تشهد أوروبا تزايد في حجم التهديدات والمخاطر الأمنية، وهذا مايفرض أهمية التعاون الأمني داخل الاتحاد الأوروبي على مستوى التكتل وعلى المستوى الوطني. والتحديات الأمنية هذه تجعلها أن تراجع “هيكل ” الاستخبارات داخل الاتحاد الأوروبي، وسد الثغرات ويكون قادرا على مواجهة تلك التحديات. ومايميز عمل هيكل الاستخبارات داخل الاتحاد، انه مرن جدا وبعيد عن الروتين والبيروقراطية، وذلك من خلال المنصات والتطبيقات التي تسهل عمل الدول الأعضاء والمعنيين في استخراج وتغذية البيانات والمعلومات وذلك بالدخول المباشر.
اتخذ الاتحاد الأوروبي بالفعل وعلى مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، العديد من المبادرات لإنشاء آليات لنشر المعلومات الاستخبارية بين السلطات الوطنية وفيما بينها، وبلغت ذروتها في بوصلة استراتيجية جديدة للأمن والدفاع التي تم اعتمادها في مارس 2022، والتي تتمثل أحد أهدافها الرئيسية تحسين المعلومات المشاركة والتعاون الاستخباراتي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
هيكل الاستخبارات في الاتحاد الأوروبي
ظهرت أشكال مختلفة من التعاون الاستخباراتي في الاتحاد الأوروبي، تتميز بنهجها المتكامل وغير المتكامل مع الاتحاد الأوروبي. ويتم تنفيذ التعاون المتكامل من قبل الهيئات المنشأة على مستوى الاتحاد الأوروبي لجمع وتبادل المعلومات بشكل مشترك. أما التعاون غير المتكامل هو في الغالب تعاون غير رسمي بين أجهزة الاستخبارات في تحالفات ثنائية أو متعددة الأطراف.
وتكون وظيفة هيئات الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، أمنية واستراتيجية ويدعم مكتب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، عمل مجلس الاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب الذي يتبع له دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) ، ومنسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب .
بالإضافة إلى ذلك، توجد ثلاث هيئات استخباراتية داخل هيكل الاتحاد الأوروبي:
ـ مديرية استخبارات الأركان العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي (EUMS INT)
ـ مركز الاتحاد الأوروبي للاستخبارات(IntCen)
ـ مركز الأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي (SatCen) .
وفيما يلي وظائف أهم الهيئات الاستخباراتية في الإتحاد الأوربي:
– هيئة الاستخبارات (INTCEN) : تعمل هيئة الاستخبارات (INTCEN) منذ تأسيسها في 2002 ضمن الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية (EEAS)، وتتمثل مهمتها في تقديم التحليلات الاستخبارية وتقديرات المواقف عن تهديدات الإرهاب والأسلحة المتطورة التي تمتلكها عناصره وكذلك متابعة البؤر الساخنة عالمياً بما يمثل إنذار مبكر للمشكلات التي قد يتعرض لها الاتحاد ما يسهم في تشكيل الرؤى السياسية والأمنية لصناع القرار. ويعتبر عمل هيئة الاستخبارات ودورها حاسماً لأنه يجسد ما يجب أن يقف من أجله الاتحاد الأوروبي. إلا أن هيئة الاستخبارات تفتقر إلى قدرات جمع المعلومات الاستخبارية الخاصة بها، وتعتمد بشكل كامل على التعاون الطوعي ومساهمات الدول الأعضاء.
– مديرية استخبارات الأركان العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي (EUMS INT): هي وحدة الاستخبارات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي. حيث يقدم حوالي (40) فرداً في بروكسل تقديرات للوضع العسكري إلى هيئة الأركان العسكرية واللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي للمساعدة في عمليات صنع القرار والتخطيط لكل من المهمات المدنية والعمليات العسكرية.
– مركز الأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي (SatCen) : تأسس في عام 1991 بالتوازي مع السياسة الخارجية والأمنية المشتركة (CFSP) للاتحاد الأوروبي وهي أكبر وكالة شبه استخباراتية على مستوى الاتحاد الأوروبي، وتتلقى لجانها من هيئة الاستخبارات (IntCen)، وهيئة الأركان العسكرية والدول الأعضاء. وهي الهيئة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تولد بيانات استخباراتية أصلية بناءً على صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً لإعداد تقديرات الحالة المشتركة.
يضم المركز ما يقرب من (100) فرد، والتي تتعامل مع مسائل الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب. وتتمثل مهمتها في جمع وتقييم البيانات التي تم الحصول عليها من أجهزة الاستخبارات المحلية والأجنبية وكذلك من هيئات الاتحاد الأوروبي الداخلية. يتم تقديم النتائج والتحليلات السياسية والاستراتيجية إلى الممثل الأعلى ومجلس الاتحاد الأوروبي، لاستخدامها في عمليات صنع القرار الخاصة بهم. بالإضافة إلى ذلك، فهي تعمل كمركز اتصال، وتحافظ على اتصال وثيق مع قادة الاتحاد الأوروبي، وإدارات الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى المنظمات الدولية الأخرى.
– الوكالة الأوروبية يوروبول (Europol) : هي ركيزة مؤسسية لبنية الأمن الأوروبية اليوم. على الرغم من أن اليوروبول ليس لديه سلطة في المسائل الاستخباراتية، فإن إحدى وظائفه الرئيسية هي تعزيز التعاون الشرطي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال تبادل المعلومات. من خلال تقريره السنوي عن حالة الإرهاب واتجاهاته (TESAT)، يقدم اليوروبول مساهمة مهمة في تحديد التهديدات الإرهابية وتطوير استراتيجيات مضادة.
ويعمل اليوروبول (Europol) مع المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وفرق العمل الثنائية والمتعددة الأطراف المختلفة؛ المعنية بمكافحة الإرهاب، ووحدة التعاون القضائي الأوروبي، والإنتربول، والمعهد الأوروبي للشرطة، ورؤساء فرقة العمل المكونة من الشرطة ووكالة فرونتكس.
– معهد الدراسات الأمنية (EUISS): يختص المعهد منذ إنشائه في 2002 في باريس بتحليل القضايا السياسية والدفاعية والأمنية لمساعدة الدول الـ (27) الأعضاء في الاتحاد على تشكيل قراراتهم السياسية منفذاٍ لسياسة الدفاع المشترك (CSDP)، وذلك عن طريق ندوات سياسية واجتماعات بين المحللين السياسيين والعسكريين وصناع القرار ورجال الإعلام لتبادل المعلومات المختلفة. ينصب التركيز الرئيسي للبحوث حول أورو متوسط ـ الشرق الأوسط على التحديات الأمنية والاستراتيجية داخل المنطقة وآثارها على أوروبا والاتحاد الأوروبي.
أشكال التعاون والتحالفات الاستخباراتية الأوروبية
إلى جانب هياكل الاستخبارات المتكاملة مع الاتحاد الأوروبي، توجد تحالفات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تستند إلى هياكل تعاون ثنائية أو متعددة الأطراف. نظراًً لمرونتها واستقلاليتها، تعتبر هذه التحالفات الاستخباراتية غير الرسمية أكثر فعالية.
نادي برن ـ تأسس نادي برن منذ عام 1971 ويتألف من رؤساء جميع أجهزة المخابرات في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة المخابرات في النرويج وسويسرا، وهي هيئة غير رسمية هدفها تبادل المعلومات، وليس لديها بنية تنظيمية مثل سكرتارية ثابتة. واعتماداً على مجال السياسة المعنية (على سبيل المثال، التجسس المضاد، ومكافحة الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل)، يشارك خبراء مختلفون من الدول المشاركة في هذا المنتدى نصف السنوي لتبادل المعلومات السرية.
مجموعة مكافحة الإرهاب (CTG) ـ وهي في الأصل مجموعة عمل تابعة لنادي بيرن، رداً على أحداث 11 سبتمبر من أجل تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. تم تطوير المجموعة في عام 2016 لتصبح منصة تعاون دائمة لخدمات الأمن القومي في لاهاي، حيث يتم تمثيل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إن عمل CTG يعتمد على البيانات المقدمة من قبل أجهزة الاستخبارات الوطنية، ويتم استخدامها لتوليد تحليلات التهديدات المقدمة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
لماذا فشلت دول الاتحاد الأوروبي بتشكيل جهاز استخبارات موحد؟
إن كل هجوم إرهابي جديد على الأراضي الأوربية يثبت مدى حاجة دول الاتحاد الأوربي للتعاون في مجال الاستخبارات لمشاركة المعلومات الحساسة حول المشتبه بهم والكشف عن الهجمات المخطط لها في الوقت المناسب. وبسبب الهياكل عبر الوطنية للمنظمات الإرهابية، فإنه لا يمكن الحصول على المعلومات المطلوبة لذلك إلا من خلال التعاون وجمع المعلومات الاستخبارية وتقييمها عبر الحدود. وبالتالي برزت الحاجة لإنشاء جهاز استخبارات فوق وطني.
وكانت قد اقترحت المفوضية الأوروبية منذ 2015 فكرة “إنشاء وكالة استخبارات أوروبية، على منوال وكالة الاستخبارات الأمريكية”. ومع ذلك، فإن المكانة المتأصلة لأجهزة المخابرات كعنصر أساسي في الدولة الوطنية والإملاءات المرتبطة بذلك (مثل حماية المصادر السرية) خلقت عقبات سياسية وقانونية أمام التعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي.
فشلت دول الاتحاد الأوروبي بإنشاء جهاز استخباراتي مشترك في مواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة داخل أوروبا، وذلك مرده “غياب الثقة” بين بعض الدول الاوروبية من جهة، و”تزعزع الثقة” أحياناً بين دول أوروبية من جهة أخرى، كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي التي تعتبر ليس فقط شريكاً سياسياً واقتصادياً، وإنما أمنياً أيضاً، زعزع الاركان الأمنية داخل الاتحاد الأوروبي، وأدى الى تراجع فكرة التعاون الأمني والاستخباراتي المشترك داخل جهاز موحد، ليعيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسم الخريطة الأمنية الأوروبية من جديد.
ليتم رفض الاقتراح في نهاية المطاف، ليتم تعويض ذلك باقتراح إنشاء منصة افتراضية لتبادل المعلومات، بالإضافة إلى الاعتماد مبدأ التعاون الاستخباري من خلال منصات الاتحاد وكذلك اليوروبول.
تقييم
– ان إنشاء هيئة الاستخبارات (INTCEN) كمنصة استخباراتية ومنتدى تعاون، من حيث المبدأ، هو خطوة صحيحة في التعاون الاستخباراتي بين دول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من المهم إنشاء وكالة استخبارات أوروبية، يكون فيه ممثلون رفيعو المستوى من مختلف الأجهزة الأمنية قادرين على تبادل وجهات النظر حول الموضوعات الرئيسية التي تم ترتيبها مسبقًا. وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن اتباع نهج منسق وأكثر استراتيجية، وبالتالي، أساليب عمل أكثر استهدافاً.
– بات متوقعاً،استمرار تهديدات الأمن الدولي والتي من شأنها تعتبرأيضاُ تهديداُ لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – وإن لم يكن بنفس الدرجة. وعليه، إن السياسة الأمنية الأوروبية المشتركة يجب أن تجد استجابة، ويجب حماية القرارات ذات الصلة التي يتخذها الاتحاد الأوروبي في مجالات السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية من خلال تقييمات موثوقة للحالة تم إنشاؤها على أساس المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها.
– إن التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي يكون مرتبط بشكل كبير بتعزيز العلاقات السياسية المتبادلة وتجاوز الخلافات السياسية في سبيل تحقيق الأمن الأوروبي المشترك. بالتالي، فإن من المفترض على دول الاتحاد الأوروبي توحيد أنظمتها القانونية المتعلقة بالأمن والاستخبارات من أجل مهمة ونشاط أجهزة الأمن الأوروبية من تكثيف تعاونها وتنسيقها في مواجهة المخاطر الأمنية داخل اوروبا.
– هناك شرط أساسي للتعاون الوثيق والفعال بين الدول الأعضاء وهو زيادة الدعم الوطني لهياكل استخبارات الاتحاد الأوروبي بالموارد المالية والتقنية، استناداً إلى المعايير الوطنية وتوظيف خبراء تكنولوجيا المعلومات المؤهلين من الدول الأعضاء، سيكون من المهم الاستفادة من الابتكارات في تكنولوجيا المعلومات .
هوامش
A European Intelligence Service?: Potentials and Limits of Intelligence Cooperation at EU Level
https://bit.ly/3qERNE5
EU ISS – European Union Institute for Security Studies
https://bit.ly/3RXoxo0
The European Union Military Staff (EUMS)
https://bit.ly/3QLvG9R
Future Shocks 2022: Consolidating EU internal security
https://bit.ly/3eEDVHd
الاستخبارات الأوروبية تريد إنشاء شبكة لتبادل المعلومات في حربها ضد الإرهاب
https://bit.ly/3xoqyBG