دلال العكيلي
ماذا يحدث بين تركيا وروسيا في إدلب؟ هل هناك رابح من تصاعد التوتر بينهما في السورية؟، ومن هو المستفيد من الاتفاق الهش بين البلدين بوتين واردوغان؟، هذه التساؤلات وغيرها تضع مستقبل الاستقرار رهن المصالح الخارجية في الوقت الذي تشهد ادلب أحداثا وتطورات خطيرة على الصعيد الأمني، خاصة وان قوات الاسد الحكومة تكافح لاستعادة السيطرة على بلدة استراتيجية تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب وقال مسؤول تركي إن أنقرة ستواصل ضرب قوات الرئيس بشار الأسد بعد تصعيد عملياتها العسكرية، ونقل التلفزيون السوري لقطات حية من داخل بلدة سراقب الواقعة على الطريق السريع الرئيسي في البلاد بين الشمال والجنوب وقال إنها تحت سيطرة الحكومة ونفى المعارضون هذا التقرير قائلين إنهم ما زالوا يسيطرون على البلدة رغم القصف المكثف.
وتبادلت القوات الحكومية وقوات المعارضة السيطرة على سراقب مرتين في أقل من شهر فيما يعكس أهميتها سواء كبوابة لمدينة حلب الشمالية التي تسيطر عليها الحكومة أو لمدينة إدلب في الغرب التي تسيطر عليها المعارضة، وقال المعارضون إن طائرات مسيرة تركية تقصف مواقع للجيش السوري على الجبهة في سراقب وأصابت منصتين على الأقل لإطلاق الصواريخ، وساندت تركيا معارضين يقاتلون الأسد في أغلب أوقات الحرب الدائرة منذ تسع سنوات، وكثفت تدخلها في الأيام القليلة الماضية ردا على مقتل 34 من جنودها في إدلب.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن القوات التركية دمرت كذلك ثماني طائرات هليكوبتر وعشرات الدبابات وخمسة أنظمة دفاع جوي، ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عنه قوله “القوات المسلحة التركية ردت على جميع الهجمات السورية بأقوى شكل وبدون تردد وستواصل الرد”، وأكدت تركيا إنها لا تسعى لأي صراع مع روسيا لكن ضرباتها المتلاحقة على القوات المدعومة من روسيا حول إدلب زادت من مخاطر المواجهة المباشرة.
وقال مسؤول أمني تركي بارز لرويترز “من المتوقع التوصل إلى حل خلال المحادثات لكن الهجمات ومحاولات الهجوم التي ينفذها النظام (السوري) خلال هذه الفترة لن تمر دون رد” ويقول مقاتلو المعارضة، المدعومون بقصف وطائرات مسيرة تركية، إنهم استعادوا عدة قرى كانوا قد خسروها في هجوم القوات الحكومية، وطالب أردوغان بأن تنسحب القوات السورية من منطقة خفض التصعيد حول إدلب والتي تم الاتفاق عليها بين تركيا وروسيا وإيران في عام 2017 بحلول نهاية الشهر وإلا سيقوم الجيش التركي بإخراجها من هناك.
تركيا تهاجم طائرات ومطارات سورية وتصعد القتال في إدلب
أسقطت تركيا طائرتين حربيتين سوريتين فوق إدلب وقصفت مطارا عسكريا يبعد عن خطوط مواجهتها في تصعيد كبير لعملياتها العسكرية بعد مقتل عشرات من الجنود الأتراكن، وصعدت أنقرة هجماتها بما في ذلك هجمات الطائرات المسيرة ضد الجيش السوري عندما لقي 33 جنديا تركيا حتفهم في هجوم جوي شنته دمشق، ونشرت تركيا بالفعل آلاف الجنود والمركبات العسكرية في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا لوقف تقدم القوات الحكومية السورية والذي أدى إلى نزوح مليون شخص إلى مناطق قريبة من الحدود الجنوبية لتركيا.
وتستضيف تركيا 3.6 مليون سوري وهي مصممة على منع أي تدفق آخر من سوريا وسمحت أيضا للمهاجرين بدخول الاتحاد الأوروبي عبر حدودها في محاولة على ما يبدو للضغط من أجل الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي في معالجة الأزمة السورية، وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن القوات التركية دمرت خلال الأيام الأربعة ثماني طائرات هليكوبتر و103 دبابات و72 مدفع هاوتزر وراجمات صواريخ وطائرة مسيرة وستة أنظمة دفاع جوي ووصف رابع عملية تقوم بها تركيا بأنها “درع الربيع”.
وردا على ذلك قال الجيش السوري إنه أسقط ثلاث طائرات تركية مسيرة وحذر من أنه سيسقط أي طائرات أو طائرات مسيرة تنتهك مجال سوريا الجوي فوق شمال غرب البلاد الذي تسيطر عليه حليفتها موسكو منذ سنوات، ورغم هذا التحذير أسقطت طائرات حربية تركية طائرتين حربيتين سوريتين في حين قالت وكالة الأناضول للأنباء إن الجيش التركي استهدف مطار النيرب العسكري السوري غربي مدينة حلب وأخرجه من الخدمة.
وقال أيضا قادة المعارضة المدعومون من تركيا إن مطار كويرس شرقي النيرب تعرض للقصف منذ منتصف الليل ويقع المطاران داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية مما يمثل توسيعا كبيرا لأهداف أنقرة، ويهدد هذا القتال بنشوب صدام مباشر بين روسيا وتركيا اللتين تعاونتا لسنوات لاحتواء القتال رغم دعم كل منهما طرفا مختلفا في الحرب الدائرة في سوريا منذ تسع سنوات، وقال أكار “ليس لدينا نية أو قناعة بمواجهة روسيا نيتنا الحقيقة فقط هي جعل النظام(السوري) ينهي المذبحة ومن ثم منع ووقف التطرف والهجرة”، وأضاف أكار أنه تم “تحييد” 2212 من أفراد القوات المسلحة السورية وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى من قتلوا أو أصيبوا أو أسروا وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 74 فردا من القوات الحكومية السورية والمقاتلين الموالين لدمشق لقوا حتفهم منذ 27 فبراير شباط.
دبلوماسية الأزمة
وأخفقت حتى الآن جهود أنقرة وموسكو الدبلوماسية لنزع فتيل التوتر في تحقيق وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب وهي آخر معقل رئيسي لقوات المعارضة، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إنه على الرغم من إحراز تقدم بين الوفدين التركي والروسي فإن قضية إدلب لن تحل إلا بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وقال مسؤول تركي رفيع ومسؤول أمني إن اجتماع موسكو وقال المسؤولان إن الزعيمين سيناقشان الخطوات التي سيتم اتخاذها في إدلب ومن المتوقع أن يتوصلا إلى تفاهم مشترك، وأدت أحدث جولة من القتال في إدلب إلى نزوح مليون مدني منذ ديسمبر كانون الأول معظمهم من النساء والأطفال صوب الحدود التركية.
وقالت تركيا إنها ستسمح للمهاجرين بدخول أوروبا لاغية القيود المفروضة على التنقل منذ 2016 بموجب اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وقال شهود إن الشرطة اليونانية أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق لاجئين رشقوها بالحجارة محاولين شق طريقهم بالقوة عبر الحدود من تركيا وخلفهم آلاف آخرون بعد أن خففت أنقرة القيود عليهم، وكانت حدود تركيا مع أوروبا قد أُغلقت أمام المهاجرين بموجب اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أنهى أزمة المهاجرين عام 2015-2016 عندما دخل أكثر من مليون شخص أوروبا سيرا على الأقدام.
أردوغان يطلب من بوتين التنحي جانبا في سوريا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تتنحى روسيا جانبا في سوريا وتترك لتركيا التعامل مع قوات الحكومة السورية بمفردها وذلك بعد مقتل 34 جنديا تركيا، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات مقاتلة سورية وروسية واصلت شن هجمات جوية على مدينة سراقب في إدلب وتقع سراقب على طريق دولي رئيسي وتركزت فيها المعارك في الأيام الماضية.
وبدأت القوات السورية هجوما كبيرا بغطاء جوي روسي لاستعادة محافظة إدلب التي تقع بشمال غرب البلاد وتعد آخر منطقة متبقية في أيدي مقاتلي المعارضة المدعومين من أنقرة، وقال المرصد السوري إن هجمات تركية جديدة بطائرات مسيرة أسفرت عن مقتل 26 من الموالين لدمشق في محيط إدلب وريف حلب، وقال مقاتلون من المعارضة مدعومون من تركيا إنهم استعادوا السيطرة على ست بلدات وقرى في منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب بعد اشتباكات عنيفة مع القوات الموالية للأسد.
ومع إخفاق الدبلوماسية التي ترعاها موسكو وأنقرة في سبيل خفض التوتر، اقتربت تركيا من مواجهة مع روسيا في ساحة المعركة أكثر من أي وقت مضى، وقال أردوغان في اسطنبول إنه طلب من بوتين خلال اتصال هاتفي التنحي جانبا وترك أنقرة “تفعل ما هو ضروري مع الحكومة السورية بمفردها وأضاف أن تركيا لا تنوي مغادرة سوريا في الوقت الحالي، وقال “ذهبنا إلى هناك لأننا تلقينا دعوة من شعب سوريا لا ننوي المغادرة قبل أن يقول شعب سوريا: حسنا.. تم ذلك”.
وأخفقت ثلاث جولات من المحادثات بين روسيا وتركيا في التوصل لوقف إطلاق النار لكن الكرملين قال إن بوتين وأردوغان سيبحثان كل جوانب الصراع السوري في محادثات مزمعة في موسكو، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للصحفيين في الدوحة إن الأزمة في إدلب لا يمكن تسويتها إلا بالاجتماع بين أردوغان وبوتين، وقال جاويش أوغلو للصحفيين بعد اجتماعه مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو إن أنقرة تريد من الولايات المتحدة إرسال صواريخ باتريوت لدعمها في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا وكانت أنقرة قد طلبت ذلك من قبل وقالت إنها تواجه تهديدا صاروخيا جويا في المنطقة، وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين إن واشنطن تبحث بشكل عاجل سبل دعم أنقرة في إدلب بتبادل المعلومات والعتاد لكن أي مساعدة لن تشمل تحركا عسكريا من وحدات أمريكية.
روسيا تدفع الازمة السورية صوب حدود تركيا
تتضاءل الخيارات المتاحة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع تجمع ما يقرب من مليون سوري قرب حدود بلاده فرارا من هجوم القوات الحكومية السورية، ويقول مسؤولون في الحكومة التركية ومصادر أخرى إن أردوغان يشعر بصدمة من تقدم روسيا في منطقة إدلب السورية وزيادة مخاطر اندلاع صراع شامل لكنه لا يزال يأمل في التوصل لاتفاق مع موسكو قد يتيح مجالا للخروج من الأزمة، وحذر أردوغان مرارا من أن تركيا، التي تدعم مقاتلين من المعارضة المسلحة في المحافظة الواقعة بشمال غرب سوريا، ستطرد القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد من المناطق التي سيطرت عليها.
وتقول الحكومة التركية ومسؤولون في جماعات المعارضة السورية المسلحة ودبلوماسيون ومحللون إنه وفي ظل احتمال شن عملية عسكرية شاملة بدعم تركي بناء على المفاوضات مع روسيا إلا أن من المرجح أكثر في هذه المرحلة أن يوافق أردوغان على اتفاق مع موسكو يسحب بموجبه بعض الوجود العسكري في مقابل دور تركي في تحديد مستقبل سوريا، وأضافوا أن أردوغان فوجئ بالموقف المتعنت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقا لوجهة النظر التركية، سواء في ساحة القتال أو في المحادثات بين البلدين.
وقال مسؤول تركي لرويترز “لا يزال بمقدور تركيا وروسيا التوصل إلى حل وسط…لكن إن لم يجر التوصل لاتفاق واستمرت الهجمات على جنود أتراك فسيبدأ هجوم إدلب” وذلك في إشارة إلى حملة عسكرية تركية مباشرة لاستعادة السيطرة على المنطقة، ولم يرد مكتب أردوغان على طلب للتعليق وقال أردوغان ومساعدوه علنا في السابق إنهم يريدون حل المشكلة مع روسيا لكنهم حذروا من اختبار عزم تركيا مشيرين إلى أنها لن تتخلى عن مواقع المراقبة في إدلب وتحاصر قوات سورية بعض تلك المواقع في الوقت الراهن.
وسيسهم قرار أردوغان في تحديد ملامح أسوأ مأساة إنسانية في هذا القرن حتى الآن التي شهدت نزوح ما يقدر بنحو 900 ألف سوري، نصفهم تقريبا من الأطفال، هربا من قصف بلداتهم وقراهم
ومع تقدم قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا صوب الشمال الغربي، تكدس النازحون السوريون على الحدود التركية الجنوبية المغلقة مفترشين الأرض في العراء أو في خيام في ظروف طقس شديد البرودة لدرجة التجمد تسبب في الأشهر الماضية في وفاة العديد من الأطفال، ويواجه أردوغان مطالب متعارضة تشمل رعاية النازحين السوريين من جانب والحفاظ على شعبيته في الداخل من جانب آخر ويقل القبول في الداخل لفكرة إضافة المزيد من اللاجئين إلى نحو 3.7 مليون سوري تستضيفهم تركيا بالفعل.
وفقدت تركيا نحو 20 جنديا حتى الآن بعدما أرسلت آلاف العسكريين وعتادا عسكريا لمساندة مقاتلي المعارضة بشمال غرب سوريا، وتحاصر قوات الحكومة السورية مئات آخرين من الجنود الأتراك الموجودين في مواقع المراقبة بعد اجتياحها إدلب تحت غطاء ضربات جوية روسية مكثفة، واحتدم القتال في الأيام الماضية، وقال التلفزيون الرسمي الروسي إن عسكريين أتراكا في إدلب يستخدمون صواريخ محمولة على الكتف في محاولة لإسقاط طائرات حربية روسية وسورية ولم تعلق أنقرة علنا بعد على هذا الزعم.
ويرى مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون ومحللون إن أردوغان، وفي ظل التفوق الجوي الروسي في إدلب، سيختار على الأرجح إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع بوتين يضطر بموجبه إلى التراجع عن تهديده المتكرر بشن هجوم جديد لكنه سيحفظ ماء وجهه بالفوز بدور في تقرير مستقبل سوريا وفي إدارة أزمة المهاجرين، وتأمل تركيا في العودة إلى تطبيق خريطة اتفاق سوتشي المبرم في عام 2018 والتي دعت إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب لكن محللين يقولون إن أنقرة قد توافق على مساحة أصغر للنفوذ تضم النازحين السوريين.
روسيا تنفي حدوث نزوح جماعي
نفت وزارة الدفاع الروسية تقارير عن نزوح مئات آلاف السوريين من إدلب باتجاه الحدود التركية، في منطقة تبقي فيها القوات التركية على مواقع مراقبة، وقالت إنها تقارير كاذبة وحثت أنقرة على السماح لسكان إدلب بدخول مناطق أخرى في سوريا، وتدعم تركيا وروسيا أطرافا متناحرة في الصراع السوري لكنهما تعاونتا من أجل التوصل لحل سياسي، وأربك هجوم الرئيس السوري بشار الأسد في الشمال الغربي هذا التعاون الهش مما دفع أنقرة وموسكو لتبادل الاتهامات بانتهاك اتفاقات خفض التصعيد في المنطقة، وفشل مسؤولون أتراك وروس في التوصل إلى حل يوقف الاشتباكات خلال عدة جولات من المحادثات.
رابط المصدر: