استخدام إفريقيا مسرحًا للأغراض والأهداف الروسية

جوزيف سيغل

ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو

 

على الرغم من الاضطراب الناجم عن استخدامها لتكتيكات غير منتظمة في إفريقيا؛ سمحت قمة روسيا – إفريقيا لروسيا بتقديم نفسها من أعلى منصة جيواستراتيجية. من خلال قدرتها على استقطاب 43 رئيس دولة إفريقية في قمة روسيا – إفريقيا الأولى في عام 2019م؛ على أمل كبير في أن تصبح روسيا مصدرًا جديدًا للاستثمارات والتبادل التجاري للقارة الإفريقية.

وقد وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمضاعفة التبادل التجاري مع إفريقيا ليصل إلى 40 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة.

وفي المقابل؛ تراجع التبادل التجاري للقارة مع روسيا إلى 14 مليار دولار. كما ظل التبادل التجاري غير متكافئ؛ لأن روسيا تُصدِّر إلى إفريقيا أكثر مما تستورد منها بحوالي سبع مرات، كما أن 70% من هذا التبادل التجاري محصور مع أربع دول إفريقية فقط؛ هي: مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك تزداد ضآلة استثمار روسيا في إفريقيا؛ فهي تُمثِّل واحدًا في المئة فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة التي تحتوي على مواقع واعدة للاستثمار؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- جزيرة موريشيوس التي تعتبر مكانًا مليئًا بفرص الاستثمار الأجنبي المباشر في قارة إفريقيا.

ورغم وجود عدد كبير من الفرص الاستثمارية المتاحة أمام روسيا في إفريقيا؛ إلا أنه انخفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا من 2,3 تريليون دولار في عام 2013م، حتى وصل إلى 1,8 تريليون دولار في عام 2021م، وهو ما يعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك.

وعلى الرغم من الروابط الاقتصادية المتضائلة مع القارة؛ إلا أنه زاد التأثير الروسي في إفريقيا بسرعة منذ قمة روسيا-إفريقيا الأولى. حدث ذلك بشكل كبير من خلال استخدام وسائل غير منتظمة، بما في ذلك دعم النظم المعزولة والمستبدَّة؛ من خلال نشر قوات متعاقدة من مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، والتدخل في الانتخابات، ونشر المعلومات المضللة، وصفقات الأسلحة مقابل حصول روسيا على الموارد الطبيعية الحيوية التي تملكها الدول الإفريقية.

كل تكتيك من هذه التكتيكات يقوِّض أحوال البلد الإفريقي الذي يُنفَّذ فيه. وبشكل متوقع، فإن نصف الدول المتأثرة بنفوذ روسيا في إفريقيا تقع في حالة صراع داخلي. كما قامت روسيا بتقويض عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الدول الإفريقية، خاصةً في الدول التي تسعى للتأثير فيها، مما يزيد من حجم الاضطرابات الداخلية الموجودة في تلك الدول.

من ناحية أخرى؛ تسعى موسكو لكسب رضا هذه الأنظمة؛ من خلال حمايتها من العقوبات الدولية المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية التي ارتكبتها. ومن غير المفاجئ أن الدول الإفريقية التي تشارك فيها روسيا بشكل أكبر لديها نقاط ديمقراطية متوسطة تبلغ 19 من 100 على مقياس “فريدم هاوس” بينما يصل المتوسط ​​في الدول التي تشارك فيها بشكل أقل إلى 51 من 100.

وقد تدهور الأمن بشدة وتفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان في كل الدول الإفريقية التي ينتشر فيها عناصر فاغنر. وفي المجتمعات التي تمكَّن فيها عناصر فاغنر من الوصول إلى مناجم التعدين؛ حيث تم تهجير السكان من منازلهم للسماح بفاغنر بضم تلك الأراضي بشكل فعلي إلى رقعة نفوذها.

انتصار رمزي لموسكو:

تمنح القمة الأخيرة موسكو مكاسب واضحة؛ حيث إنها تنقل تصورًا للعودة إلى الوضع الطبيعي بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد بوتين، والانتفاضة الفاشلة لقائد فاغنر ييفغيني بريغوزين. كما تعطي القمة انطباعًا عن أن روسيا ليست مُدانة، بل تحظى بدعم ضمني من قادة الدول الإفريقية على الرغم من انتهاكاتها للقانون الدولي، وكما لو أنه لا يوجد ما يدعو للقلق.

لن تتردد روسيا في استخدام القمة لادعاء أن العقوبات الغربية تعرقل صادرات الطعام والأسمدة الروسية (والأوكرانية) إلى إفريقيا؛ وذلك للتحايل على مسؤوليتها الخاصة في إثارة الاضطرابات في إمدادات الحبوب العالمية. ويشمل ذلك قصف روسيا لميناء أوديسا الأوكراني في الأيام القليلة قبل عقد القمة؛ بعد أن تم تحميل الحبوب التي كانت مقررة للإرسال إلى إفريقيا.

تُسلِّط القمة الضوء أيضًا على أهمية إفريقيا المتزايدة في السياسة الخارجية الروسية. ففي الواقع، تظل إفريقيا القارة الأكثر ترحيبًا للمشاركة الروسية؛ كما أنها أيضًا المنطقة الأقل قابلية لانتقاد موسكو بسبب حربها في أوكرانيا. وقد قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة إفريقيا على الأقل ثماني مرات منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في مارس 2022م.

وعلى الرغم من ضآلة الروابط الاقتصادية بين روسيا وإفريقيا وكونها متواضعة؛ إلا أن القارة تمنح روسيا مركزًا عالميًّا يُتيح لها الاعتزاز بموقف جيواستراتيجي أكثر أهمية مما يبدو عليه. وفي الواقع، تُعتبر إفريقيا أكثر أهمية بالنسبة لروسيا مما هي عليه بالنسبة لروسيا.

مكاسب إفريقية نسبية:

ربما تكسب إفريقيا بعض استثمارات ضعيفة، في مقابل تطبيع الدكتاتورية، وتعزيز الاضطراب والتدخل في الشؤون المحلية والداخلية؛ ولا يبدو أنها استراتيجية ناجحة لبناء شراكة طويلة الأمد.

والسؤال المُلِحّ هنا: لماذا يرغب القادة الأفارقة في أن يظهروا ويشاركوا في قمة سانت بطرسبرغ؟ لا يتعلق الأمر فقط بعدم الموافقة على الغزو الروسي لأوكرانيا، إنه صراع يبدو بعيدًا جدًّا. ولكن لماذا يستمر القائد الإفريقي في التعاون مع جهة أجنبية يكثر اتهامها بتعكير استقرار القارة؟

في حالة تم تقييم الأمر على أنه يحدث مراعاةً للمصالح الوطنية؛ فهذا ليس مقنعًا تمامًا. فالاضطرابات الناجمة عن التكتيكات غير المنتظمة لروسيا تهدِّد بالتسرب خارج الحدود. فضلاً عن أن الطريقة والمدى الذي تمكنت به روسيا من الحصول على النفوذ في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وليبيا أدت إلى خلق مزيد من الأزمات في القارة، وتم انتهاك القانون الدولي، بهذه الطريقة، تضر إفريقيا سُمعتها كوجهة موثوقة لجذب الاستثمارات والشراكات الدولية.

وتهدف عمليات التأثير الروسية عادةً إلى مساعدة النظام (عادةً ما يكون نظامًا مستبدًّا) على البقاء في السلطة. وغالبًا ما تكون الصفقات الضبابية في المجالات المعدنية والعسكرية جزءًا من هذه الحزمة. يقبل الزعماء الأفارقة الذين يستفيدون من هذه التكتيكات هذه الفرص الروسية، بينما المواطنون العاديون هم الخاسرون الكبار من هذه الاتفاقات الحصرية، من حيث زيادة الضرائب وقلة الاستقرار، وزيادة السياسات القمعية.

من جهة أخرى؛ يعتبر بعض القادة الأفارقة تعاونهم مع روسيا بمثابة وسيلة للحصول على دعم أكثر من دول الغرب. ويأتي ذلك من اعتقاد قلة، ربما بطريقة ساذجة، أن مشاركتهم ستعطيهم فرصة حقيقية للحصول على استثمارات روسية أو تشجيع مشاركة روسية أكثر بناءة في القارة. 

استراتيجية روسيا لاستقطاب الطبقات الحاكمة:

إن استراتيجية روسيا في استقطاب النُّخَب تُوسِّع الهوة بين مصالح القادة الأفارقة ومصالح مواطنيهم الذين يطالبون بانتظام بالمزيد من الديمقراطية، وخلق فرص عمل، والحفاظ على سيادة القانون، بينما تهدد الأنشطة الروسية في إفريقيا كل ذلك.

وتسلط “الهوة بين المصالح” للقادة الأفارقة ومصالح المواطنين الضوء على تغيير آخر مهم منذ قمة عام 2019م، ألا وهو أن هناك مزيدًا من الحكومات اتجهت للنهج الاستبدادي، نتيجة حصولها على الدعم والتدخل الروسي. بالتالي، فإن معظم القادة الأفارقة لن يعملوا على تعزيز الإصلاحات العملية التي تُعدّ من أولويات المواطنين؛ من حيث الحوكمة والتنمية والأمن. وبالتالي، سيحتاج تنفيذ هذه المصالح إلى مشاركة المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والنظام القضائي المستقل بدلاً من القادة.

في النهاية لقد تغيَّرت أشياء كثيرة منذ آخر قمة روسيا-إفريقيا، بما في ذلك حقيقة أن روسيا كشفت بوضوح عن خططها وسعيها لتشكيل جديد للقارة. ومع ذلك، ستستخدم موسكو هذا الاجتماع في سانت بطرسبرغ لتصويره بصورة الحريص على المصالح المشتركة بين روسيا وإفريقيا. لكن لا يزال السؤال الأساسي للمواطنين الأفارقة هو: هذه المصالح تخدم مَن؟

_______________________________

 المقال الاصلي:

https://africacenter.org/fr/spotlight/de-lusage-de-lafrique-comme-scene-au-sommet-russie-afrique/

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M