تراقب الولايات المتحدة باهتمام شديد ما يقوم به السعوديون والروس الذين يقودون معاً “أوبك بلس”. فالسعوديون يريدون أسعاراً أعلى للنفط لإرساء التوازن في ميزانيتهم، بينما يرغب الروس في أسعار مرتفعة للنفط، ولكنهم لا يريدون التأثير سلباً على هيمنتهم على السوق في مجال الغاز الطبيعي. وهذا الغاز الذي يشهد نقصاً فعلياً، يمكن استبداله بالنفط في أغلب الأحيان.
“هل تظن أن فصل الشتاء سيكون بارداً؟” إنه سؤال يحمل معنى مزدوج هذا العام. فسواء أكانت الحرارة فوق درجة التجمّد أو دونها، فمن المرجح بشكل متزايد أن تكون قدرتنا على إبقاء منازلنا وأماكن عملنا دافئة ستصبح محدودة بدرجة أكبر. وقد لا يكفي ضبط منظم الحرارة، حيث قد يكون هناك نقص فعلي في الوقود وأسعار مرتفعة أيضاً.
صحيح أننا نلجأ إلى “الأرجحية” بدلاً من “التأكيد”، ولكن مع ارتفاع سعر النفط الخام في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عند أعلى مستوياته منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014 – أي أقل بقليل من 80 دولاراً للبرميل – يجعل الجميع في حالة توتر.
وفي هذا الصدد، تراقب الولايات المتحدة باهتمام شديد ما يقوم به السعوديون والروس. فهم يقودون معاً “أوبك بلس”، الكارتل الذي يجمع الدول المنتجة القديمة في “أوبك” والمنتجة الكبيرة غير الأعضاء في المنظمة. وفي حين أن الحافز الاقتصادي الذي يحركها بسيط إلا أنه يتسبب بتوتر داخلي. فالسعوديون يريدون أسعاراً أعلى لإرساء التوازن في ميزانيتهم، والتي لا تتماشى مع طموحاتهم في التحول الاقتصادي. أما الروس فيرغبون أيضاً في أسعار مرتفعة للنفط، ولكن في معضلة يمكننا لمسها، فهم لا يريدون التأثير سلباً على هيمنتهم على السوق في مجال الغاز الطبيعي. وهذا الغاز الذي يشهد نقصاً فعلياً، يمكن استبداله بالنفط في أغلب الأحيان.
“أجل”. هذه إجابتنا لأولئك الذين يسألون عما إذا كنا نثق في الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الرياض. صحيح أنها فكرة لا تعجب الكثيرين منا، ولكنها السبب الذي يدعونا ربما إلى الأمل بأنه رغم التوقعات القاتمة، قد لا تسير الأمور كما نخشى. وكما أشار كاتب عمود في صحيفة “هيرد أون ذي ستريت” (Heard on the Street) في عدد صحيفة “وول ستريت جورنال” الصادر في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر: “… لا داعي للهلع في العالم الصناعي”.
وبالنسبة لإدارة بايدن، إنها أزمة محتملة لا ترغب في حصولها. فبعد تلقيها الانتقادات أساساً خلال الأسابيع الأخيرة لطلبها علناً من منظمة “أوبك” زيادة الإنتاج، في خطوة تتعارض مع ما يُعتبر صحيحاً لجميع أولئك الذين يتذكرون ارتفاع أسعار النفط في عام 1973، والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، فلن يساهم ذلك سوى في مفاقمة الشعور بالفوضى السياسية الناجمة عن الانسحاب من أفغانستان والعرقلة الدستورية وتراجع استطلاعات الرأي.
ما الذي حصل للنفط الصخري والغاز الصخري والاكتفاء الذاتي الأمريكي في مجال الطاقة؟ كان ذلك منذ زمن بعيد وكان مفهوماً تم إساءة فهمه. فمكانة الولايات المتحدة كمصدّر صافٍ لم تعادل الاستقلالية الطاقوية، وقد فقد النفط والغاز الصخري بريقهما لأن الكثير من الجهود تسببت بخسائر يرغب المستثمرون في تعويضها بدلاً من زيادتها. ورغم النقص المحتمل في الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة خلال فصل الشتاء القادم، إلّا أن الناقلات المملوءة بالغاز الطبيعي الأمريكي المسال ستنطلق عبر المحيط تلبيةً لعقود الإمدادات الموقّعة مع الزبائن في أوروبا وأماكن أخرى.
ربما يكون من السابق لأوانه بعض الشيء البدء بتوجيه أصابع اللوم، ولكن من المرجح أن تكون المعايير على النحو التالي: الانتقال إلى عالم الوقود ما بعد الأحفوري يحمل تحديات خاصة به، كما أن أنواع الوقود الجديدة لا تزال حلماً أكثر منه حقيقة. فواقع أن النفط والغاز، ناهيك عن الفحم، قد عفا عليها الزمن قد قللت من الاستثمارات في هذه المجالات على الرغم من أننا لا نزال بحاجة إليها. وبعبارات بسيطة، لماذا يتم الاستثمار في مشروع لن يؤتي ثماره قبل 20 عاماً من الآن بينما قد تنخفض الحاجة إلى الوقود بشكل كبير في غضون 10 أو 12 عاماً؟ وهل ستؤتي الجهود لتحويل الهيدروجين إلى وقود قابل للاستعمال (وأخضر) ثمارها في غضون 15 أو 20 عاماً – أو ربما لن يتحقق ذلك أبداً؟
لا شكّ أنه على المدى القصير سيستمر وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) بمفاجأتنا دائماً. فهل نحن في العالم الصناعي، وصلنا إلى نتيجة بالتعايش معه؟ وهل سينطلق الاقتصاد من جديد أم لا؟ من المحتمل أن تكون التداعيات على الطلب على الطاقة كبيرة، سواء من حيث ارتفاعه أو تراجعه.
وفي غضون ذلك، ومهما يحدث، فإننا نعود إلى الاعتماد على تلك الكلمة التي غالباً ما تكون مثيرة للجدل: “السوق”. ستوزع السلع والخدمات حيث يوجد طلب، لقاء ثمن. أما إذا كان الناس معجبون بهذا الثمن، فهذه مسألة أخرى. أنا شخصياً أتمنى أن يكون الشتاء معتدلاً (رغم أن منتجعات التزلج ستخالفني الرأي بلا شك).
.
رابط المصدر: