داليا يسرى
بينما يتابع العالم باهتمام، يومًا تلو الآخر، أنباء المعارك الطاحنة التي تدور على الجبهة في أوكرانيا وما يتصل بها من تداعيات اقتصادية أثرت بدورها على الجميع دون استثناء؛ نجد أن هناك تأثيرات أخرى للحرب تركت بصماتها بوضوح ليس فقط على الإعلام الروسي، بل أيضًا على عالم صناعة المواد الترفيهية والدعائية بشتى أنواعها عبر منصات التواصل الاجتماعي داخل روسيا، الوطنية منها والدولية على حد سواء، بشكل أدى إلى ضرورة طرح تساؤلات حول كيف تأثرت هذه الصناعة بعد الحرب؟ أملًا في الوقوف على المصير الذي آلت إليه أحوال أشهر مدوني روسيا في الوقت الراهن.
قرارات “روسكوماندوز”.. ما بين الحظر والتقييد
لعبت هيئة الخدمة الفيدرالية للإشراف على الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجماهيرية “روسكوماندوز”، دورًا لافتًا في الحياة الإعلامية المحلية الروسية خاصة في السنوات التي سبقت الحرب. لكن دورها اتخذ شكلًا أكثر صخبًا منذ اندلاع الحرب، وتحديدًا بفعل تواتر ذكر اسمها في وسائل الإعلام المحلية بعد الحرب. وبادئ ذي بدء، من الجدير بالذكر أن هذه الهيئة تم تأسيسها للمرة الأولى في 2008، وفقًا لمرسوم وقعه الرئيس الروسي آنذاك، “ديميتري ميدفيدف”. وتتبع “روسكوماندوز”، وزارة التنمية الرقمية والاتصالات ووسائل الإعلام لدى الاتحاد الروسي. وتضطلع بأداء العديد من المهام والصلاحيات، التي يأتي من ضمنها، مراقبة حركة الاتصالات وحجب المواقع التي تحتوي على محتوى مُضلل، وبتنظيم مجالات تكنولوجيا المعلومات، والبريد الإلكتروني، والاتصالات، ووسائل الإعلام، ومعالجة البيانات الشخصية للدولة الروسية، وترخيص أنشطة البث التلفزيوني والإذاعي، وإصدار التصاريح لوسائل الإعلام الأجنبية للعمل في روسيا، ومراقبة وفرض التزام هذه المنصات بالعديد من اللوائح. وتقوم هذه الهيئة، تبعًا لذلك، بإصدار التعليمات وفرض الغرامات على المنصات المخالفة، وقد تصل قراراتها -في الكثير من الأحيان- إلى حظر المحتوى غير القانوني بشكل تام وفي أحوال أكثر خطورة إلى حظر الجهة المروجة للمحتوى.
وفي تقصٍ وجيز لقرارات هيئة “روسكوماندوز”، بخصوص منصات التواصل الاجتماعي، بدءًا من فترة ما بعد الحرب، نجد أنها أصدرت قرارًا بحظر موقع “فيسبوك“، اعتبارًا من تاريخ 4 مارس 2022. وأرجعت الهيئة قرارها إلى أن الموقع يمارس التمييز ضد وسائل الإعلام الروسية منذ عام 2020، وهو شيء لا يبيحه القانون الروسي. كما أوضحت الهيئة أن قرارها يأتي كرد فعل على تسجيل 26 حالة تمييز، منذ تاريخ أكتوبر 2020، ضد مصادر إعلامية روسية مثل: ريا نوفوستي، وسبوتنيك، وروسيا اليوم، ولينتا، وغيرها. وبالنسبة لموقع “تويتر“، فقد صدر بحقه قرار بإبطاء حركة مروره إلى أجهزة الكمبيوتر الثابتة بسبب تعمده نشر معلومات عن العملية العسكرية الخاصة من مصادر غير موثوقة، وقد دخل هذا القرار حيز السريان اعتبارًا من 1 مارس.
وبتاريخ 14 مارس من العام الجاري، أصدرت “روسكوماندوز”، قرارًا بتقييد الوصول إلى شبكة التواصل الاجتماعي “إنستجرام” نظرًا لما تحتوي عليه هذه الشبكة من مواد إعلامية تنطوي على دعوات لارتكاب أعمال عنف ضد مواطني الاتحاد الروسي، بما في ذلك أفراد عسكريون. ومن ناحية أخرى، أصدر تطبيق “تيك توك” الصيني، 6 مارس، قرارًا بتقييد تحميل مقاطع الفيديو الجديدة وبثها من داخل حدود الاتحاد الروسي، ويأتي ذلك انعكاسًا لمدى التزام الشبكة بالقانون الذي سبق ووقعه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بخصوص المسئولية الإدارية لنشر محتوى مزيف عن تصرفات القوات المسلحة الروسية والدعوة لفرض عقوبات ضد روسيا، حيث أصدرت شركة “تيك توك” بيانًا قالت من خلاله: “أولويتنا القصوى هي سلامة موظفينا ومستخدمينا، وليس لدينا خيار سوى تعليق النشر والبث المباشر في ضوء قانون الأخبار الكاذبة الجديد في روسيا”.
وترتب على القيود الحكومية التي استبعدت سائر مواقع التواصل الاجتماعي، انتعاش التركيز الجماهيري بشكل أكبر على موقع التواصل الاجتماعي الروسي الوطني “فكونتاكتي”، المملوك بالكامل لمجموعة “ميل.آر.يو”. فقد أعلنت الشبكة، 16 مارس، عن ارتفاع معدلات النشاط لدى مستخدميها بشكل غير مسبوق، حيث ارتفع عدد مشاهدات المقاطع المصورة على المنصة إلى نحو 715 مليون يوميًا، وزاد عدد المنشورات الشهرية بها بمعدل 10 أضعاف. ووفقًا لبيان الشركة، فقد تشارك المستخدمون في 15 مارس، منشورات تزيد بنسبة 95% بالمقارنة مع الأسبوع السابق له. وزاد عدد المجموعات المنشأة حديثًا بمعدل أربعة أضعاف المسار العادي لها، في غضون سبعة أيام فقط في الفترة ما بين 7-15 مارس. وبهذه الطريقة، ومن الممكن القول إن مستخدمي شبكات التواصل والمُعتمدين عليها لإدرار الدخل عليهم في روسيا، لم يعد في مقدورهم التعامل بعد الحرب سوى عبر منصتي “فكونتاكتي” أو “تليجرام” الروسيتين.
كيف تأثرت حياة أشهر مدوني روسيا بعد الحرب وتداعياتها؟
تعددت مصائر أشهر مدوني روسيا بعد الحرب، وتنوعت بشكل ينحصر فيما بين ثلاثة اتجاهات فقط؛ إما تدهور مالي كبير، أو هروب للخارج، أو اختفاء غريب ليس له ما يبرره. وفيما يلي نُلقي نظرة نتتبع من خلالها أبرز ما آلت إليه أحوال قائمة تضم عددًا من مشاهير المدونين الروس، بما في ذلك هؤلاء المؤيدين للحرب، والمعارضين لها، وغير المهتمين بالسياسة.
تدهور مالي:
بعد مرور أشهر على الحرب، يكافح مشاهير مدوني روسيا للبقاء على أقدامهم، خاصة بعد قرارات التقييد التي طالت تطبيق “تيك توك” باعتباره الموقع الذي يمنحهم القدرة الأكبر على كسب الأرباح في روسيا. فيما نتج عن قرارات الحظر أو التقييد القضاء تمامًا على أي مكاسب تذكر لدى صغار المدونين الروس. ومع رحيل العلامات التجارية الأجنبية عن روسيا، والتي كان هؤلاء عادة ما يعتمدون بشكل كبير على ريع إعلاناتها. بدأ المدونون الروس في فقدان نسبة كبيرة من دخلهم. وفقًا للخبراء، انخفض متوسط دخل الشخصيات العامة على الإنترنت بمقدار ثلاثة أرباع. وفي النقاط التالية نستعرض كيف جابه عدد من مشاهير التواصل الاجتماعي التدهور المالي والتهديدات بالإفلاس بعد الحرب، مع العلم بأن الأسماء الواردة بالقائمة التالية تحتوي على المشاهير غير المندمجين في أي أنشطة سياسية لا بالتأييد للكرملين ولا بالمعارضة:
1.فريق “إكس.أو” للمحتوى الترفيهي: يتمتع بعدد يبلغ نحو 38 مليون متابع على تيك توك. قرر أعضاؤه الانتقال من روسيا إلى لوس أنجلوس عقب الحرب. وتمت ترجمة جميع أعمال الفريق على “تيك توك” إلى اللغة الإنجليزية، ولم يعد هناك أي محتوى ينتمي لهذا الفريق باللغة الروسية إلا عبر صفحتهم الرسمية على موقع “فكونتاكتي”.
2.المُدونة فالنتينا كارنوخوفا، الشهيرة بـ”فاليا كارنافال”: بقيت في روسيا على الرغم من عدم قدرتها على إعادة بث مقاطع الفيديو مرة أخرى. غير أن استمرار قناتها على الموقع ساعدها على الحفاظ على وضعها المادي خلال هذه الفترة الصعبة. كما أن نشاطها عبر قناتها الخاصة على موقع “تليجرام”، الروسي، ساعدها على الحفاظ على مكانتها المالية.
3.المدون دانيا ميلوخين: يتابع قناته نحو 53000 شخص عبر تيك توك. قضى فترة الصيف في كازاخستان، حيث يستمر الشاب في إنتاج مقاطع فيديو لجمهور ناطق بالروسية ولكن من بُلدان أخرى غير روسيا. وكنتيجة لذلك، انخفضت المشاهدات بمعدل ثلاث إلى أربع مرات. الشاب يعتبر متخصصًا في المحتوى الترفيهي البعيد تمامًا عن مجال السياسة، وشارك بنشاط في محتويات ترفيهية مماثلة يتم إنتاجها من قبل جهات روسية، سواء إعلانات متلفزة أو عبر الإنترنت. آخر ظهور له عبر موقع “فكونتاكتي” يرجع إلى أواخر سبتمبر. يمتلك صفحة تحتوي على ما يزيد على 3 ملايين مُتابع على موقع إنستجرام.
4.المُدون رومان كاجرامانوف: بعد أن فقد القدرة على نشر مقاطع الفيديو على موقع تيك توك. تمكن رومان من التركيز مرة أخرى على مهاراته الفنية في الغناء. كما أنه لم يتوقف عن تصوير المقاطع المصورة الفكاهية. ووجه اهتماماته للعمل في تطبيق “فكونتاكتي”، التي يحصل فيها على نحو 138 ألف شخص في مجتمعه في هذه الشبكة.
5.المدونة “إسميرالدا دانيليفسكايا” الشهيرة بـ”إسمي”: تحتوي قناتها في تيك توك على نحو 2.9 مليون مشترك. تحدثت في أحد اللقاءات عن معاناتها من عدم وجود عقود إعلانية بعد تقييد نشر المقاطع على موقع التيك توك. لذلك اتجهت الفتاة للعمل على تطبيق “لايكي” و”تليجرام” بالإضافة إلى نشر مقاطع فيديو عبر موقع “فكونتاكتي”. أوضحت أنها تعيش الآن من ريع مدخراتها السابقة، وتحاول المتابعة كمغنية أملًا في الوصول إلى مستويات دخلها المادي السابق.
6.مدوّنة السفر أنجيلا بوليزهايفا: مدونة سفر ورحلات. كان بقاؤها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل الحرب كفيلًا بأن يدر عليها ملايين الروبلات. لكن وفقًا لها فقد شهدت عقب الحرب انخفاضات حادة في الإيرادات، وأوضحت أن الأزمة لا تكمن فقط في انخفاض الإيرادات فحسب، بل أيضًا في عدم قدرتها على تقديم ضمانات للمعلنين بأنها وفريقها سيقدرون على تقديم التغطية المطلوبة. وذلك نظرًا لأن أي معلن سيكون من الصعب عليه تقديم إعلانات مدفوعة على مواقع تشهد حظرًا في البلاد.
الهروب للخارج:
ترتب على إعلان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قرار التعبئة العسكرية الجزئية في 21 سبتمبر من العام الجاري، هروب العديد من مواطني روسيا الاتحادية كما هو معروف، بما في ذلك هروب مدونين من مشاهير البلاد. وهؤلاء نرصد أبرز أسمائهم في القائمة التالية، مع مراعاة ذكر توجهاتهم السياسية:
- حسين جاسونوف: مُدون ذو انتماءات تشير بوضوح لولائه للكرملين. يوجد على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي “فكونتاكتي”، العديد من الصور القديمة التي تجمعه بمسئولين روس كبار، مثل صورة مع عمدة موسكو سيرجي سوبانين بتاريخ 2018، وأخرى مع رمضان قديروف في 2018. في الوقت نفسه، شهدت صفحته على موقع “فكونتاكتي” اختفاء عن عالم السياسة، ولم يقم بنشر أي شيء في هذا الخصوص تقريبًا منذ بداية الحرب. فيما تعذر العثور على أي صفحات رسمية له على موقعي “تليجرام” أو “فيسبوك”. ويحتسب جاسونوف نفسه، وفقًا لكلماته، بأنه شخص وطني إلى حد التطرف. وعقب قرار التعبئة، رصدت قنوات مختلفة على تطبيق تليجرام صورًا لهذا المُدون أثناء هروبه باتجاه الحدود الجورجية. وتلقى بطبيعة الحال انتقادات لاذعة من جمهوره على هذا الهرب. وكان رده على الجمهور يتمثل في أغلب الأحوال بأنه ذهب في إجازة وسيعود في وقت قريب إلى روسيا.
- ميخائيل لازوتين: مُدون معروف بانتماءاته الموالية للكرملين وصاحب شعبية كبيرة عبر موقع “فكونتاكتي”. نقل شهود عيان أنباء عن فراره من البلاد باتجاه جورجيا عقب قرار التعبئة.
- نيكولاي سوبولييف: يحتفظ هذا المُدون لنفسه بقصة مثيرة للدهشة. إذ إنه من المُدونين ذوي التوجهات المعارضة النشطة للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وقد أعلن بنفسه، عقب قرار التعبئة، عن اعتزامه الهروب في اتجاه جورجيا، مؤكدًا أن هؤلاء الذين فروا من البلاد عقب قرارات التعبئة العسكرية ينبغي عليهم توديع وظائفهم ومدخراتهم للأبد. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن “سوبولييف” أقبل على هذا القرار عقب قيامه بعرض منزله في مدينة لينيجراد للبيع مقابل 72 مليون روبل. ولا يمتلك سوبولييف صفحة كبيرة الحجم على موقع “فيسبوك”، وآخر ظهور له عبر هذا الموقع يرجع إلى تاريخ ديسمبر 2019، بينما تعذر الوصول إلى أي قناة رسمية له على موقع التواصل “تليجرام”. لكن في الوقت نفسه، لديه صفحة كبيرة ونشطة على موقع “فكونتاكتي”، حيث يمتلك شعبية كبيرة ويتابعه نحو 361 ألف متابع. وتعكس مقاطعه المصورة على هذا الموقع توجهاته المعارضة تمامًا للعملية العسكرية. ويُعد واحدًا من قلائل المشاهير الروس الذين تحدثوا علانية عن معارضتهم للحرب بهذه الشراسة والقوة. ويذكر كذلك، أنه بتاريخ 11 أكتوبر، أوردت صحيفة لينتا خبرًا يتضمن عودة المُدون مرة أخرى إلى روسيا ودخوله البلاد بسهولة، وهو الخبر الذي يُضفي المزيد من لمسات الغرابة على مسيرة هذا الشاب، الذي أغرق صفحته على موقع التواصل الروسي بمقاطع مضادة للحرب، ومع ذلك لم يَلقَ من السلطات الروسية نفس درجة المعاملة التي عادة ما يتلقاها أي شخص يصرح علانية بتوجهاته المناوئة للحرب! خاصة مع الأخذ في الاعتبار المنصة التي يتم من خلالها التصريح بهذه التوجهات، منصة “فكونتاكتي” الروسية!
- المدون اليساري أندريه رودوي: غادر روسيا في أوائل أكتوبر الجاري، بعد أن تم توجيه اتهامات مناهضة للحرب ضده، وذلك على إثر قيامه بتداول منشورات مناهضة للحرب في مجموعات مغلقة على موقع التواصل الاجتماعي “فكونتاكتي”، والتي يديرها جنبًا على جنب مع عدد من النشطاء الآخرين.
ويوجد هنالك أيضًا قائمة بعدد من مشاهير مدوني روسيا، تعذر تتبع أنشطتهم فيما بعد الحرب، وهذه تنطوي على الأسماء التالية: مراد ليجيندا، وجريشا بولنوي، وباشا أوسادتشي، وناستيا زادزينسكايا، وهؤلاء من الممكن القول إنهم تواروا أو اختفوا عن الحياة على منصات التواصل الاجتماعي لأسباب غير معروفة.
.
رابط المصدر: