استئناف الحرب على قطاع غزة: خطوة نحو استقرار أم انهيار حكومة “نتنياهو”؟

استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة ترتيب صفوف ائتلافه الحاكم مرة أخرى وتفادى انهياره، وذلك من خلال قرارات حاسمة اتخذها خلال شهر مارس 2025، يأتي على رأسها استئناف الحرب في قطاع غزة، وهو ما بدوره أدى إلى عودة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحكومة مع أعضاء حزبه “عوتسما يهودت” أيضًا، بعدما كان قد أعلن انسحابه، وإن لم يُؤخذ ذلك الانسحاب على محمل الجد سياسيًا، فضلًا إعلان كتلة حزب “الأمل الجديد” بقيادة جدعون ساعر اندماجها في حزب الليكود في الانتخابات المقرر عقدها في 2026، وهو ما عزز من قوة واستقرار الائتلاف اليميني الحاكم. وقد صاحب ذلك أيضًا تمكنه من تمرير ميزانية العام قبل انتهاء المهلة القانونية المحددة بنهاية مارس، في تصويت نال فيه دعم 66 نائبًا مقابل 52 في الكنيست، ما حال دون تفكك الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة كانت تلوح في الأفق.

ورغم أن هذه “المناورات السياسية” أرجأت شبح الانتخابات المبكرة فإن استطلاعات الرأي لا تزال تشير إلى تراجع شعبية “نتنياهو” وعدم الرضا عن سياساته في إدارة الحرب هو وائتلافه اليميني المتطرف. ومع تصاعد التحديات الأخرى المرتبطة بعودة الضغوط الشعبية التي يقودها أهالي الرهائن، وأيضًا التحدي المتعلق بمحاولات نتنياهو إقالة رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية للحكومة، فضلًا عن التحدي المرتبط بالوضع الحالي لعناصر الاحتياط في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة والجبهات الأخرى، وأيضًا المطالب المتعلقة باليمين الإسرائيلي مع حصوله على قبلة الحياة باستئناف الحرب، تبقى التساؤلات قائمة حول مصير حكومة نتنياهو واتجاهاتها المستقبلية.

1. اشتعال الجمهور الإسرائيلي مرة أخرى:

أدى قرار استئناف العدوان على غزة في 18 مارس 2024 إلى إثارة جدل واسع، حيث اعتبر أهالي الأسرى القرار بمثابة تخلٍ حكومي عن المسؤولية تجاه الأسرى والرهائن، وهو ما حفز العائلات لتنظيم احتجاجات للمطالبة بصفقة لتحرير باقي الرهائن بعد يوم واحد من استئناف الحرب. كما تصاعدت الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي ليس فقط للمطالبة بصفقة تحرير الأسرى والرهائن، بل للتعبير عن رفض السياسات التي أدت إلى تغييرات مؤسسية، مثل قرار إقالة رئيس “الشاباك” ومحاولة إقالة المستشارة القضائية.

ولم تقتصر التحركات على مجرد احتجاجات، بل تبلورت في دعوات رسمية من زعماء المعارضة، مثل يائير غولان ويائير لابيد، لتشكيل كتلة تهدف إلى إسقاط الحكومة “غير الشرعية” حسب وصفهم، والذي عكس توافقًا بين مطالب عائلات الرهائن والمجتمع المدني في مواجهة السياسات الحكومية. وقد تجسدت هذه التحركات في مشاركة جماهيرية واسعة؛ إذ شارك في مظاهرات نحو مئة ألف شخص في مدينتي تل أبيب والقدس. كما دعا زعيم المعارضة “لابيد” أيضًا إلى إنشاء لجنة تحقيق رسمية حول هجوم السابع من أكتوبر 2023، وأيضًا إلى تجنيد الحريديم بشكل عاجل وحماية النظام القانوني.[1]

وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل، فإن 69% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب في غزة مقابل اتفاق يفرج فيه عن جميع الرهائن المتبقين في القطاع، أمام 21% فقط يعارضون هذه الصفقة.[2] وعلى صعيد قضية قرار المحكمة العليا برفض إقالة رونين بار رئيس “الشباك”، فيعتقد 56.5% من عينة الاستطلاع أن على الحكومة الالتزام بقرار المحكمة. وحول ما إذا كان يتوجب على الاحتجاجات أن تتصاعد لتأخذ شكل “عصيان مدني” (مثل إغلاق الشوارع، الإضرابات، أو الامتناع عن دفع الضرائب)، في حال لم تمتثل الحكومة إلى قرار المحكمة، أظهرت النتائج أن 41% يؤيدون العصيان المدني ضمن هذا السيناريو.[3]

فضلًا عما سبق؛ أشارت استطلاعات الرأي حول مدى الثقة ب حكومة “نتنياهو” الحالية إلى أن 70٪ من المستطلعة آراؤهم لا يثقون بالحكومة، مقابل 27٪ قالوا إنهم يثقون بها. وحتى بين ناخبي الائتلاف الحكومي، قال 51٪ فقط إنهم يثقون بالحكومة، مقابل 36٪ قالوا إنهم لا يثقون بها.[4]

2. تداعيات قرارات الحكومة بإقالة رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية:

تزايدت الضغوطات الداخلية مع اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارًا بإقالة رئيس جهاز “الشاباك”، رونين بار، في 21 مارس 2025، وحجب الثقة عن المستشارة القضائية للحكومة، غيلي بهاراف ميارا، في 23 مارس، وانتهاءً بتشريع قانون تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة في 28 مارس، وذلك في إطار التغيرات الدستورية التي تسعى الحكومة إلى إقرارها منذ سنوات، وأيضًا يمكن اعتباره جزءًا من مشروع اليمين الإسرائيلي للسيطرة على مؤسسات الدولة، خاصة تلك المسؤولة عن فرض القانون.

وقد لاقت هذه القرارات اعتراضات واسعة؛ إذ تمثل ذروة التغول الحكومي على أجهزة فرض القانون. ويهدف رئيس الحكومة في الوقت الحالي أيضًا إلى تعيين مستشار قضائي غير متمرد على قراراته، وتدخل الإدارة التنفيذية في وضع مبررات قانونية تُسوغ سياساتها أمام المحكمة العليا وتؤمن لها درعًا يحميها من النقد القضائي. وتعد المستشارة القانونية “ميارا” هي الحصن الأخير في مواجهة هدم السلطة القضائية، لما لها من مواقف رافضة للإجراءات الفردية ومعارضة سياسات الحكومة ومنها رفض تعيين إيتمار بن غفير وزيرًا للأمن القومي، ومعارضتها لتشريع قانون مخفف لتجنيد الحريديم، وإصرارها على تشكيل لجنة تحقيق رسمية، إضافة إلى اعتراضها على إقالة رئيس “الشاباك”. [5]

من ناحية أخرى تتمثل الدوافع في إقالة “بار” في سعيه إلى فتح تحقيقات في مخالفات أمنية داخل مكتب رئيس الحكومة، حيث جاء تحقيق جهاز الشاباك، الذي حمل الحكومة مسؤولية إخفاقها في التعامل مع حماس، أكثر جرأة وتوسعًا من تحقيق الجيش الذي اكتفى بتحليل الفشل التكتيكي على الجبهة الجنوبية، واتهم جهاز الشاباك الحكومة بتبنّي منهجية تعتمد على احتواء الحركة مع تعزيز نفوذها في قطاع غزة، مما ساهم في تعميق الانقسام الفلسطيني، خاصةً بعد اقتراحه قبل أحداث 7 أكتوبر بتبني توجه مختلف شمل اغتيال قيادات الحركة.[6]

يعكس ذلك سعي الحكومة إلى تعيين شخصيات متماشية مع توجهاتها، والذي يظهر نية واضحة للقضاء على أي معارضة قانونية قد تواجه سياساتها، وتقويض استقلالية السلطة القضائية، وتظهر هذه التطورات أيضًا ارتفاعًا في مستوى المخاطر السياسية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية وتآكل الثقة في المؤسسات الحكومية وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي الأخيرة وأيضًا الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في المدن الكبرى في إسرائيل.

3. أزمة جنود الاحتياط وعرائض المطالبة بوقف الحرب:

بعد استئناف الحرب في 18 مارس الماضي؛ ارتفعت أعداد جنود الاحتياط الرافضين للالتحاق بالخدمة العسكرية على وقع عدم التزام الحكومة باتفاق وقف إطلاق النار وتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين، وأيضًا اعتراضًا على تعطيل تشريع قانون تجنيد الحريديم. تعززت الأزمة عندما رفض 50% من جنود الاحتياط الالتحاق بواحدتهم العسكرية؛ إذ يرى أغلب الجنود أنهم خدموا مئات الأيام في الحرب وقد أدى ذلك إلى مقتل الأسرى أنفسهم في قطاع غزة بدلًا من إعادتهم.

ولذلك أطلق هؤلاء الضباط والجنود عرائض للتوقيع رافضة لاستمرار الحرب، حتى وصل عدد الموقعين على هذه العرائض إلى 120 ألف جندي، منهم 10 ألف جندي احتياطي وجنود سابقون في الجيش، وأطباء عسكريين في الاحتياط انضموا مؤخرًا، كما أن 250 من ذوي الأسرى إسرائيليين وقعوا على عريضة لدعم جنود الاحتياط في مطلبهم وقف الحرب.[7] مما يشكل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية في توقيت حساس للغاية.

كما أن قرار رئيس الأركان، إيال زامير، بإقالة جنود الاحتياط في سلاح الجو الذين وقّعوا على رسالة اعتراض قد ألحق ضررًا بالمؤسسة العسكرية، وسيواجه الجيش صعوبة في تنفيذ خططه القتالية، وهو ما يفسر تعزيز انتشاره في جبهات القتال بوحدات من الجيش النظامي. [8] وقد حظيت هذه التحركات بدعم واسع من مختلف أطياف المجتمع الإسرائيليين، منهم  قادة عسكريون وسياسيون سابقون، وأكاديميون ونشطاء معارضون، وأكد الداعمون أن استمرار العمليات العسكرية يعرّض حياة الأسرى للخطر ويقوّض فرص إعادتهم بسلام. مما يشكل أزمة كبرى في الوقت الحالي أمام الجيش والحكومة معًا.

4. ضغوط “ترامب” لوقف الحرب:

تتجلى رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إنهاء الحرب في غزة من خلال الضغط المباشر الذي يمارسه على رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، حيث منحه “ترامب” مهلة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لتحقيق هذا الهدف وفقًا لما نقلته صحيفة “يديعوت أحرنوت”. ويمثل هذا الضغط جزءًا من استراتيجية ترامب الأوسع في السياسة الخارجية والتي تهدف إلى تقليل التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالحروب التي تدفع تكلفتها وتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها. [9]

تتزامن هذه الضغوط مع إعادة إحياء المفاوضات النووية مع إيران، مما يدل على أن “ترامب” ينظر إلى القضيتين كجزء من استراتيجية شاملة؛ إذ يرى أن تحقيق وقف إطلاق النار في غزة يُعزز موقفه في المفاوضات مع إيران وتقديم حل شامل للأمن الإقليمي، لأنه إذا تم إنهاء العدوان على غزة، فإن ذلك سيسهل على الولايات المتحدة التفاوض مع طهران من موقع أقوى. علاوة على ذلك، تعد قضية تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس جزءًا لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية؛ إذ يسعى ترامب إلى استغلال فرصة إنهاء الحرب في غزة كوسيلة لتحقيق تقدم في كل من ملف الرهائن والمفاوضات النووية.

وبالتالي تظهر تحركات ترامب الأخيرة أيضًا رغبته في الانتقال من الصراعات العسكرية إلى مسارات تنموية واقتصادية، يهدف إلى تقديم رؤية إقليمية جديدة تروج للتنمية والسلام الاقتصادي، وهو أمر يعكس سعي الولايات المتحدة للحفاظ على تنافسيتها أمام القوى الكبرى.

سجلت الساحة السياسية الإسرائيلية تحولًا ملحوظًا في القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال شهر مارس 2025، مما يضاعف الضغوط المفروضة عليها؛ هذه الضغوط ليست فقط ناتجة عن الحرب المستمرة في قطاع غزة، بل تعكس أيضًا تحديات داخلية وخارجية معقدة، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول مصير الحكومة الإسرائيلية الحالية، وما إذا كانت ستتمكن من الصمود أمام تلك الضغوط المتزايدة، أم ستواجه مصيرًا يعكس عدم استقرار الدولة ذاتها.

فمن الناحية السياسية، يبدو أن الائتلاف الحكومي قد حقق نوعًا من التعزيز الداخلي بالتأييد لفكرة استئناف الحرب على قطاع غزة، وهو ما يراه بعض أعضائه جزءًا من استراتيجياتهم للبقاء في السلطة. ومع ذلك فإن هذا التعزيز لم يخلُ من التحديات، مع الأخذ في الحسبان أن الوصول إلى انتخابات مبكرة أصبح ضعيفًا، خاصة بعد إقرار الموازنة في مارس، والتي كانت تمثل أحد العوامل التي قد تؤدي لفقدان شرعية الحكومة، وبالتالي بات “نتنياهو” قادرًا على المضي قدمًا في استراتيجيته للهروب للأمام، وتخطي  شبح الانتخابات المبكرة من خلال استئناف الحرب مقابل الموازنة، وهو ما يمثل “قارب نجاة” له سياسيًا.

على الصعيد المستقبلي، تبرز الخطوات التي تهدف إلى تشكيل الائتلافات المقبلة، مثل الاندماج المحتمل لحزب “الأمل الجديد” بقيادة جدعون ساعر مع حزب الليكود في الانتخابات القادمة في أكتوبر 2026، قد يشير إلى استراتيجيات فعلية قد تُجعل الانتخابات المقبلة في جعبة اليمين، مستندين إلى قوة قائمة مشتركة قد تكون قادرة على تقديم مزيد من الدعم لاستمرار حكومة “نتنياهو” او حكومة شبيهة. بناءً على ذلك تظهر التوقعات أن الانتخابات ستجرى في موعدها، مما يغير النقاش حول استمرارية الائتلاف إلى الحديث عن الشكل الذي سيتخذه في العام المقبل مع ظهور منافسين أقوياء أيضًا أبرزهم ” نفتالي بينيت” ووجود احتماليات مرتفعة لنجاحه.

وفي ضوء الضغوط الداخلية، تواجه الحكومة تحديات واضحة مستمرة، خاصة مع التحركات المعارضة لإقالة رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية، حيث يرى الكثيرون أن هذه القرارات أحادية الجانب، ولذلك تتسع دائرة المعارضة، بما في ذلك تأييد الرئيس إسحاق هرتسوج، والعديد من الرموز السياسية البارزة الأخرى، مع تصاعد هذه التوترات، قد تثمر المعارضة عن نتائج إيجابية وتأجل تنفيذ هذه القرارات، مثلما حدث مع التعديلات الدستورية المتعلقة بالإصلاحات القضائية في عام 2023.

فيما يخص الحرب على قطاع غزة وإعادة الأسرى، لا تبدو الآفاق مشرقة في الوقت الحالي، على الرغم من التحركات الشعبية الأخيرة واتساعها ودعم المعارضة السياسية لها بشكل كبير؛ إذ لا يُتوقع أنها ستُغيّر شيئًا في الاتجاه العام للحكومة. وفي حال تحققت صفقة لوقف إطلاق النار بشكل مؤقت أو لتبادل الأسرى، فمن المحتمل أن تكون نتيجة لضغوط أمريكية كبيرة، مع الأخذ في الاعتبار تأثير الضغط الذي فرضه “ترامب” على “نتنياهو” في وقت سابق. مع مراعاة الضغوط السياسية، خاصة من التيار اليميني المتطرف، الذي يجعل الكثير من السياسات تعكس أفكارًا متطرفة تؤثر على اتخاذ القرارات.

وبالتالي يمكن القول إن الحكومة الإسرائيلية تواجه أزمة داخلية معقدة؛ إذ يتعين على “نتنياهو” أن يوازن بين متطلبات تعزيز القوة العسكرية، مثل التشريع لقانون يتيح تجنيد الحريديم، وهو ما من شأنه أن يعالج النقص في الجنود، إلا أنه في الوقت نفسه يمكن أن يدفع الأحزاب الدينية للخروج من الحكومة، وفي ظل الأزمات الأخرى، سيجد “نتنياهو” صعوبة في الحصول على موافقات لاتخاذ قرارات أخرى، خاصة مع تهديد نواب من أحزاب دينية بعدم التصويت لصالح الموازنة في وقت سابق ما لم يعطَ الحريديم إعفاءات على سبيل المثال.

خلاصة القول؛ يتوقف مستقبل الحكومة الإسرائيلية على مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية الملحة في الوقت الحالي، مع الحفاظ على استقرار الائتلاف الحاكم، بالإضافة إلى أن أي زلزال سياسي قد يحدث نتيجة لهذه الضغوط قد يعرض حكومة “نتنياهو” لمخاطر كبيرة، قد تؤدي إلى عدم استقرار شامل سواء سياسي أو شعبي.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M