المالي والإداري يدفع للتفاؤل إزاء إمكانية تحقيق أداء أفضل في الفترة المقبلة، خاصةً وأن الحكومة تخوض تحدي معالجة إشكاليات متراكمة منذ سنوات طويلة، وتعمل في ظل ظروف استثنائية، وتحت ضغط التجاذبات والصراعات السياسية بين مكوناتها المختلفة.
ومن المهم أن تستكمل الحكومة تطبيق الإصلاحات المطلوبة في أقرب وقت ممكن، وأن تنتقل إلى العمل على نطاق أوسع يشمل محاور أخرى مثل بقية بنود النفقات في الميزانية العامة وعلى رأسها مشتريات السلع والخدمات، والمنافع والإعانات الاجتماعية، وهي بنود ينبغي التدقيق فيها وتقليصها بأكبر قدر ممكن، لاسيما تلك البنود التي تضخمت على نحو غير مفهوم منذ العام الماضي ودون أن تترك تأثيرات إيجابية. كما يتعين أن تعمل الحكومة على تنمية مواردها الحالية وتحسين مستوى تحصيل الإيرادات عموماً، وبما يكفل تقليص العجز في الميزانية العامة إلى مستوى يمكن احتواء تداعياته.
وتنطوي جهود الحكومة في هذا الجانب على أهمية كبيرة تتجاوز التزاماتها إلى الوضع الاقتصادي العام، في ضوء حقيقة أن التراجع المستمر في سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرتها نابع عن انعدام ثقة المتعاملين في السوق في قدرتها على تخطي الأزمة، وأن جهود قيادة البنك المركزي للحد من هذا التراجع لم تحقق النتيجة المأمولة بفعل عدم نجاح الحكومة في التكيف مع الأزمة وليس بفعل أداء قيادة البنك المركزي أو الاستراتيجية التي تتبناها.
كما أن تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الدعم المقدم من الإمارات والسعودية يرتبط بنجاح الحكومة في الخفض من عجز الميزانية العامة، واستكمال بعض المشاريع الاستراتيجية المتعثرة أو المتأخرة، بحيث تستفيد من هذا الدعم في تعزيز قدراتها وتحسين أدائها على المدى البعيد عوضاً عن استخدامه في سد الفجوة القائمة في هذه المرحلة فقط.
وعلى الرغم من الحديث بشأن إمكانية الإعلان قريباً عن اتفاق جديد بين الحكومة وجماعة الحوثي، يسمح باستئناف تصدير النفط الخام ويُمهِّد الطريق لتوحيد العملة المحلية، فإن ذلك لا يُقلل من أهمية استمرار الحكومة في جهودها الحالية بالنظر إلى حقيقة أن اتفاقاً كهذا، إن حصل، سينص على حصولها على حصة أقل من عائدات تصدير النفط الخام، من أجل تغطية نسبة من مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق الحوثيين، كما أن أسعار النفط الخام عالمياً تراجعت في الوقت الراهن، ومن ثمَّ فإن استئناف تصدير النفط الخام لن يُعالِج كل التحديات المالية التي تواجه الحكومة.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/aihtiwa-tathirat-twqquf-tasdir-alnaft-alkham-taqyim-idarat-alhukuma-alyamania-lil-azma-fi-amiha-alawal