دائمًا ما يدور الحديث عن سعر صرف الجنيه المصري، خاصة وأن مصر من الدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير لتلبية احتياجاتها من السلع. وعند الحديث عن الاستيراد يكون أحد محاوره الأساسية سعر الدولار الجمركي، وكذا تثار العديد من التساؤلات والاستفهامات حول الدولار الجمركي، ماذا يعني؟ وما هو الفارق بينه وبين سعر الدولار المعلن من البنك المركزي؟ وماذا يعني رفعه وما هي النتائج المتوقعة أو المرجوة من ذلك الرفع؟
الدولار الجمركي
هو مصطلح اقتصادي يحدد على أساسه سعر الصرف الذي تحصل به وزارة المالية المصرية على ضرائبها ورسومها الجمركية للبضائع المستوردة، ومن ثم فهو ليس سعر الدولار الذي يحدد سعر استيراد السلعة لكنه يقتصر فقط على رسوم وضرائب وزارة المالية التي تُحصلها على تلك السلع وفقا للنشرة المقررة لأسعار الرسوم على كل سلعه. ومن ثم فمن البديهي يتفاوت تأثير رفع الدولار الجمركي على السلع وفقًا لحجم الضرائب والرسوم المقررة على السلع والذي يختلف باختلاف نوع السلعة.
بناء على ما سبق، ليس هناك علاقة تأثير مباشرة بين الدولار الجمركي وسعر الدولار الذي يستخدمه التاجر لاستيراد البضائع؛ فسعر الدولار الجمركي عادة ما يتم تحديده من خلال مصلحة الجمارك خلال نشرة دورية شهرية، ولكن وفقًا للوضع الحالي تم ربط تسعير الدولار الجمركي بسعر صرف الدولار في البنوك ليتم تحديد سعر صرف الدولار الجمركي شهريًا بناءً على سعر الصرف المُعلن من جانب البنك المركزي المصري، وهي سياسات مماثلة لتلك التي كان يتم تطبيقها قبل عام 2017، حيث كان الدولار الجمركي يُسعر يَوْمِيًّا وفقًا لسعر الصرف في اليوم السابق عليه، حتى قررت وزارة المالية تحديده بنفسها شَهْرِيًّا في وقت لاحق.
الأهداف والاسباب
تستهدف وزارة المالية من خلال عملها بمنظومة الدولار الجمركي مُحدد السعر مسبقاً وغير المتروك للسوق الحر ضبط الأسعار وربما التدخل لتخفيف الأثر على المواطنين، فتم التوجه نحو العمل وفقًا لتلك المنظومة لإضفاء مزيد من الاستقرار على أسعار السلع المستوردة وتنظيم السوق؛ بهدف حماية التجار والمواطنين من أي تغيرات يومية قد تحدث في سعر الجنيه المصري، هذا بالإضافة إلى التدخل في الأوقات الحاسمة ووضع سعر منخفض للدولار الجمركي لحماية المواطنين من آثار التضخم، وخاصة تضخم الغذاء والسلع الأساسية (وفقًا لتصريحات رئيس لجنة سلامة الغذاء بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية)، حيث أشار البيان الصادر عن تلك اللجنة إلى أن تأثير رفع الدولار الجمركي لن يكون كبيرًا، خاصة وأن معظم السلع التي يتم استيرادها تأتي من الاتحاد الأوروبي معفي الجمارك.
هدف آخر يقف خلف قرار وزارة المالية بتعديل تسعير الدولار الجمركي وهو تقليل الاستيراد للسلع غير الضرورية، والتحول نحو الضروريات والاحتياجات الأساسية للبلاد، خاصة وأنه تلاحظ ارتفاع الواردات بشكل كبير خلال شهر مارس 2022 ليصل إلى 7.7 مليار دولار مقابل 6.8 مليار دولار وفقًا لبيانات شهر فبراير، فيما كان التصدير عند مستوى 5.5 مليار دولار في شهر مارس 2022، وهو مبلغ كبير بالنظر إلى وضع السيولة من العملات الأجنبية بالسوق المصري والذي تأثر سلبيًا بعد الحرب في أوكرانيا[1]،.
فقد ترتب على هذه الحرب ارتفاع كبير في معدلات التضخم عالميًا، ومن ثم تحول الفيدرالي الأمريكي لتطبيق سياسات انكماشية لاحتواء ذلك التضخم، وهو الأمر الذي أثر بالشكل سلبيًا على استثمارات الأجانب في محفظة أدوات الدين المصرية (Portfolio investments)، وكان سببًا لإعادة تسعير الجنيه المصري وخفض قيمته للمحافظة على موارد الدولة من العملات الأجنبية.
يمكننا تحليل الأسباب التي بنت عليها وزارة المالية قرارها بتعديل الدولار الجمركي في عدة محاور، يتمثل المحور الأول منها في الحد من آثار التضخم، فقد سجل معدل التضخم السنوي في مصر 14.9 % خلال شهر أبريل من العام 2022، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، ويعود ذلك الارتفاع في التضخم إلى ارتفاع أسعار السلع عالميًا وعلى رأسها السلع الغذائية. ولفهم مدي أهمية تلك النسبة، فهي تتجاوز مستهدف التضخم السنوي الذي وضعه البنك المركزي لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7% +/- 2 % في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
أما المحور الثاني فهو يتمثل في السعي إلى تقليل الطلب على المنتجات المستوردة، وإتاحة فرصة أكبر للمنتجات المحلية للمنافسة، فتلك الزيادة في الدولار الجمركي سيترتب عليها زيادة في أسعار السلع المستوردة خاصة تلك التي يتم فرض رسوم جمركية مرتفعة عليها مثل الأجهزة المنزلية (الثلاجات والغسالات) والتي تصل نسبة الرسوم الجمركية المفروضة عليها إلى 60% من قيمة المنتج [2].
لكن وعلى الرغم من تلك الرسوم الجمركية فهي ليست مبررًا على الارتفاعات الكبيرة في الأسعار؛ إذ إن التقديرات تشير إلى أن الممارسات الاحتكارية للسلع تضيف ارتفاعًا بحوالي 25 –35% على أسعار السلع، وفي حال محاربة تلك الممارسات الاحتكارية تنخفض أسعار السلع بتلك النسبة على الفور.
التأثيرات
بالنظر إلى تأثير ذلك الرفع في سعر الدولار الجمركي فإنه يختلف وفقًا لنسبة الرسوم المفروضة على تلك السلعة والتي تتأثر وفقًا لنوع السلعة، لكن وبشكل عام فإن 85% من السلع المستوردة تصل رسومها الجمركية إلى 10% أو أقل، ومن ثم فإن التأثير على أسعار تلك السلع طفيف؛ إذ إنه يمكن أن يتم زيادة الأسعار بتلك النسبة أو أن يقوم المستورد باحتواء ذلك الارتفاع ضمن هامش الربح الخاص به.
أما نسبة 15% المتبقية فسيكون التأثير عليها أكبر، ويرتبط تصاعديًا وفقا لحجم الرسوم الجمركية المفروضة على تلك السلعة؛ فعلى سبيل المثال في حالة النظر إلى السلع الرفاهية ومرتفعة الأثمان مثل السيارات، فإن أثر رفع سعر الدولار الجمركي سيكون كبيرًا، لكن تأثير تلك الارتفاعات سيتفاوت وفقًا للمنطقة الجغرافية التي سيتم منها استيراد تلك السيارات.
فعلى سبيل المثال سترتفع أسعار السيارات الاتحاد الأوروبي بنسبة لن تقل عن 5%، أما السيارات الواردة من دول أخرى مثل الصين واليابان وكوريا وبسعة محركات أقل من 1600 سي سي فستزيد أسعارها بنسبة 10%، أما السيارات الواردة من نفس تلك المناطق وبسعة محركات أكبر من 1600 سي سي فستزيد أسعارها بنسبة 23%. تتأثر أيضًا الإلكترونيات أو السلع الترفيهية بشكل كبير على الرغم من أهمية تلك السلع في دفع مسيرة التحول الرقمي في مصر مثل أجهزة الحاسب الآلي.
يسهم ارتفاع الدولار الجمركي في زيادة أسعار السلع مما سيكون له أثر على تقليل الطلب محليًا على المنتجات المستوردة والنظر إلى المنتجات محلية الصنع، على الأقل في الوقت الحالي، قبل أن يعود سلوك المستهلك نحو السلع المستوردة مرة أخرى في حال ارتفاع الأجور، من ناحية أخرى من المتوقع أن يسهم سعر الدولار الجمركي الجديد في التحول نحو إيجاد مصدر آخر لاستيراد السلع من الأسواق التي تربطها اتفاقيات تجارية مع مصر وتمنحها إعفاءات جمركية (الأسواق الأوروبية) وهو ما سيدفع دول جنوب شرق آسيا بالتحديد إلى السعي نحو عقد اتفاقيات مع مصر تسمح لها بتصدير منتجاتها بإعفاءات جمركية أسوة بتلك السلع التي يتم استيرادها من أوروبا.
من جانب آخر فإن رفع سعر الدولار الجمركي سيرفع من تكاليف إنتاج السلع المحلية وهو ما سيكون له أثر على ارتفاع معدلات التضخم، ومن ثم فقد نرى توجها لرفع أسعار الفائدة من جانب المركزي المصري لمجابهة المعدلات المرتفعة من التضخم. لكن الناتج النهائي لتطبيق تلك السياسات يتمثل في توجه الدولة نحو مساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة للإنتاج، وإيجاد بدائل محلية قادرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة مرتفعة الأثمان، ومن ثم فهي حافز رئيس لزيادة الاستثمار محليًا، وزيادة الإنتاج والتصدير.
[1] https://tradingeconomics.com/egypt/imports
[2] https://arabic.cnn.com/business/article/2022/06/03/egypt-dollar
.
رابط المصدر: